العودُ أحمدُ (قصة قصيرة)
بقلم: لخضر حمادي
قبل أيام ذهبت إلى المسجد لأصلي المغرب، عند خروجي لم أجد حذائي…
انتبه بعض المصلين لذلك وتعاطف معي أحدهم مقترحا أن ألبس حذاء آخر أرفع من حذائي المفقود.. رفضت وبقيت أنتظر إلى أن قرأنا الحزب وانفض الجمع ولم يظل أمام الباب سوى ذلك الحذاء الجديد.
ترددت على المسجد لأيام ثلاثة، بلا طائل.. وأنا أتصور ما يمكن أن تقول زوجة حريصة لزوجها وقد فقد حذاء جديدا وأحضر آخر تنفلت من تحت الأقدام فرشته.. يا لتعاسة المسكين، وأقلب الحذاء الجديد وما يزال يحمل لاصقة تنبئ عن “حداثته”، وأبتسم ثم ما ألبث أن أقهقه..
مع ذلك ينتابني نوع من الحسرة وآمل في كل زيارة للمسجد أن أجد صاحبي..
أمس، ذهبت إلى المسجد، وأول ما وقعت عليه عيناي ببابه، حذائي القديم .. يا للسعادة سيستعيد صاحبي ضالته، وأسترجع شرفي…
وضعت الحذاءين جنب بعضهما، ودخلت المسجد، خرجت متأخرا، فوجدت في انتظاري حذائي القديم يستقبلني بالأحضان، بعد أن أخذ صاحبي حذاءه ولم أره أو أعرفه.
عدت سعيدا إلى البيت ضاحكا متأملا…
ذكرت متأملا الواقعة ما كنت سمعته من في رجل مبارك أن أصلنا نفخة علوية ووطننا الجنة ورحلتنا في الدنيا أن نعود إلى هذا الأصل ..
ذكرت الذي رد الله عليه ضالته فصاح قائلا اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح..
ذكرت ما قرأت عند الحكيم بيجوفيتش عن دخول الإنسان العالم برصيد أخلاقي هو ميثاق علوي لم يرثه من آبائه المزعومين..
ذكرت طه عبد الرحمن وتفسير الوجود الإنساني بأنه دخول روحاني..
وخطرت ببالي خواطر وددت لو دونتها، كلها عن العودة والرجوع .. والعود أحمدُ والرجوعُ أصل..
ذكرت ما عُمِّي به علينا في أهمية الحداثة وفريضة التحديث، وقد كان مصطلح الحديث مذموما عند أهله أول ما ظهر، ينعتون به كل توجه مستحقَر مخالف للأصل اليوناني “العظيم”.. يبدو أن “العود أحمد” مشترك إنساني إذن قال عقلي ..
وذكرت وأنا أنظر إلى حذائي المُلهِم، ما سمعته من فِي الرجل المبارك محدثي عن الأصل، أن لباسَ المرء والأرضَ التي يطؤها والسماءَ التي تُظلُّه.. ترتبط به ويرتبط بها حتى إذا مات مؤمن “بكت عليه السماء والأرض”، وأن الذين “فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين..” ينفر منهم كل شيء…
هذا الذي علمنيه حذائي الذي قررت أن آخذه لإسكافي، أعالج عوزه، وأخضعه لعملية “تحديث” فهو أنسب لقدمي، وأريح ..
والسلام على صاحبي من أبى حذاؤه إلا عودا إليه ..
وعليكم السلام ورحمة الله
آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون