منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

إشكالات الضعف اللّغوي والقرائي- الأسباب والتجلّيات-

إشكالات الضعف اللّغوي والقرائي- الأسباب والتجلّيات-/  د. حاج محمّد الحبيب

0

إشكالات الضعف اللّغوي والقرائي

-الأسباب والتجلّيات-

 د. حاج محمّد الحبيب[1]  

 

نشر بمجلة النداء التربوي، العدد 25-26، السنة الثالثة والعشرون 1441 هـ – 2020م،

الصفحات من 128 إلى 137

 

ملخص:

إنّ إشكالات الضعف اللغوي والقرائي في المدرسة الجزائرية على سبيل المثال لا الحصر، تستدعي دقّ ناقوس الخطر المحدق بالمنظومة التربوية، فمن دون شكّ فإنّ فضاءات القراءة في الوسط المدرسي، وحتى خارجه متعدّدة ومتنوعة، وهذا تبعا للميزانية المخصصة من لدن الدّولة لإثراء المكتبات المدرسية، وتحديثها، وعصرنتها من خلال ربطها بالشّبكة العنكبوتية، والمكتبات الافتراضية العالمية بما يتماشى والمتطلّبات الحديثة خدمة للقراء، وتعزيزا للمقروئية، إلاّ أنّ  هذا لم يساهم بقدر كاف في حل الإشكالات المطروحة التي لها علاقة بهذا الموضوع، الأمر الّذي يستدعي التفكير في  آليات فعّالة للتّحفيز على تنميتها، حتى تكللّ المجهودات الفردية، والجماعية الدّاعية إلى تطويرها في مجتمعنا بالنّجاح وتساهم بقدر كاف في الرفع من مستواها.

الكلمات المفتاحية: المقروئية، صعوبات التعلّم، الضعف اللّغوي، التّطور اللّغوي

Titre de l’article:

Les problématiques de la faiblesse linguistique et de la lisibilité – les raisons et les manifestations –

Résumé: Les problématiques de la faiblesse linguistique, et de la lisibilité à l’école algérienne à titre d’exemple, nécessite de tirer la sonnette d’alarme  pour le  système éducatif, il ne fait aucun doute que les espaces de lecture dans l’école, et même en dehors d’elle sont  nombreux et variés, et cela en fonction du budget alloué par l’État pour enrichir les bibliothèques, et les synchroniser en les reliant à internet, et aux bibliothèques virtuelles internationales en conformité avec les exigences modernes des lecteurs, et de la lisibilité, mais cela n’a pas contribué suffisamment à résoudre les problèmes soulevés à ce sujet, ce qui nécessite de  penser à des mécanismes efficaces afin que les efforts individuels et collectifs dans notre société soient couronnés de succès et contribuent suffisamment à élever leur niveau.

Mots-clés: la lisibilité, les difficultés d’apprentissage, la faiblesse linguistique, le développement linguistique.

Title of the article:

Problems of linguistic weakness and readability -reasons and manifestations –

Summary:   The problems of linguistic weakness, and the readability to the Algerian school as an example, require to sound the alarm bells for the educational system, there is no doubt that the reading spaces in the school, and even outside of it are numerous and varied, and that according to the budget allocated by the State to enrich the libraries, and to synchronize them by linking them to the Internet, and to the international virtual libraries in accordance with the modern requirements of the readers and readability, but this has not contributed enough to solving the problems raised in this regard, which requires thinking of effective mechanisms to ensure that individual and collective efforts in our society are successful and contribute raise their level.

Keywords: readability, learning difficulties, language weakness, language development.

