التربية على مكارم الأخلاق
ذ. عبد الله الهلالي[1]
نشر بمجلة النداء التربوي، العدد 25-26، السنة الثالثة والعشرون 1441 هـ – 2020م،
الصفحات من 146 إلى 153
الحديث
أخرج الإمام البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها[2]، أنه لما نزل الوحيُ على رسول الله ﷺ في غار حراء لأول مرة، رجع إلى زوجته أم المؤمنين خديجةَ رضي الله عنها فَقَالَ لها وَأَخْبَرَهَا الخَبَرَ: لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ
1. تقديم الحديث
الحديث أخرجه الإمام البخاري في صحيحه في أول باب: كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله ﷺ، وهو الحديث الثالث في الباب بعد حديث: إنما الأعمال بالنيات وحديث الحارث بن هشام الذي سأل الرسول ﷺ: كيف كان يأتيك الوحي؟ وورد الحديث أيضا في صحيح الإمام مسلم[3] في كتاب الإيمان، باب بدء الوحي إلى رسول الله ﷺ باللفظ الآتي: فأخبَرَها الخبر قال لقد خشيتُ على نفسي، فقالت له خديجة رضي الله عنها: “كلَّا أبشر فو الله لا يخزيك الله أبدًا؛ والله إنك لتصل الرحم، وتصدُقُ الحديثَ، وتَحمِل الكَلَّ، وتَكسِبُ المعدومَ، وتَقري الضيف، وتعين على نوائب الحق“؛
وورد الحديث بألفاظ متقاربة وقد قال ابن حجر: “وفي رواية هشام بن عروة عن أبيه في هذه القصة: وتؤدِّي الأمانة” في رواية: وتصدق الحديث وفي أخرى وتؤدي الأمانة
والحديث صحيح متفق عليه، يورده المحدثون في الرؤى الصادقة لرسول الله ﷺ قبل البعثة، وفي بدء نزول الوحي. كما يورد المحدثون أطرافه للدلالة على لقاء الرسول ﷺ ورقة بن نوفل، ورجاء هذا الأخير نصرة الرسول ﷺ عندما يخرجه قومه من بلده. والحديث أيضا نص في الصفات التي اشتهر بها الرسول ﷺ قبل البعثة ودليل واضح على مقالة الرسول ﷺ: [4]«إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»
2.آيات قرآنية وأحاديث نبوية في نفس موضوع الحديث
1.2-آيات قرآنية
ركز القرآن الكريم كثيرا على مكارم الأخلاق وقيم التدين الصحيحة. وقد خصص القرآن سورا كاملة تبسط الآداب والأخلاق وعلى رأس هذه السور: سورة النور التي كتب من أجلها عمر ين الخطاب إلى أهل الكوفة[5]: «علموا نساءكم سورة النور» وقالت بشأنها عائشة رضي الله عنها: «علموا النساء سورة النور» وسورة الحجرات التي يسميها المفسرون سورة الأخلاق والآداب[6] وهناك آيات أخرى كثيرة غير هذه السور تحث على القيم الفاضلة والأخلاق الكريمة وتعتبرها سببا للمغفرة ودخول الجنة. أذكر منها:
1.1.2-«وإنك لعلى خلق عظيم» سورة القلم
2.1.2-«وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا» سورة النساء
3.12-«سَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ » سورة آل عمران
2.2-أحاديث نبوية
1.2.2-«إن أحبكم إلي وأقربكم مني محاسنكم أخلاقا، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني في الآخرة أسوؤكم أخلاقا الثرثارون المتفيهقون المتشدقون»[7]
2.2.2-«لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي، ولو أن تكلم أخاك ووجهك إليه منبسط، وإياك وتسبيل الإزار فإنه من الخيلاء والخيلاء لا يحبها الله عز وجل، وإن امرؤ سبك بما يعلم فيك فلا تسبه بما تعلم فيه فإن أجره لك ووباله على من قال». [8]
3.2.2- »أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقًّا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحًا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه»[9]
4.2.2- حوار جعفر بن أبي طالب مع النجاشي
لما قدم عمرو بن العاص إلى النجاشي يطلب منه طرد وإعادة المسلمين الذين هاجروا إلى الحبشة، جرى حوار شيق بين جعفر بن أبي طالب والنجاشي، أقتطف منه:
«أيها الملك، كنا قوما أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيئ الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، حتى بعث الله إلينا رسولا…فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئًا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام»[10]
3. تعليق قاصد للأستاذ عبد السلام ياسين على الحديث
«في مجتمعات منحلة ينادى المؤمنون غدا لإعادة بناء الأمة. وليس تبنى على الشح والأنانية والأثرة، وهي من أمراضنا الفتنوية. إنما تبنى على خلق جميل، نجد نموذجه الكامل في المصطفى الحبيب صلى الله عليه وسلم. قالت له أمنا خديجة رضي الله عنها حين رجع فزعا من الوحي، وهي أعرف الناس بسجاياه: «كلا والله لا يخزيك الله أبدا! إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق»[11]رواه الشيخان وغيرهما.
