منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

اعتناء بني مرين ببناء المدارس العلمية(2) المؤسسات التعليمية

الدكتور عبد اللطيف بن رحو

0

اعتناء بني مرين ببناء المدارس العلمية(2) المؤسسات التعليمية

بقلم: الدكتور عبد اللطيف بن رحو

يمكنكم تحميل كتاب العمل الاجتماعي في عهد الدولة المرينية (1244 – 1465م) من الرابط التالي

كتاب”العمل الاجتماعي في عهد الدولة المرينية (1244 – 1465م)

المطلب الثاني: المدرسة العظمى بطالعة سلا

بنيت المدرسة العظمى بطالعة سلا قبلى المسجد الأعظم، بناها (السلطان أبو الحسن) على هيئة بديعة وصنعة رفيعة، وأودع جوانبها من أنواع النقش وضروب التخريم ما يحير البصر ويدهش الفكر.
وأشار ابن مرزوق في مسنده إلى مدرسة سلا بقوله: «فأنشأ بمدينة تازة قديما مدرستها الحسنة، وببلد مكناسة وسلا.»
شيدت المدرسة سنة 733ه، حسبما هو مكتوب على بابها نقشا في الخشب الذي هو فوق القوس الحجري، ونص ذلك:
اقتضى أَمْرُ أَمِير المسلمين
هذه السُّنَّة في أسعد حين
لثلاث وثلاثين-بهـــــــــــــــــــــــــــا
أسست-والسبعمئيـــــــــــــــــن
اضرعوا لله في النصر لــــــــــه
وادخلوا بسلام آمنيــــــــــــــــــن
هذه المدرسة من المدارس التي بناها السلطان الأسعد أبو الحسن المريني بأمصار مملكته، وهي وحدها شاهدة بقوة ملكه وعظم همته، من أحسن المدارس شكلا ورونقا، وأرفع المباني القديمة وأتقنها وضعا وإحكاما، وقد أودعها الصناع من بديع الصنائع ما لا مزيد عليه من الحسن والاتقان.
وقد فرشت هذه المدرسة بالزليج القديم الرفيع بصنعة عجيبة، وأدبر بحيطانها وسواريها حزام يزيد على الذراعين من الزليج المذكور، واتصل به حزام قدر أربعة أصابع دائر بحيطان المدرسة كلها، مكتوب نقشا في الزليج قصيدة دالية تضمنت مدح بانيها السلطان أبي الحسن المريني، والدعاء له وذكر محاسن المدرسة. وكان الفراغ من بناء هذه المدرسة كما هو في رخامتها يوم الجمعة التاسع عشر من جمادى الثاني عام اثنين وأربعين وسبع مائة (742ه).
كما ابتنى السلطان أبو عنان فارس المريني بسلا المدرسة العجيبة بحومة باب حسين، وقد صارت اليوم فندقا يعرف بفندق أسكور.

