منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

اعتناء بني مرين بكتاتيب الصبية ودورها العلمي في المجتمع المريني |المؤسسات التعليمية

الدكتور عبد اللطيف بن رحو

0

اعتناء بني مرين بكتاتيب الصبية ودورها العلمي في المجتمع المريني |المؤسسات التعليمية

الدكتور عبد اللطيف بن رحو

يمكنكم تحميل كتاب العمل الاجتماعي في عهد الدولة المرينية (1244 – 1465م) من الرابط التالي

كتاب”العمل الاجتماعي في عهد الدولة المرينية (1244 – 1465م)

المبحث الرابع: كتاتيب الصبية ودورها العلمي في المجتمع المريني

تعد الكتاتيب المرحلة التعليمة الأولى على صعيد العالم الإسلامي، أما في بلاد المغرب فقد لقيت عناية خاصة من قبل العلماء الذين كتبوا عنها رسائل نالت شهرة واسعة وكانت بمثابة منهج اقتدى به المعلمون لفترة طويلة.
إذ تستقبل هذه الكتاتيب الصبيان فيتعلمون بين أروقتها القراءة والكتابة والحساب وحفظ القرآن الكريم وعلوم اللغة العربية وآدابها والفقه والحكمة.
يقول ابن خلدون: «فأما أهل المغرب فمذهبهم في الولدان الاقتصار على تعليم القرآن فقط وأخذهم أثناء المدَارَسة بالرسم ومسائله واختلاف حملة القرآن فيه، لا يخلطون ذلك بسواه في شيء من مجالس تعليمهم، لا من حديث ولا من فقه ولا من شعر ولا من كلام العرب، إلى أن يحذق فيه أو ينقطع دونه، فيكون في الغالب انقطاعا عن العلم بالجملة.
وهذا مذهب أهل الأمصار بالمغرب، ومن تبعهم من قرى البربر أمم المغرب في ولدانهم إلى أن يجاوزوا حد البلوغ إلى الشبيبة. وكذا في الكبير إذا راجع مدارس القرآن الكريم بعد طائفة من عمره. فهم لذلك أقوم على رسم القرآن وحفظه من سواهم.»
فابن خلدون يرى أن الهدف الأول لأهل المغرب في المرحلة العمرية الأولى للصبي هو تحفيظ القرآن الكريم، واكتساب الخط، وهذا كان من أدوار الكتاتيب في العهد المريني.
ووصف لوتورنو طريقة تعليم الصبية في الكتاتيب زمن المرينيين ونعتها بالمدارس القرآنية يقول في هذا الصدد: «من المؤكد أنها كانت تشبه جميع المدارس القرآنية في العالم الإسلامي بأجمعه. كان الأولاد يرسلون إليها متى بلغوا الخامسة أو السادسة، وكان هؤلاء يتعلمون القرآن الكـــريم قراءة وكتـــابة وحفظا، والمشرف عليهم معلم واحد يتحلقون حوله بقطع النظر عن تباين أعمارهم واختلاف تحصيلهم وكفاياتهم، وفي الوقت ذاته، وبسبب من سير الأمور، كانوا يتلقون تدريجا اللغة العربية ونحوها، ولو أن هذين لم يكونا الهدف المباشر من التعليم، إذ أن الهدف المباشر هو معرفة القرآن الكريم وحفظه. وقد تقوم قاعة الدرس في جوار مسجد، وكانت إدارة الحبوس تقدم القاعة مجانا.»
يبدو من كلام لوتورنو أن الكتاتيب منذ ظهورها تميزت بالبساطة، فراشها الحصير المصنوع من الدوم والحلفاء وأدواتها اللوح والصلصال.
وأشار الحسن الوزان إلى الكتاتيب وسماها بمدارس الأطفال، ومن باب المعرفة توجد قرابة مائتي مدرسة (كتاب) للأطفال الراغبين في تعلم القراءة، في كل مدرسة كبيرة بمدرجات كمقاعد للأطفال، ولا يعلمهم المعلم القراءة والكتابة في كتاب بل في ألواح كبيرة يكتب عليها التلاميذ. ودرس كل يوم عبارة عن آية من القرآن، فيختمون القرآن في سنتين أو ثلاث، ثم يستأنفون ذلك عدة مرات، إلى أن يحذقه الطفل جيدا ويحفظه عن ظهر قلب. يحصل على ذلك بعد سبع سنوات على أبعد تقدير. وبعد ذلك يقوم المعلم بتعليم الأطفال شيئا من قواعد الكتابة، ولو أن هذه المادة مثل النحو وسائر العلوم تدرس في مدارس أخرى كبرى.
ويمكن القول إن الكتاتيب القرآنية، هي بمثابة مدارس أولية للصغار، تعتني بتحفيظ القرآن الكريم وتلقين الخط وتهتم -إلى جانب ذلك- بتحفيظ بعض المصنفات الابتدائية وتحليلها للمتعلمين.
ويتضح من بعض النوازل الفقهية، أن المرحلة الأولى من التعليم في المغرب هي التي يتلقى فيها الصبي العلم على أحد المؤدبين في الكتاتيب، وتبدأ تلك المرحلة عندما يبلغ الصبي سن التمييز فيما بين الخامسة والسادسة من عمره. وكان المعلم يعلم الصبيان في تلك المرحلة الأولى القراءة والكتابة وحفظ أجزاء من القرآن الكريم وتجويده حيث جرى العمل بالكتاتيب على اجتماع الصبيان لتلاوة آيات القرآن بصوت واحد على وجه التعليم، علاوة على الإلمام ببعض علم اللغة والنحو والفقه.
كما أن أهل الفتوى والعلماء في المغرب كانوا يحثون المعلمين على أن ينظروا في ألواح الصبيان وإصلاح ما فيها من خطأ في الحروف، وتعليمهم إعراب القرآن وحسن قراءته وتجويده وأحكام الصلاة والوضوء والهجاء والخط الحسن، كذلك كانوا يوصونهم بمنع زجر المتعلمين (الصبيان) بالسب القبيح، أما من اتصف من الصبيان بأذى أو لعب أو هروب من الكتاب، فإن المؤدب يستشير وليه في قدر ما يرى من الزيادة في ضربه حسب طاقته.
واتسعت رقعة الكتاتيب في أنحاء المغرب الأقصى عهد المرينيين، وأصبحت ذات أهمية في المجتمع المغربي، باعتبارها المرحلة الأولى بل أهم مراحل التعليم، ولم تكن لها أماكن معنية، بل قد تكون في غرفة منزل، أو حانوتا يُكْتَرى، أو فناء، وقد كانت عادة تقام بالقرب من المسجد.
وساعد الكُتّاب على ضمان استمرارية المعرفة والعلم، والتي لها تأثير مباشر على بقاء المنظومة الاجتماعية متماسكة من الناحية العلمية والوحدة الدينية.

