يوم الرحيل ( قصة قصيرة)
بقلم: محمد فاضيلي
مرت عطلة الصيف كبرق خاطف..قضيتها مع الأهل والأحباب، بعد عام دراسي كله متاعب ومشقة واغتراب..ضحكنا ولعبنا وتسامرنا وسافرنا وقضينا أجمل وأحلى الأوقات ..
ثم حل موعد الرحيل..
خيم علي حزن شديد لم أعرف مثله قط..بدت أماراته جلية على وجهي..احسست بضيق وانقباض ورغبة في البكاء..اغرورقت عيناي بالدموع..انخرس
لساني وصرت بالكاد أستطيع بلع ريقي..يكلمني أهلي فأحس باختناق شديد لا استطيع معه النبس ببنت شفة..
يغلبني التفكير والشرود والذهول..
وهل يجدي البكاء!؟
إلى أين أنا راحل!؟
إلى أهل غير الأهل وارض غير الأرض وحياة غير الحياة..
لا أنيس ولا جليس ولا صاحب ولا رفيق..وحدي أعيش في قبو حقير تأنفه الضباع وتفر من قسورته الحمر المستنفرة..
يقصدني كل صباح صبية بؤساء مكر بهم في وضح النهار التاريخ وغدرت بهم الجغرافيا..
اطل من باب القبو فأرى البؤس والكآبة والغرابة والشحوب في وجوه الأهالي، في عيونهم وسحناتهم وقوامهم وارديتهم، وفي اوراق الشجر وقطرات المطر وهبات الرياح وحرارة الجو وقساوته، في نباح الكلاب ونهيق الحمير وصياح الديكة ونعيق الغربان..
في الليل يرعبني المكان بصمته وهدوئه وظلامه الدامس..بعويل الذئاب وصرير الصراصير ونعيق البوم..
كوابيس وأحلام مرعبة توقظني في وقت متأخر من الليل فترتعش يداي وترتعد فرائصي ويتصبب مني العرق في الليلة البرداء..
الصمت لغتي وملاذي وأنيسي في وحدتي..والرغبة في التحدي، والشوق للأهل.، وانتظار الفرج، وترقب الانتقال ذكري وفكري في خلوتي ومسكنتي..
ثم تاتي لحظة الصفر، فأحمل حقائبي دون توديع الأهل، واتوجه نحو الحافلة التي ستقلني إلى منفى دخلته مضطرا ومختارا..وسكنته حينا من الدهر..