ما هي الأعذار المبيحة للإفطار عند المالكية بالاختصار؟
عبد الله بنطاهر التناني السوسي
ما هي الأعذار المبيحة للإفطار عند المالكية بالاختصار؟
عبد الله بنطاهر التناني السوسي
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هديه ورشده.
وبعد؛ فقد طلب مني أحد الإخوة ملخصا عن الأعذار المبيحة للإفطار عند المالكية؛ قصد توظيفها في درس من الدروس الرمضانية؛ فأجبته بما يلي:
يمكن تلخيص الأعذار المبيحة للإفطار في أمور ستة؛ بناء على المعتمد عند المالكية بغض النظر عن الاختلاف وأسبابه، وفي كل واحد منها مسألتان:
● الأول: بسبب السفر؛ وفيه مسألتان:
1) جواز الفطر للمسافر مع وجوب القضاء من غير فدية، ولا إمساك عليه إذا زال عذره نهارا(1)، بشرط أن يسافر مسافة قصر الصلاة، وقد قدره العلماء بثمانين كيلومترا تقريبا، وأن يكون سفره مباحا؛ فمن سافر لارتكاب معصية كالزنا والربا والرشوة وغير ذلك، فلا يجوز له الفطر في الصيام ولا القصر في الصلاة؛ لأنهما رخصة، للقاعدة: “الرخصة لا تناط بالمعاصي”(2).
2) الأولى والأفضل الصوم في السفر (3)؛ لقوله تعالى: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}(4).
● الثاني: بسبب المرض؛ وفيه مسألتان:
1) إذا كان المرض مزمنا لازما لصاحبه لا يرجى شفاؤه؛ فإن كان لا يقدر على الصيام بسببه، علم ذلك بالتجربة، أو بنصيحة الطبيب، أو بسؤال مثله في الحالة والمزاج، وخاف على نفسه الهلاك كلا أو بعضا؛ مثل تعطيل السمع أو البصر أو الْكِلْيَة كمَرْضَى السكري؛ وجب عليه الفطر لوجوب حفظ النفس، وإن كان يقدر لكن مع مشقة وتعب؛ فالفطر مباح(5)؛ مع استحباب الفدية(6) في الحالتين.
2) إذا كان المرض يرجى الشفاء منه ولا يقدر على الصيام بسببه في الحالة الراهنة؛ وجب عليه الفطر والقضاء بعد تحقق الشفاء، ولا إمساك عليه إذا زال عذره نهارا، كما لا فدية عليه؛ لا استحبابا ولا وجوبا(7).
● الثالث: بسبب الشيخوخة؛ وفيه مسألتان:
1) الشيخ الكبير الذي ما زال بعقله، ولكنه لا يقدر على الصيام وجب عليه الفطر، وإن كان يقدر لكن مع مشقة وتعب فالفطر مباح؛ مع استحباب الفدية في الحالتين؛ وهو في حكم المرض المزمن كما سبق(8).
2) الشيخ الكبير الذي زال عقله بسبب أرذل العمر (الزهايمر)؛ فلا يجب عليه شيء، لا الصوم ولا القضاء ولا الفدية؛ لأن كل تكليف بشرط العقل.
● الرابع: بسبب الطفل؛ وفيه مسألتان:
1) المرأة الحامل إذا خافت على نفسها أو على جنينها؛ وجب عليها الفطر، وإذا لم تخف ولكن الصوم يشق عليها ويسبب لها ضعفا فالفطر في حقها مباح(9)، ولا فدية عليها، كما لا إمساك عليها إذا زال عذرها نهارا(10).
2) المرأة المرضع؛ ولها ثلاث حالات:
أ) إذا قدرت على الصيام ولم تخف على رضيعها وجب عليها الصوم.
ب) إذا قل حليبها وخافت على رضيعها ولم يقبل غيرها ولم يقبل الحليب الاصطناعي وجب عليها الفطر.
ج) إذا أجهدها الإرضاع ولم تخف على ولدها بأن قبل غيرها أو قبل الحليب الاصطناعي فالفطر في حقها مباح(11).
وتجب عليها في حالتي الفطر الفدية(12)، ولا إمساك عليه إذا زال عذرها نهارا مثل موت رضيعها(13).
● الخامس: بسبب الدم؛ وفيه مسألتان:
1) المرأة التي جاءها الحيض (العادة الشهرية).
2) المرأة التي جاءها دم النفاس (الولادة).
لا يجب عليهما الصوم ولا الفدية، كما لا إمساك عليهما إذا زال عذرهما نهارا، ويجب عليهما القضاء(14).
● السادس: بسبب الجوع والعطش؛ وفيه مسألتان:
1) إذا كانت حالة العطش أو الجوع مرضية لازمة، -ويطلق على المريض بها: العطِش (بكسر الطاء) أو المتعطش-، ولم يقدر معه على الصيام وخاف على نفسه الهلاك؛ وجب عليه الفطر، وإن كان يقدر لكن مع مشقة وتعب؛ فالفطر مباح، ولا إمساك عليه بقية اليوم إذا زال عذره نهارا وله أن يتناول غير الشرب(15)؛ فحكمه حكم المريض إذا زال عذره نهارا.
