واجبات غير المسلمين
بقلم: حميد نعيمي
يمكنكم الاطلاع على الكتاب أو تحميله من الرابط التالي:
أولا: الواجبات المعنوية
1 – التزام أحكام القانون الإسلامي
إن غير المسلمين يحملون جنسية الدولة الإسلامية، وبالتالي تنطبق عليهم قوانينها إلا ما يمس عقائدهم وحريتهم الدينية، فلا تجب عليهم زكاة ولا جهاد، ولا يحرم عليهم خمر ولا خنزير، ولهم الزواج والطلاق كما يعتقدون، إلا إذا احتكموا إلينا فلنا أن نحكم بينهم بالإسلام أو نرفض، كما قال تعالى: ﴿فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ المائدة:42.
ويطبق عليهم القانون المدني والجنائي لعدم تعارضه مع عقائدهم، فيحد السارق منهم والزاني والقاذف وقاطع الطريق والقاتل…
وكذلك معاملاتهم يصح منها ما يصح من المسلم ويفسد منها ما يفسد عليه إلا الخمر والخنزير بالنسبة للنصارى.[1]
وقد اختلف في تعامل غير المسلمين بالربا فيما بينهم، فمن الفقهاء من أجازه لهم باعتباره خاصا بهم، ومنهم من منعهم منه لأنه محرم في جميع الأديان، كما في قوله تعالى:﴿وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ﴾ النساء:161، ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم كتب إلى نصارى نجران “إما أن تذروا الربا وإما أن تأذنوا بحرب من الله ورسوله”.[2]
2 – مراعاة شعور المسلمين
ينبغي على غير المسلمين تجنب كل ما من شأنه استفزاز شعور المسلمين.
فلا يظهروا شعائرهم وصلبانهم في الأمصار الإسلامية، لما فيه من تحدي الشعور الإسلامي مما قد يؤدي إلى فتنة واضطراب.[3]
فلا يسبوا الله ورسوله ودينه جهرة، ولا يروجوا من الأفكار والعقائد ما يخالف عقيدة الدولة، إلا أن يكون ذلك جزءا من عقيدتهم كالتثليت والصليب، ولا يظهروا شرب الخمر والخنزير ولا يبيعوها للمسلمين ولا يظهروا الأكل في نهار رمضان.[4]
وإنما وجب ذلك على غير المسلمين لأنهم أقلية في مقابل أكثرية من المسلمين، فكما لا يكون من العقل والذوق أن يرأس مسلم دولة مسيحية، أو أن تتصدر المساجد واجهات المدن الكبرى في أوروبا وأمريكا ويعلو الأذان في ربوعها…وإن كان في أوروبا أقلية مسلمة، فكذلك لا يكون من الذوق والعقل أن يتحدى غير المسلمين شعور الأكثرية في دينها وشعائرها وأذواقها ومعابدها.[5] وواجب الأقلية في مراعاة شعور المسلمين، يقابله واجب الأكثرية المسلمة في احترام ديانات الأنبياء قبل الرسول صلى الله عليه وسلم، والإمساك عن جدال أهلها إلا بالتي هي أحسن، وبالإحسان إليهم.[6]
ثانيا: الواجبات المادية
1 – الخراج
والخراج هو:” ما وضع على رقاب الأرضين من حقوق تؤدى عنها”.[7]
والخراج نوعان:
– خراج وظيفة: يثبت في الذمة كأجرة الأرض، ويتعلق بمساحتها والتمكن من زراعتها، ويدفع سواء استغلها أم لا.
– وخراج مقاسمة وهو نسبة من المحصول قل أو أكثر.[8]
فالخراج بمثابة ضريبة الأملاك العقارية اليوم، والزكاة بمثابة ضريبة الاستغلال الزراعي[9]، أي أن الخراج حق الأرض، سواء كان مالكها مسلما أو ذميا، رجلا أو امرأة، بالغا أو صبيا.[10]
والفرق بين الجزية والخراج أنها تسقط بالإسلام دونه، فالذمي إذا أسلم تسقط عنه الجزية ويبقى عليه الخراج فضلا عن زكاة محصوله الزراعي العشر أو نصفه عند الجمهور خلافا لأبي حنيفة.[11]
وأصل الخراج فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فقد صالح نصارى نجران على جزية رؤوسهم وخراج أراضيهم بألفي حلة.[12]
2 – الضريبة التجارية
قال ابن قدامة: “يؤخذ العشر من كل حربي تاجر، ونصف العشر من كل ذمي تاجر، سواء كان ذكرا أو أنثى، صغيرا أم كبيرا، ولا يعشرون في السنة إلا مرة واحدة”.[13]
وقال مالك: “يؤخذ من الذمي العشر على تجارته كلما تنقل بها خارج بلده ولو مرارا في السنة، إذا إذا دخل مكة والمدينة وقراهما بالقمح والزيت فنصف العشر، ولا يشترط النصاب خلافا لأبي حنيفة، وقال الشافعي لا يجب عليهم شيء”.[14]
وقال السرخسي: وإذا كان الممرور به نصابا كاملا، أَخذ من المسلم ربع العشر ومن الذمي نصف العشر ومن الحربي مثلما يأخذون من تجارنا عشرا كان أو أقل أو أكثر”.[15]
وهذه الضريبة يطلق عليها بلسان عصرنا الضريبة الجمركية.