المطلب الأول: أهمية الكتاب في تعليم الصبية

يرى ابن خلدون أهمية تعليم الصغر فيقول: «وسبب ذلك أن تعليم الصبي في الصغر أشد رسوخا، وهو أصل لما بعده، لأن السابق الأول للقلوب الأساس للملكات، وعلى حساب الأساس وأساليبه، يكون حال ما بني عليه.»
كما ذكر محمد عبد الحميد عيسى أن ابن الجزار أوصى بضرورة التأديب في الصغر، لأن الصغير أساس قيادة، وأحسن مواتاه. وأن يؤدب الصبيان وهم صغار، لأنهم ليس لهم عادات تصرفهم لما يؤمرون به من المذاهب الجميلة، والأفعال الحميدة، والطرائق المثلى إذ لم تغلب عليهم بعد عادة رديئة تمنعهم من اتباع ما يراد بهم من ذلك، فمن عود ابنه الأدب والأفعال الحميدة والمذاهب الجميلة في الصغر، حاز بذلك الفضيلة.
كما يقول الدكتور فؤاد الأهواني: «والواقع أنه لم يكن هناك سن معينة يبدأ عندها الطفل في تلقي العلم، وإنما كان الأمر متروكا لتقدير آباء الصبيان، فإذا وجدوا أن الطفل بدأ في التمييز والإدراك، دفعوا به إلى الكتاب.»
ثم وصف ابن مسكويه أهمية العلم للصبي وفضائله فقال: «فمن اتفق له في الصبا أن يربى على أدب الشريعة، ويأخذ بوظائفها وشرائطها حتى يتعودها، ثم ينظر بعد ذلك في كتب الأخلاق حتى تتأكد تلك الآداب والمحاسن في نفسه بالبراهين، ثم ينظر في الحساب والهندسة حتى يتعود صدق القول وصحة البرهان، ثم يتدرج في منازل العلوم، فهو السعيد الكامل.»
ويرى ابن خلدون أن التعليم ضروري وطبيعي يحتاجه كل إنسان، خصوصا التعليم الأولي الذي يفتح به الصبي ملكات ذهنه. يقول ابن خلدون: «اعلم أن تعليم الولدان للقرآن شعار من شعائر الدين، أخذ به أهل الملة، ودرجوا عليه في جميع أمصارهم، لما سبق فيه إلى القلوب من رسوخ الإيمان وعقائده من آيات القرآن الكريم وبعض متون الأحاديث.»
ويضيف ابن الحاج العبدري قوله بأن تعليم الصغار لكتاب الله يطفئ غضب الله وإن تعليم الشيء في الصغر كالنقش على الحجر.

المطلب الثاني: نظام الكتاب

وعن نظام الكتاب المغربي في العصر المريني الأول، فمن حسن الحظ أننا نلتقي بمؤلف مغربي عاصر هذه الفترة بالذات، وخلف أفكارا عن طريقة تعليم الصبيان في الكتاب. وهو العالم محمد بن الحاج العبدري الفاسي في كتابه المدخل، وسنحاول في هذا البحث ذكر بعض أنظمة الكتاب.

  • الفرع الأول: اختيار مؤدب الصبية

ينصح العبدري أولياء الأطفال باختيار أفضل المؤدبين، حتى وإن كان كتابهم بعيدا عن سكناهم. يقول العبدري: «وينبغي لآباء الصبيان أن يتخيروا لأولادهم أفضل ما يمكنهم في وقتهم ذلك من المؤدبين وإن كان موضعا بعيدا فيختارون لهم أولا أهل الدين والتقوى، فإن كان مع ذلك عنده علم من العربية فهو أحسن، فإن زاد على ذلك بالفقه فهو أولى، فإن زاد عليه بكبر السن فهو أجل، فإن زاد عليه بورع وزهد فهو أوجب إلى غير ذلك، إذ أنه كفيها زادت الخصال المحمودة في المؤدب زاد الصبي به تجملا ورفعة وإذا كان ذلك كذلك فيتعين النظر فيما ذكر.»
وبالإضافة إلى هذا فإن الكمال في المعلم أن يحصن نفسه بالزواج، حيث يغلب التسرع إلى سوء الظن بمن كان غير متأهل، وعليه أن يوطن نفسه على الإخلاص في مهمته، وأن يقصد نفع العموم بانتصابه لنشر القرآن الكريم. وليتحل بالوقار أثناء عمله، حتى إنه لا يجمل به الإكثار من الكلام مع من يزوره في الكتاب من أصدقائه.

  • الفرع الثاني: واجبات مؤدب الصبية

من واجبات المؤدب ملازمة كتابه، وأن يتولى -بنفسه- تعليم الأطفال، وفي حالة ما إذا شق عليه مقابلة جميعهم فإنه ينتدب كبار الأطفال أن يقرؤوا صغارهم، شريطة ألا يجعل صبيانا معلومين لشخص واحد، وإنما يبدلهم في كل وقت على العرفاء.
وفي هذا الجانب يشير ابن الحاج العبدري إلى واجبات المؤدب ويقول: «وينبغي له ألا يغيب عن المكتب أصلا ما دام الصبيان فيه إذ أنهم لا عقل لهم يمنعهم عما يخطر لهم فعله فلا بد لهم من راع يرعاهم بنظره ويسوسهم بعقله ويؤدبهم بكلامه.
وأجـــاز العبدري للمــؤدب التغيـــب للضـــرورة القصـــوى وألا تكون بالطـــويلة، حيث قال: «ولا بـــأس أن يغيب الغيبة اليسيرة لضرورته، ولا يفعل ذلك إلا ألا يجد من يقوم بها عنه.»
وعليه أن يمنع الصبية -إطلاقا- من قضاء حاجتهم في الطرقات وخلف جدران البيوت.
وعند الضرورة يسرح المؤدب الصبي إلى قضاء حاجته في بيته.
فخص صاحب كتاب المدخل بشرح هذه النقطة بالذات شرحا مفصلا ومدققا، لأنه جانب من التربية الملزمة على عاتق المؤدب وصاحب الكتاب. فأشار إلى ذلك بقوله: «فليحذر أن يتركهم يفعلون ذلك في غيرها مثل ما يفعل بعضهم في هذا الزمان من أنهم يقضون حاجتهم في جدران بيوت الناس وطرقاتهم فينجسون ذلك عليهم فمن جلس إلى تلك الجدران تلوث ثوبه بالنجاسة، وكذلك الماشي قد يصيبه منها الأذى.»
ومن واجبات المؤدب أن يساوي بين ابن الفقير وابن الغني داخل الكتاب وأن يكونوا عنده بمنزلة واحدة لا يشرف بعضهم على بعض فابن الفقير وابن صاحب الدنيا على حد واحد في التربية والتعليم وكذلك من أعطاه ومن منعه إذ بهذا يتبين صدق حاله فيما هو بصدده.
كما أن وظيفة المؤدب لا تقف عند تحفيظ القرآن الكريم، وعليه أن يلقن الصغار قواعد الخط، ويدربهم على الفهم والإدراك، حيث يستطيعون الحفظ والفهم، وهما أكبر الأسباب المعينة على قراءة الكتب والاستفادة منها، كما يربيهم على الآداب الإسلامية، فيحملهم على اتباع السنة، ويغرس في نفوسهم الاهتمام بالشعائر الدينية، ويفرق في هذا بين البنين والبنات.

  • الفرع الثالث: أجرة المؤدب

كثيرا ما كان المؤدب فقيرا كل رأس ماله أنه يحفظ القرآن الكريم، فلذلك كان يتلقى من المتعلمين أو الصبية أجرا أسبوعيـــا زهيــــدا بالإضـــافة إلى الهــــدايا النقـــدية أو العيـــنية التي كانـــــت تحمل إليه في الأعياد
الكبرى، أو الاحتفالات المدرسية الخاصة، وخاصة الاحتفال بختم القرآن الكريم.
يقول الدكتور فؤاد الأهواني: «أجر المعلم: فبعض الصبيان دفع أجرا أكثر من غيره، وأن بعض الصبيان يقدم للمعلم هدايا لا يستطيع غيرهم أن يقدمها، وأن هذا الاختلاف في الجعل ينبغي ألا يترتب عليه اختلاف في التعليم، بل العكس أن تكون معاملة المعلم للصبيان على قدم المساواة. ومن الطبيعي أن هؤلاء الذين يدفعون أجورا عالية، إنما هم من أبناء الأغنياء لا الفقراء، وفي هذا دليل على افتتاح أبواب الكتاتيب لجميع الصبيان على السواء، من غير اختصاص الموسرين بالمؤدبين على انفراد.»
وأجرة هؤلاء المعلمين طفيفة، ولكن كلما بلغ التلميذ إلى قسم من القرآن قدم أبوه صلة للمعلم. وإذا ختمه أقام الأب حفلة لسائر رفقاء ابنه، فيأتي ابنه محفوفا بهم في أثواب فاخرة راكبا على جواد رفيع يعيره عامل المدينة بسلاحه الثمين لكل من ختم القرآن الكريم، ويركب حوله سائر رفقائه على الفرسان.
وهناك من العلماء الذين أنكروا على المؤدب أخذ أجرة التعليم داخل الكتاب. ومن كتاب البيان والتحصيل سئل الإمام مالك رحمه الله عن إجارة المعلمين فقال: لا بأس بذلك يعلم الناس الخير فيعطى، قيل له: إنه يعلم مشاهرة ويطلب ذلك، فقال مالك رحمه الله: لا بأس به ما زال المعلمون عندنا بالمدينة يفعلون ذلك.
وكان إذا ختم الصبي القرآن الكريم كاملا وحفظه متقنا، كان له مكافأة عرفها المغاربة منذ عهد مبكر باسم الحذقة.
والظاهر أن نفقة التعليم في الكتاب، كان يتحملها أولياء الأطفال، لأن الدولة لا تتدخل في شؤون التعليم بالكتاب باستثناء دور المحتسب، الذي كان يراقب معاملة المعلمـــين للأطفـــــال وسلوكــهم معهم، والقاضي الذي كان يسهر على تعليم اليتامى.

