منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

قراءة في كتاب الحاكمية والهيمنة

عماد الدين محمد عويس عشماوي

0

قراءة في كتاب الحاكمية والهيمنة

المؤلف: طه جابر العلواني

الناشر: دار الفتح والمعهد العالمي للفكر الإسلامي

الطبعة الأولى: 2016م

عدد الصفحات: 84 صفحة

الباحث: عماد الدين محمد عويس عشماوي

 

مقدمة

القرآن المجيد، هو خاتم رسالات السماء إلى أبناء آدم، وهو المصدق والمهيمن والحاكم على ما سبقه من كتب ورسالات، وعلى ما لَحِقَهُ من مذاهب ونظم. وقد أثبتت التجربة التاريخية، أن تغييب المنهج القرآني أو تحريفه، هو السبب في كل ما تعاني منه الأمة الإسلامية، والإنسانية عامة من مشاكل. فللقرآن الكريم، منهجيته المعرفية التي يجب على المسلمين اكتشافها واتباعها، عبر الانطلاق من تحديد “مقاصده العليا الحاكمة”، لأنها وحدها القادرة على إعادة الحياة لمفاهيم القرآن وعودتها إلى مركز الدائرة في تفكير الإنسان المسلم، ومن ثم عودة الأمة إلى شهودها الحضاري.

والمفاهيم، هي اللبنات التي تبنى وتؤسس عليها المنهجية[1]، وقضية التعامل مع المفاهيم من أخطر القضايا الفكرية التي تواجهها أي أمة. ذلك أن المفاهيم تمثل جذوراً فلسفية وفكرية وثقافية متشعبة الجذور تتصل بمصادر معرفة النسق الحضاري الذي تنتمي إليه ونظريته المعرفية وفلسفته ومقاصده وإطاره التاريخي، بخلاف المصطلحات المرتبطة مباشرة بجذورها اللغوية. وبعض المفاهيم الإسلامية، تكاد تمثل في حد ذاتها ما يمكن تسميته التخصص الدقيق في لغة العصر، ولا سيما إذا كان هذا المفهوم في مستوى “الحاكمية الإلهية” في المنظور الإسلامي وشبكة المصطلحات أو المفاهيم الفرعية التي يستدعيها، ومنها مفاهيم: الدين والعبادة والحكم بمعانيه المختلفة الشرعية والتشريعية والعرفية، والألوهية والخلق والعبودية والدنيا والآخرة والخطاب والحلال والحرام والمطلق والنسبي والعام والخاص والشرائع ووحدة الدين والأرض وغيرها. (ص 7-8). وفي هذا الكتاب، يعيد المؤلف بناء المفهوم الذي تم تشويهه جراء العقلية غير القرآنية، عبر اتباع منهجية القرآن المعرفية ليلتئم شمل الأمة من جديد[2].

الغرض من الكتاب:

هذه الدراسة، تحاول تتبع مفهوم الحاكمية في الماضي والحاضر وتقارنه بجوهره في الرؤية القرآنية. وتقدم منهجاً جديداً في التعامل مع المفهوم يضعه في إطاره الصحيح ويعطي دليلاً هادياً لكل من يريد التعامل مع المفاهيم الإسلامية بطريقة منهجية ومعرفية. كما أنه محاولة في تحديد مفهوم الإمامة من حيث هو شأن دنيوي لا ديني يختار الناس لأنفسهم فيه ما يرونه أقرب إلى تحقيق مقاصد الدين وغاياته، ويتصل بالخبرة البشرية وتجاربها المتتالية. (ص 8) كل ذلك من أجل إخراج الأمة المسلمة من حالة الاختلاف حول المفاهيم التي أدت إلى صراعات طويلة بين أبناء الأمة واستقوائهم بأعدى أعدائهم على إخوانهم، وأصبح المسلم يخرج من دينه دون أن يشعر ويؤمن بأن العلمانية وقاية للأمة من القتل والاضطراب. (ص83-84)

الحاكمية عند الأمم السابقة على الإسلام

تناول المؤلف-رحمه الله- مفهوم الحاكمية عند الأمم السابقة، مستعرضاً نظم الحكم التي نسبت إلى الدين في الحضارات القديمة التي حكمت باسم شعب المدينة او القبيلة أو غيرها، مؤكداً أن بعضها صدرت عن الكهنة مما يجعل قواعدها وأوامرها ذات سلطة إلهية، في مقابل شعوب أخرى مثل روما عرفت فكرة اعتبار التشريع عملاً إنسانياً أي فصل الدين عن القانون.

