شروط العمل الاجتماعي(5) فقه العمل الاجتماعي في الإسلام
الدكتور عبد اللطيف بن رحو
شروط العمل الاجتماعي(5) فقه العمل الاجتماعي في الإسلام
بقلم: الدكتور عبد اللطيف بن رحو
يمكنكم تحميل كتاب العمل الاجتماعي في عهد الدولة المرينية (1244 – 1465م) من الرابط التالي
المطلب الثالث: شروط العمل الاجتماعي
الفرع الأول: الإخلاص وصدق النية
الإخلاص قيل فيه: إفراد الحق سبحانه في الطاعة بالقصد، وهو أن يريد بطاعته التقرب إلى الله سبحانه دون أي شيء آخر، من تصنع لمخلوق أو اكتساب محمدة عند الناس، أو محبة مدح من الخلق، أو معنى من معاني سوى التقرب إلى الله تعالى.[1]
في هذا الباب يقول عز وجــــل: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [سورة البينة الآية: 5]
يقول القرطبي: «هذا دليل على وجوب النية في العبادات، فإن الإخلاص من عمل القلب، وهو أن يراد به وجه الله تعالى لا غيره.»[2]
ومن منازل الاخلاص ما ذكره ابن القيم الجوزية عن الفضيل بن عياض فقال: هو أخلصه وأصوبه. قالوا يا أبا علي، ما أخلصه وما أصوبه؟ فقال: إن العمل إذا كان خالصا، ولم يكن صوابا، لم يقبل، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا: لم يقبل، حتى يكون خالصا صوابا، والخالص: أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة. فالإخلاص القصد والعمل لله. والإحسان فيه متابعة رسوله وسنته.[3]
عن العلاء بن عبد الرحمان بن يعقوب عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ. قال الله تبارك وتعالى:»» أنا أغنى الشركاء عن الشرك. من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه.»»[4]
والعمل إذا لم يكن خالصا لوجه الله تعالى بل امتزج به شوب من الرياء أو حظوظ النفس فقد اختلف الناس في أن ذلك هل يقتضي ثوابا أو يقتضي عقابا أم لا يقتضي شيئا أصلا فلا يكون له ولا عليه أما الذي لم يرد به إلا الرياء فهو عليه قطعا وهو سبب المقت والعقاب، وأما الخالص لوجه الله تعالى فهو سبب الثواب وإنما النظر في المشوب، وظاهر الأخبار تدل على أنه لا ثواب له.[5]
وقد تنوعت وتعددت عبارات الإخلاص فقيل عنه هو إفراد الحق سبحانه بالقصد والطاعة وقيل تصفية الفعل عن ملاحظة المخلوقين، وقيل التوقي من ملاحظة الخلق حتى عن نفسك. والصدق التنقي عن مطالعة النفس، فالمخلص لا رياء له، والصادق لا إعجاب له. ولا يتم الإخلاص إلا بالصدق ولا صدق إلا بالإخلاص وقيل الإخلاص استواء أعمال العبد في الظاهر والباطن. والصدق في الإخلاص: أن يكون باطنه أعمر من ظاهره.[6]
والنية الصالحة هي أول العمل الصالح، وأول العطاء من الله تعالى وهو مكان الجزاء إنما يكون للعبد من ثواب الأعمال على حسب ما يهب الله له من النيات، فربّما اتفق في العمل الواحد نيات كثيرة على مقدار ما يحتمل العبد من النية، وعلى مقدار علم العامل، فيكون له بنية حسنة، ثم يضاعف كل حسنة عشرة أمثالها، لأنها أعمال تجتمع في العمل. وصورة النية معنيان، أحدهما: صحة القلب إلى العمل بحسن التيقظ فيه، والإخلاص به لوجه الله تعالى، ابتغاء ما عنده من الأجر. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «أفضل الأعمال أداء ما افترضه الله تعالى، والورع عما حرم الله تعالى، وصدق النية فيما عند الله عز وجل.»[7]
والصدق في النية والقصد يستلزم إخلاص النية لله عز وجل في الدعوة وكل طاعة وقربة، فلا يدعو لطلب جاه ولا محمدة ولا وجاهة، ومتى دخل شيء من هذه الشوائب النية خرج الإخلاص المشروط لقبول العمل، ومتى حصل الصدق في القصد وتحقق الإخلاص أثمر ذلك عزيمة صادقة وإرادة ماضية، فلا يتوانى الداعي الصادق عن المضي في إيصال الحق والخير للناس يبتغي يذلك وجه الله والدار الآخرة، يتعلم ويعلم، ويتوخى الحق والصدق أينهما كان.[8]
