اعتناء بني مرين بأطباء المارستانات| الرعاية الصحية
الدكتور عبد اللطيف بن رحو
اعتناء بني مرين بأطباء المارستانات| الرعاية الصحية
الدكتور عبد اللطيف بن رحو
يمكنكم تحميل كتاب العمل الاجتماعي في عهد الدولة المرينية (1244 – 1465م) من الرابط التالي
المبحث الرابع: أطباء المارستانات
يعتبر علم الطب واحدا من أهم العلوم العقلية والبدنية، فقد أحاطه الأطباء المغاربة في العهد المريني باهتمام وعناية بالغة وخصوصية متميزة. وقد تجلى هذا الاهتمام والعناية في شكلين أساسيين: شكل نظري يتعلق بالأطباء وإنتاجهم وشكل ثاني يتعلق في إنشاء المارستانات.
وقد عرف الطب تطورا ملحوظا خصوصا بعد ظهور أطباء أجلاء برزوا في المجال الطبي فكان لهم فضل دراسته وتدريسه والتأليف في مجاله.
كما أدت الرعاية التي أبداها سلاطين الدولة المرينية بالأطباء إلى علو وسمو علم الطب، وبذلك تركت بصمة علمية في تلك الحقبة التاريخية. فساهم الأطباء في تطوير هذا العلم والنهوض به ومعالجة الكثير من الأمراض التي أصابت المغاربة، ونجحوا في علاج الكثير من الحالات المستعصية التي كان علاجها مستحيلا في بعض العصور.
ويمكن القول إن التطور الذي حدث في الطب المغربي زمن العهد المريني لم يأت من فراغ، وإنما حدث بتطور الأطباء أنفسهم وإبداء النجاعة والبحث المتواصل، والاهتمام بمنظومة الطب وسيلةً إنسانية بالمقام الأول والعناية الخاصة للمرضى، أو بالمؤلفات الطبية التي ألفت ودونت في تلك الحقبة الزمنية للدولة المرينية.
وفي هذا الجانب يتحدث الدكتور محمد بن شقرون فيقول: «أما الجانب النظري فقد كان يتجلى في تخرج الأطباء ونبوغهم وما خلفوه من إنتاج. ورغم كون هؤلاء الأطباء كانوا إلى جانب اشتهارهم بهذا الفن يلمون بفنون أخرى.»
ومن أكبر الدلالات على كثرة الأطباء في العصر المريني، أن نجد كتابا مجهول المؤَلِّف ألا وهو «بلغة الأمنية ومقصد اللبيب فيمن كان بسبتة في الدولة المرينية من مدرس وأستاذ طبيب». وإذا كان هذا العدد من الأطباء في مدن المغرب ومن بينهم طبيبة بارعة هي عائشة بنت الجيار، فما بالنا بمن كان بفاس من الأطباء والصيادلة، ولا بد من أنهم كانوا كثيرين، إذ يذكر الحسن الوزان أنه كان بفاس في الداخل أو في داخلها مارستانات بديعة وعدة مارستانات أخرى خارج أبوابها، وعلى الأقل كان يحتاج كل مارستان إلى صيدلي وطبيب إن لم يكن أكثر.
ولا بأس أن نقف على ترجمة بعض الأطباء الذين كان لهم صيت وباع في عهد بني مرين.
المطلب الأول: الطبيب أبو عبد الله الشريشي
يعرف عند عامة الناس بالحكيم وحكيم الرعاء، كان رحمه الله ممن له تقدم في صناعة الطب ومعرفة بما يرجع إليها من علم وعمل وكانت مكانته مكينة عند الأمراء والملوك مع رصانة العقل وحسن الشارة وصباحة الوجه استدعاه السلطان أبو عنان إلى حضرته فاجتمع هناك مع جماعة من الأطباء ونظر في شكيته فاستحسنه غاية الاستحسان وأجزل عطاءه، وكان السلطان يقول بعد ذلك في كلامه اختصت سبتة بأربعة رجال دون سائر بلاد المغرب كملوا في عصرهم خلقا وخلقا وسماهم من جملتهم الطبيب أبو عبد الله هذا، وكان له سلف في طريقته وحانوته برحبة الوزان من سبتة معروف إلى اليوم.
ذكره صاحب جذوة الاقتباس بترجمة مقتضبة مقتصرا على ذكر اسمه ومهنته المعروف بها وهي الطب، ولم يقف على وفاته.
