منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

تقويم التعلمات وتحقيق الجودة

تقويم التعلمات وتحقيق الجودة/ ذ. بوبكر الزناتي

0

تقويم التعلمات وتحقيق الجودة

بقلم: ذ. بوبكر الزناتي

 

نشر بمجلة النــداء التربـوي، العدد 16-17، السنة العاشرة 1429 هـ-2008،

الصفحات من 107 إلى113

 

تتطرق هذه الوثيقة التكوينية-التي نريدها وقفة تأملية للعاملين التربويين- إلى الدور التوجيهي الذي يلعبه التقويم التربوي بالنسبة للعملية التعليمية التعلمية، وتقدم بعض الإجراءات التربوية المساعدة على تحقيق تقويم تربوي فعال، وينبغي لنا الاعتراف منذ البداية بوجود معيقات عديدة -تتفاوت في درجات حدتها حسب البيئة التربوية التي يعمل فيها المدرس- تحد من التطبيق الفعال للتقويم التربوي، لكن ذلك لا يشكل سدا منيعا أمام المدرس لبناء استراتيجية للتقويم التربوي تتناسب وأقسامه الدراسية، وتستوجب هذه العملية بالطبع توفر الخبرة الكافية في ميدان القياس والتقويم لدى المدرس والتضحية بوقت إضافي بالنسبة للمبتدئ في هذا الميدان التربوي.

فالمدرس “-كالطبيب-” يتبع الحالة “-المرضية-” المدرسية للمتعلم ويقدم الوصفة العلاجية المناسبة، لكن نادرا ما تكفي الملاحظة المباشرة، لذلك يلجأ المدرس لتشخيص دقيق باستعمال أدوات القياس و التقويم و التي من شأنها أن تساعد على اكتشاف مصدر التعثر المدرسي الذي يشكو منه المتعلمون سواء على المستوى الجماعي أو على المستوى الفردي بالنسبة لكل متعلم، ويمكن أن تستدعي هذه العملية في بعض الحالات التعاون مع مدرسي القسم الواحد و/أو الإدارة و / أو أولياء أمر التلميذ.

فما هو إذن التقويم التربوي؟ وما هي آثاره في توجيه العملية التعليمـية التعلمـية؟ و ما هـي الإجراءات التربويـة المساعـدة على تحقيـق تقويم تربوي فعال؟

وقبل محاولة الإجابة على هذه التساؤلات، من اللازم أن نعرف مفهوم القياس الذي يصاحب عمليات التقويم التربوي و يعطي لها معنى سواء كان هذا القياس كميا أو كيفيا. القياس في الميدان التربوي يعني إسناد رمز أو عدد لامتحان شفهي أو كتابي أو حركي وفق قاعدة منطقية، أما في معناه الواسع فهو يفيد الدراسة العلمية لأنظمة التنقيط لأي نوع من أنواع الامتحانات المدرسية، بهدف إصدار أحكام أكثر موضوعية على مدى تحقق أهداف تربوية مسطرة –ومدروسة- مسبقا عند ممتحن أو مجموعة من الممتحنين، و بالتالي إعطاء دلالات واضحة لعمليات التقويم التربوي.

يجسد التقويم التربوي بالنسبة للعملية التعليمية التعلمية الأداة الفاعلة الموجهة تخطيطا و تنفيذا وتحصيلا لأنه عملية (أو مجموعة عمليات) تشخيصية، شمولية، تعاونية، علاجية، مستمرة في الزمان تهدف إلى تسهيل وتسريع و توجيه العملية التعليمية التعلمية:

تشخيصية: لأنها تهدف أساسا إلى الكشف عن نواحي الضعف والقوة في تعلمات (طريقة تدريس)التلاميذ (المدرس).

شمولية: لأنها تشمل جميع مكونات المنهاج الدراسي (وسائل التعليم، أساليب التدريس…) و تنصب على وجه الخصوص على مجالات الأهداف الثلاثة: المعرفية، الوجدانية والمهاراتية.

تعاونية: لأنها تتطلب التشاور والتنسيق مع عدة أطراف لإعداد خطط العمل (التلاميذ، زملاء المدرس، أولياء  التلاميذ…)

علاجية: لأنها تساعد في تصحيح أخطاء تعلمات التلاميذ وأيضا في تصحيح العمل التدريسي لدى المدرس.

مستمرة في الزمان: لأنها ترافق عمليات التعليم والتعلم من بداية السنة (الفترة) الدراسية إلى نهايتها 1.

