رمضان في الفلبين..
بقلم: عادل زروق
المسلمون في هذا البلد أقلية، لا تتجاوز نسبتهم ستة في المائة. ويتشكلون في أحياء متقاربة، وأكبر أهدافهم لخدمة الاسلام هو بناء المساجد لتعليم اللغة العربية وحفظ القرآن الكريم، يعلنون هذا الهدف واضحا ويتحركون من أجله بنشاط.
أما المساجد في الفلبين، فهي صغيرة المساحة، فقيرة العدة قليلة العدد، ولكنها تحمل روح التوحيد بين قوم يقولون ثلاثة، ولا يعرفون أن الله واحد فرد صمد، لم يلد سبحانه، ولم يولد.
رحلة البحث عن المساجد في الفلبين هي رحلة شاقة مكلفة وممتعة في الآن ذاته، وتجعلك تلتقي إخوانا لا يجمعك بهم إلا حب الله سبحانه، مسلمو الفلبين عموما هم أهل محبة وأدب وخلق حسن، ويعظمون الوارد عليهم في المسجد كأنه ضيف حل في بيوتهم، والسمة الغالبة عليهم هي الابتسامة والفقر، وإذا تكلمت عن حياة المجتمع في الفلبين فسوف تتكلم طويلا عن صعوبة الحياة.

العادات عندهم تختلف من جزيرة إلى أخرى، وطقوس العبادة كثيرة، والسياحة هي مصدر الدخل الأساسي في أغلب الجزر المعزولة، والمعيشة في الفلبين بالنسبة للسائح هي غير مكلفة.
كنت أود أن أركز الحديث في مذكرات أسفاري على جمال الطبيعة وأشجار جوز الهند وصفاء البحر والرمال البيضاء النقية، ولكن لا يهم البطن في يوم الصوم إلا الطعام، والطعام عندهم بلا طعم، ولو أن الأذواق لا تناقش إلا أن الوجبات الفلبينية عموما تحتاج إلى نقاش، الرائحة واللون والمذاق وطريقة الطهو، كل ذلك عندهم يحتاج إلى نقاش طويل.
كل الأذواق لا تناقش إلا ذوق مطبخ الفلبين، خصوصا في شهر الصيام، والحق أقوله دون مبالغة، لن تجد ما تفطر به في هذا البلد إلا وجبة الأرز مع السمك، وعصير الفواكه الاستوائية.
البارحة كنت أبحث في الأسواق عن الثمر، وافتقدته كما افتقد الرومي شمسه، وكلما حدثني أحدهم في السوق إلا وسألته عن الثمر، أين أجده ؟ وكيف السبيل إليه ؟ وضعت صورة الثمور على هاتفي، وبدأت أسأل التجار والمرشدين، ولكنهم جميعا اعتذروا مع نظرة شفقة متكلفة، رجعت بخفي حنين، وخلصت إلى قناعة أن لا ثمور هنا ولا نخيل إلا نخيل جوز الهند.

ارتبطت أجواء رمضان عندي بالحريرة والشباكية، والحريرة والشباكية هي من سابع المستحيلات هنا، ولا يعرف مطبخ الفلبين وجبة تنافس الطاجين المغربي، وأما الدجاج الحلال في هذا البلد فهو نادر كالكبريت الأحمر، ركبت من أجل الدجاج البارحة مسافة نصف ساعة، في رحلة طويلة أبحث فيها عن بيت اسماعيل، وهو مسلم نشيط، معروف في هذه الجزيرة، بشوش الوجه يحب المساعدة، وجدته مشغولا رفقة والده بتوسعة المسجد، استبشرت خيرا باسماعيل ووالده وتفاءلت بالاسم الجميل “اسماعيل”، تعارفنا مطولا، ثم أخبرني اسماعيل أنهم تلقوا مساعدة مالية مهمة من بعض المسلمين في السويد، وشرح لي كيف أنهم في مشروع كبير لتوسعة المسجد وبناء مدرسة لتحفيظ القرآن، وبين لي حدود المسجد القديم وكيف تيسرت الأحوال عندهم واتسعت مساحة المسجد الآن.
كان اسماعيل يسترسل في مواضيع الدعوة ومشاكل المسلمين في الفلبين، وكان يتحدث بحرقة عن اللغة العربية وأهمية تدريسها للأجيال القادمة من أطفالهم في الفلبين، وبينما كان يتوسع في مواضيع الدعوة وبناء المساجد وتربية الأجيال، كنت أفكر في نداء البطن، وكيف أخبره أن غاية مطلبي في هذه اللحظة هو الدجاج، ابتسمت دون تكلف وأنا أنظر إلى دجاجة سوداء سمينة تصول وتجول في المكان، واسماعيل يخبرني أنهم كانوا في هذه الجزيرة قبل سنوات قليلة ثلاث عائلات فقط من المسلمين، وأما اليوم فعددهم يتجاوز ثلاثمائة، قلت ما شاء الله، وأردت أن أسأله فقط عن تلك الدجاجة السمينة، هل هي ملك عائلة للمسلمين.
شعرت بحرج كبير في موضوع الدجاجة كأنني سأطلب أخته للزواج، عقدت عزمي وقلت له مازحا “هذه الدجاجة الجميلة، إنها لا تخاف أن..”، لكنه قاطعني وأخبرني بطموحه للعام المقبل، وأشار بيده إلى مكان فارغ وهو يقول “أريد أن أفتح هنا مطعما للوجبات الحلال” ، وهنا انتهزت الفرصة دون تردد، شجعته على الفكرة وأخبرته أنني بالمناسبة أبحث عن مطعم للدجاج الحلال، ابتسم اسماعيل وقال اطمئن، حين تذهب إلى الفندق سوف أحضر لك دجاجة مشوية مع أذان المغرب مباشرة.. كانت جملته هذه كالماء البارد على الضمأ، وصدق الطاهر الأمين الذي قال “للصائم فرحتان”، وهنالك تمنيت لو أن رجائي ومطلبي كان أعلى وأغلى من دجاجة.
بعد أذان المغرب مباشرة وصلت الدجاجة المشوية، ومعها طبق من الأرز، ولا أنكر أنني فرحت، وانشرح صدري لإسماعيل، ولا أعرف هل أحببته في الله حقا، أم في الدجاجة المشوية.
-يتبع إن شاء الله-