مبادئ أولية لحفظ توازن الأسرة المسلمة في الغرب
بقلم: صلاح الدين المساوي
1/قدسية الأسرة.
في الحقيقة موضوع الأسرة المسلمة والعلاقات الزوجية يكتسي أهمية قصوى لدى كل مسلم ومسلمة في كل زمان و مكان، بل يعتبر أولى الأولويات؛ لأنه هو سِرّ النجاح أو الفشل لكل فرد في المجتمع. وتزداد أهميته في الغرب خصوصا، لأن الأسرة هناك، فقدت روحها وتم إفراغها من معانيها الجليلة التي كان يأوي إليها بنو الإنسان، ويستلذ طعم الحياة بها ومعها وفي كنفها؛فالأب والأم والزوج والزوجة والأخ والأخت …إلخ ،هذه عناصر مقدسة في الإسلام، وهي نواة أساسية لكل مجتمع إنساني قوي ومتماسك، ولذلك ليس من العبث أن يلح القرآن على الإحسان للوالدين، ويوصي بالمعاشرة بين الزوجين بالمعروف،والإخلاص في الأخوة الروحية عموما والطينية خصوصا…
بعد هذه الإشارة السريعة لأهمية الموضوع نتساءل هل واقع الأسرة المسلمة في الغرب يبعث على الاطمئنان ؟
والجواب هو في الحقيقة صادم ومخيف ، وأقول هذا بحكم تجربة الإصلاح بين الناس التي خولت لي الاطلاع -كإمام مسجد- على كثير من أحوال بيوت المسلمين التي رأيناها متصدعة، توشك ان تنهار على أصحابها، فمنها من إستطعنا إقامتها بفضل الله تعالى، ومنها من ثبت برهة من الزمان ثم تهدم وتشتت وقطع الاوصال والعياذ بالله. ولهذا أقول حذار من الأخطار التي تهدد بيوت المسلمين، وليتجند الجميع للحفاظ على قدسية الأسرة وسريان الحياة فيها . وإن أشدّ معاول الهدم الطلاق، فماهي أسبابه ودوافعه؟
2/كسر الأسرة: الطلاق.
ومن أسبابه الظاهرة والباطنة:
1_ سوء العشرة؛بحيث يعامل أحد الزوجين الآخر معاملة سيئة مشينة فظيعة ،ابتداء من العنف اللفظي إلى الجسدي، وهيمنة الأعرابية في القول والعمل، مما يؤدي إلى تدخل السلطة الأمنية وتطبيق إجراءات قانونية سريعة لفض النزاع، و تقويض أركان الأسرة من أساسها.
2_الفتور العاطفي وفقدان المشاعر بين الزوجين؛بحيث تسيطر هموم المعاش اليومي ، والسعي الحثيث لتحسين الأوضاع المادية هنا وهناك ،على اقتفاء طرق السعادة الروحية التي تملأ البيت الأسري حبا وتقديرا.
3_تغليب أحد الزوجين مصلحته الفردية، وعدم التشاور والتعاون، وتقدير مصلحة الطرف الآخر، فتسود في الأسرة روح الفردية و السيطرة.
4_الغضب وسرعة الانفعال، من أعظم أسباب هدم الحياة الزوجية، وليس عبثا أن يوصي النبي الكريم صلى الله عليه وسلم رجلا ويوجز في كلمة “لا تغضب”.
5_إفشاء المشكلات الزوجية وعدم احتوائها،
6_ضعف الوازع الديني، هو سبب خطير لهدم الأسرة، حيث يتأسس البيت الزوجية على طموحات مادية محضة، ولا شيئ إسمه الرقائق والخوف من الله و الإحتكام إلى شرعه.
7_ زواج المصلحة؛(من اجل الحصول على أوراق الإقامة مثلا) سواء من جهة الرجل أو المرأة.
8_السعي إلى التعدد العرفي(زواج الفاتحة)، في تستر تام عن الزوجة الأولى ، لكن عندما ينكشف امر الزوج ومَكرِه يؤدي في غالب الأحيان إلى الطلاق؛ لأن المرأة تعتبر هذا خيانة لها ولعب بعواطفها وكذب عليها.