و كلما كان التقويم التربوي هادفا و علميا ومنظما ساعد ذلك على تحقيق الأهداف التربوية و بدرجة عالية من الجودة.

و تتعدد الطرائق والأساليب والتقـنيات المستخدمة في تقويـم تعلـمات التلاميذ، ملاحظــات، مقابـلات شخصـية، أنشطة مختلـفة، فـروض منزلـية، امتحانات مدرسية…

لكن فهم التقويم التربوي نظريا شيء بينما تدبير تطبيقه الميداني شيء آخر، فالتقويم التربوي لا علاقة له بأي ممارسة إحصائية يُكتفى فيها باستعمال النتائج الكمية كمؤشر لتقدم التلاميذ، دون جني أي منفعة تربوية من ورائها، إن اعتماد هذا النهج الكلاسيكي التقويمي الذي يطابق بين نتيجة النشاط التعلمي والمستوى التحصيلي للتلميذ، لا يساهم إلا في إبطاء قياس التعلمات وفي تكريس الفشل الظرفي لدى التلميذ إلى فشل دائم كما يساهم أيضا في زرع الخوف من التعثر الدراسي لدى التلميذ عوض إغناء الإحساس بالنجاح المدرسي لديه. وتجدر لإشارة إلى أن للأحكام الصادرة عن المدرس كتابيا أو شفهيا علاقة وثيقة بتطور نوع الإحساس لدى المتعلم (فكلما تكرر الحكم الإيجابي ساعد ذلك على تكوين إحساس بالإيجابية لديه تجاه التعلم والاجتهاد والمدرسة، وكلما تكرر الحكم السلبي ساعد ذلك على تطوير الإحساس بالفشل الدراسي لدى التلميذ، وقد يتطور ذلك إلى تعطيل لوظائفه المعرفية وإلى كراهية التعلم والمدرسة وكل ما له صلة بهما.

– فعلى المدرس أن يكون واعيا بذلك باعتبار أنه في التقويم التربوي ينبغي احترام الشخص قبل أي شيء آخر.

إذا فالتقويم التربوي يمحور دور المدرس حول تقوية كل تلميذ للتحصيل الجيد للبرنامج الدراسي. لكن نجاح المدرس في هذا المسعى متفوق إلى حد بعيد بتوفره على مميزات شخصية ومهارات وظيفية نرى أن أهمها في:

-دراية جيدة بالمادة الدراسية وبأساليب وطرائق وتقنيات التدريس وتقنيات القياس والتقويم.

-القدرة على النمو والاستفادة المستمرة من الخبرات والمعارف التي تتطلبها عمليات التدريس.

كفاية في مجال الاتصال والتعامل الإنساني.

-القدرة على الضبط والتوجيه.

هذا ويمكن أن نميز عموما بين نوعين من التقويم التربوي المصاحبين لعملية التدريس:

التقويم الإجمالي والتقويم التكويني. فالتقويم التكويني هو ذلك التقويم الذي يهدف إلى تحقيق تدرج مستمر وإيجابي لوحدات تعلمية منفصلة عن البرنامج الدراسي وينصب خلال المشوار التعليمي التعلمي على جمع معلومات تساعد-إذا أحسن استغلالها- على ضبط النشاط التعليمي لدى كل تلميذ بالتعرف على مواطن ضعفه ثم اقتراح وسائل لمعالجتها بسرعة”  وعلى تصحيح الأداء التدريسي لدى المدرس، وبالتالي “تأهيله للعب دوره كمكون وكمرشد فعال..ويبين الرسم التوضيحي ذلك:

شكل 1: رسم توضيحي افتراضي لمظاهر دور التقويم التربوي التكويني في توجيه عوامل وعمليات التعليم والتعلم(1).

أما التقويم الإجمالي فهو التقويم التربوي الذي يهدف إلى إصدار حكم حول درجة إنجاز مجموعة من التعلمات ومن ثم توجيه التقويم التكويني. ويلجأ إليه لاتخاذ قرارات حول:

-الانتقال إلى المستوى الأعلى(من وحدة تدريسية إلى أخرى أو من مستوى دراسي إلى آخر).

-التحقق من التكامل المعرفي للتعلمات  لدى التلميذ.

-التوجيه التربوي للمدرس/للتلميذ.

ولكن الأمر الذي يتوجب الالتفات إليه لضمان صحة هذا التوجيه التربوي هو صلاحية علامات(نقط) التحصيل المدرسي أولا،أي أن تكون علامات التلميذ معبرة فعلا عن واقع تعلما تهم، ثم ثانيا مناسبة الطرق المختارة لتحليل وتفسير هذه العلامات.

