يعد التعليم الأصيل أساسا للنهضة العلمية والحضارية، بما هو متجذر في بلاد المغرب ومتغلغل في الروح المغربية، لأن عليه تقوم أخلاق الأمة، وهو الذي يحفظ لها شخصيتها العربية الإسلامية والقومية، وأيضا بما يؤديه هذا النوع من التعليم من وظائف في الحياة العلمية والعملية للأمة من خلال الأعمال الرسمية والأنشطة الشعبية التي يقوم بها خريجوه والمنتسبون إليه في مختلف القطاعات والمجالات.
ويمكن حصر وظائف هذا التعليم في ثلاثة وظائف، سنعمل على تجليتها في مطالب ثلاثة:
المطلب الأول: وظائف التعليم والتوعية الدينية
يعتبر المنتمون للتعليم الأصيل وخريجوه القلب النابض في المنظومة التربوية وفي الدعوة إلى الله تعالى أيضا، وعليهم المعول في نقل الأهداف والمبادئ والقيم التي تؤمن بها الأمة الإسلامية إلى الأجيال الحالية والصاعدة والمتعاقبة لاحقا..
كما تبقى الآمال معقودة على المنتسبين إليه في التوعية والتوجيه وكذا احتضان وتربية شباب الأمة… بما لديهم من إمكانيات ومؤهلات لتبليغ مختلف العلوم الإسلامية، وتدريس مواد اللغة العربية والفكر والحضارة الإسلاميين، وغيرها من الأنشطة والأعمال التي يقومون بها في مختلف المؤسسات والأندية من مساجد ومؤسسات تعليمية ودور شباب…
ناهيك عن الوعظ والإرشاد في المساجد من خلال الوسائل السمعية والبصرية وسائر أجهزة الإعلام، مما ينتج عنه العمل باستمرار على ترسيخ القيم الإسلامية، وإشاعة الفضائل واجتثاث الرذائل، والرفع بالمستوى العلمي والثقافي، بل والحضاري للأمة الإسلامية.
المطلب الثاني: وظائف البحث العلمي والإنتاج الفكري
إن البرهنة على مدى أهمية التعليم الأصيل ومكانته في حياة الأمة لصيق بما يؤديه من وظائف، وما يحققه خريجوه من نتائج وأعمال جليلة…
ومن المجالات التي برزت فيها عطاءات هذا النوع من التعليم، وكانت له قدم السبق فيها، ميدان البحث العلمي. يؤيد هذا الرأي ما أكد عليه الدكتور خبيزة بقوله: “لقد سبق العلماء المسلمين العالم أجمع في هذا المضمار، إذ عكفوا منذ بدء الدعوة الإسلامية على البحوث العلمية والإنتاج الفكري في مختلف المجالات، وقدموا للعالم مالا يضاهى من مؤلفات واكتشافات لا زالت لحد الآن محط عناية بالتحقيق والدراسة قصد الاستيعاب والاستفادة”[1].
إن تحقيق هذه المنجزات في الماضي يستوجب من طلبة الدراسات الأصيلة للعلوم الإسلامية وعلمائها – حسب رأي الدكتور خبيزة – أن يتابعوا مسيرة البحث العلمي بما يتفق مع مستجدات هذا العصر من إمكانيات، ويلبي للأمة متطلباتها وذلك عبر:
- البحث عن الأحكام الشرعية المستجدة والمشكلات المعاصرة، وعرض موقف الإسلام منها، في إطار لا يخرج عن المذاهب السنية المعتدلة ومبادئ الشريعة التي تبرز وسطية الإسلام واعتداله وسيره وصلاحيته لكل زمان ومكان، مع المتابعة والمشاركة في بحوث المنظمات والهيئات التي تعمل في هذا المجال كالمجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي وغيره من المراكز العلمية الإسلامية.
- التعاون على تقنين الفقه الإسلامي وتسييره بما يناسب الظروف المعاصرة، وما عرفته الإنسانية من تطورات في مختلف مجالات الحضارة وضروب المعرفة.
- التعاون على خدمة الموسوعات العلمية في مختلف أصول وفروع الشريعة ومقاصدها العامة، والتنقيب عن التراث الإسلامي والعمل على تنقيحه وصيانته وخدمته بالتحقيق والدراسة والنشر والإذاعة والترجمة، إبرازا لأهميته، وإشادة بقيمته، وتمكينا لأجيال الأمة من الاستفادة منه، والتأثر بمضامينه والعمل به مستقبلا.
- تصنيف الكتب والمؤلفات، وتدبيج البحوث والمقالات، وإلقاء الخطب والمحاضرات، والمشاركة في الندوات والملتقيات، وتهيئ برامج الإذاعة والتلفزة…
ونحو ذلك من الإنتاج الفكري الذي من شأنه أن يثري الفكر والعلوم الشرعية والإنسانية، وترفع المستوى العلمي والثقافي والحضاري والخلقي لمجموع أفراد الأمة[2].
المطلب الثالث: وظائف التأطير والمهام العملية
يذكر الدكتور محمد يعقوبي خبيزة أن المنتسبين لهذا التعليم (أي التعليم الأصيل) هم الذين يمدون الدوائر الحكومية بالأطر الفعالة للقيام بالكثير من المهام العملية، سواء على صعيد وزارة “التعليم والتربية الوطنية” أو “على صعيد وزارة “الأوقاف والشؤون الإسلامية”، أو على صعيد وزارة “العدل” أو على صعيد غيرها من الوزارات الأخرى[3].
ويمضي في تفصيل هذه الوظائف قائلا:” فعلى صعيد وزارة التعليم والتربية الوطنية نجدهم – بالإضافة إلى تعليم المواد المتصلة باختصاصهم – يقومون بتأطير المؤسسات التعليمية من الناحية الإدارية، ويتابعون بالتفتيش والإرشاد والتوجيه التربوي من يعينهم من معلميها وأساتذتها”.
“وعلى صعيد وزارة الأوقاف نجدهم هم المكلفون بالأذان وإقامة الصلاة والإمامة وخطبة الجمعة وصلاة العيدين، وعليهم المعتمد في دروس الوعظ والإرشاد وبث التوعية الدينية بالمساجد والإذاعة والتلفزة، وهم المكونون لأعضاء البعثات الموجهة لجاليتنا بالدول الأجنبية، ومنهم تتكون الأغلبية المطلقة من أعضاء المجالس العلمية بالمملكة”.
” وعلى صعيد وزارة العدل فإن المنتسبين لهذا التعليم – بحكم تكوينهم الشرعي والقانوني – فإنهم يتولون مناصب القضاء والإشهاد وتوثيق العقود، وكتابة للضبط وأيضا مناصب الحسبة والمحاماة، وكذا تسجيل محاضر الجلسات… ونحو ذلك مما يتعلق بشؤون العدل والقضاء بوجه عام”[4].
إن على المنتسبين لهذا التعليم الأصيل من طلبة وخريجين وعلماء تقع المسؤولية لكي يؤدي هذا النموذج من التعليم وظائفه المنوطة به، لكي يبرهن عمليا على أهميته وجلالة قدره للأمة بما يحقق لها على أيدي هؤلاء من خير وصلاح وسعادة وفلاح، وصدق الله العظيم القائل في محكم كتابه: “وما كان المؤمنون لينفروا كافة، فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون“[5].
وصدق رسوله الكريم عندما قال فيما رواه البخاري:”من يرد الله به خيرا يفقه في الدين”[6].
مقتطف من كتاب:
التعليم الأصيل بالمغرب واستشراف إصلاحه وتجديده
رابط تحميل الكتاب:
https://www.islamanar.com/authentic-education/
[1]: محمد يعقوبي خبيزة. التعليم الأصيل وجامعة القرويين. مجلة دعوة الحق. ص92-93
[2]: محمد يعقوبي خبيزة. وقفة مع إصلاح التعليم الأصيل وجامعة القرويين في مشروع الميثاق. مداخلة ضمن اليوم الدراسي حول مشروع ميثاق التربية والتكوين الذي نظمته جمعية قدماء التعليم الأصيل ونشرته المحجة في عددها 124 في 16 فبراير 2000.
[3]: محمد يعقوبي خبيزة. وقفة مع إصلاح التعليم الأصيل. جريدة المحجة. العدد 124. سنة 2000م.
[4]: محمد يعقوبي خبيزة. المرجع نفسه.
[5]: سورة التوبة. الآية 122.
[6]: صحيح البخاري. كتاب العلم. باب “من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين” رقم الحديث 13.