الحلقة 8: الفعل الماضي
هكذا علَّمتني (الأفعال) في اللغة العربية! الأفعال: ماض ومضارع وأمر. ذ/المصطفى مسالي
- تعلمت أن الأفعال ثلاثة: ماض ومضارع وأمر؛ ومَضَى الشيءُ يَمْضِي مُضِيّاً ومَضاء ومُضُوًّا: خلا وذهب، والأفعال التي تصدر من العبد ثلاثة: فعل مضى وفعل هو مشتغل به في الحال، وفعل يأتي لا يدري ما يفعل الله فيه، وفي الحديث: “المومن بين مخافتين: بين أجل مضى لا يدري ما الله صانع به، وبين أجل قد بقي، لا يدري ما الله قاض فيه، فليتزود العبد من نفسه لنفسه، ومن دنياه لآخرته ومن حياته لموته، فو الذي نفس محمد بيده ما بعد الموت من مستعتب، وما بعد الدنيا من دار إلا الجنة والنار”، إذ تعلمت أن الماضي لا دَوامَ له، فينبغي أن تُـدرِكْ فيه أمانيك، ولا تدعه يمضي عنك، وكن حاكماً على وقتك لا محكوماً عليه بوقته؛ فإن لكل وقت حق كما يقول ابن عطاء الله السكندري رحمه الله: “إذ ما من وقت يرد إلا ولله عليك فيه حق جديد وأمر أكيد. فكيف تقضي فيه حق غيره وأنت لم تقض حق الله فيه؟ “فسريان فعل الماضي في المستقبل راجع لقضاء حق الله فيه؛ والأفعال التي سبق بها القدر ثلاثة: أفعال سابقة، وأفعال لاحقة تابعة للسابقة، وأفعال حاصلة؛ كما يقول الإمام القشيري رحمه الله. وآداب الماضي تكمن في: قضاء حق الله فيه، وأخذ العبرة منه والغيبة عنه، فإن تذكر المرء ما مضى من إساءته جدد الندم والاستغفار، وإن تذكر ما سلف من إحسانه حمد وشكر.
- تعلمت أن الماضي مفتوح الآخِرِ أبدا، ومنه تعلمت صفاء الابتداء؛ فالماضي: أي الزمن الماضي الذي اشتغل فيه صاحبه بأنواع الطاعات والقربات مفتوح آخره بالفتح الكثير الكبير أبدا، لأن البدايات مجلاّت النهايات، فمن أشرقت بدايته أشرقت نهايته، ومن كانت بدايته مُحرقة كانت نهايته مُشرقة، وهذه القاعدة أبصرها الصالحون قديما، ووصفها أحدهم محذرا: “إنما تتولد الدعاوى من فساد الابتداء، فمن صحت بدايته: صحت نهايته، ومن فسدت بدايته: فربّما هلك.”، بل يهلك في الغالب؛ ولذلك جزم الآخر قائلا: “من لم يصح في مبادئ إرادته: لا يسلم في منتهى عاقبته.”، وما هو ولا نحن بناسين لمشيئة الله التي تهدي وتثبت وتختار، لكنه ينطلق من تجارب ومعاناة؛ ولذلك تعلمت من الفعل الماضي ضرورة العناية بالبدايات وصحتها وصفائها؛ وقد حصر البحتري صحة البدايات في معنيين معلمين: نفس تضيء، وهمّة تتوقدُ، وهما شرطان متلازمان متتابعان: النية الصالحة والهمة العالية. ولأبي الأسود الدؤلي: واضع علم النحو، رحمه الله هذين البيتين:
وَكُلُّ امرىءٍ واللَهُ بِالناس عالِمٌ**لَهُ عادَةٌ قامَت عَلَيها شَمائِلُهُ
تَعَوَّدَها فيما مَضى مِن شَبابِهِ**كَذَلِكَ يَدعو كُلَّ أَمرٍ أَوائِلُه
- تعلمت من الفعل الماضي أن أشغل كل الأوقات، وأن يكون الوقت بمثابة ميزانية أنفق منها، لأن الوقت هو عبارة عن الحال وهو ما يقتضيه الاستعداد؛ فعلى على قدر استعدادك تعطى، وإنما هي: لحظة قائمة وحاضرة ولا شيء غيرها، ليس قبلها ماض، وليس بعدها مستقبل، وينبغي أن يكون القلب فيها منجمعا، فتصبح اللحظة هي كل الحياة، أنضر ما تكون وأسعد ما تكون، لأن العبد يعيشها بكل إحساسه مع الله، وأن: “خير أوقاتك: وقت تشهد فيه وجود فاقتك، وترد إلى وجود ذلتك”؛ كما قال ابن عطاء الله السكندري فيه، ولسامي البارودي:
لا جَاهَ لِي إِلَّا بِطَاعَتِهِ**وَلَنِعْمَ عُقْبَى الطَّاعَةِ الْجَاهُ
أَنَا خَاشِعٌ لِجَلالِ قُدْرَتِهِ**مُتَقَلِّبُ الْجَنْبَيْنِ أَوَّاهُ
فَأَضَالِعِي لِلْوَجْدِ نَارُ غَضىً**وَمَحَاجِرِي بِالدَّمْعِ أَمْوَاهُ
زَهَتِ الْقُلُوبُ بِنُورِ حِكْمَتِهِ**وَتَعَطَّرَتْ بِالذِّكْرِ أَفْوَاهُ
إِنْ تَاهَ غَيْرِي بِالزَّمَانِ فَلِي**قَلْبٌ بِذِكْرِ اللَّهِ تَيّـَاهُ
- تعلمت من الفعل الماضي أن انقطاع التجارب وعدم تواصل الأجيال يورث ارتفاع البركة التي تجعل القليل كثيرا، والواطئ عاليا، والواسع ضيقا، والصلد ناطقا، وإن أي لحظة انقطاع إفلاس وأي إفلاس، وضرب لأخماس بأسداس، بل المنهاج العملي المتكامل من ضربت جدوره عُمْقاً، وجلس أصحابه من قبلُ بين يدي جيل أكبر، فيتم التلقين، وتحميل الأمانة والفهم، في انتقال للمسؤوليات هادئ مسترسل، غير مشوب بقضاء قاض أو نزعة نفس، ولا صاحبه صخب نزاع، فيكون اتصال وتسلسل السند والنسب، ومن ظن أنه سيبني ويجدد على غير أساس، فقد أوغل في الوهم، وصار على طريق الهدم؛ وسوف لن تلامس البركة كيانه، وسيحرم من أنفاس المتعاقبين العطرة، وسيصبح نكرة، فالاستناد إلى كيان عريق ومنهاج أصيل من مستلزمات الارتقاء والإيغال في الدرب الطويل، وهذا لا ينفي ضرورة الاجتهاد والإبداع والإضافة النوعية الواعية.
- تعلّمت من الفعل الماضي ألا أتعلق بآلام الماضي وخلافاته، فالعصر حقل مَنْبِتِ الفرد وقاعة امتحانه. إن التفت إلى الماضي فإنما يلتفت أولا ليتأمل سيرة الذين سبقوه بالإيمان. سبقوه إلى مستقبل هو أمامَه أملٌ ساطع ونور لامع. ويلتفت ثانيا ليتلقى من السابقين شرع الله الذي على منهاجه سلكوا، وبأحكامه مَلَكوا؛ إذ لا يستبين له مستقبل إن لم يعرف ماضيه. وإن كان من يستفيض في الكلام عن تحديث المباني وعن تحرير العقل من أوْهاق الماضي وعن ضرورة حرق المراحل للحاق بالركب الحضاري فنحن وَقفتُنا الطويلةُ عند الفرد المؤمن وما ينبغي أن يسكُن قلبَه وعقلَه من نية ويقين مستَعصَمٌ يمسكنا عن الهذيان المحموم لتكون خطانا على منهاج النبوة ثابتة. وكيف يكون أمر العبد فيه إبطاء، والأمر جد والحساب قريب؟ ليس يدري متى الموت، وما هو بضامن نفسه، فليركب مطايا الجد، وليتخيل يوم استيفاء الحقوق.
فعندما يغيب الحامي..ينشط الحرامي
وهناك ثقل دنيوي..ينبغي أن يغسل بالنور الإيماني…
(يتبع)
هكذا علَّمتني (الأسماء) في اللغة العربية! الأسماء: صحيح ومعتل -ذ.المصطفى مسالي
هكذا علَّمتني (الأسماء) في اللغة العربية! الأسماء: صحيح ومعتل-المصطفى مسالي
هكذا علَّمتني (الأسماء) في اللغة العربية! الأسماء: صحيح ومعتل- المصطفى مسالي
هكذا علَّمتني (الأسماء) في اللغة العربية! الأسماء: صحيح ومعتل- المصطفى مسالي
هكذا علَّمتني (الأسماء) في اللغة العربية! الأسماء: صحيح ومعتل- المصطفى مسالي
هكذا علَّمتني (الأفعال) في اللغة العربية! الأفعال: لازم ومتعدّ. ذ/المصطفى مسالي.
هكذا علَّمتني (الأفعال) في اللغة العربية! الأفعال: لازم ومتعدّ. ذ/المصطفى مسالي.