(بتشخيص دقيق لأسباب تعثرات/نجاح التلاميذ) قصد تسيير/ضبط التدخلات البيداغوجية).

فالتقويم التربوي الجيد(أو الفعال) هو ذلك التقويم التربوي الذي يمكن التلميذ من التعلم، فلا يلزم أن يبين ببساطة أن التلميذ نجح/فشل في الامتحان المدرسي، بل يلزم أن يوجه التعلم/التعليم نحو تقوية خطوط النجاح لجميع تلاميذ القسم الدراسي الواحد.وكما سبق ذكره يلزم إعطاء عناية كافية لتفسير علامات التلاميذ. فالمدرس مدعو لطرح أسئلة عديدة يضعها كفرضيات أولية قبيل بدئه عملية تشخيص أسباب التعثر أو النجاح في النشاط التقويمي.فماذا تعنى بالنسبة للمدرس مثلا العلامتان20/18و20/02 اللتان حصل عليهما تلميذان من قسم واحد؟

يوضح الجدول الافتراضي التالي بعض الأحكام/ الفرضيات التي يمكن أن تصدر عن المدرس تبعا لهذه النتائج المدرسية:

 

نقطة تلميذ20/18نقطة 20/02
– تلميذ مجتهد وكفء!

– المدرس قدم درسا جيدا

– الامتحان كان في متناول التلاميذ

-الامتحان اشتمل على جميع الأهداف التربوية المدرسة.

– الامتحان سهل.

– لكن ربما يأخذ التلميذ دروسا إضافية.

 

– ربما حالة غش مدرسي.

– نتيجة منطقية لأن التلميذ يشارك كثيرا/النقطة السابقة تؤكد ذلك؟…

– فشل التلميذ في الامتحان وكفى!

– تلميذ لم ينل حظا وافرا من الشرح (الفهم أثناء الدرس.)

– لم أعر اهتماما لطريقة تعامل التلميذ مع تمارين التقويم التكويني، وهل كانت كافية لتفادي مثل هذه النتيجة.

– هل الامتحان كان واضحا

ـ ضرورة مساءلة التلميذ حول هذه  النتيجة (خاصة وأنه يشارك في القسم)….

 

ولا ينبغي لوظيفة التقويم الإجمالي أن تكون وظيفة إدارية بالدرجة  الأولى: طلب مني أن أنجز فرضين  أو ثلاثة للمراقبة المستمرة، وأتخلص منها بأي الطرق لغرض ملء اللوائح الإدارية دون استعمالات تربوية تذكر، فالمسؤولية تتطلب من المدرس قبل إجراء امتحانات المراقبة المستمرة إعداد التلاميذ بما فيه الكفاية، وأيضا تعويدهم على إنجاز روائز (تقويمات  إجمالية) قصيرة المدة بهدف إغناء الإحساس لديهم بالنجاح وأيضا توجيه عمل المدرس وعمل كل تلميذ.

وفيما يلي بعض الأسئلة المساعدة على توجيه موضوع النشاط التقويمي نحو تحقيق هدفه (أهدافه) التربوي (التربوية):

ـ هل المستوى  التصنيفي  للهدف/ الكفاية تم تحديده جيدا؟

ـ هل صياغة الأسئلة تلائم قدرة التلاميذ على القراءة/ الإجابة؟

ـ هل يحسن التلاميذ استعمال المعارف والمهارات  الملقنة إليهم؟

ـ هل الأدوات المستعملة لهذا التقويم مستوعبة من طرف التلاميذ؟

ـ هل كل التلاميذ مهيئون لهذه المهمة؟

ـ هل المدة الزمنية المخصصة لهذا النشاط التربوي مناسبة؟

ـ ما هي طبائع تعرفات التلاميذ (مفاجئة، فرح، خيبة أمل…..)خلال النشاط التقويمي؟

ـ هل درست بما فيه الكفاية موضوع…….؟

ـ هل قدمت الشروحات الإضافية لبعض التلاميذ حول……؟

ـ هل حرصت على إنجاح التقويمات التكوينية قبل إجراء هذا الامتحان؟

وبعد إنجاز النشاط التقويمي الكتابي المصحح أثناء الدرس أو المحروس أو المنزلي يتوجب على المدرس تحليل نتائج التلاميذ ونقترح على سبيل  التوضيح ثلاثة جذاذات تساعد في تحديد أنواع ومستويات تحصيل التلاميذ:

 

ـ جذاذة رقم1: ترتيب نتائج الاختبار حسب  السؤال والهدف والأجوبة الصحيحة  والخاطئة.

