اعتناء بني مرين برعاية الفقراء والمساكين | الرعاية الاجتماعية في عهد بني مرين
الدكتور عبد اللطيف بن رحو
اعتناء بني مرين برعاية الفقراء والمساكين | الرعاية الاجتماعية في عهد بني مرين
الدكتور عبد اللطيف بن رحو
المبحث الثالث: رعاية الفقراء والمساكين
الرعاية في الإسلام تشمل كافة المسلمين، ولا يعرف الإسلام الأقلية الضيقة، التي تجعل كل إقليم وحدة مستقلة، منفصلة عن سائر المسلمين، كذلك يرفض العنصرية المتعصبة، وينظر إلى المسلمين عامة باعتبارهم أمة يكفل بعضها بعضا.
فالإسلام يدعو إلى الإيجابية في المجتمع المسلم، لأنها تجعله كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، كما تجعله كالجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، وعلى النقيض من ذلك فإن السلبية وإهمال عمل الخير يتسببان في ضياع المجتمع وهلاكه، فكان لابد من الإيجابية النابعة من حب الخير للنفس وللناس جميعا، بعيدا عن الأنانية والأثرة.
ومن عظيم عناية الإسلام بالمساكين والفقراء أن جعل الله سبحانه الاعتناء بهم ورعايتهم والاهتمام بشؤونهم من مفاتيح النصر. ومن ذات الاقتناع فرفع الحرج والمعاناة عن الفقراء والمساكين وتقديم العون والمساعدة لهم، لأن ذلك منهج الأنبياء والصالحين.
وهكذا يفتح الإسلام أبواب الخير للناس جميعا حتى يستطيع كل فرد قادر على عمل الخير بمد يد العون، والمساهمة في إشاعة البر والخير في المجتمع خصوصا للفقراء والمساكين يقول تعالى: ﴿ لَّيْسَ اَ۬لْبِرُّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ اَ۬لْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنِ اِ۬لْبِرُّ مَنَ اٰمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ اِ۬لَاخِرِ وَالْمَلَٰٓئِكَةِ وَالْكِتَٰبِ وَالنَّبِيٓـِٕۧنَ وَءَاتَي اَ۬لْمَالَ عَلَيٰ حُبِّهِۦ ذَوِے اِ۬لْقُرْب۪يٰ وَالْيَتَٰم۪يٰ وَالْمَسَٰكِينَ وَابْنَ اَ۬لسَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِے اِ۬لرِّقَابِ﴾ [سورة البقرة الآية:176] ويقول أيضا: ﴿ إِذَا حَضَرَ اَ۬لْقِسْمَةَ أُوْلُواْ اُ۬لْقُرْب۪يٰ وَالْيَتَٰم۪يٰ وَالْمَسَٰكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُۖ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلا مَّعْرُوفاۖ ﴾. [سورة النساء الآية:8]
فهذا الاستقراء البديع الذي يعجز عنه كل خطيب وحكيم غير العلام الحكيم وقد جمعت هذه الخصال جماع الفضائل الفردية والاجتماعية الناشئ عنها صلاح أفراد المجتمع من أصول العقيدة وصالحات الأعمال. فالإيمان وإقامة الصلاة هما منبع الفضائل الفردية، إذ عنهما تنبثق سائر التحليات المأمور بها، والزكاة وإيتاء المال أصل نظام الجماعة صغيرها وكبيرها، والمساواة تقوى عنها الأخوة والاتحاد وتسديد مصالح للأمة كثيرة وبذل المال في الرقاب يتعزز جانب الحرية المطلوبة للشارع حتى يصير الناس كلهم أحرار. والوفاء بالعهد فيه فضيلة فردية وهي عنوان كمال النفس، وفضيلة اجتماعية.
وقد تجاوزت الشريعة في أكثر من ذلك، وإنها لصورة تستحق الوقوف عندها، حين بينت الشريعة أن رعاية المساكين والفقراء شملت الإرث، فقد بين الله تبارك وتعالى أنه إذا حضر القسمة من المساكين والفقراء الذين لا يرثون، أن يكرموا ولا يحرموا، وإن كان المال كثيرا، والاعتذار إليهم إن كان عقارا أو قليلا لا يقبل الرَّضْخَ، وإن كان عطاء من القليل، ففيه أجر عظيم.