الحاكمية عند بني إسرائيل

وخص المؤلف، بني إسرائيل بحديث مطول عن رؤيتهم للحاكمية لأنها الرؤية التي تأثر بها المسلمون بعد ذلك وتسببت في الإشكاليات والآثار السلبية التي ترتبت عليها. وهو يؤكد أن بني إسرائيل عرفوا “الحاكمية الإلهية على نحو فيه كثير من التحديد من خلال الوحي وتطبيق أوامره من خلال وعد إلهي مشروط اعتبروه وعداً دائماً وادعوا به حقاً حصرياً في التفضيل على العالمين. (ص 24-31)

وقد عدد أهم المبادئ الأساسية للحاكمية الإلهية في التصور الإسرائيلي، والمتمثلة في:

1-اختيار الله لشعبه، وأن يكون هو تعالى الحاكم المباشر لهذا الشعب، وأن يكون منهم أنبياء ورسل يتصلوا بالله ويبلغوا رسالته إلى الشعب.

2-وأن هذا الاختيار يجعلهم أقرب الشعوب إلى الله تعالى، فهم شعب الله وأرضهم مقدسة بحكم تقديس الله لهم. كانت الحاكمية بهذا الفهم قائمة على تعامل إلهي مباشر معهم يعطيهم كل ما يريدون في مقابل عقاب خارق عند المعصية. (ص31-34)

واستنتج المؤلف، من تحليله لمفهوم الحاكمية لدى بني إسرائيل، مدى ما تركه لديهم من ظلال على حياتهم ورؤيتهم الكلية وتصورهم للإنسان والشريعة والكون والحياة والعبودية والألوهية. والتي تمثلت في إله حاكم وشعب مختار وأرض مقدسة، التي أدت بهم إلى تبني الصهيونية بوجهها القبيح في زماننا. (ص39-42). كما تناول الحاكمية الإلهية في النصرانية، وكيف حاول المسيح-عليه السلام- أن يعيد الاعتبار إلى الشريعة وأسسها ومقاصدها التوراتية، لكن ظروف الاحتلال الرومي وجمود اليهود منعاه. (ص 34-39)

الحاكمية كمفهوم تحريضي

وفي تناوله لتطور المفهوم في عالمنا الإسلامي المعاصر، يذهب المؤلف إلى أن المفهوم قد تبنته فئات سياسية معاصرة كثيرة، وحولته من مفهوم إحيائي تجديدي قادر على إعادة بناء وحدة الأمة وترميم ما بلي من قواعدها إلى مفهوم تحريضي زادها اختلافاً وفرقة وتفككاً، وأحدث فيها آثاراً سلبية كبيرة، كيف برزت مفاهيم وتصورات لدى فصائل العمل الإسلامي تعلن الحاكمية الإلهية وتطلب السلطة باسمها بشكل غير صحيح. (ص52) وهو يرجع ظهور هذا الفهم إلى النكسة التي منيت بها نظم ما بعد الاستعمار وخيبة الأمل في جهودها التنموية من ناحية، ونتيجة ووراثة من عهود التسلط ودخول مفاهيم أخرى وتصورات خاطئة للأمة والدولة والسلطة صيغت بعيداً عن التصور الإسلامي بعد الغزو الأوروبي. (ص 52-53)

فطرح البعض أن السلطات القائمة أنظمة جاهلية مغتصبة لسلطة إلهية لا تستحقها، وطرحت في ظلها أفكار الجاهلية والحاكمية التي بدأت في باكستان وتطورت مع سيد قطب حتى أصبحت لا إله إلا الله، تعني أن الحاكم الوحيد هو الله، وأن السلطة له ولم يميز بين حاكمية الله في السياسة وحاكميته تعالى الكونية أو القضائية. وتم تبني رؤية للمفهوم تماثل رؤية بني إسرائيل له، وتحول إلى قرين للتوحيد بحيث صارت تسقط عليه كل عناصر التوحيد أو مقومات العقيدة من ولاء وبراء، فساد نوع من سوء الفهم واضطراب الرؤية داخل المجتمعات الإسلامية، وأضيفت أسباب صراع وتمزق أخرى إلى أسباب الصراع والتمزق التي أنبتتها اتجاهات الحداثة والتحديث. (ص 53-59)

