اعتناء بني مرين بالدور الاجتماعي للمارستانات| الرعاية الصحية
الدكتور عبد اللطيف بن رحو
اعتناء بني مرين بالدور الاجتماعي للمارستانات| الرعاية الصحية
الدكتور عبد اللطيف بن رحو
يمكنكم تحميل كتاب العمل الاجتماعي في عهد الدولة المرينية (1244 – 1465م) من الرابط التالي
المبحث الثالث: الدور الاجتماعي للمارستانات
كان الغرض من إنشاء المارستانات الذي كان يدعم عن طريق نظام الأوقاف أن يكون مثالا على النزعة الخيرية للإسلام. فالأهمية العظمى للمارستانات تكمن في شموله على الرعاية الصحية والتعليم الطبي في العهد المريني.
فساهم أطباء ذلك العصر بمعالجة المرضى داخل هذه المنشآت. التي قامت بدور اجتماعي يلفت النظر، وذلك حينما ساعدت في إعانة الفقراء والمحتاجين الذين يسعون للتداوي فيها.
ويمكن القول إن المارستانات التي كانت في عهد بني مرين، كانت مهمتها بالدرجة الأولى مهمة إنسانية. وتم الاهتمام والعناية ببناء المارستانات، وتنظيم حرفة الطب حفاظا على صحة الناس، وإبعادا للمشعوذين والمدّعين لمهنة الطب، غير المؤهلين له.
وتعتبر البيمارستانات أحد المظاهر الطبية التي أظهرت التفوق العلمي والعملي الذي برع فيه المسلمون ووصلوا بها إلى درجة متقدمة من التطور الحضاري والتقدم العلمي، وكانت الأهداف والغايات التي تنشدها رسالة البيمارستانات نبيلة وسامية لا يقصد من ورائها إلا خدمة الإنسان والمجتمع دون أي ثمن أو مقابل، لا فرق في ذلك بين الغني والفقير والحاضر والبادي والمسافر والمقيم.
وكان يشرف على هذه المارستانات أطباء أكفاء ويساعدهم في عملهم الفراشون والقومة لخدمة المرضى وللقيام بأعمال النظافة، وكان رئيس الأطباء يدور على المرضى ويتفقد أحوالهم وبين يديه مساعدوه، من أطباء وطلاب الطب، والمشرفون والقوام على خدمة المرضى، فكان كل ما يكتب للمريض من دواء وغذاء يجري تنفيذه ولا يؤخر. وكانت المارستانات التي أقيمت في مدة ازدهار الحضارة المغربية تتمتع بسمعة طيبة بلغت من التطور في كل النواحي كالبناء والعلاج وكذلك الأطباء الذين ضمتهم هذه البيمارستانات وهم من خيرة الأطباء المهرة الذين ساهموا بجهودهم في تطور الطب. فدور المارستانات هو دور كبير في النهوض والتعريف بالحضارة الإسلامية عامة والمغربية في العهد المريني خاصة وخصوصا في الميدان الصحي والرعاية الاجتماعية للمرضى.
كما اهتمت السلطة المرينية بالرعاية الاجتماعية للمريض بعد خروجه من المارستان، فكانت تصرف لهم الكسوة والإعانة، أما إذا مات المريض في المارستان فعلى المارستان تجهيزه ودفنه حتى لو كان بين أهله. وكان الغرباء قديما يعطون السكن بها لمدة ثلاثة أيام لمن لم يجد سكنا أو لا يقدر على دفع ثمن الفنادق.
وكانت المارستانات توفر لهؤلاء المرضى كل الضروريات بحيث لا يحتاجون إلى شيء، فالمارستانات كانت تنقسم إلى قسمين منفصلين عن بعضهما، قسم للذكور وآخر للإناث كل منهما مجهز بالمعدات والأدوية، وله أطباء وممرضون وفراشون، داخل كل قسم قاعات لأمراض مختلفة.
والظاهرة الاجتماعية التي سادت في العهد المريني كون المارستانات اهتمت بالخصوص بذوي الأمراض النفسية، كما ذكرت المصادر التاريخية. ففي الوقت الذي كانت أوروبا تجهل كيفية التعامل مع هؤلاء المرضى كان المغرب في عصر بني مرين يهتم ببناء المارستانات خصوصا للمرضى النفسيين، وتوفير الأطباء والممرضين لهم، فكانت عنايتهم بالصحة النفسية لكل عابر سبيل من داخل الوطن أو خارجه وكيفما كان حاله غنيا أو فقيرا.
والمارستانات تكتسي أهمية قصوى داخل المجتمع المغربي خلال العهد المريني، لأنها عكست مدى وعي الدولة واهتمامها بالرعاية الصحية لمختلف طبقات المجتمع، وإن كان التركيز على وجود المارستانات داخل المجال الحضري والمدن الكبرى، في حين ينعدم وجودها في الأرياف والبوادي حيث تقل الخدمات الصحية.
وعلى خلاف ما حظيت به المؤسسات الدينية والمؤسسات العلمية من عناية بالغة الأهمية لدى مؤرخي دولة بني مرين، فلم تحظ المارستانات باعتبارها مؤسسة اجتماعية بنفس الاهتمام الذي وجدناه في المؤسسات الدينية والعلمية، إلا بعض الإشارات الخجولة عنها ويرجع ذلك إلى قلة الاهتمام بالجانب الصحي في المؤلفات التاريخية.
مما يجعلنا نضع أكثر من علامة استفهام عن غياب المادة التاريخية الدقيقة عن المارستانات خلال فترة حكم المرينيين.
وإضافة إلى الدور الصحي الذي تجسده المارستانات من الاهتمام بالمرضى ووصف الدواء المناسب لهم، كان لهذه المؤسسة دور آخر تجلى بوضوح، حينما اعتبرت المارستانات بمثابة الملاجئ الخيرية التي يأوي إليها غالبية الفقراء والمساكين، بعد أن جمعتهم الدولة هناك حتى يسهل عليها توزيع الصدقات عليهم والاهتمام بهم على أكمل وجه.
وتجدر الإشارة إلى أن المارستانات توقف عملها بعد بيع أملاكها لصد العدو في عهد السلطان أبي سعيد عثمان بن العباس بن أبي سالم الذي توفي قبل أن يعيد شراء ما باعه من أملاك المارستانات الموقوفة عليها.
وبقيت المارستانات فقيرة محرومة تقريبا من وسائل العمل. ومع ذلك فإنها تستضيف اليوم بعض الفقهاء الغرباء وأشراف المدينة، حفاظا على الغرف لتبقى في حالة جيدة. فهذا كان حال المارستانات حتى بعد توقف الخدمات الصحية التي كانت تجود بها على عامة الناس.