المطلب الثالث: مدارس مكناسة

  • الفرع الأول: مدرسة الشهود أو مدرسة القاضي

تعد مدينة مكناسة من بين المدن التي استفادت من نفحات الحركة العلمية والفكرية في عهد المرينيين، لإنشائهم الكثير من المدارس التي صارت شاهدة على تاريخهم الفكري والعلمي.
يذكر المقري صاحب نفح الطيب أنه كان بمكناس ثلاث مدارس لبث العلم، كلفت بها الملوك الجلة الهمم، وأخذها التنجيد، فجاءت فائقة الحسن، ما شئت من أبواب نحاسية، وبرك فياضة تقدف فيها صافي الماء أعناق أسدية، وفيها خزائن الكتب، والجراية الدارة على العلماء والمتعلمين.
ذكرها صاحب الروض الهتون فقال: «وبنا بها السلطان يعقوب أيضا مدرسة الشهود التي بأعلى سماطهم هناك، ويقال لها مدرسة القاضي، لأنها كان يدرس بها القاضي الحسن ابن عطية الونشريسي.»
وصارت -من بعد- تحمل اسم المدرسة الفيلالية، ولا تزال قائمة شرقي الجامع الأعظم بهذه المدينة.
يقول صاحب إتحاف أعلام الناس: «حدثني والدي رحمه الله أنه كان يسمع ممن أدركه من الشيوخ أن السلطان أبا الحسن رحمه الله لما أخبر بتمام بنائها جاء إليها ليراها، فقعد على كرسي من كراسي الوضوء حول صهريجها، وجيء بالرسوم المتضمنة للتنفيذات اللازمة فيها، فغرقها في الصهريج قبل أن يطالع بما فيها وأنشد:
لا بأس بالغالي إذا قيل حسن
ليس لما قرت به العين الثمن»
ولما تولى ابنه السلطان أبو عنان نوه بها أيضا وتفقد أحوالها، وكان من جملة ذلك أن أمر بالاقتصار على عشرة من الشهود بها وعزل الباقي على كثرتهم.
وتحدث الباحث مصطفى بنفايدة في مقال له عن المدرسة الفيلالية بأنها أقدم مدرسة مرينية بمكناس، تم تشييدها سنة 1275م شيدها السلطان يعقوب بن عبد الحق، كما تعرف أيضا بمدرسة القاضي، ونعتت بالفيلالية لإقامة الطلبة القادمين من تافيلالت بها أيام السلطان المولى إسماعيل. وتضم المدرسة قبة عبارة عن مسجد للصلاة، وأمامها صحن يتوسطه صهريج، وتحيط به بيوت الطلبة يمينا وشمالا. وفي الجهة الغربية منه توجد دار الوضوء المتوفرة على السقاية. وتضم المدرسة طبقا علويا توجد به بيوت، ولها باب واحد يقابل أحد أبواب المسجد الأعظم، والمعروف بباب الحجر.

  • الفرع الثاني: المدرسة الجديدة أو المدرسة البوعنانية

المدرسة الجديدة فهي المعروفة اليوم بالبوعنانية نسبة لأبي عنان، ولا أعرف وجها لهذه النسبة والحال أنها إنما أنشأها والده أبو الحسن وهي مراد ابن غازي هنا لوجوده:
أحدهما: فإنه مشعر بفخامة بنائها وعلو شأنه، وهذه الصفحة لا توجد على الكمال من مدارس مكناس، لاسيما مع ما سبق عنه من أن باني مدرسة القاضي هو أبو يوسف، فلم يبق الاحتمال حينئذ إلا في مدرسة الخضارين، وهذا الاحتمال يدفعه كونها على غير الصفة المنوه بها.
ثانيا: تصريحه بأنه بناها على يد القاضي ابن أبي الغمر وقد وافق ذلك التنصيص عليه في سادس أبيات القطعة الشعرية المنحوتة في جبس محرابها كما سيأتي.
ثالثا: أن التاريخ المعين لبنائها في البيت السابع من القطعة الآتية الذي كان ملكا فيه هو أبو الحسن المذكور فهو الآمر بتأسيسها والحاضر عند كمالها وتمام تخطيطها والعيان في ذلك كله يغني عن البيان، فإنه يوجد إلى الحين الحالي منقوشا على يمين وشمال المحراب قبتها ما صورته.
نزه جفونا منك في مدرسة
أربت على كل سنى ونزهة
لقد تبدت في فنون وشيها
كروضة غب انسكاب ديمة
أكماها الباني على اتقانها
فكمـــــل الحســــــن بها وتمت
بأمر مولانا المطاع أمره
على العالي الندى الخليفة
من شرف العلم وأعلى
قدره وأظهر الحق بكل وجهة
على يد قاضيه في مكناسة
ابن أبي الغمر الحميد السيرة
عام ثلاثين وستة خلت
من بعد سبعمائة للهجرة
تقدر مساحة المدرسة بحوالي 315 مترا مكعبا، ويتميز بَابها بالاتساع والزخرفة وتحتوي على قاعة للصلاة مستطيلة الشكل. كما تضم 41 غرفة لإيـــواء الطــلبة، وتقــع هذه الغــرف في طابــقــين الســفــلي والعلوي. ويذهب مصطفى بنفايدة إلى أن المدرسة البوعنانية، من أهم المدارس التي عرفتها مدينة مكناس في العهد المريني، وهي بذلك أهم معلمة حضارية تؤرخ للفترة المرينية. ويظهر شكلها الفني مدى اهتمام المرينيين بجمالية مبانيهم.