الفرع الثاني: حسن الخلق
حسن الخلق معناه سلامة النفس نحو الأرفق الأحمد من الأفعال، وقد يكون ذلك في ذات الله تعالى وقد يكون فيما بين الناس وهو في ذات الله – عز وجل – أن يكون العبد منشرح الصدر بأوامر الله ونواهيه، يفعل ما فرض عليه طيب النفس به سلسا نحوه، وينتهي عَمَّا حرم عليه واسعا به صدره غير متضجر منه، ويرغب في نوافل الخير، ويترك كثيرا من المباح لوجه الله تعالى إذا رأى أن تركه أقرب إلى العبودية من فعله مُستَبشِراً لذلك من غير ضجر منه، ولا متعسر به، وهو في المعاملات بين الناس أن يكون سمحا بحقوقه لا يطالب غيره بها، ويوفي ما يجب لغيره عليه منها.[9]
يقول النبي ﷺ: «أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وخيرهم خيركم لنسائهم.»[10]
فمن أجمل وأروع وأعظم روابط الإيمان وأعلى درجاته وأقربها لله حسن الخلق.
فدعوى الإسلام كانت ولا تزال تدعو إلى رفعة الأخلاق الحميدة والفضائل الكريمة مقصدها ابتغاء مرضاة الله عز وجل ومناطها تحقيق المحبة، بحسن الخلق الذي يتجلى في كل أعمال الخير والبر والإحسان.
ومن مميزات حسن الخلق الكرم والسخاء والبذل والجود لأفراد المجتمع، ومع سائر الخلق بصفة عامة، والمتمثل في قضاء حوائجهم ومساعدتهم واسعادهم.
الفرع الثالث: توفير الموارد المالية
إن الإسلام دعا أفراد المجتمع إلى التعاون والتكافل، بل وجعلها حقوقا على البعض من ذوي المال والغنى، فأخرج منهم حق المسكين والفقير والمعوز، فالأصل في المجتمع أن يحض المسلم بعضه بعضا على فعل الخير والبر والإحسان، وإخراج ما ألزم به الاسلام من حقوق والمتمثلة في الزكاة والصدقات والوقف والكفارات والنذور والهبات، وتبرعات الدولة إلى غير ذلك… يقول النبي ﷺ في هذا الباب: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد. إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.»[11]
فالموارد المالية تعد الركيزة الأساسية للنهوض بالعمل الاجتماعي في شتى ميادينه، وعلى هذا الوجه تولى الإسلام مصادر تمويل العمل الاجتماعي وحث عليها، ومنها ما يلي:
أولا: الزكاة
الزكاة تأتي في المقام الثالث من أركان الإسلام، أوجبها الشارع اقتضاء على ذوي المال من الأغنياء لترد على الفقراء والمساكين. فما معنى الزكاة في اللغة والاصطلاح؟
- 1 -لغة:
الزكاة لغة: من زكا وزَكِيَ، وزكاءً. أي نما وزاد، وزكا فلان إذا صلح. فالزكاة: البركة والنماء والطهارة والصلاح وصفوة الشيء.[12]
وفي لسان العرب الزكاة: ما أخرجته من مَالِكَ لتطهيره به، وقد زكى المال. وقيل لما يخرج من المال للمساكين من حقوقهم زكاة لأنه تطهير للمال وتثمير وإصلاح ونماء. وقال: وأصل الزكاة في اللغة الطهارة والنماء والبركة والمدح وكله قد استعمل في القرآن والحديث.[13]
- 2 -اصطلاحا:
الزكاة اسم لما يخرجه الإنسان من حق الله تعالى إلى الفقراء. وسميت زكاة لما يكون فيها من رجاء البركة، وتزكية النفس وتنميتها بالخيرات فإنها مأخوذة من الزكا وهو النماء والطهارة والبركة.[14]
وقال شيخ الإسلام: «نفس المتصدق تزكو، وماله يزكو، يطهر ويزيد في المعنى. وقد أفهم الشرع أنها شرعت للمواساة، ولا تكون المواساة إلا فيما له مال من الأموال، فحد له أنصبه، ووضعها في الأموال النامية.»[15]
الصدقة زكاة، والزكاة صدقة، يفترق الاسم ويتفق المسمى، ولا يجب على المسلم في ماله حق سواها.[16]
فالزكاة أمرها عظيم وفائدتها كبيرة نفعها جلي ساطع بين أفراد المجتمع، فيها يواسي الغني الفقير والمسكين، وبها يقضي الدين، وبها تبنى المساجد والدور، وتقضى المصالح، ويراعى بها اليتيم والمعوز.