9_طغيان المادة على الروح: فتجد بعض الأزواج يصرفون كل أوقاتهم من أجل الكد والسعي لجمع الأموال والجري وراء السراب على حساب الاسقرار الاسري ومستقبل الأبناء تربية وتحصيلا، فالرجل يعمل بالليل والمرأة تعمل بالنهار ولا يلتقيان إلا في آخر الأسبوع …وأي لقاء يكون!! ( إنه لقاء وهن ومرض وشكوى ومشاكل وحسابات…) ولا وحول ولا قوة إلا بالله. فما العمل إذن؟
3/أهم قواعد النجاح في الزواج:
مما لا شك فيه أن كل مشروع ناجح لابد له من أسباب ومقدمات وقواعد يجب إحترامها وتطبيقها للوصول إلى الهدف المنشود. والزواج كمشروع دنيا وآخرة ينبغي أن يحظى بالعناية الكبرى والفائقة لأنه “ميثاق عليظ” ،وفي هذا السياق
بلغني أنه في ماليزيا لا يسمح بالزواج إلا لمن
يملك”الرخصة ” مثلها مثل رخصة السياقة تماما، بمعنى لابد لمن يقبل على بناء أسرة أن يتعلم المبادئ الأساسية والقواعد المهمة في الحفاظ على قدسية الأسرة واستقرارها. وهذه فكرة مهمة في اتخاذ أسباب النجاح والحد من نسبة الطلاق المهول لدى المسلمين عموما.
و إن القاعدة العامة في استقرار الحياة الزوجية وإعطاء النموذج الناجح هو قوله تعالى”ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون”
فالمودة كلمة جامعة لكل معاني الرقة والحنان ، كما تعني البشاشة والصفاء والميل والرغبة والتعبير عن الاشتياق.
والرحمة هي التسامح والعفو والصبر والابتعاد عن القسوة والغضب والعنف،فأيما بيت تأسس على هذه المعاني الربانية الجميلة،إلا وأصبح جنة وسعادة لأصحابه.
ثانيا:“المعاشرة بالمعروف” بمعنى خدمة الرجل لأهله، والتفاني في إسعاد زوجه ،وإظهار صدق حبه والبقاء على عهده و وفائه،وللأسف ما نراه من سلوك بعض الرجال المتزوجين شيئ محزن و مخجل؛ فمنهم من لا يجالس زوجته إلا عند تناول الطعام أو قضاء رغبته، وباقي أوقاته يقضيها بين العمل والمقهى، ومنهم من لا يدرك حتى معنى”أحبك”ولا تلفظ بها يوما، بل يعتبرها عيبا وحراما وخصوصا بين أبنائه!!! ونسي أن رسول الله حينما سئل عن أي الناس أحب إليك قال:عائشة، بدون ادنى مركب نقص ،بل تعمد ذكر إسمها تعظيما لها ،وتشهيرا بحبها ليشهد العالم انه يحبها ويفتخر بها.
فلنعد إلى السنة الصحيحة إن كنا نروم الفلاح.
ولما سئلت أمنا عائشة ما كان يصنع النبي في بيته؟ قالت كان يكون في مهنة أهله”
والمهنة لغة الحذق بالخدمة والعمل.
وقالت أيضا” ما كان إلا بشرا من البشر يفلي ثوبه ويحلب شاته ويخدم نفسه”
وبالإضافة إلى الخدمة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتقن لغة المشاعر والعاطفة والهيام ،فكان يناديها يا عائش: تحببًا، وتحسنًا لمكانتها المميزة في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان يلقبها رضي الله عنها ب “الحميراء” .وهذا اللفظ معناه البيضاء؛ لأن أم المؤمنين كانت بيضاء رضي الله عنها.
قالت: دخل الحبشة المسجد يلعبون، فقال لي: «يا حميراء! أتحبين أن تنظري إليهم»، فقلت: نعم، فقام بالباب وجئته فوضعت ذقني على عاتقه، فأسندت وجهي إلى خده”، قالت: “ومن قولهم يومئذ أبا القاسم طيبًا” فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حسبك» فقلت: يا رسول الله لا تعجل، فقام لي ثم قال: «حسبك» فقلت: “لا تعجل يا رسول الله” قالت: “وما لي حب النظر إليهم، ولكني أحببت أن يبلغ النساء مقامه لي ومكاني منه”.
فتأمل معي كلمات “وضعت ذقني على عاتقه” و”أسندت وجهي إلى خده” إنه تعبير في قمة الحب والجمال…وهل يتكسر بيت تسري فيه هذه المعاني والأذواق!!!