  • الفرع الثالث: مدرسة الخضارين

أنشأ هذه المدرسة السلطان يوسف بن يعقوب بن عبد الحق المريني، وتقع قرب المدرسة الجديدة، وتقابل باب العدول، وهو أحد أبواب المسجد العظيم وأصبحت في العصر العلوي تعرف بمدرسة الخضارين لوقوعها أسفل السوق القديم للخضر، وأخيرا أصبحت تحمل اسم مدرسة العدول، كما عرفت أيضا في إحدى المراحل بمدرسة مولاي عبد الله بن حمد المكاوي نسبة لهذا الولي الصالح.
وتضم المدرسة مسجدا صغيرا أمامه صحن تتوسطه نافورة وتحيط به بيوت لسكنى الطلبة، إضافة إلى بيوت أخرى في الطابق العلوي. كما تضم المدرسة أيضا دار وضوء بها بيوت وسقاية.
والمدارس الثلاث الموجودة في مدينة مكناسة وردت عند المقري غير أنه ذكرها بدون تسميتها، فيقول: «وبداخلها مدارس ثلاث لبث العلم، كلفت بها الملوك الجلة الهمم، وأخذها التجنيد، فجاءت فائقـــــــة الحسن، ما شئت من أبواب نحاسية، وبرط فياضة تقدف فيها صافي الماء أعناق أسدية.»

المطلب الرابع: مدارس بتازة

الفرع الأول: المدرسة الحسنية
هذه المدرسة ذكرها ابن مرزوق في مسنده باسمها فقال: «فأنشأ بمدينة تازة قديما مدرستها الحسنية».
فالمدرسة من تأسيس أبي الحسن أيام ولايته للعهد، وذلك ما يؤخذ من كتابة الرخامة الوقفية على مدرسة الأندلس بفاس وتلمح له أيضا فقرة ابن مرزوق وهو يشير بكلمة «قديمة» أي أيام ولايته للعهد.
ويذكر الدكتور كمال السيد أبو مصطفى مدرسة أن مدرسة تازة كانت تشتمل على مسجد وعدد كبير من الغرف، التي كانت معظمها خالية، ولا يوجد من يسكنها.
وجاء في المعيار المعرب ذكر لمدرسة تازة حينما سئل أحمد القباب عن المدرسة التي لا يوجد في أكثر الأوقات من يؤم فيها.
وقد شيدت المدرسة سنة 1323م بالمدينة العتيقة لتازة العليا بجانب المسجد الأعظم. ويتكون فضاء المدرسة من عدة غرف وفناء شيدت بهندسة لازالت معالمها تقاوم إكراهات الزمن.

  • الفرع الثاني: المدرسة اليوسفية

بنيت المدرسة اليوسفية بتازة إزاء بناء المسجد الجامع سنة689ه على يد السلطان يوسف بن يعقوب بن عبد الحق.
يقول عنها ابن أبي زرع صاحب الأنيس المطرب: «وفي رمضان منها جاز أمير المسلمين يوسف برسم الجهاد، فنزل حصن يحيى، وفيه بنى جامع تازة.»
وقد أورد الباحث محمد الراجي في مقال له ما جاء في كتاب الدكتور امحمد العلوي الباهي أن العهد المريني شهد ازدهارا في طلب العلم بتازة، حيث بنيت مدرسة الجامع الكبير اليوسفية، نسبة إلى بانيها أبي يعقوب يوسف.
وأن هذه المعلمة التاريخية لا زالت موجودة إلى يومنا هذا على نمطها القديم، وقد اعتنى بها السلطان المولى رشيد بعد توحيد المغرب انطلاقا من تازة حتى أخذت اسمه، وتسمى مدرسة المولى الرشيد، ولا يمكن زيارتها لأن بابها الخشبي نزع وسد بسور مانع.
وخلاصة القول إن المدارس الثلاث التي أسسها المرينيون في مدينة تازة، تحدث عنها الحسن الوزان في كتابه وصف إفريقيا وأشار إليها دون الخوض في تفاصيل تبين لنا السلطان الذي تولى بناءها، كذلك لم يتعرض لوصفها بشكل دقيق، واكتفى بالإشارة إليها بقوله: «تحتل هذه المدينة (يقصد مدينة تازة) الدرجة الثالثة في المملكة من حيث المكانة والحضارة، ففيها جامع أكبر من جامع فاس، وثلاث مدارس، وحمامات وفنادق كثيرة، وأسواق منتظمة كأسواق فاس.