مقدّمة:

لا تخفى أهمّية مرحلة التّعليم الابتدائي، باعتبارها قاعدة وعماد التّكوين، عن الأسرة التّربوية بطاقميها البيداغوجي والإداري، وعن الأولياء والشّركاء الاجتماعيين، من جمعيات، ونقابات التّربية، حيث تعدّ فترة اكتساب أبجديات العلوم، والمعارف المختلفة. ويعدّ تعليم اللّغة العربية بطريقة ميسّرة، وسليمة في هذه الفترة من عمر التّلميذ، ضمن الأوليات الّتي تركّز عليها وزارة التّربية الوطنية الجزائرية، وهو ما دعاها للتّنبيه لضرورة العناية بها واتقانها من خلال تعزيز المقروئية . فتلقين اللّغة العربية للطّفل في هذا السّن المبكر من العمر، ليس بالأمر الهيّن على رغم استعداداته الفطرية لاكتساب اللّغة الفصيحة، وهذا يعود إلى عوامل عدّة، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، الرّصيد اللّهجي المكتسب من المحيط الاجتماعي المباشر، وتداخله وتأثيره على السّلوك اللّغوي للّطفل، والواجب مراعاته داخل القسم من خلال المزاوجة بينه وبين الفصيح، وتقويمه تدريجيا. حيث نجد دعاة تيسير تعليم اللّغة العربية، يركّزون على أهمّية استثمار المكتسبات اللّغوية للطّفل قبل تمدرسه، كونه ليس صندوقا فارغا يتّم حشوه في المدرسة، وإنّما التحق بهذا الفضاء التّعليمي التّربوي برصيد لهجي، يجب تهذيبه شيئا فشيئا، لتفادي اصطدام المتمدرس بواقعه اللّغوي الجديد.

1.صعوبات التّعلّم

يحكم الكثير من المدرّسين على بعض التلاميذ بأحكام قاصية، وينعتونهم بشتى الأوصاف القبيحة، اعتقادا منهم بأنّ هؤلاء التلاميذ ضعفاء، وغير قادرين على استيعاب الدّروس، غير أنّ هذه الأحكام القيمية تعود غالبا إلى  نقص خبرة المعلّمين في مجال التربية والتعليم، وعدم إلمامهم بإعاقات المتمدرسين وعاهاتهم، التي تندرج ضمن حيّز صعوبات التّعلّم التي تتنوّع من بيئة لأخرى، كما تتفاوت درجة حدّتها من مجتمع لآخر، غير أنّه بإمكاننا حصرها وتمييزها عن بعضها البعض، فمنها ما يتعلّق بإعاقة ذهنية، أو جسدية كالحبسة الكلامية، أو اللّجلجة[2]. فهذا النوع من الإعاقات هو الأكثر شيوعا في مجال التّعليم والتّعلّم، وهو مصنّف كمرض من أمراض الكلام، فأفازيا بروكا أنواع وأشكال قد تختلف من مصاب لأخر، فمنها الاستقبالية أو الحسّية وتسمى كذلك بأفازيا فرنيكة، حيث تكون حاسة السّمع سليمة، ولكن الألفاظ تفقد معناها لدى السّامع، كما لو كانت من لغة غير اللّغة الّتي يتخاطب بها المريض نفسه، غير أنّ ما يميّز المصاب بها هو تلك الطّلاقة في التّعبير مقارنة بالمصاب بالأفازيا التّعبيرية.[3]

كما نميّز نوعا آخر يسمى بأفازيا تسمية الأشياء وهي أفازيا نسيانية، حيث يجد المصاب صعوبة في تسمية الأشياء المعروضة عليه، لكّنه يستطيع ربطها بمجال استعمالاتها عوض ذكر أسماءها، أمّا بالنّسبة للشاملة منها أو ما تسمى بالأفازيا الكلّية، فهي عبارة عن عجز شديد في كلّ الوظائف المتعلّقة باللّغة، فقدرة المصاب على الكلام والفهم معيبة أو لا توجد نهائيا، ولكنّه يستطيع التعبير عمّا يريده بالإشارات مثلما يفعل الصّم البكم. وغالبا ما تكون هذه الإعاقة ناتجة عن إصابة بليغة في نصف المخ الأيسر، الّذي له علاقة بإنتاج الكلام وفهم اللّغة. كما نميّز نوعين آخرين من أمراض الكلام متمثلين في الأفازيا التّواصلية، والأفازيا الممتدة، أو العابرة لمناطق القشرة الدّماغية[4].