وبذلك تعد الزكاة أول تشريع منظم في سبيل ضمان اجتماعي، لا يعتمد على الصدقات الفردية التطوعية، بل يقوم على المساعدات حكومية دورية منتظمة، مساعدات غايتها تحقيق الكفاية لكل محتاج: الكفاية في المطعم والملبس، والمسكن، وسائر حاجات الحياة، لنفس الشخص ولمن يعوله في غير إسراف ولا تقتير.[17]
ولعل خير مثال على تميز عصر الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز بالرخاء وسد حاجات المجتمع أن بيت المال لم يجد من يستحق ويأخذ من مال الزكاة لتدفع له، فلم تعد هناك فوارق اجتماعية بعد القضاء على الفقر وتزويج الشباب وقضاء الديون على المدين حتى صارت الحبوب والثمار توزع على رؤوس الجبال ليأكل الطير والوحوش.
فهذا نموذج جَلَّ به التاريخ من فضل الزكاة، فالمال هو مال الله والعباد مستخلفين فيه، فالزكاة تؤدي دور مهم في الجانب الاجتماعي والمتمثل في علاج وحل مشاكل الفقر وغيره من مشاكل المجتمع، كما تساهم في بناء المساجد والمستشفيات وبناء المركبات الاجتماعية وغيرها.
ثانيا: الصدقات التطوعية
إن للنفس البشرية ميلا فطريا لحب الخير والمعروف لا يحده زمان ولا مكان ولا جنس ولا دين منذ بداية الإنسانية إلى يومنا هذا.
فالإسلام بما يشتمل عليه من حقائق ومضامين وتشريعات في مجال العقائد والعبادات والمعاملات فإن أحكامه مبنية على الإلزام والالتزام، فهناك أعمال مفروضة يجب الإتيان بها لتحقيق معنى العبودية، وهناك أعمال تطوعية مساندة ومكملة للأعمال الواجبة شرعت وترك أمر تحديد وقتها ومقدارها ونوعها وجهتها لضمير المسلم وما يتمتع به من وعي وإدراك وأخلاق وأريحية، تحركه لنوازع الخير، وتدفعه عوامل الشفقة على نفسه والآخرين ويحفزه شعوره بالانتماء إلى هذا المجتمع.[18]
وقد جاءت الآيات الكريمة في القرآن تحض على الصدقة والبر والإحسان، ولم تقتصر فقط على الزكاة يقول تعالى: ﴿لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ﴾ [سورة البقرة الآية: 176]
وقد جاء دور الصدقات وأعمال البر التطوعي بشمولها وكثرتها وتعددها لتسد الحاجة، وتكفي المؤونة، وتحمي المجتمع من الانحرافات والجرائم. وقد فتح الله عز وجل أبوابا كثيرة لعمل البر والخير لما لها من أثر إيجابي فَعَّال على الفرد والمجتمع.
