منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

مأساة خرساء (قصة قصيرة)

مأساة خرساء (قصة قصيرة)/ محمد بوعنونو

0

مأساة خرساء (قصة قصيرة)

بقلم: محمد بوعنونو

ساعده المفتول، طوله الفاره، صوته الجهوري، كلها مواصفات جعلته يعجب بأبيه غاية الإعجاب، ويكبره غاية الإكبار، ويقدره منتهى التقدير والاحترام.

كان الأب يقرأ هذا الإعجاب في نظرات ابنه إليه، الشيء الذي يبعث في قلبه على الفخر والاعتزاز، ويجعله يبالغ في إظهار القوة والرجولة، لا يبالي في ذلك بالمخاطر أو الصعوبات، وإنما يسعى لإرضاء ابنه الذي لا يرى في عالمه الصغير شخصا أقوى من أبيه.

رافقه ذات يوم إلى المرعى حيث اعتاد أن يسوق أغنامه الهزيلة، فظهر له أن يبدي لنجله فصلا آخر من فصول الرجولة، وآية أخرى من آيات قدرته الخارقة، فعزم على القفز من صخرة إلى صخرة، بين الأولى والثانية مقدار أربعة أمتار.

وبينما نظرات الابن موجهة إلى أبيه في إعجاب وافتخار، وهو متأكد أيما تأكد من أن أبيه سيفعلها بكل سهولة، خانت القوة هذا الأب المسكين، ولعب به قدمه أثناء القفز، فهوى على رأسه في سقوط قوي فارق على إثره الحياة.

بقي الطفل مشدوها من هول المنظر، ثم ما لبث أن صرخ صرخة مزقت أوصاله، وهو يرى أباه الذي لا يقهر صريعا وسط بركة دماء، منظر رهيب شكّل عقدة نفسية في ذات الطفل البريئ، ولأن المصائب لا تأتي فرادى، فقد فَقَد منذ هذه اللحظة القدرة على الكلام، مع عاهة عقلية رافقته طيلة الحياة.

مضت الأعوام كأنها برق أو بُراق، وظلت العاهة العقلية ملازمة له، والعجز عن النطق مصاحبا إياه، كان يهدأ حتى يعتقد الناس أنه قد نسي الحادثة، ثم يثور حتى يظن البشر أنه لن ينعم بالراحة أبدا، فلم تخرج حياته البئيسة عن ثنائية الهدوء والثورة، الصبر والغضب، الشفاء والمرض…

ذات مساء من شهر أبريل، حيث يجر الربيع ذيلوه في كبرياء مفسحا للصيف المكان والزمان، تبدت أمامه صورة أبيه مدرجا في دمائه، فثار وخرج مسرعا لا يلوي على شيء…

في الصباح وجده الناس في الغابة وقد انتحر شنقا، ليضع حدا لمعاناته، ويعبر للناس أن مأساته، التي لم يستطع يوما أن ينطق بها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.