اعتناء بني مرين ببناء المدارس العلمية| المؤسسات التعليمية
د.عبد اللطيف بن رحو
اعتناء بني مرين ببناء المدارس العلمية| المؤسسات التعليمية
د.عبد اللطيف بن رحو
يمكنكم تحميل كتاب العمل الاجتماعي في عهد الدولة المرينية (1244 – 1465م) من الرابط التالي
المبحث الأول: بناء المدارس العلمية
منذ مطلع القرن الخامس الهجري الحادي عشر الميلادي كانت المدارس المغربية موجودة في العصر المرابطي، غير أن توسيع ونشر حركة البناء على العصر المريني، يعد إيذانا ببدء مرحلة جديدة على صعيد التعليم في المغرب الأقصى، عندما أسس مؤسس دولتهم السلطان يعقوب بن عبد الحق أول مدرسة لهم في فاس قرب جامع القرويين.
وقد تخصصت المدارس في هذه الفترة في المغرب زمن بني مرين بتدريس العلوم الدينية خاصة الفقه وعلى مذهب الإمام مالك بن أنس رحمه الله، حيث تولى بنو مرين الدفاع عنه وحمايته.
وساهم تشييد المدارس في تنشيط الحركة الثقافية والعلمية وزيادة الإشعاع الثقافي والعلمي بالمغرب الأقصى خلال حكم الدولة المرينية.
ولعل ازدهار الثقافة في العصر المريني تمثل في بناء المدارس، وإلحاق خزائن الكتب بأكثرها والإنفاق على العلماء والطلبة، وسار اثنان -في هذا العصر- على إجراء المرتبات على الشعراء والأطباء المختصين بهم، حسب الواقع بالنسبة ليوسف الناصر، ثم أخيه أبي سعيد الأول. هذا إلى أن بعض سلاطين وأمراء هذه الفترة كانوا على جانب من الثقافة، ويعقدون المجالس العلمية للمذاكرة والمناظرة، كما أن جميع هؤلاء يقدرون رجال الفكر ويرفعون مكانتهم.
ولقد اتجه بنو مرين أول ما اتجهوا إلى بناء المدارس الداخلية لتقبل المزيد من طلاب العلم من سائر جهات المملكة. فإن المدارس الموحدية لم تعد صالحة لنشر المبادئ التي قامت عليها الدولة المرينية الجديدة.
وقد كان للطلبة الحق في سكنى البيوت متى برهنوا على أنهم أهل لذلك، بما يحصلون عليه من مبادئ ضرورية في مختلف العلوم والفنون.
وكانت المدارس على عهد بني مرين معاهد للفقه والنحو والقراءات، واعتبرت من أهم مميزات العصر الديني الأول، وهي المرحلة الأولى لبناء المدارس وانتشارها. حيث شيدت ستة مدارس بفاس، وكان القصد من بنائها إيواء الطلبة وتدريسهم.
وقد كان للمدارس العلمية نظام خاص يستوعب المواد المدروسة والأساتذة والطلبة حتى تتميز عن التعليم في الجوامع. وتخضع سكنى الطلبة بهذه المدارس إلى قوانين وردت عن عبد الله العبدوسي «هكذا وإنما يسكن المدرسة من بلغ عشرين سنة فما فوق، وأخذ في قراءة العلم ودرسه بقدر وسعه. ويحضر قراءة الحزب صبحا ومغربا. ويحضر مجلس مقرئها ملازما لذلك إلا لضرورة من مرض وشبهه من الأعذار المبيحة لتخلفه. فإذا سكن فيها عشرة أعوام ولم تظهر نجابته أخرج منها جبرا، لأنه يعطل الحبس. ولا يختزن بالمدرسة من سكنها -باستحقاق-إلا قدر عولته على ما جرت به العادة في الأحباس.»
واستنادا إلى المصادر والأبحاث المنجزة يتبين أن المرينيين أسسوا عدة مدارس علمية، وأشرفوا على سير التعليم بها حسب توجيههم الفقهي، وشجعوا الطلبة على الإقامة بعاصمة فاس ليرتووا من معين المذهبية الموجهة.