والأفازيا ليست وحدها الّتي تعيق التّعلم، فهناك التلميذ الّذي يعاني من الإعاقة البصرية، ويمكن أن ندرج ضمن هذه الفئة من الناحية العلمية الإجرائية، كلّ من يحتاج إلى برامج وخدمات التّربية الخاصة، بسبب وجود نقص في القدرات البصرية، والتّصنيفات الرئيسية لهذه الفئات هي الكفيف، وضعيف البصر[5].

كما أنّ هناك تلاميذ يعانون من الإعاقة السمعية، وهذه الفئة يكون لديهم قصور سمعي أو بقايا سمع، ومع ذلك فإن حاسة السمع لديهم تؤدى وظائفها بدرجة ما، ويمكنهم تعلم الكلام واللغة، سواء باستخدام المعينات السمعية، أو بدونها، ويعني ذلك أن المعاق سمعياً يعاني عجزاً أو اختلالاً، يحول دون استفادته من حاسة السمع لأنها معطلة لديه، ويتعذر عليه أن يستجيب استجابة تدل على فهمه الكلام المسموع، ومن ثم فهو يعجز عن اكتساب اللغة بالطريقة العادية[6].وبالإضافة إلى هذه الإعاقات الّتي لها علاقة بالحواس، قد نميّز إعاقات أخرى تندرج ضمن ما يسمى بالخلل في القدرات النّمائية، الّتي يترتب عنها صعوبات في الانتباه، والإدراك، والتّفكير، والذاكرة، وتتجلى بوضوح في مجالات أساسية في التّعلّم، ونعني القراءة، وفهم المقروء، وفهم المسموع، والكتابة، والتّعبير، والإملاء، والخط…[7].

أماّ بالنّسبة للصعوبات الخارجية، أو ما يسمى بصعوبات التّعلم المترتبة عن المحيط الاجتماعي، وتأثير البيئة المباشر على المتعلّم، فيكمن تلخيصها في الفروق الاجتماعية والثقافية، والاقتصادية بين المتعلّمين. فالطّفل الّذي يعيش في ظروف ملائمة لاكتساب العلوم والمعارف، قد يكون أكثر حظا من ذلك الذّي يحرم من الجو المساعد على التّعلّم. غير أنّ عامل الموهبة قد يحدث الفارق برغم انعدام بيئة سليمة، ومهيأة لاكتساب المعرفة. بالإضافة إلى ما ذكرنا سابقا فإنّ بعض الصعوبات لا تعود لإعاقة، أو هي نتيجة فروق اجتماعية أو حرمان بيئي، وإنّما تعود لطبيعة التّعلم المعقّدة في حدّ ذاتها، والّتي قد تحمل بعض التناقضات، وبخاصة في المجالات الأساسية للتّعلّم كالقراءة والكتابة، والتّعبير، وفهم المسموع إلى غير ذلك من المهارات. الّتي هي ناتجة بالأساس عن تطوّر في القدرات النمائية، والأكاديمية[8].

2.الضعف اللّغوي في مادّة اللّغة العربية

2.1.الأسباب المعنوية

يستدعي تعليم اللّغة العربية الفصحى للطّفل، مراعاة المثلث البيداغوجي وتفاعل ثلاثي التّعليم والتّعلّم بشكل سليم، يسمح للمعلّم من جهة بأداء المهام المنوطة به على أحسن وجه، ومن جهة أخرى يستفيد المتعلّم، ممّا قدّم له من مفاهيم لغوية منتقاة تتماشى ومستوى فهمه، وهذا الإعداد والاستعداد يهدف بالدّرجة الأولى لتفادي عقبة الانتقال من اللّغة الأم، إلى اللّغة الأولى الّتي هي العربية الفصيحة. كما أنّ استغلال وحسن توظيف الرّصيد اللّهجي، الّذي ليس ببعيد عن الفصيح من لدن مدرّس محنك، ييسر تعليم اللّغة العربية في المراحل الأولى من تمدرس الطّفل[9].