ومن أثر الصدقة التطوعية على المجتمع، إنشاء المشاريع الخيرية التي ترفع من مستوى الفقراء والمحتاجين، حل مشكلة الفقر وما يترتب عليه من آثار سلبية على المجتمع.[19]
وبذلك فالإسلام يربي المسلم على البذل وإن لم يطلب منه، والانفاق وإن لم يجب عليه، ويهون عليه المال والدنيا، ويحذره من الشح والبخل، ويحبب إليه الصدقة والإنفاق في السراء والضراء، بالليل والنهار، سراً وعلانية، ويعده بالخلف والفضل في الدنيا، والمثوبة عند الله في الآخرة.[20]
ثالثا: الوقف
1 -الوقف لغة:
للفظ الوقف تعريفات كثيرة ومتعددة، وكلها تصب في معنى واحد. جاء في لسان العرب وقف بالمكان وقفا ووقوفا، فهو واقف، خلاف الجلوس، والجمع وُقف ووقوف، ويقال وقفت الدابة تقف وقوفا، ووقفتها أنا وقفاً. ووقَّف الدابة جعلها تقف. والوقف مصدر قولك وقفت الدابة ووقفت الكلمة وقفا، وهذا مجاوز، فإذا كان لازماً قلت وقفت وقوفا، وإذا وقّفت الرجل على الكلمة قلت: وقفته توقيفا. ووقف الأرض على المساكين وفي الصحاح للمساكين، وقفاً حبسها.[21]
2 – الوقف اصطلاحاً:
أ- تعريف الحنفية للوقف:
عرفه الإمام السرخسي بقوله: «وفي الشريعة عبارة عن حبس المملوك عن التمليك من الغير.» [22]
عرفه ابن عابدين بقوله: «حبس العين على حكم ملك الواقف والتصدق بالمنفعة ولو في الجملة.»[23]
عرفه ابن همام بقوله: « ومحاسن الوقف ظاهرة وهي الانتفاع الدّار الباقي على طبقات المحبوبين من الذرية والمحتاجين من الأحياء والموتى لما فيه من إدامة العمل الصالح.»[24]
ب- تعريف المالكية للوقف:
عَرف الخرشي الوقف بأنه إعطاء منفعة شيء مدة وجوده لازماً بقاؤه في ملك معطيه ولو تقديراً.[25]
عرفه ابن الحاجب فقال: «ولفظ وقفت يفيد التأبيد، وحبست وتصدقت إن اقترن به ما يدل من قيد أو جهة لا تَنْقَطِعُ تَأَبَّدَ.»[26]
وعرفهُ الشيخ خليل في باب الوقف بقوله: «صح وقف مملوك، وإن بأجْرَة، ولو حيواناً، ورقيقاَ. يقارنه التملك بحبست ووقفت، وتصدقت، إن قارنه قيد، أو جهة لا تنقطع، أو مجهول وإن حصر.»[27]
ج- تعريف الشافعية للوقف:
عرفه الإمام النووي بقوله: «الوقف أن يحبس عينا من أعيان ماله فيقطع تصرفه عنها، ويجعل منافعها كوجه من وجوه الخير تقربا إلى الله تعالى.»[28]
وعرفه ابن حجر الهيتمي بقوله: «حبس مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه بقطع التصرف في رقبته على مصرف مباح.»[29]
وعرفه ابن الخطيب الشربيني بقوله: «الأظهر أن الملك في رقبة الموقوف ينتقل إلى الله تعالى، أي ينفك عن اختصاص الآدمي فلا يكون للواقف ولا للموقوف عليه، ومنافِعُهُ ملكٌ للموقوف عليه يستوفيها بنفسه وبغيره بإعارة وإجارة.»[30]
د- تعريف الحنابلة للوقف:
عَرف ابن قدامة المقدسي الوقف بأنه تحبيس الأصل، وتسبيل الثمرة.[31]
عرفه بهاء الدين بن إبراهيم المقدسي بقوله: «هو تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة، ويجوز في كل عين يجوز بيعها وينتفع بها دائما مع بقاء عينها.»[32]
عرف الزركشي الوقف وقال: «إنه تحبيس الأصل، وتسبيل المنفعة.»[33]
فمن جملة هذه التعاريف المختلفة من المذاهب الأربعة، يتضح أن مفهوم الوقف ارتبط بالخير والمنفعة للمجتمع، فهناك الكثير من أعمال البر والصدقات والتبرعات التي يقوم بها الناس قصد تحقيق مناط التعاون والمساهمة في خلق حياة أفضل للمجتمع المعوز.
ويمكن اعتبار الوقف أحد عناصر التنمية الاجتماعية، فهو يقوم على عمليات تغيير اجتماعي تركز على البناء الاجتماعي ووظائفه بغرض إشباع الحاجات الاجتماعية للأفراد وتقديم الخدمات المناسبة لهم في جوانب التعليم والصحة والاسكان والتدريب المهني وتنمية المجتمعات المحلية.[34]
3 – مشروعية الوقف:
من الأدلة الناصعة على مشروعية الوقف وتأكيده في الشريعة الاسلامية، ما دلت عليه الآيات الكريمة، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾. [سورة الحج. الآية: 75]
وقوله عزوجل: ﴿وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْر فَلَن تُكْفَرُوهُۖ﴾. [سورة آل عمران. الآية: 115]
ومن أدلة مشروعية الوقف في السنة النبوية، قوله ﷺ لعمر بن الخطاب رضي الله عنه:» إن شئت حبست أصلها، وتصدقت.»[35]
4 – الوقف مؤسسة اجتماعية:
ارتبط مفهوم الوقف بالخير والمنفعة للمجتمع، فهناك الكثير من الصدقات أو التبرعات التي يقوم بها الأفراد رعاية لشؤون الناس ومساعدتهم في مختلف مجالات الحياة.[36]
فهدف الوقف هو التقرب إلى الله عز وجل من خلال المشاركة في مجالات البر والخير والاحسان، ومن خلال إقامة أماكن العبادة والعلم والمبرات. وإن الوقف ليس مجرد قول يقال وإنما هو تطبيق عملي على أرض الواقع، فهو يمثل وجها مشرفا للتكافل الاجتماعي والتوجه الإنساني، وأنه يسهم في معالجة الفارق الطبقي في المجتمع.[37]
ومما لا ريب فيه أن الوقف كان له دوره المتميز في تغطية جانب كبير من جوانب المتطلبات الاجتماعية، وفي سد الثغرات الاقتصادية لفئات عديدة من أفراد المجتمع. فالوقف على المحرومين من الفقراء والمساكين وأبناء السبيل يغل في نفوسهم الحقد والحسد، ويبعث في قلوبهم المودة ويدفع سواعدهم إلى المشاركة في بناء المجتمع المسلم الذي لم يضن عليهم بالرعاية بلا طلب أو استجداء، وإنما يقدم لهم عوائد الأموال الموقوفة عليهم لتحقيق الحياة الكريمة لهم.
ومن هنا تبرز أهمية الوقف الخيري الذي يداوي، ويواسي، ويعاون، ويدافع عن قيم المجتمع، ويحمي بنيانه الاجتماعي من جميع الغوائل، من خلال الاهتمام بحاجات الفرد والأسرة، لأنهما اللبنة الأولى في بناء المجتمع.[38]
ويعد الوقف من أعمال البر التي يخلد بها الذكر الحسن وتنال بها الدرجات الرفيعة عند الله سبحانه وتعالى بناء المساجد للصلاة، والخانات لنزول أبناء السبيل والمدارس للتعليم، وسكنى الطلبة والسقايات لشرب الناس، والأحواض لشرب الدواب، والمستشفيات لمعالجة المرضى وذوي العاهات. ومن أعمال البر أيضا الوقف على هذه الوجوه لعمارتها ومرمتها ومصالحها اللازمة لها حتى تبقى صالحة لأداء الغرض المقصود منها.[39]
فعلى هدى النصوص والتوجيهات، انطلق أهل الفضل والاحسان يسدون الثغرات المعيشية في مجتمعهم عامة، ويلبون احتياجات إخوانهم من ذوي الفاقة والضرر خاصة، لا أقول إن ذلك كان دائما محققا للكفاية والتمام، ولكن المحبسين قد أبلوا في ذلك البلاء الحسن، وتفننوا فيه وأبدعوا.[40]
من هنا جاءت قوة التأثيرات الإيجابية المثمرة للأوقاف الإسلامية في المجتمعات الإسلامية، ودورها الرائد في إثراء الحضارة الإسلامية على مر العصور، وإسهاماتها الفاعلة في تنمية المجتمعات الاسلامية وبناء مؤسسات المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والصحية والتنموية وغيرها، وتفعيل دورها في المجتمع وفي إثراء مجالات البحث العلمي والتعليم والتأليف وإنشاء المكتبات الوقفية ورعاية الجوانب الصحية من وقاية وعلاج وأبحاث طبية وإقامة المستشفيات والمصحات والمدارس الطبية ومحاربة الفقر من خلال تأهيل القادرين على العمل وسد حاجة غير القادرين.[41]
يمكنكم تحميل كتاب العمل الاجتماعي في عهد الدولة المرينية (1244 – 1465م) من الرابط التالي
[1] الرسالة القشيرية للإمام القشيري. تحقيق عبد الحليم محمود ومحمود بن الشريف. وطابع مؤسسة دار الشعب القاهرة. (بدون رقم طبعة) سنة: 1989. الصفحة: 390.