4. راوي الحديث
جاء في الإصابة[12] أنها: «عائشة بنت عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي القرشية التميمية، أبوها أبو بكر الصديق خليفة رسول الله ﷺ وأمها أم رومان بنت عامر الكنانية، ولدت عائشة بعد البعثة بأربه أو خمس سنين في الصحيح من رواية أبي معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود أنها قالت: تزوجني رسول الله ﷺ وأنا بنت ست سنين وبنى بي وأنا بنت تسع، وقبض وأنا بنت ثمان عشر سنة»
كناها الرسول ﷺ أم عبد الله. وكانت من أفقه النساء وأعلم الصحابة. كما روى عنها الكثير من الصحابة وأخذوا من علمها. فعن مسروق قال: «رأيت مشيخة أصحاب رسول الله ﷺ الأكابر يسألونها عن الفرائض. وقال عنها عطاء بن أبي رباح: كانت عائشة أفقه الناس وأعلم الناس وأحسنهم رأيا في العامة» وقال عنها الزهري: «لو جمع علم عائشة إلى علم جميع أمهات المؤمنين وعلم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل»[13] ومن مناقبها أنها كانت صوامة قوامة كثيرة الصدقة والمعروف. «أخرج ابن سعد من طريق أم درة قالت: أتيت عائشة بمائة ألف درهم وهي يومئذ صائمة، فقلت لها أما استطعت فيما أنفقت أن تشتري بدرهم لحما تفطرين عليه لو كنت أذكرتني لفعلت»[14]
«ومسند عائشة يبلغ ألفين ومئتين وعشرة أحاديث. اتفق لها البخاري ومسلم على مئة وأربعة وسبعين حديثا وانفرد البخاري بأربعة وخمسين وانفرد مسلم بتسعة وستين»[15] وكانت رضي الله عنها من المكثرين رواية للحديث عن رسول الله ﷺ
وتوفيت رضي الله عنها سنة ثمانية وخمسين وقيل سبع وخمسين ودفنت بالبقيع. وقد صلى عليها أبو هريرة رضي الله عنه.
«عن قيس قال إن عائشة كانت تحدث نفسها أن تدفن في بيتها فقالت إني أحدثت بعد رسول الله ﷺ حدثا، ادفنوني مع أزواجه، فدفنت بالبقيع رضي الله عنها. قال الذهبي تعني بالحدث مسيرها يوم الجمل، فإنها ندمت ندامة كلية، وتابت من ذلك»[16]
5.شرح المفردات والعبارات
1.5-خشيت:
«الخشية خوف يشوبه تعظيم، وأكثر ما يكون ذلك عن علم ما يخشى منه»[17] وأورد القاضي عياض كلاما عجيبا «خشيتُ ليس بمعنى الشك فيما أتاه الله تعالى لكنه خشي ألا يقوى على مقاومة هذا الأمر ولا يقدر على حمل أعباء الوحي فتزهق نفسه»[18]
2.5-كلا:
«تكون لنفي الجواب وتفيد كلا مع النفي ردع المخاطب وزجره وقد تكون كلا بمعنى حقا كقوله تعالى: كلا إن الإنسان ليطغى»[19]
كلا «ردع وزجر وإبطال لقول القائل وذلك أي نقيض الإثبات»[20]. ومن جميل ما ورد عند الكفوي عن كلا: «هي بمعنى الردع والزجر، لكن النحاة حكموا بحرفيتها إذا كانت بمعنى حقا، قال الديربي:
وما نزلت كلا بيثربَ فاعلمنْ ولم تأتِ في القرآن في نصفه الأعلى»[21]
3.5- يخزيك في بعض الروايات وردت بدلها يحزنك.