قال تعالى: ﴿إِنَّمَا اَ۬لصَّدَقَٰتُ لِلْفُقَرَآءِ وَالْمَسَٰكِينِ وَالْعَٰمِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُوَ۬لَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِے اِ۬لرِّقَابِ وَالْغَٰرِمِينَ وَفِے سَبِيلِ اِ۬للَّهِ وَابْنِ اِ۬لسَّبِيلِۖ فَرِيضَة مِّنَ اَ۬للَّهِۖ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمۖ ﴾. [سورة التوبة الآية:60]
فقد حث الله تبارك وتعالى عباده برعاية الفقـــير والمسكين في عدة مواضع من كتابه العــــزيز، فالله خص الناس بالأموال دون البعض الآخر، وجعل شكر ذلك منهم إخراج سهم يؤدونه إلى من لا مال له، نيابة عنه سبحانه وتعالى، وقد بين مصاريف الصدقات والمحل، حتى لا تخرج عنهم.
المطلب الأول: مفهوم الفقير والمسكين
- الفرع الأول: الفقير لغة
جاء في لسان العرب أن الفقر ضد الغنى، نقول رجل فقير من المال، وقد فقر فهو فقير والجمع فقراء. والفقير الذي لا شيء له، والفقير إنما سمي فقيرا لزمنة تصيبه مع حاجة شديدة تمنعه الزمانة من التقلب في الكسب على نفسه فهذا هو الفقير.
وقيل الفقر العوز والحاجة، وافتقر: صار فقيرا وإلى الأمر احتاج.
والفقير أن يكون له ما يكفي عياله أو الذي يجد قوت يومه، والفقير الذي لا حرفة له أو من أهل الحرف الذين لا تقع حرفتهم من حاجتهم موقعا.
- الفرع الثاني: المسكين لغة
يلاحظ أن كلمة مسكين لم تحظ في المعجم العربي، وفي كتب فقه اللغة، بما حظيت به لفظة فقير، وإن ظلت المقارنة بينهما باستمرار.
ولعل المادة اللغوية التي نجدها هي مادة سكن بمعنى سكن يسكن سكونا إذا ذهبت حركته، وسكن في معنى سكت وسكنت الريح وسكن المطر والغضب. والمسكين هو مفعيل. والمسكنة مصدر فعل المسكين وإذا اشتقوا منه فعلا قالوا تمسكن الرجل أي صار مسكينا ويقال أسكنه الله وأسكن جوفه أي جعله مسكينا.
والمسكين أسوء حالا من الفقير، وهو الذي لا شيء له. والمساكين الطوافون على الأبواب.
- الفرع الثالث: الفقير والمسكين في الاصطلاح
مع إقرار العلماء بأن الفقر والمسكنة لفظان يراد بهما معا الحاجة وضعف الحال، فإن الخلاف في درجة الحاجة هذه عند كل من الفقير والمسكين، وما يكون لهما من أثر على كل واحد منهما. والفقير هو الذي لا مال له، إلا أنه لم يُذَل، ولا بَذَلَ وجهه، وذلك إما لِتَعَفُّفٍ مفرط وإما لبلغة تكون له كالحلوبة وما أشبهها، والمسكين هو الذي يقترن بفقره تذلل وخضوع وسؤال، فهذه هي المسكنة، فعلى هذا كل مسكين فقير وليس كل فقير مسكينا.
1 -تعريف المالكية: قال ابن جزي: «فأما الفقراء فهم الذين لا يملكون ما يكفيهم وأما المساكين فهم أشد حاجة من الفقراء. وقيل الفقير الذي يعلم به فيتصدق عليه والمسكين الذي لا يعلم به.»
2 -تعريف الشافعية: قال الشافعي: «الفقير والله أعلم من لا مال له، ولا حرفة تقع منه موقعا، زمنا كان أو غير زمن، سائلا أو متعففا. والمسكين من له مال أو حرفة لا تقع منه موقعا ولا تغنيه، سائلا كان أو غير سائل.»
3 -تعريف الحنفية: الفقير الذي لا يسأل والمسكين الذي يسأل. وهذا ما ذكره الزهري، وكذا روى أبو يوسف عن أبي حنيفة وهو المروى عن ابن العباس رضي الله عنهما وهذا يدل على أن المسكين أحوج، وقال قتادة: الفقير الذي به زمانة وله حاجة، والمسكين المحتاج الذي لا زمانة به، وهذا يدل على أن الفقير أحوج وقيل الفقير الذي يملك شيء يقوته، والمسكين الذي لا شيء له.
