منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

اعتناء بني مرين بالخزانات العلمية |المؤسسات التعليمية

الدكتور عبد اللطيف بن رحو

0

اعتناء بني مرين بالخزانات العلمية |المؤسسات التعليمية

الدكتور عبد اللطيف بن رحو

 

يمكنكم تحميل كتاب العمل الاجتماعي في عهد الدولة المرينية (1244 – 1465م) من الرابط التالي

كتاب”العمل الاجتماعي في عهد الدولة المرينية (1244 – 1465م)

المبحث الخامس: الخزانات العلمية في العهد المريني

حض الإسلام معتنقيه على العلم والتعلم، فهذا التوجيه نحو النور والعلم والتعلم لا مثيل له في تاريخ البشرية قديما وحديثا. فقد حث القرآن الكريم المسلمين على التعلم ومدح العلم والعلماء في أكثر من موضع. فالنهضة العلمية التي بدأها الإسلام وتبناها المسلمون كانت هي السبب الأعظم في اهتمام المسلمين بالكتب والمكتبات، لأن الكِتَاب كما لا يخفى هو وعاء المعرفة. لذلك ظهرت المكتبات وتطورت نتيجة العلم والمعرفة في العالم الإسلامي، واعتبرت المكتبات في الإسلام مثل كائن حي انبثق عن المجتمع الذي وجد فيه، نتيجة لتطوره وحاجته إليها وهي في الوقت نفسه ساعدت على تطور المجتمع ودفعه في طريق الرقي والنجاح. فالمكتبات هي نتاج تفاعل هذه الحياة، ولذلك فإن هذه المكتبات مرت كالمجتمع في أدوار حضانة ونمو وأدوار وازدهار ونضج.
وحرص المرينيون على تدعيم العلم والعلماء، بإنشاء المكتبات اللازمة لهم، وكانت هذه المكتبات ركائز للحركة الفكرية في الدولة المرينية.
فلقد انهمك المرينيون وبعدما آنسوا عقلية جديدة مثيرة لرغبة جامحة في القراءة والتثقيف لدى كل الطبقات الاجتماعية، أولا في بناء المدارس-كما سبق الذكر- المرفقة بخزانة الكتب، وبعد ذلك انهمكوا في تشييد المكتبات.
والتراث الوافر والإرث العلمي والأدبي الذي انتقل إلى بني مرين عبر الدولة السابقة (الموحدين) هي العوامل الحقيقية التي أدت إلى الازدهار الكبير للخزانة المغربية انطلاقا من القرن 14م.
فالحركة العلمية التي جادت بها قريحة العصر المريني، والحركة العلمية التي نمت بشكل كبير لم تكن بعـيدة أو بمعزل عن المصادر والكتب العلمية، وبذلك ظهرت في تلك الحقبة المكتبات والخزانات العلمية.
والمرينيون قصروا اهتمامهم على الحواضر الكبرى، فشيدوا فيها المكتبات من سبتة وطنجة وتازة وفاس شمالا إلى آسفي ومراكش جنوبا.
وسيقودنا التحليل الشامل للمكتبات المغربية في العهد المريني إلى التمييز بين ثلاثة أنواع من خزانات الكتب: أولها الخزانات الملكية، والخزانات الخاصة، وأخيرا الخزانات العمومية.

المطلب الأول: خزانة الكتب الملكية

خزانة الكتب الملكية هي خزانة شخصية أسسها السلطان، وهي تختلف عن الخزانات الخاصة بغنى مجموعاتها التي تتشكل في غالب الأحيان من الكتب النادرة، والفريدة والنفيسة.
وجرت العادة في المغرب أن تكون دور الكتب بالمساجد والأربطة والمدارس، وأعظمها ما يكون بقصر السلطان.
وملوك المغرب على اختلاف دولهم يمدون تلك الخزائن بتصانيف خاصة من خزائنهم الملكية الخاصة رغبة منهم في نشر الثقافة بين العموم. وما برحت هذه الكتب التي حبسها السلاطين المرينيين أن تخلوا من توقيعاتهم التي ما زالت مسجلة إلى يومنا هذا.
إن ازدهار المكتبة المغربية في العهد المريني كان من ورائه حبهم للعلم والمعرفة وتأليف الكتب، فهذا الشغف وفر كماً هائلا من الكتب.
فلا شك أن السلاطين كانوا يعرفون دائما طرق الحصول على الكتب الهامة التي يحتاجونها، فالوسائل الموظفة للحصول على الكتب المكلفة كثيرا لم يكن لها مبرر إلا هذا الحب للعلم والعلوم والمعرفة، فقد نزع هذا الحماس وهذا الشغف بالناس إلى الحفاظ على الكتاب، ومن هنا جاء تأسيس الخزانة الملكية كبداية أولية.
وعلى ما يبدو أن اهتمام السلاطين المرينيين بالجانب العلمي، جعلهم ينشؤون مكتبات خاصة داخل قصورهم.
وللإشارة فإن ما وصلنا عن الخزانة الملكية عند المرينيين ناقص جدا، لعدم اكتراث المؤرخين المغاربة بتراثهم. فقد تم جمع المعلومات المتعلقة بهاته المؤسسات الملكية انطلاقا من إشارات مكتوبة في مخطوط أهداها أصحابها إلى مختلف الخلفاء أو أنجزوها بإشارة منهم. وتعود أقدم المخطوطات التي تطابق اهداءاتها الدولة المرينية إلى يعقوب بن عبد الحق وابنه أبي يعقوب يوسف، وعلى الرغم من أن هذين الخليفتين الأولين كانا مهتمين بإعادة بناء إمبراطورية أسلافهم الموحدين، فقد اشتهروا بوضع أسس مكتبة دولتهم الملكية التي زودها وأغناها ورثتهم. وإذا كان أصل هاته المؤسسة غير واضح بجلاء، فنحن نتوفر مع ذلك على عدد من المعلومات التي من شأنها أن توضح لنا واقعنا.
والمؤلفات التي أنجزت برسم هاته الخزانة، والمخطوطات التي تم التوصل بها كهدايا أو في إطار التبادل مع الخلفاء كانت إحدى العناصر المشكلة لمجموعة هاته المؤسسة الملكية. فقد كان يطيب لهؤلاء الخلفاء أن ينشدوا من العلماء والأدباء كتابة الرسائل والمؤلفات بشأن مواضيع بعينها، وكانت النسخ الأولى موجهة بطبيعة الحال إلى خزانة السلطان.