وللجذر خ ز ي في القرآن الكريم أربعة أوجه: «القتل، العذاب، الذل والهوان، الفضيحة»[22] وفي هذا الحديث تأخذ معنى العذاب والذل والهوان والفضيحة. والمقصود كما ذهب إليه الإمام النووي في شرح صحيح مسلم: «الخزي الفضيحة والهوان»[23] أي تطمئنه أن الله تعالى لا يريد هوانا ولا فضيحة لك بين الناس
4.5-تحمل:
للجذر ح م ل عند الدامغاني[24] ثمانية أوجه. يناسب سياق الحديث منها:
-الإركاب على السفن أو الدواب. كقوله تعالى: ﴿إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية﴾ سورة الحاقة وقوله تعالى: ﴿وحملناه على ذات ألواح ودسر﴾ سورة القمر وبهذا المعنى فإن الرسول ﷺ كان يعين ويحمل من ليس له دابة ولا مركب. وإلى هذا المعنى ذهب صاحب صفوة التفاسير في تفسير قول الله تعالى: ﴿ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه﴾ سورة التوبة
-المؤونة والنفقة. نحو قول الله تعالى: ﴿ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه﴾ سورة التوبة أي تمونهم بالنفقة عليهم.
5.5- الكَل:
جاء في المعجم الوسيط: «الكَلُّ من لا ولد له ولا والد، من يكون عالة على غيره وقال الله تعالى ﴿وهو كل على مولاه﴾، الكل الضعيف»[25] ولعل المعنى المناسب للحديث هو: الفقير والضعيف الذي لا مركب له. أي أن الرسول كان يحمل الضعيف والفقير إما حملا أو تجهيزا او مؤونة
6.5-تكسب:
جاء في المعجم الوسيط «كسبَ فلانا مالا أو علما أو غيره: أناله»[26]. وعند الأصفهاني: «الكسب يقال فيما أخذه لنفسه ولغيره ولهذا قد يتعدى إلى مفعولين فيقال كسبت فلانا كذا»[27]
7.5-المعدوم
المعدوم من العُدم: غير الموجود
«المعدوم: المحظوظ او المجدود الذي ينال ما يحرمه غيره»[28]
وورد عند الإمام النووي أربعة أقول في ” تكسب المعدوم”[29] وهي:
1-تكسب غيرك المال المعدوم أي تعطيه إياه تبرعا فحذف أحد المفعولين
2-تعطي الناس ما لا يجدونه عند غيرك من نفائس الفوائد ومكارم الأخلاق
3- تكسب المال المعدوم وتصيب منه ما يعجز غيرك عن تحصيله
4-تكسب المال العظيم الذي يعجز عنه غيرك ثم تجود به في وجوه الخير وأبواب المكارم
8.5-نوائب الحق
1.8.5-النائبة: «ما ينزل بالرجل من الكوارث والحوادث المؤلمة جمع نوائب»[30] . والأصح أن تطلق على الكوارث والمصائب والشر دون الخير كما جاء في: معجم الأغلاط اللغوية[31]
نوائب الحق قيل هي صروف الدهر وقد وردت رواية فيها: نوائب الدهر. وقيل كان كبار العشائر والقبائل العربية يخصصون جزء من أموالهم لسد النوائب التي قد تنزل بالناس ويعتبرون ذلك حقا للقبيلة والناس عليهم. والمقصود والله أعلم أن من شيم الرسول الكريم ﷺ قبل البعثة كان مثالا للإعانة والإغاثة في أوقات الأزمات والشدائد والطوارئ
6.من معاني الحديث
يفيد الحديث الشريف وصفا دقيقا لبداية نزول الوحي إلى رسول الله ﷺ، وكيف أن الرسول ﷺ شق عليه الأمر. وخشي أن يكون إنما عرض له الشيطان بعارض سوء، وإنما هو ثقل هذا القرآن الكريم على القلب الشريف. وقد قال الله تعالى: ﴿إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا﴾ سورة المزمل. وقال: ﴿لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله﴾ سورة الحشر. كما يدل الحديث على رباطة جأش خديجة وتحقيقها السكن والاطمئنان للرسول ﷺ وحسن تصرفها أولا بشهادتها في حقه وثنائها عليه بسجاياه ومكارم الأخلاق التي جبل عليها الرسول ﷺ. هذه الخصال والأخلاق التي جزمت خديجة أن صاحبها لن يخذله الله تعالى ولن يضيعه. بل أكثر منها ثبتته وبشرته وهدأت من روعه وأحسنت استقباله والاستماع إليه. وأحسنت البحث عن الحل لهذا الطارئ.