وقد أثبت الواقع في المدارس الجزائرية على سبيل المثال، أنّ إدراك الطّفل لأهمّية اللّغة واهتمامه بالعربية على وجه الخصوص في المرحلة الابتدائية، يتحقّق بشّكل جيّد حينما يفهم أنّها أداة من أدوات الحياة العامة، وبطبيعة الحال لا يمكن لهذه الأداة أن تبلغ منزلتها الحقيقية في مخيّلته كمتمدرس، وعند أهلها ولدى مستعمليها بشكل عام، ما لم تعنهم فيما هم فيه ومقبلين عليه[10]. فلا يكفي من منظورنا تلقين الطّفل المتمدرس جمال اللّغة العربية، وما فيها من أدب وفكر، وتراث أمّة، ودين أجناس، ما لم ييسر توظيفها داخل القسم، وخارج أسوار المدرسة. ولا يتحقّق هذا إلاّ من خلال حسن اختيار مدرّس اللّغة العربية، وانتقائه بصدق وأمانة وشعور بالمسؤولية، وتجهيزه بالعلم التّربوي الحديث، بما فيه من طرائق عامة وخاصة، تمكّنه من فهم صعوبات التّعلّم والتّعليم، لتأدية رسالته النبيلة على أحسن وجه[11].

1.1 .2 الأسباب المادّية:

من الأسباب المادية الّتي تعرقل مسار التّكوين الجّيد في مادّة اللّغة العربية، نقص الأدوات البيداغوجية داخل القسم وانعدامها أحيانا، وبالخصوص ما تعلّق منها بالوسائل السّمعية البصرية، والّتي أثبتت نجاعتها في معالجة الضعف اللّغوي في بعض الأقسام النّموذجية كونها تشدّ انتباه المتعلّم، وتجعله يتفاعل معها بشكل ايجابي[12].إنّ توظيف الصّورة بشكل مكثف في المرحلة الابتدائية، يسمح للتّلميذ بتخزين صورة ذهنية، لحرف من الأحرف المدروسة، أو الكلمات المعروضة في السّبورة أو الكتاب، وللأسف تفتقر كتبنا المدرسية على رغم إدخال تحسينات عليها، إلى بعض التّقنيات الحديثة، الّتي نقف عليها في الكتب المدرسية الأجنبية، والمثمثلّة في إدماج الصورة في الكلمات للتّفريق بين المتاشبهة منها في النّطق، والمختلفة في الكتابة خاصة بالنسبة لمن يعانون من مشكلة مرضية، تؤدّي إلى تكرار الأخطاء الإملائية’ la dysorthographie’ [13].

3.سبل تقويم الضعف اللّغوي:

3.1 المقروئية:

إنّ نسبة المقروئية في الوسط المدرسي الجزائري وحتى خارجه مخيّبة للآمال، وهي تشكّل هاجسا يأرّق وزارة التربية والتّعليم، وأولياء التّلاميذ على حدٍ سواء، لكونها جدّ ضعيفة وتكاد تكون شبه منعدمة في المدرسة والمنزل، وذلك بحسب تقارير اللّجان البيداغوجية المكلّفة بالمتابعة على مستوى وزارة التربية والتّعليم الّتي دقّت ناقوس الخطر، وحاولت من خلال استشاراتها الموسّعة مع الشركاء الاجتماعيين، كجمعيات أولياء التّلاميذ، ونقابات التّربية والتّعليم، والمختصّين في علم النّفس التربوي، والخبراء البيداغوجيين تدارك النّقص الفاضح في الهياكل القاعدية بالمؤسسات التّربوية كمكتبات المطالعة، وكذلك إعادة النّظر في الميزانية السّنوية المخصّصة لاقتناء الكتب، والسّعي لتعديلها بما يتلاءم ومتطلّبات العصر الحديث، واحتياجات التّلاميذ وكيفية التّحفيز على المقروئية وتطويرها وتنميتها بشكل مباشر، وفعال، وايجابي في الوسط المدرسي الجزائري.