  • الفرع الأول: خزانة يوسف بن يعقوب

خزانة أبي يعقوب يوسف بن يعقوب المريني جاء ذكرها في طالعة كتاب «الامتناع والانتفاع في معرفة أحكام السماع» لمحمد بن أحمد بن محمد السبتي المعروف بالدراج بمناسبة تقديم الكتاب للخزانة اليوسفية.
فالمصادر التاريخية لم تشر إلى هذه الخزانة الملكية الخاصة بهذا السلطان إلا ما ذكره صاحب الامتناع، وربما يرجع ذلك إلى عدم الاهتمام بتدوين هذه الأمور من طرف المؤرخين، لتبقى الضبابية والشكوك تحوم حول خزانة يوسف بن يعقوب بن عبد الحق المريني.

  • الفرع الثاني: خزانة أبي سعيد عثمان المريني

رغم قلة المصادر عن خزانة أبي سعيد إلا أنه بقي لدينا بعض منتسخات برسمها تتمثل في شذرات من ربعة قرآنية، ثم نسخ من الشمائل الترمذي.
ومعرفتنا بالخزانة الملكية لأبي سعيد ناقصة جدا، فنحن مرة أخرى نشهد عدم اكتراث المؤرخين المغاربة في العهد المريني بتراثهم وتدوينه ليبقى محفوظا في ذاكرة التاريخ، فنجد بعض الإشارات مكتوبة في مخطوط الذي يحيلنا إلى هذه الخزانة وهو مخطوط مُهدى إلى السلطان من قبل مؤلفه.
يقول الدكتور أحمد شوقي بنبين: « فنحن نجد بعض الأجزاء من القرآن الكريم إضافة إلى نسخة من الشمائل للإمام الترمذي اهداءات باسم السلطان المريني أبي سعيد محفوظة أولهما في المكتبة العامة في الرباط، ثانيهما في الخزانة الوطنية بتونس.»

  • الفرع الثالث: خزانة أبي الحسن المريني الخاصة

كان من العادة أن تهدى بعض الكتب إلى السلاطين في عهد بني مرين مما كان يساهم في تشكل الخزانات الخاصة لكل سلطان، ومن ذلك ما أهداه أبو الحسن المراكشي للسلطان أبي الحسن، فقد أهداه مؤلفين له في الطب. وألف ابن مرزوق مؤلفه الشهير «المسند الصحيح الحسن في مآثر أبي الحسن»، لأجل السلطان يسرد فيها مناقبه وحياته، وهي دراسة وافية.
وعلاوة على هذه الكتب المؤلفة، فإن مكتبة المرينيين الملكية كانت تغتني أيضا من التبادل في الكتب الذي أقامه السلاطين مع ملوك الأقطار الإسلامية الأخرى.
تحدث المؤرخ السلاوي عن السلطان أبي الحسن حينما بعث بنسخة عتيقة من المصحف الشريف، نسخها بيده وجمع الوراقين لتنميقها وتذهيبها، والقراء لضبطها وتهذيبها، ليجعلها وقفاً على الحرم الشريف قربة إلى الله تعالى وابتغاء للمثوبة والأجر، فراسل الملك الناصر محمد بن قلاوون بذلك.

  • الفرع الرابع: خزانة أبي عنان الخاصة والمتنقلة

كان سلاطين بنو مرين دائما يرغبون في تدوين تاريخهم أو كتابة الرحلات التي قام بها العلماء والفضلاء لتبقى مسجلة في تاريخهم الحافل. فقد أمر السلطان أبو عنان كاتبه ابن جزي وكلفه بكتابة رحلة ابن بطوطة التي يرغب في وضعها ضمن مجموعته الخاصة. كما كان لهذا السلطان مكتبة متنقلة خاصة يحملها معه في رحلاته. إنها نوع من الخزانات السيارة الملكية التي كان السلطان يصحبها معه في تنقلاته، فهي خزانة متنقلة، أو إنها ببساطة كتب متحركة لم يكن السلطان ينفصل عنها أبدا.
وجاء في الديباج المذهب أن الشيخ الصالح يوسف الحزام المغربي شاهد بعض الكتب التي تضمنتها خزانة أبي عنان المريني ومنها كتاب أنوار الفجر للقاضي أبي بكر بن العربي في سنة 760ه فقال: «رأيت تأليف القاضي أبي بكر بن العربي في تفسير القرآن الكريم المسمى «أنوار الفجر» كاملا في خزانة السلطان الملك العادل أمير المسلمين أبي عنان بن السلطان أبي الحسن، وكان أبو عنان إذ ذاك بمراكش، وكانت له خزانة كتب يحملها معه في الأسفار، وكنت أخدم مع جماعة في حزم الكتب ورفعها، فعددت أسفار هذا الكتاب، فبلغت عدتها ثمانين مجلدا ولم ينقص من الكتاب المذكور شيء.»
فهذا المقطع يحملنا على الاعتقاد بأن أبا عنان كان يتوفر على خزانة كتب كبيرة تضم ثروات عجيبة. فكل السلاطين الآخرين تقريبا قد تصرفوا بهذا الشكل، وأمروا كتاب القصر أن يؤلفوا كتبا برسم مكتباتهم.
هذا وقد أهدى مؤلف «الذخيرة السنية» مخطوطه إلى الخليفة يعقوب أبي يوسف الذي أمره بتأليفه، فما زالت مخطوطات عديدة تحمل إهداءات مكتوبة إلى هؤلاء الخلفاء، محفوظة إلى يومنا هذا سواء في المغرب أو خارجه.
وكان في خزانة أبي فارس موسى المريني مخطوط «السلسل العذب» للحضرمي، و»الدوحة المشتبكة» للمديوني، و»تخريج الدلالات السمعية» للخزعي.

  • الفرع الخامس: خزانة أبي سالم الخاصة

ونذكر أيضا في هذا المقام خزانة السلطان أبي سالم المريني، حين وجه أمره الملكي لكاتب البلاط أبي القاسم بن رضوان طالبا منه أن يؤلف كتابا عن سياسة الملوك، وماهي إلى أيام قلائل حتى مثل الكاتب أمام سيده، وسلم إليه باكورة عمله: «الشهب اللامعة في سماع السياسة الجامعة»، قال ابن شقرون: «يتعلق الأمر بمؤلف أصلي خاص بالمعلومات عن السياسة العامة للملوك وعن المؤسسات الإدارية التي جرى بها الأمر آنذاك.»
ومن جملة المخطوطات التي تضمنتها الخزانة الملكية في عهد السلطان أبي سالم المريني كتاب لابن الخطيب «عمل من طب لمن حب.»

  • الفرع السادس: خزانة أبي فارس عبد العزيز الأول بن أبي الحسن المريني

أشار العلامة محمد المنوني في كتابه ورقات، إلى خزانة السلطان أبي فارس عبد العزيز المريني، حين تحدث عن دار السكة من خلال كتاب «الدوحة المشتبكة في أحكام دار السكة» فصاحب هذا الكتاب أهدى نسخة منه إلى السلطان أبي فارس لتكون ضمن مجموعة خزانته.
يقول العلامة المنوني: «وقد قدم النسخة الأولى منها لخزانة أبي فارس عبد العزيز الأول بن أبي الحسن، ثم قدم نسخة أخرى منها للوزير الوصي على العرش المريني أبي يحيى بن أبي مجاهد الغازي.»

  • الفرع السابع: خزانة أبي فارس موسى بن أبي عنان المريني

وإليها أشار صاحب كتاب «تخريج الدلالات السمعية للخزاعي «حين أهدى نسخة إلى السلطان أبي فارس. فقال: «ولما منَّ الله تعالى على هذا الصقع الغربي بقدوم مولانا أمير المؤمنين المتوكل على الله أبي فارس موسى بن مولانا أمير المؤمنين المتوكل على الله أبي عنان فارس ابن موالينا الخلفاء الراشدين أسود العرين وملوك بني مرين، أيده الله تعالى ورضي عنهم، أهديته لمقامهم الكريم أسماه الله تعالى جريا على العادة في اتحاف الملوك الخادم لمولاه القادم، وعملا على ما جاء عن النبي ﷺ من الحض على الهدية والأمر بها.»
يقول صاحب كتاب تاريخ خزائن الكتب للدكتور شوقي بنبين: «وأنجزت مخطوطات أخرى برسم المكتبة الملكية الخاصة على عهد أبي فارس مثل تخريج الدلالات السمعية للخزاعي. «كما سبق الذكر.»

  • الفرع الثامن: خزانة أبي سعيد الثاني المريني

خزانة أبي سعيد المريني بن أبي العباس أحمد بن أبي سالم إبراهيم، لم تشر إليها المصادر التاريخية، ولم يسعفن الحظ إلا ما جاء في كتاب جذوة الاقتباس حينما ترجم له. فقال أحمد بن القاضي المكناسي: «بنى مسجد السوق الكبير بالبلد الجديد وحبس كتبا كثيرة.»
وإن كانت هذه الإشارة تدخل في باب تحبيس الكتب، غير أنني لم أجد بُداً لذكر خزانة السلطان أبي سعيد الثاني.
وقيل عنه أنه كان مولعا بجمع الكتب ونوادرها، حسب ما جاء في كتاب بغية الناظر والسامع.

المطلب الثاني: الخزانات العامة

ما من شك أن الخزانات العامة عرفت نموا خاصا في العهد المريني، ولم تكن بعيدة عن مصادر المعرفة، فقد ظهرت في عصرهم الخزانات العلمية، وساهموا هم أيضا في إنشائها وتزويدها بالكتب العلمية النافعة والضرورية حتى تؤدي مهمتها على أكمل وجه.
فالخزانات العلمية في العهد المريني، كان لها دور هام في الحياة الثقافية وفي نشرها.
والخزانات بمعناها العصري كانت مجهولة في المغرب الأقصى قبل نشر الحماية الفرنسية. غير أن المساجد العظمى والزوايا الكبرى حفلت بخزائن الكتب حبسها العلماء والموقفون من أهل البر وسجلوا التحبيس عليها. فكانت تلك الخزائن بمثابة مكتبات عامة يرتادها طلاب المعارف ويرتشقون من مناهلها الفياضة.

  • الفرع الأول: الخزانة العامة بفاس

إن إنشاء خزانة عامة في العهد المريني كدار مستقلة للكتب بوجه خاص، يرجع الفضل فيه للسلطان أبي عنان المريني، فمن رغبة هذا السلطان في العلم وحبه له، نبعت فكرة إنشاء دار للكتب على نحو ما هو معروف لدينا اليوم، إذ احتوت هذه الدار على كتب تخدم شتى العلوم.
فكانت فكرة أبي عنان أن ينشئ في الركن الشمالي الشرقي خزانة للكتب العلمية، يستفيد منها طلبة العلم الذين يتواردون على فاس، وهكذا أصدر أمره إلى العملة ببنائها هناك. لقد كانت قبة من نحو خمسة أمتار ونصف طولا، وجعل لها مدخلا من أعلى المستودع، يمتاز بألواح منقوشة، وفوق الباب مباشرة كتابة من خمسة عشر سطرا بخط نسخي جميل.
والخزانة العامة بفاس احتوت على عدد من النفائس والذخائر، وما يزال بعضها إلى الآن، طائفة من الكتب كتبت سنة750ه، وقد كتب عليها: «بالخزانة السعيدة التي ابتدع أيّده الله إنشاءها، ورفع للطالبين لواءها.» وهي بالجانب الشرقي من صحن جامع القرويين الذي بفاس المحروسة، وعقب الوثيقة يكتب أبو عنان العبارة التالية بخط يده: «وكتب بخط يده عبد الله ووليه أبو عنان أمير المؤمنين بن علي بعثمان بن يعقوب بن عبد الحق جار الله سبحانه له.» وأكثر الكتب التي تمت إلى الأندلس بصلة وثيقة، والتي هي الآن في خزانة القرويين، يرجع تاريخ وقفها إلى السلطان أبي عنان، أو إلى والده أبي الحسن أو جده أبي سعيد وربما إلى أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق.
وقد عهد العاهل المريني بالخزانة المذكورة إلى أحد العلماء الأعلام بالسهر عليها وصيانتها، كان بمثابة القيم أو الحافظ كما نسميه اليوم، وخصص له في مقابلة ذلك جراية يستعين بها على القيام بوظيفته.
ويزيدنا علي الجزنائي صاحب زهرة الآس تأكيدا لما أدرجناه فيقول: «أما خزانة الكتب التي يدخل إليها من أعلى المستودع الذي بالجامع فإنه لما كان من شيم مولانا المتوكل أبي عنان المريني رحمه الله حب العلم وإيثاره، والتهمم به والرغبة في انتشاره والاعتناء بأهله ومتحمليه، والتودد بقرائه ومنتحليه انتدب لأنْ صنع هذه الخزانة وأوسع طلبة العلم بأن أخرج لها من الكتب المحتوية على أنواع من علوم الأديان والأبدان والأذهان واللسان، وغير ذلك من العلوم على اختلافها وشتى ضروبها وأجناسها، ووقفها ابتغاء الزلفى، ورجاء ثواب الله الأوفى، وعين لها قيما لضبطها، ومناولة ما فيها، وأجرى له على ذلك جراية، وذلك في جمادى الأولى سنة خمسين وسبعمائة.»
وتحدث الدكتور عبد العزيز فارح عن شهرة هذه الخزانة وأوقافها الكثيرة، فيقول: «خزانة جامع القرويين بفاس وهي خزانة وقفية مشهورة شهرة جامع القرويين أسست الخزانة في عصر بني مرين، ووقفت عليها الكتب الكثيرة تنافس في ذلك الخاصة والعامة.»
العلامة الدكتور محمد بنشريفة رحمه الله تحدث عن الخزانة وذكر بأنها تحتوي على أجود الكتب في مختلف العلوم، يقول: «ووقف عليها عددا كبيرا من الكتب المحتوية على أنواع من علوم الأبدان والأديان واللسان والأذهان وغير ذلك من العلوم كما يقول بعض المؤرخون، وما يزال النقش الذي كتب على الخشب بباب الخزانة محفوظا.»
وتحيلنا المصادر التاريخية أن أبا عنان هو الذي زود مدينة فاس بأكبر خزانة للمطالعة عرفتها العاصمة العلمية في عصر بني مرين، خزانة الكتب وخزانة المصاحف، وجمع فيها أكبر عدد ممكن من الكتب المحتوية على أنواع من علوم الأديان والأبدان والأذهان واللسان وغير ذلك.
ويمكن القول إن هذه الأنواع والأقسام والأصناف من الكتب كان الهدف منها تيسير العمل على الطلبة والباحثين، وأعلن السلطان أبا عنان المريني أن هاته الكتب مؤسسة خيرية لفائدة هذه الخزانة ولفائدة الطلبة، في سبيل المجد الذي اكتسبه وأملا في جزاء من الله العلي.

  • الفرع الثاني: خزانة المصاحف بفاس

أضاف السلطان أبو عنان المريني خزانة المصاحف ملحقة بالخزانة الكبرى تيسيرا لتلاوة القرآن الكريم في كل وقت من الزمان، وأعد فيها جملة كثيرة من المصاحف الحسنة ذات الخطوط البهية الجليلة السنية وأباحها لمن أراد التلاوة فيها.
أنشأت الخزانة بتاريخ شهر شوال سنة 750ه الموافق ل 13 دجنبر 1349م وهو نفس التاريخ تقريبا الذي بنيت فيه الخزانة العلمية العامة على يد أمير المؤمنين المتوكل على رب العالمين أبو عنان المريني. وقد نقش في أعلى الخزانة تاريخ تأسيسها وهو على ما يلي: «الحمد لله أمر بإنشاء هذه الخزانة السعيدة مولانا أمير المؤمنين المتوكل على رب العالمين عبد الله فارس أيد الله أمره ونصره بتاريخ شوال سنة خمسين وسبعمائة (750ه) رزقنا الله خيرها الموافق ليوم 13 دجنبر 1349م.
يقول الجزنائي: «وأما خزانة المصاحف التي جعلها مولانا المتوكل أبو عنان رحمه الله قبلة صدر هذا الجامع فإنه صنعها لما سهله على الناس من تلاوة القرآن في الوقت المتخير من الأزمان، بأن أعد فيها جملة كثيرة من المصاحف الحسنة الخطوط البهية الجميلة السنية، وأباحها لمن أراد القراءة فيها بعد أن كتب على كل جزء منها بخط يده بتوقيفها مدى الأعوام والليالي والأيام».
ويمكنني القول بأن خزانة القرويين العامة بما تتضمنه من كتب علمية ومصاحف، تعتبر من أعرق الخزائن في العالم العربي، إذ تضم مخطوطات يعود تاريخ كتابتها إلى القرن الثامن الميلادي، كما تضم مخطوطات فريدة بعضها بخط مؤلفيها، من بينها مؤلف لابن خلدون وابن طفيل وابن رشد، ومؤلفات مختلفة لبعض ملوك المغرب.
ويصفها الدكتور عبد الله كنون بحكمة بالغة ولمسات تعبيرية رائعة الذوق فيقول: «وخزائن الكتب كذلك لا تزال تنطق بفضلهم على الحركة العلمية في هذه البلاد منذ أسسوها، ولاسيما خزانة القرويين التي أنشأها السلطان أبو عنان، وأسس كذلك بالقرويين خزانة المصاحف، احتفل في بنائها وتشييدها بما لم يسبق إليه، وأعد فيها جملة كبيرة من المصاحف الحسنة الخطوط وكلف بها من يتولى أمرها على أحسن الشروط.»
ويبرهن بناء خزانة المصاحف بشكل جيد على المظهر الجامعي الذي اكتسبه جامع القرويين بعد أن أحدث أبو عنان الخزانة الكبيرة المزودة أساسا بما يحتاجه الطلبة والباحثون من الكتب. فمما لا شك فيه أن السلطان المريني استوحى في تأسيسه لخزانتين في مسجد القرويين الوحيد أمثلة موجودة سواء في الشرق الإسلامي أم أوروبا.

