منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

توافق فكري

توافق فكري/ فيحاء نابلسي

0

توافق فكري

بقلم: فيحاء نابلسي

في التسعينات أقامت والدتي في رومانيا بضعة أشهر بسبب عمل الوالد، وكانت إلى جوارها في البيت إمرأة رومانيّة تقيم مع ابنتها وأبيها. ومع اختلاف اللغة والثقافة والحضارة، إلّا أنّ والدتي والجارة الرومانيّة كانت لهما لقاءات كثيرة، تواصلتا فيها بالإشارة و بعض الكلمات، وروت كلّ واحدة للأخرى قصصا وسيرا عن حياتها!
عرفت والدتي أن المرأة تخدم والدها المقعد ولم ترض أن تودعه في دار المسنين وأنّها تربي ابنتها بالرغم من هجران زوجها لها وتركها وحيدة، وعندما سألت والدتي جارتها عن سبب هجران زوجها لها مع أنها جميلة وأخلاقها حسنة أشارت الجارة بسبابتيها فوق رأسها وفهمت والدتي السبب.
على الرغم من أنّ اللغة عنصر أساسي في التواصل والتفاهم والتوافق الفكري، إلّا أنّها ليست العنصر الأهم.
عندما يكون في ذهن محاورك ( دائرة ) وفي ذهنك ( مثلّث ) -على سبيل المثال- فاحتمال التفاهم أقل من صفر.
في إحدى الرحلات روت لي صديقة أنّ مشرف الرحلة ظلّ يضايقهم طول الرحلة لأنّهم لا يشاركون في الهيصة، ومع أنّها شرحت له وقالت:”نحن سعداء ومسرورون ولكن نحن نحب تأمّل الطبيعة بهدوء، يمكنكم أن تفرحوا على طريقتكم واتركونا نفرح بطريقتنا” إلّا أنّه أصرّ على رأيه وأجاب: “من لا يُصفّق معنا ويتفاعل مع الجو لن نقبله في رحلة أخرى .”
مع أن الطرفين هنا يتكلمان لغة واحدة إلّا أنه لا مجال للتوافق بينهما، لأن في بال كل واحد منهما تصور مختلف عن الأخر .
نوح عليه السلام وابنه كانا يتكلمان لغة واحدة ومع ذلك لم يفهم الابن نداء أبيه، كان لديه تصور آخر أعاق التوافق الفكري بينهما.
ربما في حالة كهذه تُفكّر أن تماريهم مراءً ظاهراً أو تجادلهم بالّلتي هي أحسن وربما تفكّر باعتزالهم ولكن بكل الأحوال لن يدعوك بحالك.
هنا تفهم خدعة ” تقبّل الرأي الأخر” التي يتبجّح بها اللادينيين، هم يبدأون بمناورة تقبّل الرأي الأخر المتبادل، ولكنهم لا يتوقفون عند مرحلة التقبّل هذه أبداً، فبعد أن تتقبّل عليك أن تحترم وتثني ثمّ تشارك ولن يتوقفوا حتى تصبح واحداً منهم وإلّا لا مكان لك هنا و سينتهي الأمر ب:
” أخرجوا آل لوطٍ من قريتكم إنهم أناسٌ يتطهّرون ”
وهذه هي النتيجة الطبيعة لسنّة التدافع التي يسير عليها هذا العالم ولن تتوقف بأي حال حتى نهاية الحياة .
في هذه المعركة الدائمة لا يمكنك أن تقفَ في الوسط، وعبارة ” لندعَ الدين جانباً” لا تنفع.
لأنّنا أمّة تكون حيثُ تضعُ دينها، فإن هي وضعت دينها على جنب، بقيت على جنب، وإن هي وضعت دينها في المقدّمة عادت إلى المقدّمة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.