قال الشيخ الدردير: “ولا يستحب الإمساك لزوال عذر…؛ كمضطر لفطر من جوع أو عطش، فأفطر لذلك، وكحائض ونفساء طهرتا نهارا، أو مريض صح، ومرضع مات ولدها، ومسافر قدم، ومجنون أفاق، وصبي بلغ نهارا؛ فلا يندب لواحد منهم الإمساك”(16).
2) إذا كانت حالة العطش أو الجوع طارئة بسبب قيامه بأعمال شاقة أفقدته القدرة على الصيام وخاف على نفسه الهلاك، وجب عليه الفطر، واختلفوا في الإمساك بقية اليوم بعد زوال العذر الذي يشكل خطرا عليه:
أ) قال عبد الملك بن حبيب: وجب عليه الإمساك حتى الغروب؛ وهو أحوط وحكمه حكم الناسي؛ لطُرُوّ المرض عليه كطُرُوّ النسيان على صاحبه.
ب) وقال سحنون: جاز له أن يتمادى على الأكل والشرب، وأعاب قول مَن قال: لا يفعل؛ قال اللخمي: “وهو أقيس؛ لأنه أفطر بوجه مباح قياسا على المتعطش”(17).
● تنبيه:
هذا حكم الإمساك إذا كان الفطر لعذر، أما إذا كان لغير عذر؛ عمدا، أو سهوا، فقد لخص الشيخ الدسوقي حاصله فأجاد وأفاد، وأنقله هنا بنصه لفائدته؛ قال رحمه الله: “حاصله: أن الصوم الذي أفطر فيه الشخصُ إما أن يكون نفلا أو فرضا، والفرض إما معين أو غير معين، وغير المعين إما واجب التتابع أو غير واجب التتابع؛ فالنفل يجب فيه الإمساك إن كان الفطر فيه سهوا، وكذا إن كان عمدا على القول المرجوح. والفرض المعين كرمضان والنذرِ المعين يجب فيه الإمساك مطلقا اتفاقا، وغير المعين الواجب تتابعُه ككفارة الظهار والقتل يجب فيه الإمساك إن كان الفطر سهوا؛ إلا في اليوم الأول فالإمساك فيه مستحب، وأما الفطر عمدا فيفسده، وأما الذي لا يجب تتابعه ككفارة اليمين وقضاء رمضان وجزاء الصيد وفدية الأذى فيُخَيَّرُ في الإمساك وعدمه؛ كان الفطر عمدا أو سهوا”(18).
● الخلاصة: الأعذار المبيحة للإفطار ستة:
1) من أجل السفر؛ -وأن يصوم خير له-، مع وجوب القضاء من غير فدية ولا إمساك.
2) من أجل المرض؛ إذا كان مزمنا لا يرجى شفاؤه فله أن يفطر مع استحباب الفدية، وإن كان يرجى شفاؤه فله أن يفطر، ويجب عليه القضاء من غير فدية ولا إمساك.
3) من أجل الشيخوخة؛ مع العقل له أن يفطر مع استحباب الفدية كالمرض المزمن، وبغير العقل فلا يجب عليه شيء.
4) من أجل الطفل؛ المرأة الحامل أو المرضع لها أن تفطر من غير إمساك. ولا فدية على الحامل، وتجب على المرضع.
5) من أجل الدم؛ الحائض والنفساء لا يجب عليهما الصوم ولا الفدية، ولا إمساك عليهما، ويجب عليهما القضاء.
6) من أجل الجوع والعطش؛ في الحالة المرضية له أن يفطر من غير فدية ولا إمساك، وفي الحالة الطارئة له أن يفطر؛ قال ابن حبيب: مع وجوب الإمساك، وقال سحنون: بل من غير إمساك.
والله أعلم وهو سبحانه الموفق للصواب
● الهامـــــــــش:
(1) الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي: (1/514).
(2) كفاية الطالب الرباني شرح الرسالة لأبي الحسن مع حاشية العدوي: (1/453).
(3) الذخيرة للقرافي: (2/512).
(4) [البقرة: 184].
(5) الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي: (1/535).
(6) الفدية: إطعام مسكين عن كل يوم، وقدرها حسب القدرة المادية؛ ومتوسطها قيمتها في هذا العصر من عشرة دراهم إلى عشرين، فإن زاد ازداد أجرا.
(7) الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي: (1/514 و535).
(8) كفاية الطالب الرباني شرح الرسالة لأبي الحسن مع حاشية العدوي: (1/449).
(9) كفاية الطالب الرباني شرح الرسالة لأبي الحسن مع حاشية العدوي: (1/448).
(10) الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي: (1/514).
(11) البيان والتحصيل لابن رشد: (2/320)، والشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي: (1/535).
(12) الفدية في المشهور في المذهب لا تجب إلا على اثنين: المرضع لإمكان تفاديها سبب الفطر باستئجار مرضعة أو بحليب اصطناعي، والمفرِّط في القضاء من غير عذر حتى دخل عليه رمضان آخر. انظر: كفاية الطالب الرباني شرح الرسالة لأبي الحسن مع حاشية العدوي: (1/449).
(13) الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي: (1/514).
(14) الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي: (1/514).
(15) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: (1/516).
(16) الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي: (1/514).
(17) النوادر لابن أبي زيد: (2/36)، والتبصرة للخمي: (2/768)، والتاج والإكليل للمواق: (3/301).
(18) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: (1/525 و526).