يقول الدكتور محمد الفاسي: «إن المرينيين سلكوا طريق نشر العلم كمبدأ لازم دولتهم منذ نشأتها عندما قامت دولتهم على غير دعوة خاصة بخلاف الدول السابقة عليها واللاحقة لها.»
والمدارس المغربية تتميز عن جميع مدارس المشرق الإسلامي بكونها من بناء الملوك أنفسهم وليس من بناء وزرائهم. فقد تبنى ملوك المرينيين بأنفسهم فكرة إنشاء المدارس بل وقرنوها بأسمائهم.
فالمدارس المرينية تعتبر أبلغ دليل على روعة العمارة المرينية، حيث اهتم المرينيون باستكمال كافة لـــــــوازم هذه المدارس ومتطلباتها، حيث كان الطلبة يقيمون فيها على نفقة السلطان المريني. وجاء اهتمام سلاطين بني مرين بالمدارس، لأنهم اتخذوا منها ميدانا لتدريس الفقه المالكي. ويبدو أن ذلك عجل برحيل مذهب التوحيد الذي سيطر على بلاد المغرب أمدا طويلا. وقد أنشأ المرينيون مدارسهم بمفهوم جديد، حيث لم تكن هناك في المغرب قبل العصر المريني مدارس للتعليم العالي المتخصص، ولسكنى الطلبة، وإنما كان العلماء المدرسون يلقون دروسهم في المساجد، وبصفة خاصة في جامع القرويين، وابتنى المرينيون مدارسهم في العاصمة فاس وفي غيرها من مدن المغرب الأقصى.
المطلب الأول: مدارس مدينة فاس
- الفرع الأول: مدرسة الصفارين أو الحلفاويين
كانت مدرسة الحلفاويين أولى المدارس التي بناها سلاطين بني مرين في دولتهم، بناها السلطان يعقوب بن عبد الحق، وسميت بهذا الاسم لأنها أقيمت بالقرب من السوق الذي تصنع فيه أواني النحاس الأصفر.
لقد كانت هذه المدرسة هي الأولى من نوعها التي أسسها بنو مرين، سنة 670ه، وتعرف في الحوالات الحبسية القديمة باسم مدرسة الحلفاويين كما تحمل اسم المدرسة اليعقوبية وقد عرفت اليوم باسم مدرسة الصفارين.
يقول ابن مرزوق: «إن إنشاء المدارس، كان في المغرب غير معروف حتى أنشأ مولانا المجاهد، الملك العابد، مدرسة الحلفائيين بمدينة فاس وبعدوة القرويين منها.»
وبنيت مدرسة الحلفاويين قرب رحبة البقر إلى القبلة من القـــــرويين على يد قــــــاضي الجماعة مفضل بن محمد الدلالي، وهو أول من سن بناء المدارس بحضرة فاس، إذ لم تكن فاس تعرف المدارس حتى ذلك، حسب إفادة ابن مرزوق السابقة الذكر.
وتتميز المدرسة باحتوائها على بركة مستطيلة الشكل، اصطفت على جوانبها غرفة الطلبة، كما اشتمل المربع على محراب.
وألحق بها مصلى صغير تؤدى فيه الصلوات.
ويدخل إلى المدرسة من طريق أسطوان ينفذ إلى صحن مستطيل الشكل، في وسطه صهريج مربع كانت بيوت الطلبة تحيط به، واتجاه المدخل بنيت قاعة للدرس والعبادة وهي مربعة، ماتزال لحسن الحظ تحتفظ بآثار فنية بديعة جميلة. ويعد محراب هذه القاعة أقوم محاريب مساجد فاس. وكانت توجد إلى جانب قاعة الصلاة في يسار الواقف أمامها خلوة ذات محراب خاص بها كانت مسكنا للإمام محمد بن سليمان الجزولي. كما نلاحظ عن يسار باب قاعة حجرة ناتئة مغروزة في الجدار، يقال إنها جلبت من مكة المكرمة. وهي ثالث مدرسة لها صومعة صغيرة غَيَّر دخان سوق الصفارين من ملامحها وألوانها.