  • الفرع الثالث: الخزانات العامة بسبتة

إن الحديث عن خزانات سبتة يرجع بالأساس إلى العهد الموحدي الذي حاز السبق في سبتة غير أن هذا لا يمنع البتة أنها استمرت في العهد المريني، وازدادت تألقا، وحملت ذلك الاشعاع الفكري والعلمي مع العصر المريني، إلى جانب مساهمة الملوك المرينيين على إرساء رخائها العلمي على عامة الناس، لتكون الفائدة عامة قاطبة لجميع شرائح المجتمع. وبهذا تواصل ازدهار الخزانات في هذا العصر بالذات ازدهارا منقطع النظير.
ومن هذا الجانب نترك صاحب كتاب «اختصار الأخبار عما كان بثغر سبتة» يصف لنا الخزانة العلمية بسبتة، يقول: «وعدد الخزائن العلمية اثنتان وستون خزانة، كان منها في الزمن القديم بدور الأكابر وذي الأقدار خمس وأربعون خزانة كبني العجوز كان جدهم الذي نَوَّه بهم قد رحل إلى عبد الله بن زيد بالقيروان وأخذ عنه جميع تواليفه. كذلك خزانة الشيخ علي الشاري المذكور التي بالمدرسة المنسوبة إليه التي ابتناها من ماله، وهي أول خزانة وقفت بالمغرب على أهل العلم نفعه الله بها، وأعظمها إحدى خزانتي الجامع العتيق الكائنة بشرقي صحنه، وبإزاء باب الشواشين أحد أبوابه، وكانت في الكثرة بحيث لم يشذ منها فن من الفنون ولا نوع من المعارف أصلا مع تعدد مصنفات ذلك الفن وكثرة دواوينه، وباقي هذه الخزانات مفترق.»
وما دام القلم يسيل بمداده عن خزانات سبتة في العهد المريني فلا بأس أن نسجل ما كتبه الأستاذ محمد عابد الفاسي في مجلة دعوة الحق فقال: «فعندما احتل البرتغال مدينة سبتة سنة 818ه/1416م أيام أبي سعيد الثاني المعروف بالصغير وجدوا بها -أي مدينة سبتة- ست عشرة خزانة علمية عمومية محتوية على معدات والمرافق الضرورية لحفظها وعموميتها.»
وأشار لسان الدين بن الخطيب إلى الخزانة العلمية بسبتة، إشارة خفيفة دون تفصيل كبير أو شرح طويل، عن منظومة الخزانة التي ذكرها. يقول: « والمدفن المرحوم غير المزحوم، وخزانة كتب العلوم، والآثار المنبئة عن أصالة الحلوم.»
وجاءت إشارة أخرى عن خزانة سبتة عند الدكتور كمال سيد أبو مصطفى حين تحدث عن المكتبات فيقول: « خصصت بعض المكتبات أو الخــزائن في كثـــير من مدن المغرب وحواضره خـــاصة في تـــونـس وفاس وسبتة، فيذكر الأنصاري أن عدد الخزائن العلمية بسبتة اثنتان وستون خزانة.»

المطلب الثالث: خزانات الجوامع أو المساجد

يتضح من خلال النصوص التاريخية أن خزانة الجوامع أو المساجد كانت مفتوحة في وجه العموم، فأضحت بذلك الجوامع هي الأخرى توفر المصنفات والكتب قصد الاستفادة منها. فانتشرت الخزانات في الجوامع الكبرى والعتيقة في بعض المدن المغربية.
وخزانات الجوامع لم يكن المؤرخون يعتبرونها عمومية فحسب بل كانت تشكل خزانات عامة حقيقية يستطيع الجميع الدخول إليها، وكانت توجد فيها كل طبقات المجتمع، وكان يتم تزويدها بالوقف. فقد كان الواقفون الذين يحبسون كتبهم في المساجد يشترطون أن تكون عطاياهم رهن إشارة كل الناس الذين يختلفون إلى هاته الأماكن المقدسة. وكانت هاته المجموعات المحبسة تعتبر بإحكام عن الطابع العمومي لخزانة المساجد.

  • الفرع الأول: خزانة الجامع الكبير بمكناس

يرجع تأسيس خزانة الجامع الكبير بمكناس إلى عهد الدولة المرينية. وقد كان موقعها الأول في الجهة الغربية من الجامع الكبير، ثم نقلت إلى مجلس الأسبوع الواقع في أعلى ساباط الأسبوع المحمول على الجدار الشرقي للجامع الكبير، وعلى الجدار المقابل له من المدرسة الفلالية. ومجلس الأسبوع هذا هو من مؤسسات أبي زكريا الوطاسي وزير عبد الحق المريني.
ورغم أن المصادر التاريخية لم تشف الغليل في بسط معلومات جادة وصريحة عن خزانة الجامع الكبير، إلا ما جاء عند صاحب كتاب الروض الهتون حينها ترجم لأحد الشيوخ والفقهاء وهو محمد بن عمر بن الفتوح. فيقول:» وقرأ البخاري بمكناسة عند خزانة الكتب من مسجدها الأعظم.»
كما تحدث ابن غازي عن خزانة الجامع الأعظم بمكناس حين تحدث عن الفقيه محمد بن عمر بن الفتوح وأشار إلى نفس ما جاء في كتاب الروض الهتون تقريبا. يقول ابن غازي:» وأنه أصابه الطاعون وهو يقرأ البخاري بالجامع الأعظم من مكناسة عند خزانة الكتب.»
وتميزت الخزانة بكتب متنوعة ككتب التفسير والحساب والتوقيت والتعديل وعلم الموسيقى والهندسة، وعلم الكيمياء، وعلم الطب، واللغة والأدب وغيرها من الكتب الهامة.
وهناك من اعتبر خزانة الجامع الأعظم فرع من فروع جامعة القرويين بفاس.