  • الفرع الثالث: المدرسة العنانية بعين أنملي قرب تازة

تقع المدرسة وراء أسوار مدينة أنملي، أسسها أبو عنان فارس ملوك بني مرين.
ولم ترد معلومات كثيرة عن المدرسة ولا تاريخ تشييدها غير ذكر اسم بانيها، فبقيت مبهمة.

المطلب الخامس: مدرسة مراكش العجيبة

يستفاد من نص ورد عند ابن مرزوق في كتابه المسند الصحيح الحسن أن السلطان أبا الحسن المريني أنشأ مدرسة بمدينة مراكش. يقول فيه: «فمدرسة سبتة غاية وأعجب منها مدرسة مراكش، وتليها مدرسة مكناسة.»
يتبين من كلام ابن مرزوق صراحة أن المدرسة التي ابتناها أبو الحسن المريني بمراكش حازت المرتبة الأولى ضمن المدارس التي شيدها هذا السلطان بالمغرب.
ويصفها الرحالة ابن بطوطة بالمدرسة العجيبة المتقنة الصنعة. يقول: «وبمراكش المدرسة العجيبة التي تميزت بحسن الوضع واتقان الصنعة وهي من بناء الإمام مولانا أمير المؤمنين أبي الحسن رضوان الله عليه.»
ويذكر ابن الخطيــب أنه زار مراكش ولقي عددا من أهل العلم والمدرســــين بالمدرســة المرينيـــة وأشـــار إلى الأستاذ أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن الفخار، الذي كان من أهل العلم والفضل وكان أستاذا بالمدرسة العظمى بمراكش. يقول ابن الخطيب: «ومنهم الأستاذ المتفنن النظار أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن الفخار، أستاذ المدرسة العظمى من أهل الفضل والعلم والمشاركة والتفنن، يقرئ بها علم اللسان والأصلين والفروع، فيمتع ويحسب على طرش كدّر رحمه الله الانتفاع به ونغص الأنس بمجلسه نفعه الله.»
غير أن المؤرخ مارمول كربخال يذهب إلى أن المدرسة العجيبة تأسست في العهد السعدي، وهذا ما يتضح من كلامه فيقول: « أسس مولاي عبد الله الشريف الحاكم حاليا مدرسة أخرى أكثر جمالا في أسفل المدينة.»
والشريف الحاكم المقصود هو الملك السعدي الذي عاصره مارمول كربخال، وهو عبد الله الغالب.
على أن مارمول كربخال إذا كان قد استعمل لفظ التأسيس بخصوص المدرسة، فإنه عند كلامه على الجامع الكبير، وهو جامع علي بن يوسف الذي تقع المدرسة قبالته، قال: «أعاد الملك الحالي بناءه وزينه بمبان جديدة فخمة، وبقربه مدرسة كبيرة.» أي أن السلطان السعدي جدد بناء الجامع المذكور وأصلحه وأضاف إليه ما تقرر إضافته، ولم يكن هذا المسجد الجامع من بنائه أصالة.
والذي يتبين لنا من خلال عدة شواهد وإشارات أن هذه المدرسة لم تؤسس من قبل عبد الله الغالب السعدي، وإنما الذي شملها في عهد هذا السلطان هو التجديد الذي أتى تبعا للتجديد الشامل الذي مسَّ جامع ابن يوسف المجاور لها. وبالتالي فالمدرسة سابقة التأسيس على عهد الغالب بالله.
