الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعد، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هديه ورشده.
وبعد؛ فقد جاءني سؤال يقول صاحبه: “سمعت بأن سبق المأموم لإمامه يبطل الصلاة، وأنا في بعض الأحيان أسبق الإمام في الانتهاء من قراءة السورة؛ فهل صلاتي باطلة؟ وماذا أفعل في هذه الحالة؟ هل أعيد قراءة نفس السورة؟ أو أضيف سورة أخرى؟ أفيدونا جزاك الله خيرا”.
الجواب والله الموفق للصواب:
سبق المأموم لإمامه هو على ثلاثة أنواع:
- سبق حرام مبطل للصلاة،
- وسبق حرام غير مبطل للصلاة،
- وسبق غير حرام ولا مبطل للصلاة:
● الأول: سبق حرام يبطل للصلاة؛
- إذا سبقه في أحد أمرين:
1) تكبيرة الإحرام التي يدخل بها في الصلاة؛ لأنه حينئذ يكون قد دخل الصلاة قبل إمامه فلا تنسحب عليه المأمومية.
2) التسليم الذي يخرج به من الصلاة.
فمن فعل أحد الأمرين عمدا أو جهلا بطلت صلاته، ومن فعله نسيانا أو سهوا أو خطأ(1) بطلت صلاته إذا لم يَعُدْ للصلاة ليعيد ما سبق فيه إمامه من التكبيرة أو السلام؛ ودليله ما روى أبو داود والترمذي عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ اللهﷺ: «مفتاح الصلاة الطُّهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم»(2).
وتفاديا لبطلان الصلاة ينبغي للإمام أن يسرع في تكبيرة الإحرام والسلام؛ بل قد عدَّه بعض المالكية من علامات فقه الإمام؛ فيسرع ويوجز فيهما مع إعطاء المد الطبيعي حقه بقدر حركتين، ولا يمطِّط فيهما كما يفعل البعض بقدر ست حركات أو أكثر؛ فتبطل صلاة من وراءه إذا سبقه بسبب تمطيطه؛ كما لا يخطفهما كما يفعل البعض أيضا ليظهر علامات فقهه فيخل بالمد الطبيعي، وقد نظم البعض هذه العلامات فقال:
وأربعٌ تُعَــــدُّ من فقـه الإمام سرعةُ إحرامٍ وسرعةُ سلام
دخوله المحراب بعد أن تُقام تقصيـره جلوسَ أولٍ يُرام(3)
● الثاني: سبق حرام لا يبطل الصلاة؛
- إذا سبقه في أحد أمرين:
أ) في التكبير وسط الصلاة فيما بين تكبيرة الإحرام والسلام؛ من تكبيرة الركوع والسجود والقيام، وكذا التحميد؛ أي: “اللهم ربنا ولك الحمد” إذا قال الإمام: “سمع الله لمن حمده”.
ب) في أفعال الصلاة؛ من الركوع والسجود والرفع منهما والجلوس.
فمن سبقه في هذين عمدا أو جهلا فقد ارتكب حراما وصلاته صحيحة؛ كما في القاعدة: “وعصى وصحت”(4)، ولا شيء عليه في ذلك سهوا أو نسيانا أو خطأ.
● الثالث: سبق ليس بحرام ولا يبطل الصلاة؛
- إذا سبقه في أحد ثلاثة أمور:
في القراءة السرية للفاتحة والسورة ومسألتنا منها، أو في الأدعية والأذكار الواردة في السجود والركوع، أو في قراءة التشهد الأول والأخير، ولا شيء عليه إن شاء الله.
وأصله: ما جاء عن الإمام مالك أنه: “سئل عن الرجل يقرأ مع الإمام فيما أسر فيفرغ من السورة التي ابتدأها فيقرأ معه بغيرها إذا ختمها، وربما قرأ بالسورتين والثلاث قبل أن يفرغ الإمام؟ قال: نعم يقرأ بذلك؛ قال ابن القاسم: يعني أن يقرأ إذا فرغ من السورة غيرها ولا يقيم ساكتا؛ وقال ابن رشد الجد: هو مخير: إن شاء قرأ كما قال، وإن شاء سكت، وإن شاء دعا، الأمر في ذلك كله واسع”(5).
والله أعلم وهو سبحانه الموفق للصواب.
● الهامش:
(1) السهو هو: غفلة القلب عن الشيء بحيث يتنبه بأدنى تنبيه، والنسيان هو: غيبة الشيء عن القلب بحيث يحتاج إلى تحصيل جديد ولا يفيده التنبيه. والخطأ هو: ما ليس للإنسان فيه قصد، أو فعل شيء غير صواب مع اعتقاد صوابه. انظر: الكليات للكفوي: (ص:506 و576)، والتعريفات للجرجاني: (ص: 134).
(2) سنن أبي داود: كتاب الطهارة: باب فرض الوضوء: (رقم 61)، وسنن الترمذي: كتاب الطهارة: باب ما جاء أن مفتاح الصلاة الطهور: (رقم 3).
(3) حاشية محمد الطالب بن الحاج على الشرح الصغير لميارة: (1/184).
(4) قاعدة فقهية من نص مختصر خليل يقصد بها كل من صلى وهو متلبس بحرام؛ كلباس الحرير والذهب والثوب المسروق أو وهو ينظر إلى عورة محرمة. انظر: منح الجليل شرح المختصر لعليش: (1/228).
(5) البيان والتحصيل لابن رشد الجد: (1/359)، والتوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب للشيخ خليل: (1/345)، ومواهب الجليل في شرح مختصر خليل للحطاب: (1/524).