منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

اعتناء بني مرين ببرج النفارين و الحمامات| الرعاية الاجتماعية في عهد بني مرين

الدكتور عبد اللطيف بن رحو

0

اعتناء بني مرين ببرج النفارين و الحمامات| الرعاية الاجتماعية في عهد بني مرين
الدكتور عبد اللطيف بن رحو

 

يمكنكم تحميل كتاب العمل الاجتماعي في عهد الدولة المرينية (1244 – 1465م) من الرابط التالي

كتاب”العمل الاجتماعي في عهد الدولة المرينية (1244 – 1465م)

المبحث الرابع عشر: برج النفارين سنة 840هـ

حاول كثير من المؤرخين أن يرجعوا تأسيس البرج إلى تاريخ محدد، فمنهم من أرجعه إلى عهد الموحدين، ومنهم من نسبه إلى السلطان أبي عنان المريني نفسه عندما سن العلم والفانوس، وبالرجوع إلى الحوالات الحبسية والنوازل الفقهية، يتبين أن البرج إنما تم تشييده في أواخر دولة بني مرين، فقد نعتته حوالة من سنة 893ه بأن «»البرج الحديث البناء للتنبيه»» في ليالي رمضان من أجل السحور والإفطار.
ولعل دور البرج هو من باب الإحسان والبر، لأن النفارين المتطوعين كانوا يقومون بهذه الخدمة باستعمال النفار من أعلى البرج، إما للإعلان عن وقت الإفطار وغروب الشمس، أو للإيذان بدخول وقت السحور، فتكون إشارة النفار دالة على ذلك.
وقد استعمل أهل الأندلس هذه العادة، والتي اقتنع المغاربة بتقبلها عادة النفار، بيد أنهم عوض أن
يسنوها عند الغروب جعلوها علامة على وقت السحر ابتداء وانتهاء. وينتصب البرج على مقربة من صومعة القرويين منفصلا عن الجامع، شبه منارة بدون قبة، تحمل اسم برج.

المبحث الخامس عشر: الحمامات المرينية

الاغتسال في الحمامات ظاهرة قديمة، عرفته الشعوب القديمة كالمصريين والكنعانيين واليونانيين الرومانيين، وقد وصلت هذه العادة إلى سلوك المسلمين مبكرا، لأن الإسلام يحث على الاغتسال والطهارة، وأصبحت هذه المؤسسة الاجتماعية مرتبطة ارتباطا عضويا بالنظافة وبفريضة الوضوء، ولذا اعتبرها الفقهاء من الأماكن الدينية، لأن الطهارة لا يستغني عنها المسلمين ولا يمكنهم أداء فريضتهم إلا بها. فكان المسلمون يترددون باستمرار على الحمامات لتطهير أجسامهم وتنظيفها، وكانت الحمامات في أغلب الأحيان تلحق بالبناءات الدينية والاجتماعية بما في ذلك بيوت الله.
من خلال دراسة الحمامات من حيث التخطيط يتضح لنا أنها سارت على نهج التقاليد الأموية المبكرة المتأثرة بالعمارة الرومانية، غير أن البنائين المغاربة قد ابتكروا وسائل جديدة في أنواع التغطية وابتكروا تصميمات خاصة بالأسقف ونظام قاعات الاستقبال. ولا زال الحمام المغربي إلى اليوم يحتفظ بالعناصر التي استقرت عليها الحمامات المرينية القائمة إلى اليوم، بفضل ما حبس عليها من الأملاك وبفضل تحبيس بعضها الآخر، مما ضمن سلامة بقائها.
ويصف الحسن الوزان حمامات مدينة فاس فيقول:» في فاس مائة حمام جيدة البناء حسنة الصيانة، بعضها صغير وبعضها كبير، وكلها على شكل واحد، أي أن في كل واحد منها ثلاث حجرات، أو بالأحرى ثلاث قاعات، وفي خارج هذه القاعات غرف صغيرة مرتفعة قليلا يصعد إليها بخمس درجات أو ست، حيث يخلع الناس ثيابهم ويتركونها هناك. وفي وسط القاعات صهاريج على شكل أحواض، إلا أنها كبيرة جدا. وإذا أراد أحدهم أن يستحم في أحد هذه الحمامات، دخل من أول باب إلى قاعة باردة فيها صهريج ليتبرد الماء إذا كان ساخنا جدا، ومن تم نفد من باب ثان إلى قاعة ثانية أشد حرارة بقليل، حيث يقوم الخدم بغسل جسمه وتنظيفه. ومن هنا يدخل إلى قاعة ثالثة شديدة الحرارة ليعرق بعض الوقت، حيث يوجد مرجل محكم البناء يسخن فيه الماء، ويغترف منه بحذق في دلاء من خشب. ولكل مستحم الحق في أخد دلوين من الماء الساخن، يسخن الماء بالزبل، ويعمل عند الحمامين غلمان وبغالون يجوبون أرجاء المدينة ليشتروا الزبل من الاصطبلات وينقلوه إلى خارج المدينة، ثم يجعلوه أكداسا ويتركوه ليجف شهرين أو ثلاثة أشهر، وبعد ذلك يستعمل كالحطب في تسخين القاعات وماء الحمامات. ويستعمل الحمام للرجال والنساء، للرجال أوقات معينة، ويخصص باقي اليوم للنساء. ومعظم هذه الحمامات ملك للمساجد والمدارس تؤدي لها كراء مرتفع يبلغ المائة والمائة والخمسين مثقالا، أو أقل أو أكثر بحسب حجم المكان.»
وتحتفظ مدينة رباط الفتح بآثار حمام مريني هو حمام العلو الذي بناه وحبسه السلطان أبو عنان المريني على ضريح والده وعلى إطعام المساكين بشالة. ويعد أقدم حمام بالرباط ولا يزال يؤدي وظيفته حتى اليوم. وقد سجل تحبيسه على لوحة مربعة من الرخام محفوظة اليوم بالجامع الكبير دليلها كانت محفوظة بشالة ثم نقلت إلى الجامع. والحمام صغير المساحة بسيط في تخطيطه وبنيانه مجرد من الزخارف والتنميقات، ولكنه متقن البناء محكم الصنعة.
ويرجع حمام مدينة وجدة إلى العصر المريني، وعلى حسب ما ذكرت المصادر التاريخية، أنه شيد مع بناء المسجد والمدرسة، في عهد السلطان أبي يعقوب يوسف المريني سنة 696ه/1296م يوم أعيد بناء المدينة. وهو يقع في نفس الجهة التي بني فيها المسجد الكبير، ويعتبر الحمام من أقدم الحمامات في وجدة، غير أن المصادر لم تتحدث عنه بشكل مسهب، ولا عن مواصفاته غير ما يقف عليه الناظر بنفسه. وكان يسمى باسم سيدي يحيى لأن الماء الذي يُستحم به كان يأتي من واحة سيدي يحيى، يقول صاحب روض القرطاس: «فنزل على وجدة فأمر ببنائها فبنبت وحصنت أسوارها، وبنى قصبة وداراً ومسجداً وحماماً.»
وحين بنى السلطان يوسف مدينة المنصورة إبان حصاره الطويل الذي فرضه على تلمسان، والذي استمر ثماني سنوات وثلاثة أشهر، فشيد فيها القصور والحمامات والفنادق والأسواق، وسماها تلمسان الجديدة.
وفي هذا الجانب يتحدث ابن خلدون فيقول: «وأمر باتخاذ الحمامات والمارستانات، وابتنى مسجداً جامعاً.»
وكذلك يوجد حمام آخر بالقرب من باب العقبة بشرق المدينة، حمام سيدي بومدين بالعُباد، لا يزال هذا الحمام يقوم بوظيفته إلى اليوم، له سقيفة تتكون من زاوية قائمة وقاعة مستطيلة الشكل، يبلغ طولها ثمانية أمتار. وعرضها ستة أمتار، وثلاثة غرف متوازية، مسقفة بسقف أسطواني الشكل.
ومع أن حمام المخفية بفاس وحمام جبل طارق غير مؤرخين لكن يتفقان مع أسلوب حمامات القرن الثامن الهجري.