غير أن صاحب بلغة الأمنية ذكر تاريخ وفاته التي كانت في سنة 771ه. ولم نقف على مصنفاته في مجال الطب.
المطلب الثاني: الطبيب محمد بن يحيى العزفي
هو محمد بن يحيى بن عبد الله بن محمد بن أحمد العزفي، من أهل سبتة، يكنى أبا القاسم، من رؤساء سبتة، بويع بعد أبيه يحيى في شعبان عام 719ه، وخلع في صفر سنة 720ه أمه بنت عم أبيه وهي عائشة بنت إبراهيم، انتقل إلى غرناطة عند خلعه وانصرافه عن بلده، ونظر في الطب ودوَّن، وبرع في التوشيح، وانتقل إلى مدينة فاس فاستعمل بها في الخطط الفقهية وكتب عن ملوكها وقام له سوق نافق بها وعلى تدفق أنهاره، وكثر غالي نظمه واشتهاره.
كما وصفه صاحب الإحاطة بأنه من أهل الظرف والبراعة، والطبع المعين، والذكاء. توفي بفاس التي رحل إليها سنة 768ه.
المطلب الثالث: الطبيب أحمد بن محمد بن شعيب الجزنائي الفاسي
أحمد بن محمد بن شعيب الجزنائي من أهل مدينة فاس يعرف بابن شعيب، وجزناية قبيلة من قبائل البربر من الريف الغربي، كان من أهل المعرفة بصناعة الطب والتدقيق النظر فيه وتهتك في علم الكيمياء وخلع فيه العذار. قرأ ببلده مدينة فاس على كثير من شيوخها كالأستاذ ابن آجروم نزيل فاس، والأستاذ أبي عبد الله بن رشيد، ووصل إلى تونس فأخذ الطب على الشيخ يعقوب بن الدراس.
وذكره صاحب الإحاطة بأنه من أهل المعرفة بصناعة الطب، وتحقيق النظر فيها. دخل غرناطة على عهد السابع من ملوكها الأمير محمد (من سلاطين بني النصر حكم من 733ه إلى 755ه) لقرب من ولايته في بعض شؤونه، وحقق بها تغيير أمر الأدوية المنفردة التي يتشوف الطيب إليها والشحرور.
فالطبيب الجزنائي كان إماما في الطب ماهرا في صناعته دقيق النظر فيه، غاية في معرفة النباتات والأشجار.
توفي رحمه الله بتونس في يوم عيد الأضحى من سنة 749ه.
المطلب الرابع: الطبيب أبو عبد الله بن مروان المعافري
شيخ نحيف البدن معتدل القامة، نبيل العقل ذاكراً لأيام الناس وأخبارهم كثير المخالطة للطب والاطلاع على دواوينه وكتبه مستحضرا لنصوص علمائه من المقدمين كديا سقوريدوس وابقراط وجالينوس ومن المتأخرين كالرازي والزهراوي وابن سينا وابن طفيل وسواهم، عارفا بالعلل والشكايات بصيرا بالعقاقير والأعشاب، والنبات ينص ما يسأل عنه من ذلك لأول وهلة ويفتي فيه إملاء من حفظه على البديهة من غير روية وكان يثني على كلام حنين بن إسحاق في البول ويحفظ كثيرا من رجز ابن أبي طفيل الطبي، وهو أزيد من ثلاثة آلاف بيت ويأتي بأخبار وحكايات من طبقات الأطباء لابن جلجل، ويحسن التراكيب والتدابير ويعرف خواص الأحجار، سخيا بما يعمله من ذلك لا يحسد فيه أحدا، ولا يلتفت إلى أخذ أجر عليه بل يبادر إلى إجابة السائل ويقدمها على أشغاله ومهماته، مع احتياجه وعدم غناه طبعا طبع عليه نفع الله، وولي آخر عمره أحباس سبتة والنظر في كتب الخزانة الشهيرة التي بشرقي صحن الجامع العتيق منها، فانتفع الطلبة مدة نظره بكتبها الطبية بسبب إرشاده وإفادته. توفي رحمه الله زمن الطاعون في عشر ذي الحجة من عام 817ه.
المطلب الخامس: الطبيب علي بن هيدور التادلي الفاسي
يكنى أبا الحسن عالم في الطب، من أهل فاس.