السؤالالهدفالأجوبة الصحيحةالأجوبة الخاطئة
1

2

.

جذاذة رقم 2: إحصاء لتوفر أو عدم توفر هدف ما لدى كل تلميذ.

الهدف (المعرفة المطلوبة)

أسماء التلاميذمتوفرةغير متوفرة
1

2

3

جذاذة رقم3: إحصاء فرز توفر أو عدم توفر تلميذ ما على الأهداف التربوية واقتراح العلاج المناسب بخصوص كل هدف تربوي.

 

التلميذالأهداف/المعارف التربويةمتوفرة/غير متوفرةالعلاج التربوي
1

2

.

هذا ويعترف المدرسون عموما بدور التقويم التكويني في تحقيق النجاح المدرسي حيث يساعدهم التجميع المنتظم لمؤشرات عن تطور تلاميذهم في أثناء السيرورة  التربوية على تسهيل عمليتي التدريس والتعلم ويزيد من فاعليتهما، لكن في الواقع العملي يعتبر   الكثيرون منهم هذه  المهمة كعمل إضافي أكثر من اعتبارها كعمل ضروري ومندمج في سيرورة العملية التعليمية. وفيما يلي نقترح بعض الأسئلة التي توجه المدرس إلى اتخاذ القرارات خلال التقويمين التكويني والإجمالي:

 

أسئلة تمكن من اتخاذ قرارات خلال التقويم التكويني: تصحيح، تعديل إغناءأسئلة لتوجيه اتخاذ القرار خلال التقويم  الإجمالي
ـ ما هي  التمارين الإضافية  التي  بإمكانها أن تساعد “محمد” على اكتساب  هذه المهارة؟

ـ متى يمكنني الالتقاء “بيوسف” لتزويده بشروحات حول….؟

ـ هل التمارين التي أعرضها  على التلاميذ تتلاءم وحاجياتهم التكوينية؟

ـ ماذا يمكنني عمله لكي تكون “عائشة” أكثر اهتماما؟

ـ يونس الذي تواجهه صعوبات ثابتة في التعلم هل هو بحاجة إلى وصاية/ مساعدة؟

ـ هل بإمكان “مريم” أن تتعلم أحسن داخل مجموعة تعلم تعاونية؟

ـ هل يحتاج “خالد” إلى مساعدة نفسية؟

ـ هل بإمكان سعيد أن يمر إلى دراسة الوحدة التدريسية الموالية؟

ـ هل يمكن “لنادية” أن تمر إلى المستوى  الدراسي  الموالي؟ وماذا يمكن عمله لكي يتحقق ذلك؟

ـ هل “سمير ملزم  بتغيير وجهات نظره حول….؟

ـ هل من الضروري أن يسجل “جمال” في برنامج دروس  الدعم؟

ـ هل من الضروري أن ألتقي بوالدي “بسمة” للتشاور معهما بخصوص وضعيتها؟

ـ هل من اللازم علي مساءلة مدرسي “عنتر” الآخرين حول تصرفاته معهم؟

 

 

وتجدر الإشارة إلى أنه رغم بعض المشاكل (المعيقات) التربوية كاكتظاظ الأقسام بالتلاميذ وطول المقررات ونقص الدعم المادي الكافي، استطاع مدرسون أن يستفيدوا من المزايا المتعددة التي يوفرها التقويم التكويني من تحقيق جودة التعليم، فأقبلوا على  الاستزادة المعرفية وتسخير  أوقات راحتهم لتحليل الحاجات الضرورية لإحداث التطور الدراسي المرغوب لدى تلامذتهم إيمانا منهم بإمكانية  النجاح لجميع تلاميذ القسم الواحد.

إن مثل هذا التصرف هو الذي يبرر تحمل المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتق المدرس.


الهوامش:

1/-مأخوذ بتصرف عن عايش زيتون- أساليب تدريس العلوم-دار الشروق للنشر والتوزيع- عمان(الأردن) 1994.

* كلما ما صاحبت المعالجة(التصحيح أو الإغناء) مراحل تنفيذ النشاط التعليمي سهل معها تعديل وتوجيه تعلم التلميذ إيجابيا.

2/-عن محمد زياد حمدان مع إجراء بعض التعديلات.تقييم التحصيل اختباراته وعملياته وتوجيهه للتربية المدرسية- دار التربية الحديثة (الأردن) 1986.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.