وقد اختلف الفقهاء في تعليل تضعيف ما يؤخذ من الذمي بالنسبة للمسلم، قال أبو عبيد: “إن ذلك موجود في أصل الصلح معهم فهو حق المسلمين أبدا، وقال ابن شهاب الزهري: كان يؤخذ منهم في الجاهلية فأمضاه عمر عليهم، ورأى بعض الحنفية أن حاجة الذمي إلى الحماية أكثر لأن الطمع فيه أكثر، ورأى المودودي أن المسلمين كانوا مشغولين بالفتوح، وتجار أهل الذمة متفرغون للتجارة فرأى الفقهاء النقص من الضريبة على المسلمين حفزا لهم على التجارة لإحداث التوازن”.[16]
3 – الجزية
عرفها ابن عرفة بأنها: “ما ألزم الكافر من مال لأمنه باستقراره تحت حكم الإسلام وصونه”[17].
وقال الماوردي: “فأما الجزية فهي موضوعة على الرؤوس واسمها مشتق من الجزاء إما جزاء على كفرهم لأخذها منهم صغارا، وإما جزاء على أماننا لهم لأخذها منهم رفقا”.[18]
وفي تحديد من تجب عليهم قال القرطبي: “وهذا إجماع من العلماء على أن الجزية إنما توضع على جماجم الرجال الأحرار البالغين وهم الذين لا يقاتلون، دون النساء والذرية والعبيد والمجانين المغلوبين على عقولهم والشيخ الفاني، واختلف في الرهبان فروى ابن وهب عن مالك أنها لا تؤخذ منهم”.[19]
ومن العلماء من اعتبر مصطلح الجزية اجتهاديا وليس تعبديا، فقد أجاز القرضاوي[20] أن يؤخذ من أهل الذمة ضريبة بمقدار الزكاة، بأي اسم آخر غير اسم الزكاة ولا الجزية، لحساسيتهم منهما كما فعل عمر رضي الله عنه مع بني تغلب، وأيده في هذا راشد الغنوشي.[21]
يرى سليم العوا سقوط الجزية اليوم حيث يقول موضحا: “إن الجزية في القرآن مرتبة على حال القتال الذي ينتهي بأداء أهل الكتاب للجزية، وهي حال لم تعد قائمة اليوم فلم يعد جائزا ترتيب حكم الجزية عليها”.[22]
ويرى موسى الشريف أن “الجزية قضية تاريخية لم يعد لها وجود في أرض الواقع فلا معنى لإثارة هذه القضية”.[23]
[1] (غير المسلمين في المجتمع الإسلامي)، يوسف القرضاوي، ص39-40.
[2] (الأقليات في المجتمع الإسلامي)، عبد الحميد إبراهيم، ص161.
[3] نفسه، ص20.
[4] نفسه، ص45.
[5] (مواطنون لا ذميون)، فهمي هويدي، ص147-149.
[6] (المواطنة والعولمة، الأقباط في مجتمع متغير)، هاني لبيب، ط1: 2004، دار الشروق: القاهرة، ص119.
[7] (الأحكام السلطانية)، الماوردي، ص227.
[8] (أحكام الذميين والمستأمنين في دار الإسلام)، عبد الكريم زيدان، ص132.
[9] (غير المسلمين في المجتمع الإسلامي)، يوسف القرضاوي، ص32.
[10] (أحكام الذميين والمستأمنين في دار الإسلام)، عبد الكريم زيدان، ص132.
[11] (الأحكام السلطانية)، الماوردي، ص233.
[12] (الكامل في التاريخ)، علي بن أبي الكرم ابن الأثير، تحقيق أبي الفداء علي القاضي، ط1: 1987، دار الكتب العلمية: بيروت، سنة عشر، 2/162.
[13] (المغني)، ابن قدامة، 10/584.
[14] (القوانين الفقهية)، أبو القاسم محمد بن أحمد بن جزي، تحقيق عبد الله المنشاوي، ط 2005، دار البصائر: الجزائر، الكتاب الرابع في الزكاة، ص81.
[15] (المبسوط)، محمد بن أحمد السرخسي، دار المعرفة: بيروت، 2/200.
[16] (غير المسلمين في المجتمع الإسلامي)، يوسف القرضاوي، ص38.
[17] (شرح حدود ابن عرفة)، محمد الأنصاري الرصاع، تحقيق محمد بن الأجفان والطاهر المعموري، ط1: 1993، دار الغرب الإسلامي: بيروت، 1/227.
[18] (الأحكام السلطانية)، الماوردي، ص221.
[19] (الجامع لأحكام القرآن)، القرطبي، تفسير التوبة 29، 10/166.
[20] (غير المسلمين في المجتمع الإسلامي)، يوسف القرضاوي، ص57.
[21] (حقوق المواطنة)، راشد الغنوشي، ص102.
[22] (في النظام السياسي الإسلامي)، محمد سليم العوا، ط2: 2008، دار الشروق: القاهرة، ص254.
[23] (التقارب والتعايش مع غير المسلمين)، محمد موسى الشريف، ط2: 2008، دار ابن كثير: دمشق، ص56.