والنص الموجود عند الإفراني يبين ويؤكد أن المدرسة من بناء أبي الحسن المريني. يقول الإفراني: «وفي عشرة السبعين -بموحدة- أنشأ مولانا عبد الله رحمه الله جامع الأشراف، والسقاية الملصقة بالجامع المذكور، التي عليها مدار المدينة بالمواسين. وهو الذي جدد أيضا بناء المدرسة التي بجوار جامع علي بن يوسف اللمتــــــوني. وليس هو الذي أنشأها كما يعتقده كثير من الناس، بل الذي أنشــــــــأها أولا هو السلطان أبو الحسن المريني رحمه الله، حسبما ذكره ابن بطوطة في رحلته. وشاع على الألسنة أن السلطان مولاي عبد الله بنى ذلك بصنعة الكيمياء.»
كما وقفنا على نص آخر عند الكانوني يثبت أن المدرسة العجيبة من بناء السلطان أبي الحسن المريني، يقول فيه: «يوجد بها الآن ستة مدارس أعظمها وأعجبها مدرسة جامع علي بن يوسف وهي من حسنات السلطان أبي الحسن المريني. وقد جددها السلطان الغالب السعدي وكتب اسمه على جدرانها وهو تلبيس وقلب للحقائق التاريخية.»
ويبدو أن المدرسة التي شيدت من طرف أبي الحسن المريني كانت في العقد الرابع أو الخامس من القرن الثامن الهجري، وجدد بنايتها أبو محمد عبد الله الغالب السعدي عام 972ه.
ويزيد في وصفها محمد بن عبد الله الموقت صاحب كتاب السعادة الأبدية ويقول: «المدرسة اليوسفية وتعرف قديما بالمدرسة المرينية، والمدرسة عجيبة البنيان، بديعة الاتقان، والذي أنشأها السلطان أبو الحسن المريني، ومن وقف على هذه المدرسة وتأمل تنجيدها وتنميقها قدر هذا السلطان وعلم عظم همته ومحبته لأهل للعلم وأهله.
والمدرسة ذات هندسة معمارية حقيقية، شيدت على خطة مستقيمة الخطوط منطقية موحدة، ويكاد تصميمها يكون على شكل مربع. ويجري المجموع على قانون التوازي والمقابلة، وهو عزيز على أهل الفن من المشارقة يدخل الداخل من باب جميل جدا، عليه مصراعان ثقيلان، يدوران على رتاجين، وله ساكف من خشب الأرز، عليه نقوش بخط أندلسي، تفيد أن السلطان أمر ببناء المدرسة للعلم والعبادة، وبين يدي الباب قبة على عرض الشارع، وعليها من جهة الشارع نقشان من زخرف مقشور، لا قيمة لهما، وسقفها المقرنص رائع المنظر. والصهريج الواسع الواطئ المستطيل في وسط الصحن، وتروع الناظر جلالة الأحجام، والصحن نير فسيح، يحفه من أكبر جانبيه رواقان مرفوعان على أعمدة غلاظ، لبست قواعدهما بالزليج، وعلى رؤوسهما سواكف من خشب رفيع النقش.
أما بيت الصلاة فهو من ثلاثة أجزاء، يفصل بينهما صفان من أعمدة رخامية جياد، تيجانها قليلة الرشاقة، بها نقوش تذكر بأصل بانيها وبأمجادها. أما المحراب، فزاخر بالزخارف الزهرية، تزينه عميدات متقنة الصنعة، عليها آيات قرآنية، وتعلو ذلك نوافذ في صنعتها رقَّة ولطف.
أما البيوت التي ليست مشرعة على الصحن الكبير تستصبح منه، فمطيفة بسبعة صحينات، يؤدي إليها جميعا دهليزان على جانبي الصحن، وتصميم الطبقة العليا بالجملة نسخة من تصميم الطبقة السفلى، وهذه بها صحن، وأيضا متوضآت. وعدد البيوت يتجاوز المائة بكثير، إلا أنه لا يبلغ الأربعمائة التي زعمها -عن غير رَوِيَّة- مرمول، ولعله كان يقيس ذلك على عدد الطلبة.