  • الفرع الثاني: خزانة الجامع الأعظم بتازة

خزانة جامع تازة الأعظم من تأسيس الدولة المرينية، وهي تعتبر إرثا تاريخيا يبقى شاهدا على عصرهم، فلم نحض من المصادر التاريخية بمعلومات دقيقة عن خزانة الجامع الأعظم، لذلك ارتأيت أن أسلط الضوء من خلال ما كتب عنها في بعض المراجع المحدودة أو ما كتب على بعض المواقع الإلكترونية.
فخزانة تازة المرينية واحدة من أقدم خزانات المغرب والغرب الإسلامي، والتي جعلت المدينة واحدة من مراكز المخطوطات التي كانت ولا تزال قبلة للدارسين والباحثين. ومن جملة ما تحتويه الخزانة من كتب التفسير والحديث والفقه والفلك والتاريخ والرياضيات والتصوف. فضلا عن رسائل ووثائق موحدية أصلية في مجملها للمهدي ابن تومرت نشر البعض منها في كتاب «أعز ما يطلب» وجزء هام من كتاب «الذخيرة السنية» التي كانت تحفظها هذه الخزانة ضاع مع الزمن لأسباب عدة ومتداخلة.
وهناك حديث على أن خزانة تازة المرينية، كانت تتوفر على حوالي عشرة آلاف مجلد لم يبق منها سوى حوالي سبع مائة مخطوط، في وضعية تجمع بين المبتور والمتلاشي والقابل للقراءة.
وخزانة تازة المرينية من المرافق الملحقة بجامع المدينة الأعظم من جهة القبلة، كانت ربما لفترة في بيت المواقيت أسفل الصومعة. ومن المفيد للإشارة أن هذه المعلمة العلمية كانت مصدر معرفة واجتهاد عدد من العلماء والفقهاء كما هو الحال بالنسبة للسان الدين ابن الخطيب، وابن خلدون والحسن الوزان والونشريسي وغيرهم.
ومن نماذج المخطوطات التي توجد بهذه الخزانة نجد شرح حزب البحر للشاذلي، وكتاب النصيحة لمن خصه الله بالعافية لأحمد زروق، ومخطوط إرشاد المسافر للربح الوافر للشيخ ابن يجبش ومخطوط روض القرطاس لابن زرع وهو مبتور، ومخطوط الشفا في التعريف بحقوق المصطفى للقاضي عياض. منها من يحتوي على إشهاد السلطاني المريني بالتحبيس على جامع المدينة الأعظم.
وقد وقفت على ما كتبه المرحوم عبد الحي الكتاني عن خزانة تازة وقد تحدث عن آثارها العظيمة وعلى ما تحتويه من نفائس المخطوطات، فيقول: «وأما مكتبة تازة ففيها أثر عظيم لا تقوم، وليس لها ثمن، من أهمها: أحد عشر مجلدا من مختصر إعراب القرآن ومعانيه لأبي إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج النحوي في آخر جزء من أحد مجلداته: ثم الجزء وذلك في رجب عام 385ه.
وفيها أيضا جزء من الموطأ كتب في المائة الخامسة، عليه سماعات وإجازات وملكيات، وفيها مجلدات من الصحيح المسموعة، منها مجلد من تحبيس سلطان المغرب عبد الحق المريني، والتحبيس بخطه. ومنها نسخة عتيقة من الشفا لعياض مكتوبة في الرق من تحبيس السلطان أبي عنان المريني على مسجد تازة، بشرط أن يقـرأ فيــــها كل يوم ويدعــــــو القارئ للسلطان المحبـــس المذكـــور، وعليها خـــط أبي عنان بنفسه في ذلك. وفيها جزء من جامع الترمذي مسموع على الحافظ أبي علي الصدفي بتاريخ سنة 506ه وفيها جزء قديم جدا فيه غريب القرآن لابن قتيبة وشرح أسماء الله الحسنى لابن دهاق.»

  • الفرع الثالث: خزانات جوامع سبتة

ذكر محمد بن القاسم صاحب اختصار الأخبار أن باقي الخزانات كانت متفرقة على بعض الجوامع غير أنه لم يأت بتفاصيل دقيقة حول هذه الخزانات مكتفيا بذكر المساجد التي جمعت الخزانات. وهذا يدل على قلة المصادر التي تغني عن القلة ويمكن سرد ما جاء عنده في كتابه حيث يقول: «وباقي الخزانات متفرقة منها بالمدرسة الجديدة خزانتان، وبمسجد القفال خزانة واحدة وبمسجد مقبرة زكلو أخرى، وهو أكبر مساجد سبتة بعد المسجد الجامع الأعظم منها، بلاطاته سبعة، وله صحنان وصومعة عجيبة من بناء الفقيه محمد العزفي صاحب سبتة، وخزانة أخرى بجامع الربض الأسفل.

  • الفرع الرابع: خزانة جامع لالة غريبة بفاس

حينما أسس عبد الله الطريفي حاجب السلطان المريني أبي سعيد الثاني المعروف بالصغير جامع لالة غريبة بفاس، جعل فيه خزانة الكتب، نالت أيضا العناية من قبل المحبس، حيث اشترط على إمام المسجد القيام بأمرها والسهر على تدبير رصيدها والمحافظة عليه. ووجود مثل هذه الخزانة في مسجد ذي حجم صغير يدل على مدى انتشار ظاهرة الخزانات بفاس، وإن كان أكثرها اختفى واندثر بفعل التقلبات السياسية والقلاقل التي عرفتها المدينة عبر التاريخ.

  • الفرع الخامس: خزانة جامع الأندلس بفاس

قام ببناء خزانة جامع الأندلس بفاس السلطان المريني أبي سعيد الثاني وذلك عام 816ه/1414م. تحتل هذه المكتبة الدرجة الثانية بعد مكتبة القرويين، ومعظم كتبها قديمة من مؤلفات عصر الموحدين والمرينيين في التفسير والحديث بصفة خاصة.