ترجم له صاحب جذوة الاقتباس ترجمة مقتضبة مختزلة فقال عنه: «إمام الفرائض والحساب، له شرح على تلخيص ابن البنا في الحساب، وتقييد على رفع الحجاب له أيضا، وكان له خط راق، وكان كثير التقييد وله مشاركة في فنون شتى.»
فالطبيب علي بن عبد الله اشتهر بالطب إذ ترك فيه أثرا يدل على تضلعه فيه وهو عبارة عن رسالة سماها «المقامة الحكيمة في الأمراض الوبائية» وقد ألفها في هذا العصر الذي اجتاح فيه الطاعون المغرب وغيره من الأقطار الأخرى. توفي رحمه الله في المجاعة التي حلت بالمغرب سنة 826ه.
المطلب السادس: الطبيب علي بن أبي غالب الإدريسي
يعتبر من الأطباء الجراحين ولد بفاس سنة765ه، نشأ يتيما تحت حضانة والدته فعلمته صناعة الحجامة ثم درس الطب حتى مهر فيه واشتهر وأخذ يباشر العمليات الجراحية فكان موفقا فيها، الشيء الذي لفت الأنظار إليه وجعل الطلبة وغيرهم يقصدونه من كل حدب وصوب ليأخذوا عنه أو لينتفعوا بنصائحه وإرشاداته العلمية.
ويذكر الدكتور بن شقرون أنه حاول التعرف على ما قد يكون تركه من أثر، لكن المصادر لم تشر لا بقليل ولا بكثير إلى انتاجه إما لضياع أو إما لإهمال توفي رحمه الله سنة 801ه.
المطلب السابع: الطبيب لسان الدين بن الخطيب
هو محمد بن عبد الله بن سعيد بن أحمد بن علي السلماني، كان سلفه يعرفون بقرطبة ببني وزير وهم بها أهل نباهة، وبيتهم بيت فقه ونجارهم نجار فرسان، كان جدهم الأعلى بلوشة قاضيا وهو المضاف إلى اسمه، وبه يعرف بني الخطيب، يلقب من الألقاب المشرقية بلسان الدين، وله تأليف مشهور. أخذ الطب وتعلمه عن أبي زكريا بن هذيل، وأخذ عن جماعة كابن المهنى، وغيره.
جاء في ترجمته من كتاب نيل الابتهاج أنه الإمام الأوحد صاحب الفنون المنوعة والتآليف العجيبة ذو الوزارتين، وألف تآليف عديدة أكثرها في الأدب وتاريخ الطب. كان مولده سنة 713ه وتوفي مقتولا فاتح عام 776ه.
ولسان الدين بن الخطيب غني عن البيان والتعريف نظرا لشهرته الواسعة وشهرة تآليفه خصوصا المؤلفة في المجال الطبي، ولقد أحببنا في باب المعرفة والعلم بالشيء أن نذكر ثلة من مؤلفاته ونستعرض منها ما وجدناه وما ذكر منها وهي:
-المسائل الطبية
-الرجز في عمل الثرياق
-اليوسفي في صناعة الطب
-رسالة تكوين الجنين يبدو من عنوانه أنه يبحث في علم تكوين الأجنة في الإنسان عبر مراحل وهو كتاب مفقود.
-عمل من طب لمن حب وهو كتاب ضخم يقع في سفر ويبحث في مختلف الأمراض التي تصيب الإنسان وطرق معالجتها والوقاية منها، ألفه ابن الخطيب للسلطان أبي سالم المريني.
-المعتمد في الأغذية المفردة وهو عبارة عن أرجوزة تتحدث عن منافع الأغذية ومضارها.
-مقنعة السائل عن المرض الهائل أو الوفاد. انتشر هذا الكتاب في الولايات الإسلامية تحت اسم رسالة في الطاعون وأسبابه وطرق مكافحته والوقاية منه بأسلوب علمي رصين.
-الفصول لحفظ الصحة في الفصول وهو كتاب يبحث في الحمية الغذائية، يقع في جزئين: جزء التعريف ويعالج فيه الجانب النظري، وجزء التصويف، ويعالج فيه الجانب العلمي في الوقاية وحفظ الصحة.
-البيطرة ويقع في سفر واحد وهو يبحث في طرق العناية بالخيول ومحاسنها وعلاج الأمراض التي تصيبها.
-البيزرة يقع في سفر واحد ويبحث في الطيور الجوارح وأنواعها وصفاتها وطرق العناية بها وهو مفقود.
-تكملة الأغراض في مزاولة الأمراض وهو مخطوط في خزانة الحاج الهادي السودي القرشي بفاس ويقع في 117 ورقة.