المطلب السادس: مدرسة آنفا

خصص ابن مرزوق في المسند الصحيح -الكاتب الخاص للسلطان أبي الحسن المريني-، فصلا فيما بناه السلطان أبو الحسن من المدارس العلمية والمعاهد الدينية في المغرب الأقصى والأوسط، ومن جملة ذلك مدرسة آنفا، مما يدل على أن آنفا اشتهرت بحركة علمية نشيطة.
كما اعتبر الدكتور محمد المنوني مدرسة آنفا من المراكز الثقافية المهمة، وصنفها ضمن المدارس المطلة على البحر المحيط. يقول: «استعادت الثقافة المغربية نشاطها في ظل العصر المريني الأول، وبلغت مراكزها في المدن خاصة- ثلاثة عشر- تستوعب مختلف جهات المغرب. فكانت المناطق المرتفعة: مكناس وفاس وتازة، وعلى الحوض المتوسط وما إليه: مدن باديس وسبتة وطنجة، وبعد القصر الكبير تأتي المدن المطلة على المحيط: سلا وآنفا (الدار البيضاء) وأزمور وآسفي.»

المطلب السابع: المدرسة الجديدة بسبتة

قام أبو الحسن المريني بإرسال أبو حسان السوري إلى مدينة سبتة، حيث قام ببناء مدرسة أطلق عليها اسم مدرسة الفقه الجديدة سنة 748ه/1347م.
ويصفها محمد بن القاسم السبتي فيقول: «والمدرسة الجديدة العظيمة البناء المتسعة الزوايا ذات الصنائع العجيبة وأعمدة الرخام وألواحه المتعددة الغالية الثمن التي ابتناها السلطان أبو الحسن مخلد الآثار الدالة على شماخة الملك وعلو المقدار.»
ومن الأساتذة الذين درسوا في المدرسة الجديدة أبو عبد الله بن هارون الأموي الذي ذكره صاحب بلغة الأمنية بأنه كان أستاذ المدرسة الجديدة سبتي متفنن في المعارف بارع الخط مصنف شاعر، وهو من مشيخة شيخنا الخطيب الصالح أبي عبد الله بن عدل الكتاني توفي سنة 750ه.
وأشار ابن الخطيب إلى المدرسة الجديدة في رحلته، وذكر بأنها مدرسة علمية جديدة أنشأها السلطان أبو الحسن المريني.

المطلب الثامن: المدرسة المرينية بالرباط

هذه المدرسة سميت بمدرسة الجامع الكبير وذلك لمجاورتها للجامع الكبير، وقد حولت بعد ذلك إلى مارستان.
وهذا ما ذكره صاحب كتاب تاريخ رباط الفتح فقال: «مدرسة الجامع الكبير، وهي المارستان المريني الذي كان في الأصل مدرسة لطلبة العلم المترددين على تلقي العلوم بالجامع الكبير.»
وتضيف الدكتورة سحر سيد عبد العزيز قائلة: «هناك بناء آخر يطلق عليه مجازا اسم مدرسة الجامع الكبير، والواقع أنها أنشئت لتكون مارستانا وعرفت بالمارستان العزيزي المريني، لأنها كانــــت في الأصــــــل مدرسة لطلاب العلم على الجامع الكبير.»

المطلب التاسع: المدرسة المرينية بوجدة

تقع المدرسة بالقرب من الجامع الكبير، ونعتمد في تاريخ هذه المدرسة الوجدية، على النص الذي أورده الدكتور بدر المقري عن عبد الله الجراري فذكر ما يلي: «في هذه المدرسة الوجدية، مدرسة إسلامية مرينية نالت من الزخرفة والرقة ما يتناسب والاهتمام بالمؤسسات العلمية في المغرب.
وللأسف لا نجد تاريخا محددا لبناء المدرسة، لكن حسب دراستي المتواضعة للمصادر التاريخية وتتبعها، وجدت تاريخين تم فيهما إنشاء المدرسة، فالتاريخ الأول عام 696ه/1296م وهو التاريخ الذي يوافق بناء المسجد والقصبة بوجدة، وكان البناء على يد السلطان أبي يعقوب يوسف بن يعقوب بن عبد الحق، وهذا ما ذكره ابن أبي زرع فقال: «فنزل على وجدة فأمر ببنائها فبنيت وحصنت أسوارها، وبنا بها قصبة ودارا ومسجدا وحماما.»
ورغم أن المدرسة لم تذكر لفظا إلا أنه يمكنا أن ندلي أن المدرسة بنيت مع المسجد وهذا احتمال وارد بما أننا لا نمتلك حقائق تاريخية جديدة دالة وواضحة.
أما التاريخ الثاني هو ما بين سنة 735ه و736ه وهي السنة التي نهض فيها السلطان أبو الحسن إلى تلمسان، فمر بوجدة فجمهر عليها الكتائب للحصار.
ففي هذه السنة قام السلطان أبو الحسن بتجديد أسوار مدينة وجدة وبنى المدرسة، وهذا ما يؤكده ابن مرزوق في مسنده فيقول: «ثم أنشأ رحمه الله في كل بلد من بلاد المغرب الأقصى وبلاد المغرب الأوسط مدرسة.»
وما يؤكد أن المدرسة بنيت قديما هو تاريخ الإصلاحات، إذ تعرضت لترميم سنة 1934م بمناسبة زيارة الملك محمد الخامس لمدينة وجدة.
وليس للمدرسة المرينية وصف داخلي أو خارجي في الكتب التاريخية إلا ما وقفت عليه شخصياً، فالمدرسة تتكون من طابقين وسطح كباقي المدارس المرينية، وتتخلها غرف التي تكون إيواء لطلبة العلم، كما تحتوي على بيت الصلاة والميضة. ومن خلال هذا الوصف يتبين أن المدرسة المرينية بوجدة تشبه إلى حد كبير المدرسة العظمى بسلا، وعرفت المدرسة تطورا من الجانب الجمالي نظرا لإعطائها قيمة كبيرة للزخرف بمختلف أنواعها، كما هو الحال لباقي المدارس التي شيدت في العهد المريني. وما تزال المدرسة محافظة على نظامها التعليمي العتيق إلى يومنا هذا.