المفهوم السائد للحاكمية في عصرنا

وقد شدد المؤلف، على أن عملية إسقاط المفاهيم التي شاعت بعد سيطرة الفكر الغربي والفكر المتعلق بالسلطة والمشروعية والدولة القومية على آيات قرآنية انتزعت من سياقها، ولم يجر تدبرها في إطار الوحدة البنائية للقرآن وفي إطار دلالة عالمية الخطاب وختم النبوة وحاكمية الكتاب، قد أعطت نتائج سلبية نراها في جماعات العنف والتكفير ورؤيتها للدولة والأمة والحكم. (ص66-67)

نحو إعادة بناء المفهوم

وحاول المؤلف إعادة بناء المفهوم من خلال تتبع جذوره في فترة النشأة الأولى للإسلام ثم في عهود الراشدين وما تلاهما من ملك عضوض ليستخلص من ذلك المعنى القرآني للمفهوم، كما يلي:

1-مفهوم الحاكمية في الرسالة الخاتمة

 تناول المؤلف، الرؤية الإسلامية للحاكمية ونظرتها الإيجابية للإنسان وتأكيدها على أهليته لحمل الأمانة والمسئولية والوفاء بالعهد بين الله وأبيه آدم وإقامة العمران وتحقيق الاستخلاف، وحمل الأمة المسلمة لرسالة الله ووراثتها عن الأمم السابقة؛ رسالة هيمنة تصديق وهيمنة واستيعاب وتجاوز، ينفي عنها تأويلات الجاهلين وتحريفات المبطلين وانتحالات المتطرفين. (ص 43)

واستعرض آيات القرآن ومواقف الرسول صلى الله عليه وسلم، التي تؤكد على نفي السلطة والتسلط وتأكيد المفهوم القرآني النبوي في الحكم (ص 44-67) وضرورة إدراك الخليفة أن مهمته الأساسية هي تلاوة آيات الله على الناس وتعليمهم الكتاب والحكمة والتكية القائمة على مكافأة المحسن ومعاقبة المسيء في إطار التزكية والتعليم والتربية، مما يصعب إطلاق القول بوجود حاكمية سلطوية في الإسلام تقوم على هيمنة مطلقة لله تبارك وتعالى أو نبيه أو خلفائه أو باسم شرعه. (ص 47)

2-بداية الخلل: من الخلافة على منهاج النبوة إلى الملك العضوض

ثم تناول المؤلف تجربة الحكم النبوي، مؤكداً أن تلك الممارسات لم تكن بغرض التأسيس لوظائف نبوية جديدة، وإنما تقديم الأسوة البشرية وتحكيم القيم القرآنية وأنها ممكنة التطبيق. (ص 13) ويرى المؤلف، أن ترك الرسول للمسلمين دون استخلاف شخص معين يدل على أن أمر الخلافة والقيادة السياسية قد ترك للأمة المهتدية بالقرآن الكريم وبسنن رسوله وسيرته، بحيث تضمن الرشادة باتخاذ القرار من الأمة في هذا المجال من دون حاجة إلى الوصية، ولكي يبقى الأمر في دائرة مصالح الأمة العليا ومقاصد شريعتها ومقاصد القرآن وقيمه وأهدافه المتعلقة بالعدل والأمانة والشورى والمعروف والمنكر والأمة والتوحيد والتزكية العمران والدعوة وإعلاء كلمة الله ومنع ظهور الفساد في الأرض، ومحاصرة المفسدين والتضييق عليهم، والحيلولة دون إلحاقهم الأذى بأي جزء من الأرض، وبأي فئة من ساكنيها، وأن ذلك كله يعد كافياً لإيجاد رأي عام وثقافة مشتركة لدى الأمة تمكنها من إقامة نظام عادل رشيد مختار من الأمة نفسها. (ص15-16)

