منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

الرعاية الاجتماعية لركب الحج| الرعاية الاجتماعية في عهد بني مرين

الدكتور عبد اللطيف بن رحو

0

الرعاية الاجتماعية لركب الحج| الرعاية الاجتماعية في عهد بني مرين

الدكتور عبد اللطيف بن رحو

يمكنكم تحميل كتاب العمل الاجتماعي في عهد الدولة المرينية (1244 – 1465م) من الرابط التالي

كتاب”العمل الاجتماعي في عهد الدولة المرينية (1244 – 1465م)

المبحث الثامن: الرعاية الاجتماعية لركب الحج

يعد الحج ركنا من أركان الإسلام الخمسة، وهو فريضة على كل مسلم لمن استطاع إليها سبيلا. يقول تعالى: ﴿وَأَذِّن فِے اِ۬لنَّاسِ بِالْحَجِّ يَاتُوكَ رِجَالا وَعَلَيٰ كُلِّ ضَامِر يَاتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيق﴾ [سورة الحج الآية:25]، فالحج هو قصد بيت الله الحرام. وصار لفظ الحج علما بالغلبة على الحضور بالمسجد الحرام لأداء المناسك. ومن حكمة مشروعيته تلقي عقيدة توحيد الله بطريق المشاهدة للهيكل الذي أقيم لذلك حتى يترسخ معنى التوحيد في النفوس، لأن للنفوس ميلاً إلى المحسوسات ليتقوى الإدراك العقلي بمشاهدة المحسوس. فهذا أصل في سنة المؤثرات لأهل المقصد النافع.
وخطاب إبراهيم عليه السلام دلالة على أنه كان يحضر موسم الحج كل عام يبلغ الناس التوحيد وقواعد الحنفية. وقوله «رجالا وعلى كل ضامر» دلالة على اعتبار التوزيع بين راجل وراكب، إذ الراكب لا يكون راجلا ولا العكس. والمقصود منه استيعاب أحوال الآتين تحقيقا للوعد بتسيير الإتيان المشار إليه بجعل إتيانهم جوابا للأمر، أي يأتيك من لهم رواحل ومن يمشون على أرجلهم.

وسئل النبي ﷺ «أي الأعمال أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله، قيل ثم ماذا؟ قال جهاد في سبيل الله، قيل ثم ماذا؟ قال: حج مبرور.»
والحج اقترن بأفضل الأعمال مقارنة بالإيمان بالله ورسوله والجهاد في سبيل الله، لأن عبادته تستوجب المشقة والعناء والجهد والصبر.

وقد ذهب القــــرطبي إلى أنه لا خــــلاف في جـــواز الركــــوب والمشي، واختلف في الأفضــــل منها، فذهب مالك والشافعي إلى أن الركوب أفضل اقتداء بالنبي ﷺ، ولكثرة النفقة، ولتعظيم شعائر الحج بأهبة الركوب. وذهب غيرهم إلى أن المشي أفضل لما فيه من المشقة على النفس.
ونخص بالذكر أن رحلة الحج إلى بيت الله التي لاقت اهتماما كبيرا من قبل السلطات المرينية من سلاطين وأمراء، فكلما استقرت الأوضاع السياسية وقويت السلطة المركزية ازدادت العناية بركب الحج، وكبر حجمه، وتعددت طوائفه، كما كان لهذه الرحلات الحجية الآثار الاجتماعية. فرحلة الحج بطبيعتها ذات أهداف دينية في صميمها، فهي كغيرها تعد ظاهرة اجتماعية تدخل في نظام عام وفي إطار اجتماعي، مما أكسبها قوة وأضفى عليها صبغة المجد والاحترام والتقدير والسمعة الطيبة، حتى ولو اصطبغت بالصفة السلطانية، فهي لا يمكن أن تأتي عن طريق الفرد وحده، بل تنتج عن روح الجماعات وتفاعل الطبقات المختلفة في المجتمع السائد بين الناس، فالباعث لهذه الرحلة مهما ظهر دينيا محضا فقد امتزج بقوة اجتماعية قد تختفي وراءه في الظاهر ولكنها تظل تحركه وتنميه فيتعاونا معا على خلق الدافع للرحلة إلى الحج.