3.1.1.تشخيص أسباب النّفور من القراءة:

تتعدّد أسباب النّفور من القراءة وتختلف من فرد لآخر، وهذا ما يستلزم البحث في الدّوافع المشتركة بين هؤلاء الأفراد، ومعرفة الأسباب المؤدّية لترك الكتاب وإهمال القراءة، أو عدم الاكتراث بها كغذاء فكري[14].ولعلّ أوّل شيء يشدّ الانتباه هو تأثير المحيط الاجتماعي المباشر المتمثّل في الأسرة. فالطّفل الّذي ينشأ في عائلة متكوّنة من أفراد مثقفين، سيتأثر لا محالة بالجوّ المحيط به خاصة إذا تربى في أحضان أولياء مواظبين على قراءة الكتب، أو على الأّقل الجرائد. كما أنّ وجود مكتبة عائلية في المنزل قد يساهم بشكل فعّال في تحبيب القراءة للطّفل، خاصة إذا احتوت هذه المكتبة على كتب تتماشى ومستواه، واحتياجاته، ورغباته، كالقصص وكتب الثّقافة العامة[15]، بعكس الطّفل الّذي ينشأ في وسط اجتماعي متخلّف فقد يحرم من تنمية قدراته المعرفية عن طريق القراءة، ولا يجد ما يقرأه في منزله باستثناء الكتاب المدرسي، والّذي غالبا ما يجد نفسه مضطرا لقراءته خوفا من عقاب معلّمه وليس رغبة منه في القراءة. وهنا تكمن الفارقية بين تلاميذ القسم الواحد وتختلف اهتماماتهم بالكتاب، والقراءة[16].ولهذا فإنّ البيئة الاجتماعية قد تلعب دورا إمّا إيجابيا أو سلبيا في تنمية مستوى المقروئية لدى الطّفل قبل التحاقه بالمدرسة.

3.1.1.1.أسباب اهتمام المتمدرس بنوع معيّن من الكتب

إنّ نسبة المقروئية في الجزائر على سبيل المثال لا الحصر ولّت منذ سنوات السبعينيات، الّتي كانت بمثابة العصر الذهبي للمقروئية سواء عند المتمدرسين أو غيرهم، وهذا يعود إلى نقص الاحترافية في مجال النّشر، والطّباعة في بلادنا، وكذلك ضعف القدرة الشرائية في ظل غياب سياسة تدعيم سعر الكتاب كما كان عليه الحال سابقا، بالإضافة إلى غياب ثقافة القراءة في مجتمعنا ممّا أدى بديهيا إلى التّدني المباشر للمقروئية في الوسط المدرسي الجزائري بشكل خاص، وعند عامة الجزائريين بشكل عام. غير أنّنا على الرّغم من ذلك نجد بعض أنواع الكتب، مثل كتب التّمرّن على حلّ المسائل الرّياضية، أو تحليل المقالات الفلسفية، والأدبية إلى غير ذلك من الكتب الشّبيهة أو ما يسمى باللّغة الفرنسية “les annales”، مازالت تثير اهتمام المتمدرسين خاصة المقبلين منهم على الامتحانات، أو تلك المتعلّقة باختصاص الطّالب في الجامعة، وهي في حقيقة الأمر لا تعدو أن تكون مجرّد وسائل آنية، يراد من خلالها بلوغ هدف معيّن وهو النّجاح في الامتحان، أو الحصول على شهادة التّخرج وليس قراءتها من أجل التّثقيف. وبذلك يمكن وصف هذه القراءة بالموسمية الّتي تفتضيها الضّرورة العلمية والّتي لا تساهم بشكل جدّي في الرّفع من نسبة المقروئية[17].وبالتّالي تكون الإفادة بها والاستفادة منها جدّ محدودة.