تقول محققة كتاب مقالة مقنعة السائل عن المرض الهائل الدكتورة حياة قارة:»» وكان ابن الخطيب يعالج المرضى مجاناً وبدون مقابل خدمة اجتماعية منه لأهل الفقر والحاجة، كما أخبرنا أبو عبد الله الشقوري في كتابه «تحفة المتسول وراحة المتأمل» أنه حكى علمُ العلماء وتاج الرؤساء البلغاء، وكبير مهرة الأطباء سيدي أبو عبد الله ابن الخطيب، أنه كان ذات يوم جالسا ومعه بعض وجوه الناس، وهو إذ ذاك ينظر في الطب، فشكى إليه مريضا وجعاً وتقطيعاً ولذعا تحت السرة، وأنه يبول دما عبيطا، فسأله كم له بذلك؟ فأخبره أنه منذ زمن يسير، فحدس بذكاء فطنته وجودة عقله، وحسن إدراكه أن ذلك من حيوان سمي خاصته ذلك، فقال له: ما صناعتك؟ فقال له: أخدم في الفحص. فقال له: وفيما تشرب؟ قال: في قرعة. فأمره بكسرها، فوجد فيها ذراريح قد تفَسَّخَتْ، وهذه خاصة هذا الحيوان الإضرار بالمثانة يقرحها فيبول الدم، ولذلك يخلط منها اليسير جدا في أدوية الحصى، لتنفذ بها بسرعة وتوصلها قبل أن تغير الطباع تلك الأدوية فتضعف قواها لطول المسافة، ثم إنه بادر لعلاجه بعلاج ألصق صنعا وأغرب نوعا فكانت الراحة.»»
المطلب الثامن: الطبيبة عائشة بنت الجيار
الطبيبة عائشة ابنة الشيخ الكاتب الوجيه أبي عبد الله بن الجيار المحتسب بسبتة قرأت علم الطب على صهرها الشيخ الشهير أبي عبد الله الشريشي المذكور، ونبغت فيه وكانت امرأة عاقلة عالية الهمة نزيهة النفس معروفة القدر لمكان بيتها، لها تقدم بالطبع وجزالة في الكلام، عارفة بالطب والعقاقير وما يرجع إلى ذلك، بصيرة بالماء وعلاماته وتأثل لها بطريقتها صيت شيده الأمراء فطالما كانوا يجيزونها بالهدايا والتحف وغيرها، لأجل ما خبروه من حرفتها، وكان لها رباع تغتلها ولم تزل سيدة محفوظة المنصب إلى أن توفيت بعد أن عهدت بتوقيف رباعها في وجوه البر وسبيل الخيرات رحمها الله.
صنفها الدكتور عبد الله كنون في خانة الميدان العلمي باعتبارها احترفت الطب وميادينه ومن جهابذته في العصر المريني. فقال: «أما في الميدان العلمي فسنترجم للطبيبة عائشة بنت الجيار مكتفين بها، ونحن على يقين من أن هناك كثيرات من السيدات الفاضلات اللاتي كن يشاركن في غير ما ذكر من ضروب المعارف.»
المطلب التاسع: الطبيب الأندلسي محمد بن القاسم القرشي المالقي
من الأندلسيين الذين عملوا بالطب في العاصمة المرينية فاس محمد بن القاسم بن أبي بكر القرشي المالقي، رحل هذا الطبيب إلى فاس، حيث تولى بها الإشراف على المارستان، كان ذلك في ربيع الثاني سنة 754ه/1353م في عهد السلطان أبي عنان.
المطلب العاشر: نظارة المارستان
ممن تقلد نظارة المارستان محمد بن القاسم بن أبي بكر القرشي المالقي نزيل غرناطة، ثم فاس، والمتوفى سنة 754ه/1353م، كان ناظر مارستان فاس. والشيخ الحاج أبو ضياء منير بن أحمد بن محمد بن منير الهاشمي الجزيري نزيل آسفي وبها لقي ابن الخطيب الذي خططه بصاحب السوق ومقيم المارستان، وذلك سنة 761ه/1359م.
المطلب الحادي عشر: أطباء السلاطين
وهم الأطباء المختصين بمداواة السلاطين ملازمين لهم في بلاطهم، وقد يتعدون إلى الأمراء والحاشية باعتبارهم أطباء القصر، وتجرى عليهم مرتبات خاصة.