المطلب الرابع: خزانات المدارس

عرفت المدارس خلال العصر المريني تطورا ملحوظا، خصوصا حينما أدرجت الخزانات العلمية ضمنها إذ لا يمكن أن تكتمل المدرسة إلا بها.
وهذا ما جعل المؤسسات الجديدة ترفق بخزانات الكتب، التي امتلأت بالاقتناءات والعطايا، والوقف. فقد اعتاد الملوك والسلاطين أن يتحملوا شراء الكتب في ميزانية التسيير أو تمكينها من الاهداءات من طرفهم.
انهمك المرينيون بعدما آنسوا عقلية جديدة مثيرة لرغبة جامحة في القراءة والتثقيف لدى كل الطبقات الاجتماعية، أولا في بناء المدارس المرفقة بخزانات الكتب، وثانيها إنشاء الخزانات وسط المدارس.
ونلاحظ فيما يتعلق بطبيعة مجموعات خزانات كتب المدارس، أنها كانت مكونة مما كان يدرس في هاته المؤسسات من علوم. توجد في ورقة تأسيس المدرسة البوعنانية العبارة التالية: «بمثل ما كان التعليم يعطى في هاته المدرسة يعني العلوم الدينية فإن كان يعني العلوم النظرية ونعني بها الفلسفة والرياضيات والطب.» فقد كانت مجموعة خزانات المدارس متنوعة.

  • الفرع الأول: خزانة مدرسة الحلفاويين أو الصفارين

حين أنشأ السلطان يعقوب بن عبد الحق مدرسة الصفارين، زودها بمجموعة فريدة من الكتب، ذكر بعض المؤرخين أنها تألفت من ثلاثة عشر حملا، وهذه الكتب هي التي طلبها السلطان يعقوب بن عبــد الحــق من شانجة ملـــك قشتـــالة أن يرسلــها إلى المغــرب بعــد أن تم توقيـــع الصلح بينهما في أثنـــــاء العبور الرابع-كما سبق الذكر- إلى بلاد الأندلس سنة 684ه/1285م، وكانت هذه الكتب هي النواة.
وهذا ما أكده وأشار إليه المؤرخ السلاوي صاحب الاستقصا حين تحدث عن موجة إرسال الكتب العلمية التي كانت بأيدي النصارى منذ استلائهم على المدن الإسلامية بالأندلس. يقول رحمه الله: «وفيها جملة من مصاحف القرآن وتفاسيره كابن عطية والثعلبي، ومن كتب الحديث وشروحها كالتهذيب والاستــذكار، ومن كتب الأصــول والفــروع واللــغة العــربية والأدب وغــير ذلك. فأمــر السلــطان رحمه الله بحملها إلى فاس وتحبيسها على المدرسة التي أسسها بها لطلبة العلم.»

  • الفرع الثاني: خزانة مدرسة السبعيين

مدرسة السبعيين يتم فيها تدريس القراءات السبع وكان الحفاظ يحفظون القرآن الكريم على القراءات السبع المتنوعة وكان مقرها بمدينة فاس تأسست على يد السلطان أبي سعيد المريني، وتم إحداث خزانة خاصة بعلوم القرآن وكل ما يتعلق به.

  • الفرع الثالث: خزانة مدرسة العطارين

خزانة مدرسة العطارين بفاس التي اختصت بمؤلفات الفقه وأصوله لأن المدرسة اختصت بدراسة وتعليم علوم الفقه وأصوله.

  • الفرع الرابع: خزانة مدرسة المارستان

نشير في نهاية الفقرة إلى وجود نوع آخر من خزانات كتب المدارس المتخصصة في المغرب عهد المرينيين، ويتعلق الأمر بخزانة المارستان التي كانت مركزا استشفائيا ومدرسة للطب في آن واحد. والمطلـــع على كتــب التـــاريخ يجد أن العــاهل المريني أبا عنان بنى في مدينة ســـلا ســـنة 757ه/1356م مســتشـــــفى ومدرسة للطب والجراحة. فلازمها أطباء نالتهم الشهرة وكانت تتم على أيديهم علاجات هامة.
وإذا كانت تنقصنا المعلومات عن وجود خزانة كتب متفرقة بالمدرسة، فإننا نذهب في المقابل، إلى أن المدرسة كانت مرفقة على غرار المارستانات في الدول الإسلامية بخزانة كتب تضم بدون أدنى شك مؤلفات طبية.

  • الفرع الخامس: خزانة مدرسة مكناس

هناك إشارات عابرة عن خزانة مدارس مكناس، فالخزانة جاءت عابرة عند صاحب نفح الطيب، فهو أشار إليها إشارة خفيفة. يقول المقري: «وبداخلها مدارس ثلاث لبث العلم، كلفت بها الملوك الجلة الهمم، وأخذها التنجيد، فجاءت فائقة الحسن، ما شئت من أبواب نحاسية، وبرك فياضة تقذف فيها صافي الماء أعناق أسدية، وفيها خزائن الكتب والجراية الدارة على العلماء والمتعلمين.»

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.