كما أكد المؤلف على أن الرسول صلى الله عليه وسلم، قد نزع عن كلمة أمير دلالتها السياسية التي عرفت فيما بعد، وأبقى على مدلولها التنظيمي المحايد الذي ينظم شئون الأمة وفقا لقيمها، فهو لا يحمل معنى السلطة والتسلط. فالأمير، هو من وضعت الأمة عليه مسؤولية خمة وكلفته بها وتعينه عليها. (ص19-20)

كما أكد على أن تجربة الحكم الراشد بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في صورة الخلافة على منهاج النبوة أكدت أن الإمامة شأن دنيوي. (ص11-12) وأن الجدل في السقيفة كان دنيوياً يعبر عن صراع على سلطة وتصورات هدمها الإسلام نتيجة للحالة غير الاعتيادية التي واجهها المسلمون، لذلك فإن حوار السقيفة بحاجة إلى تمحيص أهل الفكر حتى لا ينسب للصحابة ما ليس لائقاً بوصفه الجيل الذي آلت إليه الشهادة على الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. (ص17) كما أكد، أن هذا الحوار يدل دلالة ظاهرة أن هذا الجيل لم يفهم أن الرسول كان نبياً وقائداً سياسياً قومياً، لكن القاسم المشترك بينهم يدل على ضرورة حماية جميع مكتسبات عصر النبوة في ذلك المجتمع التوافقي، وأنه صلى الله عليه وسلم كما ترك منهجا للتأسي به في العبادات فإنه قدم منهجاً للتأسي به في إقامة العدل والمساواة بين الناس. (ص 18)

ثم بين كيف تعرضت الخلافة على منهاج النبوة لحالة انقلاب قبائلي كثير الشبه بالانقلابات العسكرية بدءاً بالخلافة الأموية وانتهاء بالعثمانية، فوضع الاتجاه القبائلي في موضع السلطة والمسئولية ومحل صناع القرار، واستطاع أن يغير وعي الأمة ووعي القائمين على أمرها بمفهوم الخلافة على منهاج النبوة، وفي ظل هذا الانقلاب الخطير ولدت العلوم الشرعية ودونت. (ص9)

ومع هذا الانقلاب والانحراف ظهرت فكرة القوة والسلطة فكانت سبباً في تعميق الفرق في صف الأمة، فاختار الشيعة مبدأ الإمامة، وأخذت المعتزلة موقفاً آخر وكذلك الخوارج، ومنذ ذلك التاريخ أصاب المسلمين ما أصابهم من تمزق الوحدة وتفكك مفهوم الأمة لديهم وتفرق دينهم. (ص 9-10) ويرجع المؤلف ذلك، إلى عملية نسيان أو تناسي للقيم القرآنية العليا الأساسية القائمة على التوحيد والتزكية والعمران والأمة والدعوة، المستندة إلى ختم النبوة، والشريعة العامة المتصفة بالتخفيف ورفع الحرج ووضع الإصر والأغلال والشاملة والعالمية الموحدة في رؤيتها ومعتقداتها وأهدافها ومقاصدها التي يمكن أن تمد العالم بأحوج ما يكون إليه من قيم، وتقدم له المثل التي كان يقدمها الأنبياء ليتأسى بها بوصفها أمة قطباً متصفة بالخيرية والوسطية، قادرة على القيام بواجب الشهادة على الناس. (ص 83)

3-البناء القرآني الجديد للمفهوم

ينطلق المؤلف، من الآية الكريمة: “لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً” المائدة: 48، التي يسميها آية “الشرعة والمنهاج” لصياغة منهجية القرآن المعرفية, وقراءة جميع الآيات التي أوردت شبكة من المفاهيم الفرعية والمصطلحات القرآنية الإلهية التي أحاطت بمفهوم “المنهاج” في ضوئها[3]. وفي هذه الآية إشارة إلى مساهمة الأمة في الشرعة والمنهاج. إذ لم يرد في الآية: لكل منكم جعلنا شرعة ومنهاجاً، فيفهم منها أن لكل أمة الشرعة والمنهاج تستخلص منكم؛ لتستجيب لحاجاتكم، ولتتمكنوا من ممارسة الحياة بهداية الشرعة والمنهاج من دون حرج، ومن دون أن تفرض عليكم، فقال تعالى “لكل منكم”، فكأنها أخذت منكم، وردت إليكم. (ص 16)