المطلب الحادي عشر: مدرسة شالة

يصفها النميري وصفاً مقتضباً معرفاً بموقعها وبمظهرها العام فيقول: «مجاورة للروضة السريعة، مدرسة شامخة البناء، وثيقة الأساس، منفسحة الأرجاء حيطانها كالأسوار وسقفها كالفلك، لابسة البياض، رائعة الجمال، قد رتبت أحسن ترتيب وبوبت مداخلها أحسن تبويب، وفرشت. وكانت المدرسة من بناء السلطان أبي عنان المريني.
ويقول الدكتور الحسن السايح: «وابنه أبو عنان الذي كان أحد بناة الحضارة المرينية التي ما زال آثارها واضحة في المدرسة البوعنانية وساعتها المائية وعدة مدارس للطلاب في فاس ومكناس وشالة وسلا.»

المطلب الحادي عشر: مدرسة العباد بتلمسان

تحدث ابن مرزوق في مسنده عن مدرسة العباد وأشار إليها قائلا: « ثم أنشأ رحمه الله في كل بلد من بلاد المغرب الأقصى وبلاد المغرب الأوسط مدرسة، وبالعباد ظاهرة تلمسان وحذاء الجامع الذي قدمت ذكره.»
ومدرسة الشيخ أبي مدين شعيب الغوث بحي العباد الأثري الذي تبدو منارته من بعيد لكل زائر لمدينة تلمسان، وقد شيدت المدرسة عام 747ه/1346م وتمثل هي والمسجد طرازا جميلا للعمران العربي الإسلامي بالمدينة.
بنيت المدرسة على يد السلطان أبي الحسن المريني، وذكرت المدرسة في الرخامتين الموجودتين على الساريتين منقوش على إحداهما ما يلي: «بسم الله الرحمان الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما الحمد لله رب العالمين والعافية للمتقين أمر ببناء هذا الجامع المبارك مع المدرسة المتصلة بغربه مولانا السلطان أمير المسلمين المجاهد في سبيل رب العالمين أبو الحسن بن مولانا أبي سعيد بن مولانا أبي يوسف بن عبد الحق المريني أيد الله أمره وخلد بالعمل الصالح ذكره واخلص لله تعالى في عمل البر سره وجهره وحبس المدرسة المذكورة على طلبة العلم الشريف وتدريسه على الجامع المذكور والمدرسة من الجنان العلي نفعهم الله بذلك وجميع الجنان القصير الذي بالعباد.»
وقد نقشت أبيات شعرية بخطوط أندلسية تحت القبة من إفريز من الخشب، تتضمن تاريخ تشييدها وهي:
بناني كي يقيم لدي دينا
الإســلام أمـــــير المسلمينـــا
أبو الحسن الذي فيه المزايا
تفوق النظم بالدم الثمينــا
إمام لا يعبر عنه وصف
بما أجرى به الأعمال دينا
سليل أبي سعيد ذي المعالي
أقر إلي الأمـــــــــــام بها عــيونا
وقد سماه خالقه عليا
فأعـــلاه وأعطــــــــــــــاه يــــقيــــنـــــا
أبانا بالمصلحات منه دينا
وإيمانــــــــــا يكـــــون له معينــــــا
لشهر ربيع الثاني لسبع
خلون من السنين وأربعينــا
إلى سبع مئين فدام سعد
محولـــــــه مقــــــاصده فنونـــــــــــــــا
وكان له الإله على اتصال
على مرضــــــاته دأبا معينــــــا
كما وصفها ابن الحاج النميري فقال: «وتتصل بهذه الزاوية من جهة الجوف مدرسة متعددة البيوت، رفيعة السموت، بديعة النعوت. وبها أبواب تشرع إلى ديار كاملة المنافع، حسنة المقاطع. معينة للرؤساء القائمين بالوظائف المتولين لأرفاد البادي والعاكف.»