قال الشاعر:
أما الفقير كانت حلوبته
وفق العيال فلم يترك له سبد
سماه الشاعر فقيرا مع أن له حلوبة هي وفق العيال والأصل أن الفقير والمسكين كل واحد منهما اسم ينبئ عن الحاجة إلا حاجة المسكين أشد وعلى هذا يخرج قول من يقول الفقير الذي لا يسأل والمسكين الذي يسأل.
4 -تعريف الحنابلة: الفقير هو أسوأ حالا من المسكين لبداءة الله بهم. وهو من لا يجد شيئا ألبتة أي قطعا أو يجد شيئا يسيرا من الكفاية دون نصفها من كسب أو غيره مما لا يقع موقعا من كفايته. والمسكين من يجد معظم الكفاية أو نصفها من كسب أو غيره.
المطلب الثاني: الحالة الاجتماعية للفقراء والمساكين في العهد المريني
حرص المرينيون منذ قيام دولتهم على تلبية أوامر الله عز وجل وذلك بالوقوف عند أوامره، والمساهمة في رعاية الفقراء والمساكين، فخصصوهم بمختلف الصدقات والمبرات، بل أوقفوا بعض المرافق لتكون مورد تمويلهم والإنفاق عليهم. وقد تكاثفت الجهود بين المخزن الذي يمثل سلطة البلاد وبين أهل البر والإحسان كيد منوطة للدولة في مجال الرعاية.
وكان أول سلطان عني برعاية الفقراء والمساكين وإعطائهم الصدقات والإحسان إليهم هو الأمير عبد الحق بن محيو، فقد كان يوثر على نفسه المساكين والفقراء ويقدمهم على بقية الناس. وهذا ما أكده ابن أبي زرع فقال: «وكان الأمير عبد الحق في قبائل بني مرين مشهور بالتقوى والفضل الدين، والصلاح والبركة واليقين، معروفا عندهم بالورع والعفاف، موصوفا في أحواله وأحكامه بالعدل والانصاف، يطعم الطعام ويكفل الأيتام ويوثر على نفسه المساكين ويحنو على الفقراء والمستضعفين.»
وبعد الأمير عبد الحق جاء ابنه عثمان الذي عرف بالعطاء والصدقة لأهل الفقر والحاجة فقد سلك نهج أبيه ودأبه وشيمه في العطاء. وهذا ما ذكره ابن أبي زرع، فقال: «كثير الصوم والصلاة والصدقة مستمرا في أحواله على أحسن طريقة، وسلك نهج أبيه وسيره وشيمه وطريقه، فلم يزل على السنن القويم والهدي المستقيم حتى أتاه اليقين.»
وكان السلطان يعقوب بن عبد الحق كثير البر والإحسان والصلاح مكرما للناس خصوصا طبقة الفقــــراء والمســـاكيــن الضعفـــاء الذين لا يملكــون حيـلة ولا قــوة. فقد رتب لهم نفقات من بيت المــال يقبـضونه في كل شهر وذلك ابتغاء لمرضاة الله وطمعا في مغفرته وجنته. فأورد صاحب كتاب الاستقصا قولا يشير فيه إلى بر هذا السلطان وحبه للفقراء والمساكين، فقال: «كان صواما قواما دائم الذكر كثير البر لا تزال سبحته في يده مقربا للعلماء مكرما للصلحاء، رتب للفقراء مالا معلوما يقبضونه في كل شهر من جزية اليهود، كل ذلك ابتغاء ثواب الله تعالى.»
كما سعى السلطان يعقوب بن عبد الحق إلى الاعتناء بالمرضى الفقراء، الذين لا يجدون ما ينفقونه على أنفسهم لرفع بأس الضرر عنهم، حينما أجرى على الجذامى والمكفوفين الفقراء مرتبات منتظمة عن كل شهر.
ثم استرسل هذا النمط من أعمال الخير والإحسان أبو سعيد عثمان المريني، وذلك حين أقر نظام رعاية الفقراء والمساكين من الدولة فأمر بالصدقات لذوي الفاقات والحاجات على قدر حاله وضعفه، فكانوا يأخذونها من دينار ذهبا إلى ربع دينار، ولم يزل من يوم ولايته إلى الآن يأمر بالجباب والأكسدة في زمن الشتاء والقر للضعفاء والمساكين، وأمر بمن مات من الغرباء أن يجهز ويكفن في الثياب الجديدة ويقام بحق دفنهم أحسن قيام.
