منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

اعتناء بني مرين بالدور الاجتماعي للخزانات العلمية|المؤسسات التعليمية

الدكتور عبد اللطيف بن رحو

0

اعتناء بني مرين بالدور الاجتماعي للخزانات العلمية|المؤسسات التعليمية

الدكتور عبد اللطيف بن رحو

 

يمكنكم تحميل كتاب العمل الاجتماعي في عهد الدولة المرينية (1244 – 1465م) من الرابط التالي

كتاب”العمل الاجتماعي في عهد الدولة المرينية (1244 – 1465م)

المبحث السادس: الدور الاجتماعي للخزانات العلمية

مما يتصل بالحديث عن المؤسسات الخيرية والعلمية في حضارتنا، الحديث عن المكتبات والخزانات. فقد كانت المدارس للتعليم، ومؤسسات ينفق عليها الأمراء والأثرياء والعلماء، لينتشر العلم بين الناس، وخصوصا في زمن المرينيين الذي لم تكن فيه الطباعة موجودة، وكانت الكتب تنسخ على أيدي النساخ المختص لهذا العمل، فكان يبلغ بذلك ثمن الكتاب حدا قد يتعذر على طالب العلم أو العالم الفقير شراؤه، فكيف إذا أراد أن تكون له مجموعة من الكتب في الفن أو العلم الذي يتخصص فيه؟ ومن هنا كان قيام المكتبات والخزانات في المجتمع المريني، منبعثا عن عاطفة إنسانية وعن نزعة علمية في وقت واحد.
قامت الخزانات بدور فعال في تألق الحياة الثقافية في المغرب عصر المرينيين. فهي قد ساهمت بشكل واسع في تطور الآداب والعلم في هذا البلد. ولعل شغف السلاطـــين بالكتب ورغبتهم في نشــر الثــقــافة
ضمن شعوبهم هو ما حثهم على تشجيع العلماء والأدباء على تأليف مؤلفات برسم خزاناتهم. والفقهاء في تلك الفترة أكثروا من المؤلفات الفقهية خاصة ما كان من علم الفروع. وعلى الرغم من أن خزانات الكتب المغربية أضحت مشرفة وثرية في ظل الدولتين السابقتين (المرابطين والموحدين) فإنها لم تكن قد وصلت بعد إلى أوجها. إنها ستنتظر زمن المرينيين لكي تعرف نهضة لم يسبق لها مثيل.
فالمكتبات والخزانات العلمية ساهمت بشكل كبير في تطور منظومة التعليم الشرعي. ويمكن اعتبار المكتبات الإسلامية المغربية زمن بني مرين، من أهم المؤسسات الثقافية التي يفخر بها الإسلام، والتي كان لها دور كبير في نشر المعرفة والثقافة بين المسلمين. وكتب الكثير من الباحثين العرب فصولا ومقالات عن هذه المؤسسات الثقافية والعلمية وأهميتها في حياة الأسلاف وتطورهم.
وكان الهدف من إنشاء المكتبات والخزانات العلمية هو المساهمة في تنشيط الحركة العلمية في ذلك الوقت، ولكثرة الدارسين بدأ الشعور بأهمية توفير الكتب لأكبر عدد من المستفيدين يتعمق في نفوس الحكام والوزراء والعلماء والأثرياء، ووجد هؤلاء في الكتاب وسيلة من وسائل العمل الخيري من منطقة الرغبة في إشاعة العلم والتغلب على مصاعب الحصول على الكتب لطلبة العلم في مدن ومناطق معينة، فأدى إلى ظهور الكتب والمكتبات.
وصارت الخزانات والمكتبات قبلة لطلاب العلم يتزودون منها من مختلف المعارف. إضافة إلى مساعدة العلماء والباحثين بتوفير أكبر قدر من مصادر المعلومات لهم لتسهيل سبل الدرس والمطالعة والتأليف.
كما سهل السلاطين على الناس سبل المطالعة والدرس في الخزانات بتوفير الكتب النادرة إلى جانب الكتب الضرورية والمطلوبة.
فمثلا خزانة القرويين بفاس كانت تضم حوالي 3823 مخطوط و24000 عنوان من الكتب المؤلفة، وقد ذكر الدكتور عبد الهادي التازي أن خزانة القرويين جعلت لطلبة العلم وتسهيلا لمن أراد القراءة والنسخ منها والمطالعة والمقابلة.

المبحث السابع: أوقاف الخزانات العلمية

لقد شكل الوقف في المغرب، شأن الأقطار الإسلامية الأخرى، المصدر الأساس لإغناء المكتبات والخزانات العمومية عبر التاريخ. كما حصل الاتفاق من الفقهاء حينما شرعوا للمغاربة في تحبيس المجموعات من الكتب على المكتبات العمومية.
ونقف في هذا المقام باستشهاد للمفتي المغربي الذي عاصر زمن المرينيين أحمد القباب(ت780ه)، عن نازلة في قضية استنساخ المخطوط المحبس، فذكر أنه إذا لم تذكر في الوقفية كلمة نساخة فهذا المؤلف لا يجب أن يستنسخ. فيجب أن تحترم شروط الوقف على آخرها. فالوقف كان بداية قاعدة فقهية مقبولة من طرف الفقهاء زمن المرينيين في المغرب.
وقد تكاثرت خزانات الكتب العمومية مثل خزانات المساجد الكبرى، والجوامع، والمدارس تقريبا في كل مكان من المغرب في نهاية القرن 13ه وبداية القرن 14ه. وكان الوقف هو العنصر الشرعي الذي كان وراء بنائها ودوام خدمة الكتب فيها.
وكان الواقفون يعلنون في نهاية تشييد أحد هاته المؤسسات ذات الطابع العمومي، تحبيسها على طلبة العلم ابتغاء وجه الله العظيم. وما زالت أبواب العديد من هاته المكتبات العمومية تحتفظ بتقييد الوقف نذكر على سبيل المثال صيغة التحبيس المنقوشة على ساكف مدخل خزانة القرويين والتي كتبها السلطان المريني أبو عنان مؤسس الخزانة «جعلناها وقفا مؤبدا لجميع المسلمين. حضاً منه أيده الله على طلبة العلم وإظهاره وارتقائه واشتهاره، وتسهيلا لمن أراد القراءة والنسخ منها والمطالعة والمقابلة.»
كما يتضح من بعض النوازل والفتاوى أن هناك العديد من الأشخاص حبسوا كتبا لهم على طلاب العلم أو على المساجد لينتفع بها المصلون، وكانوا يحبسون الكتب على القراءة والمطالعة أو النسخ منها وغير ذلك من وجه الانتفاع.
فقد شيد السلاطين المرينيون خزانات جديدة، ووسعوا القديم، وحبسوا عليها الكثير من الكتب والرباع المختلفة.

المطلب الأول: التحبيس على خزانة يعقوب بن عبد الحق بمدرسة الحلفاويين

حبس السلطان يعقوب بن عبد الحق الكتب على خزانة مدرسة الحلفاويين، وهي الكتب التي أرسلها ملك قشتالة سانشو، والتي تضمنت مجموعة من المصاحف وكتب التفسير والحديث وكتب الأصول والفروع واللغة والأدب، فصارت محبسة على طلبة العلم.
كما حبس السلطان يوسف بن يعقوب بن عبد الحق على مدرسة الحلفاويين المصنفات التي تنازل عنها الملك كاستلان دوسانت، وذلك أثناء السّلم الذي انتهى إليه هذان العاهلان في سنة 1285م.

المطلب الثاني: تحبيس أبي الحسن المريني على المدارس

حبس السلطان أبو الحسن المريني على خزانات المدارس التي أسسها، وهذا ما يذكره ابن مرزوق في مسنده بهذا الخصوص.
يقول ابن مرزوق: «هذا مع ما حبس في جلها من أعلاق الكتب النفسية والمصنفات المفيدة، فلا جرم كثر بسبب ذلك طلب العلم وعدد أهله، وثواب المعلم والمتعلم في ميزان حسناته بلغه الله ذلك.»
وكان السلطان أبو الحسن المريني كتب ثلاثة مصاحف شريفة بخطه، وأرسلها إلى المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال، وأوقف عليها أوقافا جليلة.
ونقل لنا السلاوي في كتابه التاريخي الوقفية التي ذكرت في الورقة الأولى من نسخ المصاحف تقول الوقفية: «وهو الذي مد يمينه بالسيف والقلم فكتب في أصحابها وسطر الختمات الشريفة فأيد الله حزبه بما سطره من أحزابها، واتصلت ملائكة النصر بلوائه تغدو وتروح، وكثرت فتوحه لأملياء الغرب فقالت أوقاف الشرف: لابد للفقراء من فتوح، ثم وصلت ختمات شريفة كتبها بقلمه المجيد المجدي وخط سطورها بالعربي، ورتب عليها أوقافا تجري أقلام الحساب في إطلاقها وطلقها وحبس أملاكا شامية تحدث بنعم الأملاك التي سرت من مغرب الأرض إلى مشرقها، والله تعالى يمتع من وقف هذه الختمات بما سطر له في أكرم الصحائف، وبنفع الجالس من ولادة الأمور في تقريرها ويتقبل من الواقف. ويذكر السلاوي، أن المقري قد رأى أحد المصاحف المذكورة وهو الذي ببيت المقدس وربعته في غاية الصنعة.»
وجاء عند الونشريسي صاحب المعيار المعرب أن السلطان أبا الحسن المريني حبس كتبا على مدرسة ابتناها بالقيروان، وأخرى بتونس، وجعل مستقرها بيتا بجامع الزيتونة بها.

المطلب الثالث: التحبيس على خزانة أبي عنان بالقرويين

تعتبر هذه الخزانة من أغنى الخزانات وأعظمها برصيدها العلمي والمعرفي وبضمها العديد من المؤلفات والمدونات. فالخزانة كانت تحتوي على عدد من النفائس والذخائر، وما يزال بعضها إلى الآن. وقد أوضح الدكتور عبد الهادي التازي أن أكثر الكتب التي تمت إلى الأندلس بصلة وثيقة، والتي هي الآن في خزانة القرويين، يرجع تاريخ وقفها إلى السلطان أبي عنان، أو إلى والده أبي الحسن، أو جده. فكان السلاطين يحبسون عليها نفائس الكتب وجليل الذخائر في مختلف العصور.
ساعدت خزانة القرويين الطلبة والمدرسين في مهمة التدريس والتحصيل، وبقيت تؤدي مهمتها بعد أن أغدق عليها الوقف بنسخ نادرة من المخطوطات والكتب العلمية، إلى أن قام السلطان المريني أبو عنان بالاعتناء بها رسميا سنة750ه/1349م، ووضع لها قانونا للقراءة والمطالعة والنسخ وزودها بكتب نفيسة في مختلف العلوم والفنون، والكتب والمؤلفات القيمة والنادرة.
والسلطان أبو عنان نفسه حبس على المساجد والمدارس التي بنيت في عهده مخطوطات قيمة. وكما هو معلوم أن هذا السلطان قد زود خزانة القرويين بعدد من المخطوطات اختارها من مكتبته الشخصية.
وبالإضافة إلى خزانة القرويين العلمية، جعل السلطان أبو عنان مكتبة وخزانة للمصاحف، وحبسها لمن أراد التلاوة فيها، وأعد لهذه المكتبة قَيِّمًا بجراية كافية ليرضي رغبة الناس، ويتناول المصاحف بالعناية والصيانة وردها إلى موضعها.
وفي هذا السياق يشير الشيخ عبد الحي الكتاني رحمه الله بقوله: «وأجرى عليها جراية مؤبدة تكرمة وعناية.»
ومن الكتب التي حبسها السلطان أبو عنان المريني على خزانة القرويين مخطوط «قانون التأويل» وهو مجلد واحد في مكتبة القرويين وعليه خط أبي عنان.

المطلب الرابع: تحبيس الكتب على مسجد السوق الكبير

في زمن السلطان أبي سعيد عثمان بن أبي سالم المريني بني مسجد السوق الكبير بفاس الجديد، وتم إحداث خزانة للكتب بمقره، ليتسنى للناس المطالعة والتشبع بمناهل العلم. وكان حاجبه أبا محمد عبد الله الطريفي هو من تولى بناء المسجد وإحداث الخزانة العلمية بداخله، وحبس عليه الكثير من الكتب وهذا ما ذكره صاحب الاستقصا فقال: «لما توفي الحاجب فارح بن مهدي ولي الحجابة من بعده أبو محمد عبد الله الطريفي وكان من فضلاء الحجاب وهو الذي بنى مسجد السوق الكبير بفاس الجديد وحبس عليه كتبا كثيرة فكان ذلك من حسناته الباقية نفعه الله بقصده.»

المطلب الخامس: تحبيس بعض العلماء لكتبهم

ساهم العلماء والمحسنون بتعزيز الخزانات العلمية بكتب تكون بمثابة وقف على الخزانات العلمية، وذلك قصد إثراء رصيد الخزانات بالمخطوطات والكتب القيمة والنادرة والمؤلفة حديثا.
ومن طليعة العلماء والمؤلفين الذين حبسوا على خزانة القرويين نجد في مقدمتهم العالم الذي حفر اسمه بماء من ذهب ألا وهو ابن خلدون الذي حبس كتابه العبر، ووضع له وقفية مكتوبة بخط يده، تقول الوقفية: «وقف على الوجه المذكور لوجه الله الكريم وطلب لثوابه الجسيم يوم يجزي الله المتصدقين ولا يضيع أجر المحسنين.»
هنا يشير ابن خلدون إلى الغاية التي من أجلها وقف هذا الكتاب وهو ابتغاء مرضاة الله، ورجاء ثوابه الكبير. وهذه هي الغاية القصوى التي يهدف إليها الواقف. ويختم ابن خلدون وقفيته بعبارة الإشهاد وتصحيح الوقف على غرار الوقفيات المغربية، فقال: «وأشهد على ذلك» بمعنى أنه كان حاضرا وشاهدا على ما كتب.
ويذكرها أحمد المقري في نفح الطيب فقال: «ورأيته بفاس وعليه خطه في ثمان مجلدات كبار جدا، وقد عرف في آخره بنفسه وأطال.»
كما حبس ابن الخطيب (ت776ه) بعض مؤلفاته على مدرسة جامع غرناطة بالأندلس.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.