ومن الملاحظ أن مدرسة الصفارين، قد أشار إليها صاحب كتاب الذخيرة السنية ولم يذكر شيئا مفصلا عن هذه المدرسة، لا من حيث التسمية أو الموقع وهذا يدل على أن مدرسة الصـــــفــــــــاريـــن هي من أقدم المدارس في المغرب الأقصى، وذلك لأنها موثقة تاريخيا في بنائها وموقعها وتسميتها.
يقول صاحب الذخيرة ابن أبي زرع: «وولى الفقيه أبا أمية الدلالي قضاء مدينة فاس وأمره ببناء المدرسة لطلبة العلم فبناها بإزاء عين قرقف من جهة قبلة جامع القرويين، وأجرى فيها ماء العين وأسكنها بالطلبة والمقرئين وأجرى عليهم المرتبات من جزية اليهود لعنهم الله.»
- الفرع الثاني: مدرسة العطارين أو المدرسة العظمى
في شعبان سنة 723ه أمر السلطان أبو سعيد عثمان المريني أيضا ببناء المدرسة العظمى بإزاء جامع القرويين بفاس وهي المعروفة اليوم بمدرسة العطارين، فبنيت على يد الشيخ أبي محمد عبد الله بن قاسم المزوار.
وقد وضع حجرها الأساسي السلطان أبو سعيد عثمان المريني نفسه في جماعة من الفقهاء وأهل الخير، ولم ينته العمل فيها إلا بعد سنتين. ورتب السلطان فيها إماما ومؤذنين وقومة يتعهدونها وشحنها بالطلبة، وخصص لها الفقهاء للتدريس وحبس عليها عدة أملاك كما يؤخذ ذلك من رخامة التحبيس المغروزة في الجدار، والمدرسة. ومن حيث الفن الذي تحتويه جوانبها تعد متحفا رائعا وبديعا، ولكل قطعة منها كانت مثار انتباه رجال الفن الذين سموها أعجوبة فاس، ففيها تبدو بهجة الفن المغربي في الخطوط والنقش والتركيب والأقواس. وحين تدخل من باب المدرسة تجد عن يمينك مطلعا إلى الطبقات العليا حيث غرف الطلبة، كما تجد عن يسارك دار الوضوء، وأمامك المدخل إلى صحن المدرسة، وفيه خصة عين، وقبالتها قاعة الدرس التي لا تحتوي على بلاطات وإنما على جانب في المؤخر يشتمل على ثلاث أقواس محمولة على ساريتين من رخام، كتب على تاجها ﴿قُلْ هُوَ اَ۬للَّهُ أَحَدٌۖ﴾ [سورة الإخلاص الآية:1].
وبقية السورة في التيجان الباقية المغروسة، وهذا الجانب كان محل خزانة للمخطــــوطــــات في ذلك العـــهد، كالشـــــأن في بعــض المـــــــــــدارس الباقية.
وكانت هذه المدرسة مزخرفة جدا بالخشب المحفور والجبس المقرنص والقيشاني (الزليج) المدهون، وهي أمور جعلتها إحدى جواهر العمارة المرينية.
وتعد هذه المدرسة محل رياسة وتخصص لدراسة الفقه والنحو.
- الفرع الثالث: مدرسة الأندلس أو مدرسة الصهريج
تم بناء هذه المدرسة في عهد السلطان أبي سعيد عثمان المريني سنة 721ه/1321م والذي تولى بناءها ولي العهد أبو الحسن المريني. وتقع المدرسة بغربي جامع الأندلس من حضرة فاس فجاءت على أكمل الهيئات وأعجبها وبنى حولها سقاية ودار للوضوء وفندقا لسكنى الطلبة وجلب الماء إلى ذلك كله من عين خارج باب الجديد أحد أبواب فاس وأنفق على ذلك أموالا جليلة تزيد على مائة ألف دينار، وشحنها بطلبة العلم وقراء القرآن الكريم وحبس عليها رباعا كثيرة، ورتب فيها الفقهاء للتدريس وأجرى عليهم الإنفاق والكسوة.
وتسمى بالصهريج لأن صهريجا مستطيلا يقع وسط فنائها جلب إليه الماء من عين بخارج باب الحديد، والصهريج جلب من إسبانيا من ألمرية وزنه 143 قنطارا قبل أن ينقل إلى المدرسة المصباحية وهي تساوي في مساحتها مدرسة فاس الجديدة، ثم إن الفن المعماري الذي ما تزال المدرسة تحتفظ ببقاياه، ولائحة الموقوفات التي نقشت على رخامة التحبيس، وتحتفظ بها إلى الآن بعض الحوالات الوقفية. كل ذلك يدل على ما كان لهذه المدرسة من قيمة. ولقد حملت هذه المدرسة في بعض المصادر التاريخية باسم «المدرسة الكبرى» تمييزا لها عن «المدرسة الصغرى» التي تتصل بها والتي تجاور مقاما هناك كان يعرف باسم (دار الضيوف)، كما حملت في بعض الحوالات الوقفية اسم مدرسة أشيخن باسم الزنقة القديم.
ودرس في مدرسة الصهريج القاضي إبراهيم بن عبد الرحمان التسولي التازي. وكان يدرس فيها كتاب التهذيب والرسالة.
- الفرع الرابع: المدرسة المصباحية
شيد السلطان المريني أبو الحسن مدرسة أخرى على مقربة من القرويين، لا يفصلها عنها إلا طريق من نحو خطوات، وكان ذلك سنة 747ه/1346م كما هو منقوش على رخامة الوقف.
وتنسب المدرسة المصباحية إلى أبي ضياء مصباح بن عبد الله اليالصوتي الفقيه المالكي بمدينة فاس لأن الأستاذ أبا ضياء مصباح كان أول من تصدى للتدريس فيها.
وتسميها حجج الوقف مدرسة الخصة لأن بيلة من المرمر الأبيض تحتل وسط فنائها، وكان أبو الحسن المريني جلبها من ألميرية بالأندلس-كما سبق الذكر- من طريق البحر حتى العرائش إلى قصر عبد الكريم، حيث حملت على المركب إلى أن وصلت إلى ضواحي فاس، ومن ثمت حملت على عجلات من الخشب تجرها القبائل والرؤساء على أن وصلت أولا إلى مدرسة الصهريج، ثم حولت منها إلى مدرسة المصباحية حيث ما تزال إلى الآن، طولها 3,20 متر على عرض 1,05متر.
وكان المدخل إليها عن طريق باب يقابل باب القرويين الشمالي المسمى باب الخصة، وقد كان هناك قطعة من الرخام بين القرويين والمدرسة، يعبر عليها الطلبة الذين يفضلون الحضور للدرس بدون أحذية.
وعلى يَسَارِكَ وأنت داخل إلى المدرسة منفذ دار الوضوء، وكذلك المطلع إلى الطبقتين العلويتين يسكنها الطلاب، حيث يوجد في وسط الدرج مسجد صغير له محراب إلى الآن، وكان هذا المسجد في ظروف ما مركزا لقاضي القضاة. وتحتوي الطبقة الأرضية كذلك على عدد من البيوت الطلابية الذي بلغ مجموعها بين الفوقي والسفلي زهاء سبعة عشر بيتا ومائة بيت، وقبالة المدخل باب قبة الدرس والصلاة، تتوسطها سارية من رخام، والقاعة لا تشتمل على محراب.
وكانت المدرسة المصباحية حقا آية من آيات الجمال والحسن في البناء والزخرشة وهذا ما يدل على الاعتناء الشديد والمميز للدولة المرينية في إنشاء المدارس والاهتمام البالغ بالعلم بصفة عامة والعلماء والطلاب بصفة خاصة.
- الفرع الخامس: مدرسة فاس الجديد أو المدينة البيضاء
في سنة 720ه أمر السلطان أبو سعيد عثمان المريني ببناء مدرسة فاس الجديد، فبنيت أتقن بناء، ورتب فيها الطلبة لقراءة القرآن الكريم والفقهاء لتدريس العلم، وأجرى عليهم المرتبات والمــــــــــؤونة في كل شهر، وحبس عليها الرباع والضياع ابتغاء ثواب الله ورغبة فيما عنده.
ثم كمل بناؤه وبدئ بالإقرار فيها وسكناها في ذي القعدة سنة 721ه/1321م.
- الفرع السادس: مدرسة الوادي أو المدرسة الكبرى
أنشأ أبو الحسن المريني المدرسة الكبرى مدرسة الوادي، وهي التي يشق في وسطها الوادي الأعظم بالعدوة.
غير أن ابن مرزوق لم يحدد تاريخ إنشائها، لكن الجزنائي يشير إلى أن المدرسة كانت موجودة من عام 724ه/1324م.
وعرفت مدرسة الوادي بأنها لا تسمح للطالب أن يداوم فيها ما لم يكن يحفظ صحيح مختصر الحاجبي. غير أن مدرسة الوادي بفاس تلتبس على كثير من الناس، لقلة المصادر التي تتحدث عنها، ولاختفاء معالمها منذ زمن، والحقيقة أنها غير مدرسة الصهريج، كما هو مذكور في مسند ابن مرزوق. وذكر الدكتور عبد الهادي التازي أن أبا علي اليوسي تكلم عن الملوك الذين أحيوا العلم في المغرب وذكر أبا عنان ونظراءه فقال: «وكانت مدرسة الوادي بفاس -وهي اليوم خربة- تحتوي على نحو سبع مائة أستاذ.»
ويشير صاحب كتاب فواصل الجمان محمد غريط أن مدرسة الوادي كانت خرابا ترتكب فيها عظائم الفحشاء ممن شرب خمر الفساد فانتشى. إلى أن أذن الله لتلك الخبايا أن تشهر. ولهاتيك البقعة أن تطهر فعثر فيها على قتيل، نجى ببدنه من التمثيل فأزعج منها أولئك السكان، وهدمت منها البيوت والأركان، ثم جعلت مسجدا جامعا، وأبدت من تلك الظلمات نورا لامعا، وكان هذا العمل على يد الباشا الأرشد الحاج عبد الله بن أحمد رحمه الله.
كما أن الشيــخ ابن هارون كان يدرس المــدونة في هذه المدرســــة في حيــاة ابن غــازي، وهكذا نجــد أن تاريخها يعود إلى عهد بني مرين وبالضبط سنة731ه وأنها غير مدرسة الصهريج كما تؤكد ذلك الحوالات الحبسية الإسماعيلية التي تذكر أوقاف هذه المدرسة وأوقاف مدرسة الصهريج كلا على حدة.
ومن الملاحظ أن مدرسة الوادي هي الوحيدة بين مدارس فاس المرينية التي غيرت معالمها، وتحولت إلى مسجد جمعة وبنيت له صومعة عام 1295ه.
والملاحظ أيضا أن هناك اختلاف في تاريخ بناء المدرسة. فحسب ما جاء عند الجزنائي أن المدرسة كانت موجودة منذ سنة 725ه/1324م. غير أن الأستاذ الكتاني له رأي مخالف فهو يشير إلى قصة الشريف الذي جاء إلى فاس راغبا في بيت في المدرسة لكنه لم يكن يحفظ جميع مختصر الحاجبي، لذلك لما جاء لم يجد بيتا فقعد عند سارية واشتغل بشرح الأجرومية حتى أكمله ورفعه إليهم ليعطى بيتا. يقول الأستاذ الكتاني: «الشريف شارح الأجرومية هو محمد بن أحمد بن يعلا الشريف الحسيني أبوعبد الله الفاسي، أخذ عن منديل بن أجروم وغيره. واسم الشرح المذكور الدرة النحوية في شرح معاني الأجرومية. ولكن يؤخذ من أخذه عن منديل المذكور أنه من أهل القرن الثامن لأن شيخه المذكور مات سنة 772ه، فعلى هذا تاريخ هذه المدرسة يرجع إلى ما قبل القرن الثامن.»
- الفرع السابع: مدرسة السبعيين
تزامن بناؤها مع بناء مدرسة الصهريج سنة 721ه/1321م. أسسها الأمير أبو الحسن المريني، وسميت بالسبعيين لأنها كانت خاصة بالطلبة الذين يقرؤون القرآن الكريم بالروايات السبع، وقد كانت ملحقة تابعة لمدرسة الصهريج كما هو في رخامة التحبيس، التي تشترك فيها مع المدرسة السابقة. والمدرسة تحتوي من روائع الفن على الشيء الكثير بالرغم من إهمالها، وما يزال بإمكاننا أن نقف على نوع الرسوم التي كان المرينيون يهوونها، ونذكر على سبيل المثال زهور السوسن التي نقشت على قطعة من الرخام عند أنبوب السقاية.
وقد أحيطت ساحتها بأربع واجهات مسقفة حيث توجد بعض الغرف، وللمدرسة طبقة عليا، أما قاعة الدرس والعبادة، فإنها عبارة عن حجرة كبيرة وقد اكتفي للإشارة إلى قبلتها بقوس عوض المحراب المعهود.
- الفرع الثامن: المدرسة العنانية أو المتوكلية
تعتبر المدرسة العنانية التي تأسست سنة 750ه/1349م على يد أبي عنان المريني قمة الفن المعماري المريني.
الذي كان يرى ضرورة إنشاء مدرسة باسمه في سوق القصر الذي يحمل اليوم اسم الطالعة الكبرى، فكانت تحفة فائقة لا بما تتضمنه من عدد الغرف فقط ولكن بما اشتملت عليه من تجهيزات وبما فاقت به سائر المدارس الأخرى أيضا، إذ اشتملت بالإضافة إلى بهوين متقابلين للدرس على صومعة تشرف على المدينتين فاس القديم وفاس الجديد، وعلى قاعة صلاة، ازدانت بمنبر رائع بديع، أغرى رجالا من الأجانب بسرقته كما اشتملت على ساعة مائية كانت حديث الناس ردحا من الزمان، نصبت قبالة باب المدرسة الرئيسي في الطاعة الكبرى غير بعيدة عن دار الوضوء التي تعد متحفا رائعا، وكل خلية من خلايا المدرسة قطعة من القطع الفنية التي تستدعي منك امعان النظر.
وقد وصفها لنا الشيخ محمد الكتاني بقوله: «ومدرسته العناية بهذه الحفرة-أعني فاسا-مشهورة، وهي من المدارس العجيبة. ولما تم بناؤها، ودخلها لينظر إليها، أعطاه القائم عليها هناك زمام صائرها وقد جمع فيه صائرا كثيرا، فرمى به في الوادي الجاري وأنشد:
ليس لما قرت به العين ثمن
لا بأس بالغالي إذا قيل حسن»
ووصفها ابن بطوطة فقال: «وعمارة المدرسة الكبرى بالموضع المعروف بالقصر مما يجاوز قصبة فاس، ولا نظير لها في المعمورة اتساعا وحسنا وإبداعا وكثرة ماء وحسن وضع. ولم أر في مدارس الشام ومصر والعراق وخرسان ما يشبهها.»
وتعتبر المدرسة العنانية قمة الفن المعماري المريني. إذ أن الآثار المعمارية المرينية السابقة، كانت لا تزال تحت تأثير الفن الموحدي، الذي يمتاز بالبساطة، والبعد عن كثرة الزخرفة، مسايرة لمبادئهم الدينية. فبناء هذه المدرسة يؤكد أن المرينيين أدخلوا على الفن الموحدي التنسيق والتزويق، وصاروا يهتمون بالنقش على الجبص، والخشب، ولا يتركون موضعا في الحيطان أو السقوف والأبواب، دون أن ينقشوه، وبالغوا في ترميم الأرض، وأسافل الجدران بالزليج الرقيق المختلف الألوان، واستخدموا الرخام بجميع أنواعه، وهذه المميزات، أضفت على منشآتهم البهاء الممزوج بالرقة والعذوبة.