وللسلطان أبي الحسن مناقب ذكرها له التاريخ إذ عرف باعتنائه بشريحة الفقراء والمساكين وبسط يده كل البسط لهذ الفئة، فتذكر المصادر أنه وزع على فقراء تلمسان اثني عشر ألف دينار واثني عشر ألف كساء ومن الطعام مطامير، لا تعد ولا تحصى فضلا عن مكافأته للأعيان والفقراء والصلحاء، كما كانت له صدقات جارية لهم.
يتحدث ابن مرزوق وهو شاهد عيان في زمن حكم السلطان أبي الحسن، عما قام به اتجاه الفقراء والمساكين فقال: «وكم من سنة مسنهة عال فيها إمامنا رضي الله عنه عن مواحيج أهل بلاد المغرب عموما، يخرج زرعه المختزن الخاص به، فيقيم به أولا المحاويج عموما في كل ليلة بطول الجدب.»
وكان الوجه في العطاء لأبي الحسن، أن يسأل عن الرجل ومن عنده من العائلة، وما خلف حيث تُعلم عادته، وأين يختار السكنى، فإذا اختار موضعا نظر فيما يحتاج إليه من كراء فيعطاه بحسب ذلك.
وعلى نفس الوتيرة والمنــوال دأب السلطان أبو عنان دأب أبيه، في إرســاء الصدقـــــات والعطــــاءات على الفقراء والمساكين في كل يوم، وإطعام الطعام على كل وارد وصادر. ولا يفوتنا النظر فيما كتبه ابن جزي عما كان يقدمه السلطان في الصدقات والهبات على المساكين والفقراء، فقال: «اخترع مولانا أيده في الكرم والصدقات أمورا لم تخطر في الأوهام، ولا اهتدت إليها السلاطين. فمنها إجراء الصدقات على المساكين بكل بلد من بلاده على الدوام. ومن هذه الصدقات خبزا مخبوزا للانتفاع به، وكسوة المساكين والضعفاء. منها أيضا صدقته على المساكين بحضرته بالطنافس الوثيرة والقطائف الجياد يفترشونها عند رقادهم.»
وعرف عن السلطان أبي عنان أنه خصص يوم الجمعة للجلوس إليهم وسماع شكاياتهم.
وجاء في فيض العباب أن السلطان أبا عنان المريني أجزل العطاء للفقراء والمساكين، وأمر بإطعام الطعام لهم.
ويتحدث لوتورنو عن فريضة الزكاة التي كان القصد منها تخفيف مصاب المساكين والفقراء، وكانت تعطى لهم للتخفيف من المعاناة التي يعاني منها أولئك الضعفاء. فكان الأثرياء كما يصف لوتورنو يقدمون الهدايا لهم في أوقات متعاقبة إضافة إلى ما يدفعونه إلى الدولة ضريبة. وكان شهر رمضان فاتحة خير وسرور على الفقراء والمساكين، لأن الهدايا قد تكون نقدية إلا أنها في الغالب كانت عينية وخاصة من الطعام. وقد كان من المألوف أن يكون لكل أسرة ميسورة الحال في فاس فقراء يطرقون بابها في أوقات معينة لا ليستجدوا بل ليحصلوا على حقهم من الهدايا التي كانت على المحظوظـــــــين أن يقدموها باعتبارها فرضا لا منة. ومع أن هذا الأمر لم يكن السبب الوحيد لانعدام الاضطراب الاجتماعي في المدينة، فلا شك في أنه كان واحدا من هذه الأسباب، فأولئك المساكين لم يكونوا يشعرون بأنهم معزولون أو أنهم ممن لفضتهم الأرض، وكان هؤلاء يشعرون بأن الأثرياء لم يعطوهم بعض ما أفاء الله به عليهم فحسب، بل إنهم كانوا يعطونهم حقا من حقوقهم، كائنة ما كانت من القلة. ويبدو أنهم كانوا قانعين بهذا. والدليل أن مدينة فاس في العهد المريني لم تعرف اضطرابا اجتماعيا.
وقد كان سفراء الدولة المرينية وهم في طريق مهمتهم إلى البلدان والأمصار يجزلون العطاء للفقراء والمساكين تأسيا بسلاطينهم أو ربما هو حث من السلاطين لسفراء دولتهم على الإحسان والإنفاق على الضعفاء والمساكين.
حين زيارة السفير أبو الفضل لأرض مصر قصد تعزية الملك الشرقي في والده وتهنئته بوراثة ملك الديار المصرية سنة745ه، وقد قام هذا السفير بإظهار أبهة سلطانه، والإنفاق على المستضعفين من الحجاج في طريقه.