[2] الجامع لأحكام القرآن للقرطبي. ج/22. ص: 412.
[3] مدراج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين لابن القيم الجوزية. تحقيق المعتصم بالله البغدادي. دار الكتب العربي بيروت. الطبعة:7. سنة:2003. الجزء: 2. الصفحة: 88 – 89.
[4] رواه مسلم في صحيحه. كتاب الزهد والرقائق باب من أشرك في عمله غير الله. رقم الحديث: 2985. ج/ 4.ص: 2289.
[5] إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي. دار ابن حزم بيروت. الطبعة: 1. سنة: 2005. الصفحة: 1754.
[6] مدارج السالكين لابن القيم. ج/2. ص:91.
[7] قوت القلوب في معاملة المحبوب. لأبي طالب المكي بن عطية. تحقيق محمد إبراهيم الرضواني. مكتبة دار التراث القاهرة. الطبعة: 1. سنة: 2001. الجزء:3 الصفحة: 1342 – 1343.
[8] الخلق الحسن في ضوء الكتاب والسنة. لسعيد بن علي بن وهب القحطاني. مؤسسة الجريسي للتوزيع. الرياض (بدون رقم طبعة ولا تاريخ).
الصفحة: 42.
[9] الجامع لشعب الإيمان للبيهقي. تحقيق مختار أحمد الندوي. مكتبة الرشد. الطبعة: 1. سنة: 2003. الجزء:10. الصفحة: 350.
[10] رواه الترمذي في الجامع الكبير. كتاب الرضاع، باب حق المرأة على زوجها. رقم الحديث: 1162. ج/2. ص:454.
[11] رواه مسلم في صحيحه. كتاب البر والصلة والآداب باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم. رقم الحديث: 2586. ج/4. ص: 1999-2000.
[12] المعجم الوسيط لمجمع اللغة العربية [مادة زكا]. مكتبة الشروق الدولية. مصر. الطبعة: 4. سنة: 2004. الصفحة: 396.
[13] لسان العرب لابن منظور [مادة زكا] ج/14. ص:358.
[14] فقه السنة لسيد سابق. دار الفتح للإعلام العربي. القاهرة. الجزء: 1. الصفحة: 235.
[15] مجموعة فتاوي ابن تيمية. تحقيق: عامر الجزار وأنور الباز. دار الوفاء. (بدون رقم طبعة ولا تاريخ) الجزء: 25. الصفحة: 8.
[16] الأحكام السلطانية والولايات الدينية. للماوردي. تحقيق أحمد مبارك البغدادي. مكتبة دار ابن قتيبة. الكويت. الطبعة:1. سنة: 1989. الصفحة: 145.
[17] مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام. ليوسف القرضاوي. مؤسسة الرسالة. بيروت. طبعة جديدة. سنة: 1985. الصفحة: 105.
[18] تنمية الموارد البشرية والمالية في المنظمات الخيرية لسليمان بن علي العلي. تقديم يوسف القرضاوي. مؤسسة أمانة تركيا. الطبعة:1. سنة:1996. الصفحة: 29-30.
[19] تنمية الموارد البشرية والمالية في المنظمات الخيرية ص:33-35.
[20] دور القيم والأخلاق في الاقتصاد الإسلامي. ليوسف القرضاوي. مكتبة وهبة. القاهرة. الطبعة: 1. سنة: 1995. الصفحة: 393.