المطلب الأول: مفهوم الركب والحج

  • الفرع الأول: الركب لغة

من رَكِبَ يَرْكَبُ رُكُوبًا، والركب في الأصل هو راكب الإبل خاص، ثم فأطلق على كل من ركب دابة. وقول علي كرم الله وجهه: ما كان معنا يومئذ فرس إلا فرس عليه المقداد بن الأسود، يصحح أن الركب ههنا ركاب الإبل، والجمع أركب وركوب.
وقيل ركبه كسمعه، ركوبا ومركبا: علاه. الراكب للبعير خاصة جمع ركاب وركبان وركوب. والركب ركبان الإبل، اسم جمع أو جمع وهم العشرة فصاعدا، وقد يكون للخيل جمع أركب وركوبا. والرِّكاب، ككتاب: الإبل، واحدتها: راحلة جمع ركابات وركائب.
وجاء في المعجم الوسيط الركاب للسرج: ما توضع فيه الرجل وهما الركبان والإبل المركوبة والركب العشرة فما فوق جمع أركب وركوبا.

  • الفرع الثاني: الحج لغة

الحج القصد. حج إلينا فلان أي قدم وحجه يحجه حجا: قصده. وحججت فلانا واعتمدته أي قصدته. ورجل محجوج أي مقصود. والحج قصد التوجه إلى البيت بالأعمال المشروعة فرضا وسنة تقول حججت البيت أحجه حجاً إذا قصدته، وأصله من ذلك.
وقيل الحج: القصد، والكف، والقدوم، وسبر الشجة بالمحجاج: للمسبار، والغلب. بالحجة وكثرة الاختلاف والتردد، وقصد مكة للنسك، وهو حاج وحاجج جمع حُجاج وحَجِيج وحج.
الحج أحد أركان الإسلام الخمسة وهو القصد في أشهر معلومات إلى البيت الحرام للنسك والعبادة. وينقسم إلى قسمين الحج الأكبر هو الذي يسبقه الوقوف بعرفة. والحج الأصغر الذي ليس فيه وقوف بعرفة، ويسمى العمرة.

  • الفرع الثالث: ركب الحج في الاصطلاح

ركب الحج هو الذي يضم مجموعات من الناس يسيرون متحدين أو متفرقين في البر أو البحر حتى الوصول إلى بلاد الحرمين.
أما ركب الحج المغربي فينطلق من المغرب يترأسه أمير برسم خاص من سلطان البلاد.
والركب المغربي يضم خمس ركاب: 1 -الركب السجلماسي.2 -الركب الفاسي.3 -الركب المراكشي. 4 – الركب الشنقيطي.5 – الركب البحري.

المطلب الثاني: ركب الحج المغربي ورعايته في العهد المريني

مما لا شك فيه أن الكتب التاريخية خصوصا التي أرخت للدولة المرينية أولت عناية خاصة بالتاريخ لركب الحج المغربي، وواكبت تفاصيله منذ انطلاقه من المغرب في اتجاه الأراضي المقدسة مكة المكرمة، والمدنية المنورة، إلى غاية رجوع هذا الركب المغربي إلى الأراضي المغربية.