وهذا العمل يدل على أن الدولة المرينية كانت لها رغبة شديدة في رعاية الفقراء والمساكين سواء داخل المغرب أو خارجه، وهي رغبة جامحة دلت على أن الدولة تسعى لخدمة هؤلاء المستضعفين.
كما ساعد السلطان أبو عنان المريني المحتاجين باقتطاعهم أراضي زراعية وفلاحية، مع إمدادهم بأزواج الحرث من البقر.
وكان يكسو المساكين والضعفاء والعجائز والمشايخ، والملازمين للمسجد بجميع بلاده.
ويسهل الاقتناع بأن الدولة المرينية عملت بجد وحزم لتوفير الرعاية الاجتماعية لرعيتها خاصة المساكين والفقراء، وكما سبق الذكر فأغلب سلاطين الدولة صبت جهودهم في هذا المجال، بضمان المال وفرص العمل حتى يعيش الفرد الفقير من ناتج عمله، ثم أموال الدولة عند العجز عن العمل، أو عند عدم وجود العمل، فبالتكافل الاجتماعي يعول القدر منهم العاجز الفقير والمسكين، وعندما لا يستطيع بيت المال النهوض بعبئه، يتحمل المجتمع عبئ كفاية الفقير والمسكين والمحتاج.
أما بالنسبة للعقارات الموقوفة على الفقراء والمساكين، فقد بنى السلطان أبو الحسن أربع ديار بفاس لسكنى الضعفاء والمساكين، وكانت أكبر ديار فاس ضخامة وسعة رحاب، وجهزها بالفرش والأثاث. كما أوقف أبو عنان عرصة قرب باب المسافرين أو بني مسافر موقوف على الفقراء والمساكين، وأوقف أيضا أبو عنان نفسه ما يجبى من الأبواب على الفقراء والمساكين.
ومن جهة أخرى يلمح كمال السيد أبو مصطفى إلى وجود بعض الأراضي المحبسة على المساكين في المغرب، أطلقت عليها «أرض المساكين» كانت تزرع وتوزع غلتها على الفقراء والمساكين قي هذا الموضع.
وأشار الونشريسي بأن رجلا من المغاربة يدعى ابن عريق حبس بعض أملاكه على المساكين كان يتولى اختيار المساكين المستحقين لربع الوقف، وتحديد مقدار ما يستحقونه، وفقا لنظره واجتهاده، كما كان يقوم بتأجير بعض الأوقاف المحبسة على المساكين، ويؤخذ ثمن الكراء، ويشترى به غالبا ثياب توزع على المساكين لكسوتهم في الأعياد الدينية.
وجاء في المسند الصحيح الحسن لابن مرزوق أن عبد الله بن عامر بن خالد بن عقبة بن أبي معيط اشترى داره التي في السوق، بتسعين ألف درهم، فلما كان الليل سمع بكاء آل خالد، فأعطاهم الدار والمال جميعا. وقد سن السلطان أبو الحسن المريني سنة مسنهة فكان يخرج لمحاويج أهل بلاد المغرب عموما، زرعه المختزن الخاص به، فيقيم به أود المحاويج عموما في كل ليلة بطول الجدب، كما سبق الذكر، وجرى على سنته في ذلك ولده المرحوم السلطان أبو عنان، فكان يطعم بين يديه ويتولى القيام عليهم بنفسه ويلزم قواد قصب البلاد بذلك طول الجدب.
أما الحوالات الحبسية الموجهة للمساكين والفقراء، فسنتعرض لبعض حوالات فاس الحبسية، وهي تذكر أعيان الموقوفات، بعدما تعنون لها بذكر اتجاه الوقف وصاحبه، فنورد منها العناوين التالية: وصية ابن كسيبة على المساكين، وصية ابن عطو على المساكين، وصية الحاج عبابو على المساكين، وصية الحكيم على المساكين، وصية يوسف بن عميرة على المساكين، وصية الدنياري على المساكين، وصية القبائلي على المساكين، وصية الكناني على المساكين، وصية ابن جشار على المساكين، وصية الجينارية على المساكين، وصية ابن أبي الصبر على المساكين، وصية القفاز على المساكين، وصية الحرة صفية على المساكين، وصية الميساوي على المساكين، وصية العريف على المساكين، وصية التازدغري على المساكين، وصية البانوخي على المساكين، وصية طلوقة على المساكين، وصية المزوار على المساكين، وصية مجهول صاحبها، وصية المرابط على المساكين.