7.دروس وعبر تربوية من الحديث
هذا الحديث الشريف مليء بالعبر التي من بينها:
1.7-إشراك الرسول ﷺ لزوجه خديجة فيما حدث له، دليل على السكن والمودة التي توفرها خديجة له. ودليل راجح وقوي على أن الاستقرار الأسري وراء كل النجاحات الأخرى: الاستقرار الدعوي، النجاح الوظيفي، التنشئة الاجتماعية السليمة للأبناء…. وإشراك الرسول لزوجه دليل قوي على تقدير الرسول لدور المرأة في نجاح الأسرة وضرورة العمل بالمشورة واعتمادها أساسا في تدبير شؤون البيت المسلم. وهذا رد فاحم على من يتهم البيت المسلم عموما والنبوي خصوصا أنه أبوي استبدادي
2.7-أهمية مهارات التواصل وحسن التصرف عند أم المؤمنين خديجة كانت وراء حل المشكل. وهاته المهارات والكفايات تمثلت في: حسن الاستقبال وحسن الاستماع له وحسن التصرف بعرض الحالة على ثقة خبير بالكتب السابقة. إنه درس للأزواج والوالدين والمربين بعامة لسلوك سبيل الحوار وحسن التواصل لتدبير الطوارئ وحل المشاكل بالتي هي أحسن
3.7-القيم الإنسانية ومكارم الأخلاق التي كانت ميزة للرسول ﷺ جعلت خديجة تجزم أن الله تعالى لن يخزي المتصف بها. إن صاحب حسن الخلق والفضائل والمكارم لن يخيب ولن يضيعه الله. فالمكارم تجلب لصاحبها المحبة بين الناس وتضع له القبول بين العباد وسبب للسلامة من مصارع السوء وجاء في الحديث: «صنائع المعروف تقي مصارع السوء، والصدقة خفيا تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم زيادة في العمر، وكل معروف صدقة، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة، وأهل المنكر في الدنيا هم أهل المنكر في الآخرة، وأول من يدخل الجنة أهل المعروف»[32]
4.7-كل هذه الخصال التي شهدت بها خديجة للرسول ﷺ هي خصال معاملاتية وليست تعبدية أو شعائرية، لكنها تبلغ بصاحبها مبلغا ساميا ولها الأثر الكبير بين الناس. ولا زال الناس يذكرون حاتم الطائي وأمثاله من أصحاب المكارم و المروءات ولو كانوا غير مسلمين. بل إن من أفضل وسائل الدعوة مكارم الأخلاق. تحكي السيرة لما فك الرسول ﷺ أسر سفانة بنت حاتم الطائي رجعت إلى أخيها فقال لها ما رأيت في الرجل؟ قالت: «رأيت فيه خصالاً تعجبني، رأيته يحب الفقير، ويفك الأسير، ويرحم الصغير، ويعرف قدر الكبير، وما رأيت أجود ولا أكرم منه، وإن يكن نبياً فللسابق فضله، وإن يكن ملكاً فلا تزال في عزّ مُلكه، قيل وأسلمت».[33]
هذه المرأة الفصيحة الحصيفة بنت حاتم طي، كيف أن النبي عليه الصلاة والسلام قدر مشاعرها وقدر أباها وفكّ أسرها. وقال رسول الله: «إنكم لا تسعون الناس بأموالكم وَلْيَسَعُهُمْ منكم بَسْطُ الوجه وحسن الخلق»[34]
5.7- المجتمع اليوم في أمس الحاجة لهذه القيم والمكارم. فلا فائدة من مناهج تقفز على هذه القيم. وإن المربين في غياب هذه القيم والمكارم ليسقون المتعلمين سما زعافا ليس إلا
6.7- من فقه هذا الحديث: جواز مدح شخص بما فيه وفي حضوره للتعليم أو للتطمين أو للترغيب أو أداء لشهادة حق. وفيه مواساة من حصلت له مخافة وتبشير له بسالف أعماله الصالحة
7.7- الدعوة إلى حسن الخلق والمروءة ومكارم الأخلاق التي ملئت بها كتب الحديث، ليست أقوالا ودعوة للناس، بل عاشها الرسول وعرف بها. وهذه أفضل دعوة للتحلي بمكارم الأخلاق والمروءة. وهذا ما ينقص كثيرا رجال ونساء التربية والتعليم والآباء والمربين الاستشهاد على الأقوال بالأفعال، كما قال الشاعر[35]:
إذا سيد منا خلا قام سيد قؤول لما قال الكرام فعول
خاتمة
إن حسن الخلق ومكارم الأخلاق التي اتصف بها نبينا ﷺ، قبل وبعد البعثة، وندبنا إليها في كثير من الأحاديث الشريفة، لتعد شرطا أساسيا في إعادة صياغة المجتمع المسلم على المحجة البيضاء التي لا يزيغ عنها إلا هالك. من أجل تشييد مجتمع العمران الأخوي وتجسيد وبحق الأمة المخاطبة بقول الله تعالى ﴿كنتم خير أمة أخرجت للناس﴾ سورة آل عمران.