  • الفرع الأول: ركب الحج في عهد السلطان يوسف بن يعقوب المريني

يرجعنا التاريخ إلى فترة السلطان يوسف بن يعقوب بن عبد الحق المريني، حين استولى على المغرب الأوسط وقضى على دولة بني عبد الواد، الذين كانوا يعوقون تقدم القوافل المتوجهة نحو مصر والمشرق العربي، وبذلك عندما نقل الحكم في المغرب الأوسط إلى المرينيين وجدت رغبة عند عامة الناس للقيام بالحج على اعتبار أن الحج من أركان الإسلام التي يتم بها إسلام المؤمن إذا توفرت لديه الاستطاعة، لهذا كان تحقيق هذه الرغبة بالنسبة له شيئا واجباً.
يقول ابن خلدون: «لما استولى السلطان (يوسف بن يعقوب) على المغرب الأوسط بمماليكه وأعماله، وهنأته ملوك الأقطار وأعراب الضواحي والقفار، وصلحت السابلة ومشت الرفاق إلى الآفاق، واستجد أهل المغرب عزما في قضاء فرضهم، ورغبوا من السلطان إذنه لركب الحاج في السفر إلى مكة.»
أما الرعاية التي أولاها السلطان يوسف لركب الحج أنه أمر باستنساخ مصحف في غاية الصنعة وجعله وقفا على الحرم الشريف. وجعل لركب الحج حماية من آفات الطريق، وكتب كتابا لملك مصر يوصيه بأهل الركب خيراً. ومد يده السخية لركب الحج بالعطاء والمبرات التي تكفيهم لأداء فريضة الحج.
يقول ابن خلدون: «فأمر باستنساخ مصحف رائق الصنعة، كتبه ونمقه أحمد بن الحسن الكاتب المحسن، واستوسع في جرمه وعمل غشاءه من بديع الصنعة، واستكثر فيه من معالق الذهب المنظم بخرزات الدر والياقوت… إلى أن قال: فسرح معهم حامية من زناتة تناهز خمسمائة من الأبطال، وقلد القضاء عليهم محمد بن رغبوش من أعلام أهل المغرب، وخاطب صاحب الديار المصرية واستوصاه بحاج المغرب من أهل مملكته، وأتحفه بهدية من طرف بلاده استكثر فيها من الخيل العراب والمطايا الفارهة.»
ويذكر لنا ابن أبي زرع الأموال التي بعثها السلطان يوسف بن يعقوب مع ركب الحج برسم التفريق على أهل مكة والمدينة المنورة.
يقول ابن أبي زرع: «وبعث أموالاً كثيرة برسم التفريق على أهل مكة والمدينة، وبعث إلى الملك الناصر بأربعمائة جواد من عتاق الخيل بجهازاتها برسم الجهاد وغير ذلك من النفائس والذخائر.»
وبما أن هذا الركب كان أول بعثة مرينية، فقد أولى السلطان يوسف بن يعقوب المريني اهتماما بالغا وخاصا بتنظيم وتجهيز تلك البعثة.
وكان هذا الركب يسمى بالركب الفاسي، لأنه كان يخرج من فاس ويرجع تأسيسه إلى أوائل الدولة المرينية كما سبق على يد السلطان يوسف بن يعقوب المريني، سنة 708ه ثم استمر يذهب للمشرق حتى القرن المنصرم.

  • الفرع الثاني: ركب الحج في عهد السلطان أبي الحسن المريني

في عهد السلطان أبي الحسن المريني ازداد الاهتمام بركب الحج، وتسخير الإمكانيات المادية الوفيرة له. وكان هذا دأب السلاطين خصوصا لضعفاء وفقراء الحجاج، الذين تشتاق نفوسهم لزيارة البقاع المقدسة.
أعطى السلطان أبو الحسن المريني الركب الذي حج مع الأميرة مريم المرينية ما يأتي: لقاضي الركب ثلاثمائة وكسوة ولقائده أربعمائة وكساوي متعددة ومراكب سنية- بغلات- ولشيخ الركب خمسمائة ولجماعة الضعفاء من الحاج ستمائة، ولما رافق أبو المجد ابن أبي مدين كاتب السلطان أبي الحسن وسفيره ركب عام 745ه. كان شأنه عجيبا في الإنفاق على المستضعفين من الحجاج.
كما كانوا يؤسسون ببعض المدن زوايا ليجتمع فيها الحجاج حتى يخرجوا منها للالتحاق بالركب ومن هذا زاوية الحجاج التي كانت قائمة بمكناس لعهد بني مرين، ونحوها يوجد بفاس.
ويذكر لنا الدكتور محمد المنوني صورة للكرم والإحسان الفائق والمتمثل في العطاءات والهدايا النقدية التي توهب من طرف ملوك المغرب لتوزع على أهل الحرمين الشريفين وهذه الهدايا هي التي عنيت بالصرة المغربيـــــة. وأول ما يذكـــر في هذا البـــاب أن السلـــــطان أبا الحسن من بني مرين بعــث مع ركــــب الأميرة مريم ثلاثة آلاف وثمانمائة دينار ذهبا برسم العطاء للعرب توزع على الفقراء والأيامى والضعفاء.
وفي نفس السياق يورد صاحب الاستقصا أن أبا الحسن المريني أجزل العطاء والمنية السخية يقول: «وأعطى السلطان الحرة أم أخته أم ولد أبيه مريم ثلاثة آلاف وخمسمائة ذهبا ولقاضي الركب ثلاثمائة وكسوة ولقائد الركب أربعمائة وكساوى متعددة وبغلات، وللرسول المعين للهدية ألفا، ولشيخ الركب أحمد بن يوسف بن أبي محمد صالح خمسمائة والجماعة الضعفاء من الحجاج ستمائة، وبرسم العطاء للعرب ثلاثة آلاف وثمانمائة ولشراء الرباع ستة عشر ألفا وخمسمائة ذهباً وذكر في الكتاب المذكور أن أبا الحسن أهدى هدايا غير هذه لكثير من الملوك منها لصاحب الأندلس صلة وصدقة وهدية في مرات.»
واقتداء بعمه السلطان يوسف بن يعقوب، كتب السلطان أبو الحسن مصحفا بخط يده لوقفه بالحرم الشريف قربة إلى الله وابتغاء للمثوبة.
كما زود السلطان أبو الحسن المريني الركب بمبلغ كبير من الأموال التي عينها لشراء الضياع بالمشرق لتكون وَقْفاً على الذين يتلون في المصحف عبر الدهور والعصور.
وقد علق ابن خلدون على مهمة ابن أبي مدين الجديدة قائلا: «إنه قضى من وفادته ما حمل، وكان شأنه عجيبا في إظهار أبهة سلطانه، والانفاق على المستضعفين من الحاج في سبيلهم.»
ويتحدث ابن مرزوق عن ركب الحج في عهد السلطان أبي الحسن المريني، فيقول في مسنده: «كان عمل إمامنا رضي الله عنه في تمهيد سبيله ما هو مأثور عنه رضي الله عنه، وكان دأبه المعونة على الوجهة لهذا العمل، فكان يجهز الركوبات دائما من المغرب.»