4.1.1.1.1 .تقنيات رفع مستوى المقروئية في الوسط المدرسي

هناك بعض المحاولات والاجتهادات الفردية، والجماعية المحتشمة الّتي ساهمت بشكل جدّ ايجابي في رفع مستوى المقروئية بالوسط المدرسي الجزائري، نذكر منها على سبيل المثال انتهاج بعض مدراء المؤسسات التّربوية سياسة تحفيزية متمثلة في تكريم التّلاميذ المتردّدين بشكل دائم، ومستمر على مكتبة المطالعة في المدرسة، بجوائز تمنح لهم نهاية كلّ فصل دراسي، وكذلك تخصيص رحلات ترفيهية، وخرجات في الهواء الطّلق لمن يقرؤون كتابا في الأسبوع، ويقدّمون ملخّصا للأستاذ المسؤول عن القسم. ولعلّ هذا الفعل البيداغوجي وإن كان محدودا، ومتعلّق فقط بمستوى الطّور الابتدائي، والمتوسّط وبشكل أقل بالنّسبة للتعليم الثانوي، فإنّه أتبث فعاليته في تنمية الميول القرائية لدى المتمدرسين، لكون المطالعة تعدّ علاجا تربويا، وسلوكيا من شأنه الرّفع من المستوى الثقافي للفرد، الّذي يعدّ عنصرا أساسيا في المجتمع. وبالتّالي فإنّه كذلك من مسؤولية أولياء التّلاميذ، مساعدة المعلّمين في أداء مهامهم اتجاه المتمدرسين، والمساهمة المباشرة في تنمية ملكة القراءة لدى أطفالهم منذ نعومة أظافرهم، كما أنّه من واجب القائمين على شّؤون التّربية والتّعليم في مجتمعاتنا العربية والإسلامية بصفة عامة، وضع سياسات للتّشجيع على حمل الكتاب وقراءته، وجعل هذا السّلوك الحضاري ضمن الأولويات الّتي تساهم في التحاق مجتمعاتنا بركب الدّول المتحضّرة[18].ولعلّ الخطوات الّتي أقدمت عليها بعض الدّول الأوروبية للتحفيز على المقروئية، كمجانية التّنقل عبر الحافلة، أو القطار لمن يقرأ كتابا فيها طول مدّة الرّحلة، لا خير دليل على مكانة القراءة والمقروئية عند الشّعوب المتقدّمة، باعتبارها المحرّك الأساسي لنهوض، ورقي، وازدهار المجتمعات.

 4.الخاتمة

إنّ عملية التعليم بصفة عامة وتعليم اللّغة العربية في الأطوار الثلاثة بصفة خاصة، من المهام الصّعبة ولكن النبيلة الّتي من شأنها بعثها، وإخراجها من ذلك الجمود الّذي أحاط بها نتيجة عدم تيسير نحوها وصرفها. فوجود لغات شريكة وقوية، يلزم رواد لغة الضاد محاولة تدارك أمرها قدر المستطاع من خلال التشجيع على المقروئية باللغة العربية، تاركين مهام مواصلة رعايتها للأجيال المستقبلية، كونه في اللّغة العربية جمال وقوّة، ولا أدّل على ذلك برغم ركوضها في عصرنا الحالي، وفي مجتمعاتنا العربية بصفة خاصة، من عمرها المديد، وصمودها إزاء كلّ أنواع الغزو.


المراجع:

[1]. نصر الله عمر: بطء التّعلّم والصعوبات، دار وائل للنّشر، عمان، ط 1، 2000

2.عجاج خيري: صعوبات القراء والفهم القرائي، دار الوفاء للطّباعة، المنصورة، ط1، 1998

3.البسطامي غانم: المناهج والأساليب في التربية الخاصة، مكتبة الفلاح للنشر والتوزيع، الكويت، ط1، 1995

4.جمال القاسم: أساسيات صعوبات التّعلّم، دار صفاء للنّشر والتوزيع، ط1، 2000

5.يوسف القريوتي: جميل الصمادي: عبد العزيز السرطاوي: المدخل إلى التربية الخاصة، دار القلم للنشر والتوزيع، العين، ط1 1995