وقد اشتهرت هذه المدرسة بفنها المعماري، وزخرفتها المميزة والمتضمنة لأقواس منكسرة، مبنية بالآجر المطلي باللون الأخضر لها فناء فسيح به صهريج للماء، مزين بالزخارف العديدة ويوجد بالقرب منه صحن دائري من الرخام، مخصص للشرب والوضوء. شيد أمام قاعة كبيرة للمحاضرات وإلقاء الدروس، تتسع لحلقة كبيرة، من الطلاب والمدرسين، تقدم فيها دروس عالية ومعمقة.
فالطابق السفلي يتألف من عشرة غرف، والطابق العلوي يحتوي على ثماني حجرات تتسع كل غرفة لطالبين، وهذا يدل عن أن الغرف هذه كانت مخصصة لنوم الطلبة الغرباء والفقراء، وهو ما يعرف اليوم بالنظام الداخلي.
ولا تزال المدرسة قائمة بالعباد وتعد من أجمل ما بني من المدارس بتلمسان خاصة وببلاد المغرب على وجه العموم، آية من التراث الحضاري الإسلامي في هذه المنطقة.
كما تحدث عن مدرسة العباد بتلمسان الحسن الوزان فقال: “ويعظم أهل تلمسان والبلاد المجاورة لها هذا الولي كثيرا ويستغيثون به ويتصدقون عنده كثيرا لوجه الله، ويسمى سيدي مدين. وهناك أيضا مدرسة جميلة جدا، وفندق لإيواء الغرباء أسسها بعض ملوك فاس من بني مرين، حسبما يقرأ ذلك في الرخامتين المنقوش عليهما أسماؤهم”.
أشار جورج مارسييه إلى مدرسة العباد وقال: «وبالقرب من تلمسان في مدينة العباد يقع قبر «سيدي بومدين» ولحق به مسجد ومدرسة وحمامات وفنادق.»

المطلب الثالث عشر: مدرسة سيدي الحلوي

يعزى بناء هذه المدرسة إلى السلطان أبي عنان المريني، وقت استيلائه على تلمسان والمغرب الأوسط سنة 754ه/1354م، بالقرب من ضريح الوالي الصالح أبي عبد الله الشوذي الإشبيلي، الملقب بالحلوي، الذي يقع شمال المدينة، حيث يوجد المسجد، ولكن مدرسة الحلوي، لم تكن لها شهرة كبيرة مقارنة بالمدارس الأخرى، التي عاصرتها بتلمسان.
وحسب ما وقفت عليه في الكتب التاريخية، تعتبر مدرسة سيدي الحلوي المدرسة الثانية التي تأسست في مدينة تلمسان.
إن أبا عنان حذا حذْو أبيه في هذا المجال. وقد اختار لإنجاز مشروعه المعماري الكبير، الذي يتألف من المسجد والمدرسة والزاوية والضريح. مكانا منحدراً عبارة عن حي سكني، تشرف عليه أسوار تلمسان الشمالية الشرقية التي يتوسطها باب الزاوية.
والمدرسة والزاوية ظلتا قائمتين حتى أوائل القرن العاشر الهجري، السادس عشر الميلادي.
حيث أورد ابن مريم صاحب كتاب البستان في ترجمته للولي سيدي أحمد بن الحسن الغماري الذي بقي يحي الليل سنين كثيرة في جامع زاوية سيدي الحلوي رضي الله عنه، قال: «سمعت من كثير ممن أثق به ممن كان ساكنا بالزاوية، وقال لي أخي سيدي علي وقد كان ساكنا، في ابتداء أمره (بن الحسن الغماري) مدرسة الزاوية.»

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.