وعلى هدي الجمع بين القراءتين: قراءة القرآن المجيد والكون وعبر إدراك “الوحدة البنائية” للقرآن الكريم، التي تمثل الركن الأساس في فهم القرآن والتعامل معه والانتفاع بهديه[4] يرى المؤلف أنه يمكن للمسلمين الخروج من إسار الفهم المغلوط للمفاهيم الإسلامية[5].

ومن ثم يمكنهم إعادة بناء المفهوم من جديد على الوجه التالي:

يرى المؤلف أن الحاكمية، آلت إلى كتاب الله المحفوظ ليوم القيامة الذي يحمل شريعة التخفيف والرحمة التي تجعله حاكماً بقراءة إنسانية ومنهجية الجمع بين القراءتين وارتباطهما بالحاكمية (ص 48). حاكمية، تحرر البشرية من التسلط باسم الحق الإلهي كما في القديم، وتعطي الإنسان القدرة على تجديد الأحكام عن طريق منهجية القرآن المعرفية، ليكون القرآن حاكم الأمة الوسط العالمية التي ينطوي تحتها كل البشر. (ص50-51)

كما أكد المؤلف، على أن العالمية وختم النبوة وحاكمية الكتاب كلها خصائص يشد بعضها بعضاً، وتدل كل خصيصة على الأخرى إذا رتبت ترتيباً صحيحاً على النحو التالي:

ا- ختم النبوة ضرورة لعالمية الكتاب، ولتوحيد المرجعية الإنسانية، فلا تتعدد النبوات التالية فيحدث النسخ والتعارض والاختلاف، وليتحمل الإنسان مسؤولياته الاستخلافية.

ب-العالمية، تقتضي تحرير القرآن من خصوصية بيئة النزول، ومن هنا إعادة ترتيبه توقيفاً على يدي النبي صلى الله عليه وسلم، ليتحدد ما هو مطلق وما هو نسبي.

ت-عالمية القرآن، تنسخ الشرائع الحصرية السابقة شرائع الإصر والأغلال بشرائع تتفق مع حاجات البشرية المتجددة قائمة على التخفيف والرحمة وضبط حركة الإنسان في دائرة الأمانة والعمران والابتلاء.

ث-عالمية الخطاب، تقتضي أن تتضمن نصوص الكتاب المحدودة معان مطلقة تكتشف عبر اكتشاف منهجية القرآن المعرفية ضمن وحدته البنائية. (ص62-63)

فحاكمية الكتاب، تعطينا شيئاً آخر مختلفاً، تبدو المسئولية الإنسانية فيه في القراءة والفهم والتطبيق والتنزيل على الواقع واضحة بعكس الرؤى الإسرائيلية والتحريضية للمفهوم. (ص 66-67).وهي، أشبه ما تكون بأدوار مشتركة بين الكتاب الإلهي وقارئيه من البشر، ولكل منهما دوره في وعي الإنسان وقوى وعيه. (ص 67)

  • إعادة تشكيل العقل المسلم في مسألة الحاكمية على هذا الأساس، يستلزم ملأ الأمة فراغين هما:

ا-دور الأمة في العلاقة بين الكتاب والحاكم: من خلال التأكيد على أن القرآن مشاع بين المسلمين ليس لفرقة منهم وحدها فهمه، وأن عصمة النص لا تنسحب على فهم المتعاملين معه.

ب-عدم ادعاء أحد احتكار أدوات الاستنباط من القرآن والسنة.