  • الفرع الرابع: عادات الكتاب

عادة الكتاب هي تلك الصورة النمطية اليومية المعتادة للصبية والمؤدب، فكانوا يأتون كل يوم مبكرين بعد تناولهم الفطور، ويجلسون على الحصير الذي كان يغطي أرض الغرفة، ويظلون هناك حتى قرب الظهر إذ يذهبون إلى البيت لتناول طعام الغداء، ويعودون بعد ذلك مباشرة ويتابعون تعلمهم حتى صلاة العصر، إذ ينتهي يومهم الدراسي. وكان هذان الاجتماعان اليوميان مخصصين للكتابة وللحفظ. وكانت القطع المعنية للحفظ تحتاج إلى يوم أو يومين، وكان يختلف طولها باختلاف التلاميذ. فهي قصيرة مكونة من بضع أسطر للمبتدئين الذين يأخذون أنفسهم بالحفظ متى تعلموا الحروف العربية، طويلة لمن تدربوا على أعمال المدرسة.
وكان لتلاميذ الكتاب عطلة يومين في الأسبوع ليس لهم فيها قراءة ولا درس.

المطلب الثالث: احتفالات الكتاب

كانت الكتاتيب تقيم عدة احتفالات خصوصا الدينية منها، فكانت تدخل على المتعلمين البهجة والسرور ومتنفسهم، باعتبار ما سيحصلون عليه من الهدايا والعطاء، والحلوى، والمأكولات طوال فترة الاحتفالات.
وكانت الكتاتيب تقيم للمتعلمين احتفالات عيد المولد النبوي فيعطي كل أب شمعة كبيرة تساوي ثلاثين ابرة ومنها ما يساوي أكثر وأقل حسب ثروة الأب، وعلى الشمعة نقوش وزخرفة بالألوان والخطوط الهندسية وصور أزهار بارزة من شمع، وتوقد من أول الليل إلى المشرق، ويأتي المؤدب أو المعلم بمنشدين يتغنـــون بالأمداح النبـــوية طــول الليـــل، وما بقــي من الشمع يأخــذه المعــلم ويبيعه وربما اجتـــمع لديه من ذلك مائتا دكة فأكثر على حسب كثرة التلاميذ.
ومن الاحتفالات التي سادت في العهد المريني وكانت امتدادا لما بعده تلك الاحتفالات التي ينظمها الكتاب، لمن اختتم حفظ القرآن الكريم بقصد أن يقدموا -جميعا- هدايا للمعلم، ويظهر سائر الأطفال بهذا الاحتفال في أثوابهم الرفيعة كما تقتضيه العادة.
يقول الحسن الوزان: «إذا ختم الطفل القرآن وحفظه كله، أقام الأب وليمة كبيرة دعا إليها جميع التلاميذ، وألبس الطفل لباسا فخما وكـأنه ابن أمير، وأركبه متن جواد أصيل ثمين يعيره إياه أمير المدينة الملكية (فاس الجديد)، كما يعيره اللباس أيضا. ويركب الأطفال الآخرون متون الخيل ويصحبونه إلى قاعة الاحتفال، وهم ينشدون أناشيد في تمجيد الله تعالى ورسوله ﷺ، ثم تكون الوليمة التي يحضرها أصدقاء الوالد، ويقدم كل واحد منهم هدية للمعلم، كما يقدم له الطفل المحتفل به كسوة جديدة، تلك هي العادة المتبعة.»

المطلب الرابع: أهم الكتاتيب في العهد المريني

عرفت المدن المغربية في العهد المريني الكثير من الكتاتيب ومنها: كتاب النحوي أبي عبد الله بن الأصفر من أهل سبتة الذي قيل عنه أنه كان يدرس الأولاد أكابرها. كذلك عبد الله بن أبي مدين الذي درس لأولاد محمد الكتاني والسلطان يعقوب بن عبد الحق والوزير عمر بن مسعود الحشمي.
كما برز كُتّاب محمد بن محمد بن إبراهيم الخراز الفاسي قال عنه صاحب سلوة الأنفاس: «كان يعلم الصبيان بمدينة فاس وبها كان سكناه.»
ثم ابن أجروم: محمد بن داود الصنهاجي الفاسي مؤلف المقدمة الأجرومية، كان من مؤدبي أهل مدينة فاس حسب تعبير ابن القاضي. ابن آجطا عبد الله بن عمر الصنهاجي الفاسي، يحليه السراج بالشيخ المقرئ المكتب المنجب. وأخيرا أبو سالم إبراهيم بن عبد الكريم المكناسي، وصفه ابن غازي بالفقيه الحافظ.
وذكر ابن القاضي في ترجمة إبراهيم بن عبد الكريم المكناسي، أنه الفقيه المدرس بمدينة مكناس، كان يقرر التهذيب ويذكر كلام الناس عليه والمختصرين وأقوال الأئمة وكان يدرس المدونة ويعلم الصبية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.