[1] ذ. عبد الله الهيلالي، مفتش تربوي في التوجيه، عضو المركز المغربي للأبحاث وتحليل السياسات قسم التربية والتعليم،
البريد الإلكتروني: abdoh14@yahoo.fr
[2] الإمام البخاري، صحيح البخاري، المجلد الأول، الجزء الأول، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، ص3
[3] الإمام مسلم، صحيح مسلم، المجلد الأول، الجزء 2 ص200
[4] أخرجه البخاري وأبو دوود عن أبي هريرة، الكنز الثمين، عبد الله بن الصديق عالم الكتب، بيروت، ط2 1983، ص 178
[5] الإمام القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، المجلد السادس، ج 12 ص 158
[6] التفسير المنير، وهبة الزحيلي، دار الفكر، سوريا، الطبعة1، سنة1991، ج 25-26ص 211
[7] أخرجه الإمام مسلم وابن حبان عن أبي ثعلبة الخشني
[8] أخرجه الإمام أحمد عن أبي جري الهجيمي
[9] أخرجه أبوداوود عن أبي أمامة الباهلي
[10] فقه السيرة، سعيد رمضان البوطي دار الفكر، سوريا، ط الثامنة، السنة 1980 ، ص 125
[11] عبد السلام ياسين، المنهاج النبوي ، الطبعة الثانية،1989 ،ص 194
[12] ابن حجر العسقلاني، الإصابة في تمييز الصحابة، دار الكتب العلمية، لبنان ط 1 1995 ، ج4 ص 144 وج8، ص 231
[13] الإصابة في تمييز الصحابة، ج8 ،ص 223
[14] الإصابة في تمييز الصحابة، ج 8، ص 234
[15]ط3 1995،المجلد الثالث، ص 1276 سعيد حوى، الأساس في السنة، دار السلام،
[16] الأساس في السنة، المجلد الثالث، ص 1276
[17]،الراغب الأصفهاني، المفردات في غريب القرآن، دار المعرفة لبنان، ص 149
صحيح مسلم بشرح النووي المجلد 1، ج 2، ص 200[18]
[19] أحمد قبش، الكامل في النحو والصرف، دار الجيل، لبنان ط 2، سنة1979، ص 193
[20] المفردات في غريب القرآن، ص 441
[21] أيوب بن موسى الحسيني الكفوي، الكليات، مؤسسة الرسالة، بيروت ط 1،1992، ص 754
[22] الحسين بن محمد الدامغاني، قاموس القرآن أو إصلاح الوجوه والنظائر، دار العلم للملايين، لبنان، الطبعة 4،1983، ص 156
[23] صحيح مسلم للنووي، ص 201
[24] قاموس القرآن، ص 145
[25] المعجم الوسيط، إبراهيم مصطفى وآخرون، المكتبة العلمية طهران، ص 802
[26] المعجم الوسيط، ص 792
[27] المفردات في غريب القرآن، ص 430
[28] محمد بن يعقوب الفيروزآبادي، القاموس المحيط، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط 1، ج4، ص 209
[29] صحيح مسلم، المجلد1، ج 2، ص 201
[30] المعجم الوسيط، ص 970
[31] محمد العدناني، معجم الأغلاط اللغوية المعاصرة، مكتبة لبنان، ط2 1989، ص 682
[32] رواه الطبراني بسند صحيح
[33] البداية والنهاية لابن كثير
[34] رواه الحاكم عن أبي هريرة
[35] الشاعر السموؤل بن عاديا