ت- أي نظام سياسي لا يجوز أن يتضمن مؤسسة وسيطة لتفسير القرآن أو تبيان أحكامه سواء أكانت قضائية تكنوقراطية أو دينية فقهية، تمتلك سلطة التفسير والتأويل في المسائل المتعلقة بالشريعة. (ص 69-72)

  • إعادة صياغة العلاقة بين الحاكم والمحكومين: من خلال تعديل الرؤية الفقهية السياسية الإسلامية للدولة التي لا حدود لها الذي ناسب زمانه، والذي يصطدم بالمفهوم الحالي للدولة الحديثة، حيث يرى المؤلف أن استقراء التاريخ الإسلامي والواقع العالمي المعاصر يوضح أن المركزية لطالما أدت إلى السلطوية والثيوقراطية والاستبداد وتعطيل مصالح العباد وتعطيل العمران القائم على الحريات. (ص 72-74). ورفض التصور التاريخي للخلافة والتنويعات الحداثية له كالكونفدرالية أو الكومنولث. وأكد على أن الوحدة الثقافية للأمة هي الأصل والعماد، ولا يجوز أن تكون السلطوية من محدداتها. وأن المسلمين في ظل الدولة الحديثة أمامهم ثلاثة سبل: تبني كيان آخر يقتصر عليهم، أو احتكار المجال العام، أو الدخول في تنافسية سلمية في ظل مناخ عام مفتوح للجميع: وهو يرى أن الأولى ضرب من المحال، والثانية فاشية، والثالثة يميل إليها المؤلف ويدعو لتبنيها. وتبني الحل القائم على إرساء دعائم التوحيد واعتباره المشترك لإخراج العباد من عبودية أنفسهم أو عبودية الكيانات التي ابتدعوها إلى عبودية الله حده ثم الدعوة والحوار لإنماء دعائم المشتركات وتضييق مسائل الاختلاف واعتبار المشتركات أمانة على الشعب كله رعايتها وحفظها في إطار سلطات ثلاث متوازنة في إطار ديموقراطي يقوم على الانتخاب مع الأخذ في الاعتبار الانتقادات الموجهة إلى الديموقراطية. (ص74-75)

خاتمة

هذا الكتاب، دليل مكثف لفكر الدكتور طه جابر العلواني-رحمه الله- قدم فيه تصوراً قرآنياً معرفياً لمفهوم الحاكمية، يمكن من خلاله إعادة بناء المفهوم من جديد في هذا العصر مما يسهم في إعادة بناء الامة على أسس جديدة مستمدة من المرجعية القرآنية. لكن تظل رؤية العلواني لمفهوم الحاكمية الهادفة لبيان الآثار المدمرة للاستبداد، وكيفية بناء نظام سياسي للأمة المسلمة لا تسمح بظهور أي مستبد، تثير العديد من الأسئلة التي تحتاج إلى دراسات مفصلة، لعل من أهمها: ما يتعلق بتفصيل رؤيته لإعادة بناء الأمة بشكل لا مركزي وقضية الديموقراطية وكيف نتلافى عيوبها، وكيفية تشغيل منظومة القيم القرآنية العليا من خلال المجتهد الفرد، أو عبر الاجتهاد الجماعي لبناء منظومة المفاهيم الإسلامية وفق المنهجية القرآنية. كما نحتاج إلى حوار معمق لمناقشة فكرته عن الاجماع ونقده له من مدخل جديد بخلاف ابن تيمية في المنهاج أو ابن حزم في الإحكام حيث يرى أن مفهوم الإجماع يستبطن روحاً علمانية يكون الناس فيه مرجعية أنفسهم فلا يرجعون إلى شيء متجاوز.

رحم الله العلواني رحمة واسعة، وقيض لمشروعه الفكري من تلاميذه وعارفي فضله من يكمله إلى نهاياته التي كان يرجوها وعاش لها عمره كله.


[1] العلواني، طه (تقديم)، بناء المفاهيم.ط1.القاهرة:المعهدالعالمي للفكر الإسلامي، 1996م، ج1، ص7-12.

[2] العلواني، طه. العراق.ط1.القاهرة:مكتبةالشروق الدولية، 2005م، ص66 -73.

[3] العلواني، طه جابر.معالم في المنهج القرآني.ط1.القاهرة:دار السلام،2010م، ص 67-68.

[4]العلواني، الوحدة البنائية في القرآن المجيد.ط1.القاهرة:مكتبة الشروق الدولية 2003م،، ص18.

[5]العلواني، طه جابر.الجمع بين القراءتين.ط1.القاهرة:القاهرة:مكتبة الشروق الدولية،2006م، ص20.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.