6.مجدي عزيز: المنهج التربوي وبناء الإنسان، القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية، 1994
7. إبراهيم أبو نيان: صعوبات التّعلّم، طرق التّدريس والاستراتيجيات المعرفية، الناشر الدّولي للنّشر والتّوزيع، السعودية، 2014

8.فاروق الروسان: قضايا ومشكلات في التربية الخاصة، عمان، دار الفكر للطباعة والنشر، 1997

9.كوثر حسين: اتجاهات في المناهج الحديثة وفي المنهج وطرق التدريس، القاهرة، عالم الكتب، 1997

10.جمال الخطيب: مقدمة في الإعاقة السمعية، عمان، دار الفكر للطباعة والنشر، 2005

11.أشرف غريب: القراءة السّريعة بأسلوب النّجمة، ط1، 2002

12.سعاد بوعناقة: فضاءات القراءة المتاحة للطّفل الجزائري، cybrarian journal العدد 38 يونيو، 2015

13.مورتمر أدلر: وتشارلز فان دورن: ترجمة طلال الحميصي: كيف تقرأ كتابا الدّار العربية للعلوم، ط 1، 1995

14.ينظر فهد بن صالح بن محمّد الحمود: قراءة القراءة، مكتبة العبيكان.


[1]  دّكتور بمركز البحث العلمي والتقني لتطوير اللّغة العربية –الجزائر02-‏

البريد الإلكتروني:‏ habibhadj@hotmail.com

[2]. نصر الله عمر: بطء التّعلّم والصعوبات، دار وائل للنّشر، عمان، ط1، 2000، ص: 190

.[3]عجاج خيري، صعوبات القراء والفهم القرائي، دار الوفاء للطّباعة، المنصورة الطّبعة الأولى 1998 ص 95

. [4]البسطامي غانم، المناهج والأساليب في التربية الخاصة، مكتبة الفلاح للنشر والتوزيع الطّبعة الأولى الكويت 1995م ص 56

[5]. جمال القاسم: أساسيات صعوبات التّعلّم، دار صفاء للنّشر والتوزيع، ط1، 2000، ص:70

[6]. يوسف القريوتي: جميل الصمادي: عبد العزيز السرطاوي: المدخل إلى التربية الخاصة، دار القلم للنشر والتوزيع، العين، ط 1، 1995، ص: 68

[7]. مجدي عزيز: المنهج التربوي وبناء الإنسان، القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية، 1994، ص: 95

[8]. إبراهيم أبو نيان: صعوبات التّعلّم، طرق التّدريس والاستراتيجيات المعرفية، الناشر الدّولي للنّشر والتّوزيع، السعودية، 2014، ص: 45

[9]. فاروق الروسان: قضايا ومشكلات في التربية الخاصة، عمان، دار الفكر للطباعة والنشر، 1997، ص: 75

[10]. كوثر حسين: اتجاهات في المناهج الحديثة وفي المنهج وطرق التدريس، القاهرة، عالم الكتب،1997، ص:55

 . المرجع السّابق، ص: 58[11]

[12]. جمال الخطيب: مقدمة في الإعاقة السمعية، عمان، دار الفكر للطباعة والنشر، 2005، ص :63

[13]. إبراهيم أبو نيان: صعوبات التّعلّم، طرق التّدريس والاستراتيجيات المعرفية، الناشر الدّولي للنّشر والتّوزيع، السعودية، 2014، ص: 50

[14] . أشرف غريب: القراءة السّريعة بأسلوب النّجمة، ط1، 2002، ص: 51

[15] . سعاد بوعناقة: فضاءات القراءة المتاحة للطّفل الجزائري، cybrarian journal، العدد 38 يونيو ،2015، ص: 05

[16] . المرجع نفسه، ص: 07

[17] . مورتمر أدلر: وتشارلز فان دورن: ترجمة طلال الحميصي: كيف تقرأ كتابا، الدّار العربية للعلوم، ط1  1995 ، ص: 365-669

[18]  – ينظر فهد بن صالح بن محمّد الحمود، قراءة القراءة، مكتبة العبيكان ص 15

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.