خاتمة

بعد هذه الرحلة المستفيضة، كان لابد من تسجيل أهم النتائج التي توصلت إليها من خلال هذا البحث وهي كالتالي:
-شهد العهد المريني نهضة حقيقية في مجال الرعاية الاجتماعية تضافرت فيها جملة من العوامل، أهمها إسهام الدولة وأهل البر والإحسان، في تشكيل لحمة موحدة، قصد التخفيف على أهل الحاجة والعوز.
-اهتمام المرينيين بإنشاء المؤسسات الدينية والمتمثلة في بناء المساجد والزوايا، والتي عُدَّت مكانا لاستقطاب الناس دينا ودنيا.
-انتشار العلوم الدينية، وعلوم الآلة وعلوم الطب والفلك وغير ذلك من العلوم التي ازدهرت في العهد المريني.
-تطور البيئة الثقافية والعلمية عند المرينيين، نظرا لاهتمامهم بتشييد المدارس والخزانات والكتاتيب، وتشجيع السلاطين للعلماء والفقهاء والإنفاق عليهم. وتزويد المدارس بالخزانات العلمية لأجل المطالعة والبحث العلمي.
-توفير الظروف الملائمة للإبداع الثقافي والفكري، مما ساعد على ظهور علماء أفذاذ في مختلف المجالات ساهموا في بناء الصرح العلمي لدولتهم.
-وضع قاعدة فكرية متنوعة في كل المدن المغربية والمتمثلة في توفير المدارس على نحو لم يسبق له مثيل.
-التشجيع المادي والأدبي والعناية الفائقة التي خضع لها العلماء وطلبة العلم، من قبل السلاطين المرينيين.
-الاهتمام بالمنظومة الصحية، وهي مقاربة هامة ذات بعد إنساني وجيه ومؤثر اجتماعي، ومن مظاهره، تشييد المارستانات للتداوي والعلاج، والخدمة المجانية للتطبيب، وإشراف السلطة على تشجيع دراسة الطب وتعلم فنونه وقد هيئت لذلك كل الظروف الملائمة.
-التخفيف من نسبة الفقر وذلك بإسعاف الطبقات المعوزة، وإجراء الامدادات الموصولة لتخفيف وطأة البؤس، فقد تنافست السلطة وأهل البر في هذه المظاهر الإحسانية.
-امتداد أثر الوقف إلى مجالات مختلفة اجتماعية، علمية، ثقافية، صحية، اقتصادية، وعسكرية.
-ظهور صياغة توثيقية للأحباس، فيما اصطلح عليه بالحوالات الحبسية في العهد المريني، وكانت متضمنة لاسم الواقف وتاريخ تحبيس الموقوف.

توصية:

استوقفني طويلا موضوع الأحباس والأوقاف في العهد المريني، وحرك في نفسي التوسع فيه، وتخصيصه بجهد علمي بحثي مستقل، عسى أن يتحقق بإذن الله.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.