  • الفرع الثالث: ركب الحج في عهد السلطان أبي عنان المريني

اتسمت فترة حكم السلطان أبو عنان المريني بالكثير من المبرات الخالدة الذكر، والتي تميزت بألوان الرعاية المختلفة، والتي كان منها رعاية ركب الحج، وكانت اِلتفاتة روحية، أعطى فيها السلطان الغالي والنفيس في سبيل تحقيق أداء مناسك الحج، لمن رغب ولم يجد الموارد المالية التي تكفيه لأداء المناسك.
وفي نفس السياق سال مداد صاحب أدب الرحلة عن مواقف السلاطين التي رسمت البسمة على وجهوه المستضعفين بإرسالهم ضمن بعثات الحج وتشجيعا لهم في إتمام خامس أركان الإسلام. ويذكر أن أبا عنان أعطى لابن الشاطر ألف دينار ليحج بها، فمر بها إلى تلمسان فصار يدفع منها شيئا فشيئا.

الفرع الرابع: رعاية ركب الحج من الجهات غير الرسمية
في هذا المقام نجد مبادرات أخرى من طرف بعض المساهمين الذين ألفوا عمل وفعل الخير مساهمة منهم في إعانة ممن ليس له القدرة المالية لأداء فريضة الحج.
يقول الدكتور الحسن الشاهدي: «ونجد مبادرات أخرى لأطياف غير رسمية، مثل ما قامت عليه طريقة أبي محمد صالح من دعوة اتباعها إلى حج بيت الله الحرام، فشيخ الطريقة هو الذي فتح الله طريق الحج من المغرب على يديه حتى حجه كل عاجز وقادر عليه. ولم يكتف هذا الشيخ بالدعوة إلى الحج والحث عليه في المغرب، بل قام أتباعه من بعده (في العهد المريني) بهذه المهمة خارج المغرب، فسهلوا الصعاب أمام الحجاج، وأمدوهم بما يحتاجون إليه في كل من مصر والشام.»
ويضيف الكانوني أن أبا محمد صالح كان من دعاة الخروج لأداء فريضة الحج، فبدل الجهد في الحث على الحج وتسيير الناس إليه وبث الأصحاب في المراكز ليأخذوا بيد الضعفاء ويعينوهم على سلوك الطريق الآمن إلى الأماكن المقدسة حتى يبلغوا الأمنية من أداء الفرض الواجب.
ويمكن القول إن أتباع طريقة الشيخ صالح واصلوا من بعده في زمن بني مرين، نفس النهج بإعانة الحجاج الفقراء، وسهلوا الصعاب أمامهم، ليقوموا بأداء الشعيرة على أكمل وجه.
وتتنازل قطرات الحديث عن إعانة الحجاج المساكين في تلك الفترة، فلوتورنو يشير إلى فئة الفقراء الذين كانوا يذهبون إلى الحج مشيا، وقد يحتاجون إلى سنوات لأداء الفريضة والعودة إلى بلادهم، وقد كان منهم من لم يعد أصلاً.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.