ثالثا: النظر إلى الجوانب الجميلة سواء في المرأة أو في الرجل
فلا يخلو إنسان من عيب، ولكن إذا كره منها خلقا رضي منها خلقا آخر،
رابعا: الابتعاد عن المقارنة الزوجية والتطلع إلى الآخرين. فالزواج هو رضا بقسمة الله وسعي إلى إنجاحه وفق ضوابط شرعية وعقلية وعاطفية.دون الالتفات والمقارنة بالآخر ، فما تزهد فيه انت قد يكون مرغوبا عند غيرك، وما تبحث عنه انت قد يكون مرفوضا عند غيرك، وهكذا لن يتحقق الكمال أبدا إلا بالرضا والقناعة بقسمة الله.
خامسا: الثقة المتبادلة بين الزوجين، والصدق والإخلاص في تسيير دوالب الحياة اليومية، فلا مجال للشك أبدا، وحتى لو ضَبط أحدٌ شيئا على الآخر ،فليغض الطرف عليه ولا يحقق إلى مالا نهاية، وإلا سيجلب عليه ويلات شيطانية ووساوس نفسية لا تنتهي.
4/الحكم الأجنبي او الأهلي:
التدخل الأجنبي لإصلاح ذات البين لا أفضله إطلاقا،مادام الأمر قابلا للعلاج بين الزوجين أنفسهم، وهذا أمر ممكن في غالب الأحوال ؛وأعطيك مثالا على ذلك أن امرأة حدث بينها وبين زوجها بعض الشنآن ،فلم تكلمه منذ أيام، وذات يوم كان يدعو بعد صلاته رافعا يديه، قائلا بصوت حزين “يارب ترجع لي سعاد ديالي” فلما سمعته خلسة منها، جاءته مسرعة وارتطمت في حجره قائلة”هاهي رجعها لك ربك واتهالا فيها”.
تقول هذا وهي تضحك…! تُرى كم هو جميل هذا الموقف!!! فتصور معي لو تدخل الأجنبي بينهما ،ثم رجعت المياه إلى مجاريها، فإن عورة البيت الزوجية تصير مكشوفة – سيما إذا لم يكن مأتمنا على السر- ،مما قد يتسبب في انهيار معاني الود والرحمة تماما ، ثم تصير الحياة بلا معنى ولا ذوق!!!
لكن إذا تفاقم المشكل ولم يعد الزوجان قادران على حله، فهنا لابد من استدعاء حكم من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما، وهذا” الحكم الأهلي” ينبغي أن يكون حكيما وأمينا.
وعلى المسلمين -في بلاد الغرب -إنشاء هيئة خاصة مستقلة، تتوفر فيها شروط الفهم والحكمة والتؤدة والمسؤولية، يلجأ إليها عند الاقتضاء لمعالجة ما يمكن معالجته، وهذا ميسر والحمد لله ، فقط يحتاج إلى الإرادة والإهتمام من طرف القيميين على المساجد لتفعيل وظائفها الروحية السامية ،التي تسعى لاستقرار الاسرة والمجتمع معا.
5/توصيات هامة لبناء الأسرة:
أهم ما يمكن ان نوصي به الشباب المسلم المقبل على الزواج
أولا: إختيار الزوج الصالح”إختاروا لنطفكم فإن العرق دساس”
ثانيا: عدم الإغراق في الماديات وكثرة الإستهلاك ؛بمعنى آخر على المرأة ألا تثقل خطيبها بكثرة المطالب، وعلى الرجل أيضا ألا يطلب المستحيل.
ثالثا: إلتماس رضا الوالدين في الزواج ماأمكن ،فدعاؤهم يفيض بركة وسعادة.
رابعا: التدريب على تحمل مسؤولية الزواج حتى لا يصطدم هو ،وتفزع هي في اول امتحان يجريانه بعد مرور سحابة الحب العابر!!! إما بشكل فردي عن طريق صحبة الناجحين في زواجهم، أو بولوج مؤسسة تدريبية على الزواج، التي يجب على المسلمين إحداثها والعمل على تأسيسها من أجل التخفيف من المخاطر التي تضرب الأسرة في عمقها الإستراتيجي.
خامسا: إنفتاح الآباء و الأمهات على أبنائهم ومحاورتهم في الموضوع قصد تحقيق التواصل المطلوب ،و مساعدتهم على تحمل المسؤولية.
والله المستعان.