[21] لسان العرب لابن منظور [مادة وقف] ج/9. ص:359.
[22] المبسوط للسرخسي. دار المعرفة. بيروت. (بدون رقم طبعة) سنة: 1989. الجزء: 12. الصفحة: 27.
[23] رد المحتار على الدر المختار لابن عابدين. ج/6. ص:519.
[24] شرح فتح القدير لابن الهمام الحنفي. تحقيق عبد الرازق غالب المهدي. دار الكتب العلمية. بيروت. الطبعة: 1. سنة: 2003. الجزء: 6. الصفحة: 186.
[25] الخرشي على مختصر سيدي خليل لمحمد الخرشي أبو عبد الله. المطبعة الأميرية الكبرى. المغرب (بدون رقم طبعة) سنة 1317 هـ. الجزء: 7. الصفحة:78.
[26] جامع الأمهات أو مختصر ابن الحاجب الفرعي. لابن الحاجب المالكي. تحقيق: أبو الفضل بدر العمراني. دار الكتب العلمية. بيروت. الطبعة:1. سنة: 2004. الصفحة: 288.
[27] مختصر العلامة خليل. للشيخ خليل بن اسحاق. تحقيق: أحمد نصر. دار الفكر. الطبعة الأخيرة. سنة: 1981. الصفحة: 251-252.
[28] كتاب المجموع شرح المهذب للنووي بتكملة الشيرازي. تحقيق محمد نجيب المطيعي. مكتبة الارشاد. جدة (بدون رقم طبعة ولا تاريخ). الجزء: 16. الصفحة: 243.
[29] حواشي تحفة المحتاج بشرح المنهاج. لابن حجر الهيتمي. المكتبة التجارية الكبرى. مطبعة محمد مصطفى. مصر. (بدون رقم طبعة ولا تاريخ) الجزء: 6. الصفحة: 235.
[30] مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج. لابن الخطيب الشربيني. تحقيق محمد خليل عيتاني. دار المعرفة. بيروت. الطبعة: 1. سنة: 1997. الجزء:2. الصفحة: 502.
[31] المغني لابن قدامة المقدسي. تحقيق عبد الفتاح محمد الحلو وعبد الله التركي. دار عالم الكتب. الرياض. الطبعة 3. سنة: 1997. الجزء: 8.
الصفحة: 184.
[32] العدة شرح العمدة لبهاء الدين عبد الرحمان بن إبراهيم المقدسي. تحقيق أحمد بن علي. دار الحديث. القاهرة. (بدون رقم طبعة) سنة: 2003. الصفحة: 311.
[33] شرح الزركشي على مختصر الخرقي للزركشي. تحقيق عبد الله بن عبد الرحمان الجبرين. مكتبة العبيكان. الرياض. الطبعة:1. سنة: 1993.
[34] الوقف ودوره في المجتمع الإسلامي المعاصر. لسليم هاني منصور. مؤسسة الرسالة ناشرون. بيروت. الطبعة:1. سنة: 2004. الصفحة:41-42.
[35] رواه البخاري في صحيحه. كتاب الشروط. باب الشروط في الوقف. رقم الحديث: 2532. ج/2. ص:21.
[36] الوقف ودوره في المجتمع الإسلامي المعاصر لسليم هاني منصور. ص: 42.
[37] الوقف الإسلامي بين النظرية والتطبيق لعكرمة سعيد صبري. ص: 431.
[38] الوقف في الشريعة الإسلامية وأثره في تنمية المجتمع لمحمد أحمد بن صالح. مكتبة الملك فهد الوطنية. الرياض. الطبعة:1. سنة: 2001. الصفحة: 193.
[39] كتاب الوقف لعبد الجليل عبد الرحمان عشوب. دار الآفاق العربية. القاهرة. الطبعة:1. سنة: 2000. الصفحة: 132.
[40] الوقف الإسلامي مجالاته وأبعاده لأحمد الريسوني. دار الكلمة للنشر والتوزيع القاهرة. الطبعة: 1. سنة:2014. الصفحة: 38.
[41] دور الوقف في التنمية لمجتمع الفقه الإسلامي (الهند). دار الكتب العلمية. بيروت. الطبعة: 1. سنة: 2007. الصفحة: 29-30.