منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

المواطنة في الفقه الإسلامي

حميد نعيمي

0

المواطنة في الفقه الإسلامي

بقلم: حميد نعيمي

يمكنكم الاطلاع على الكتاب أو تحميله من الرابط التالي:

”المواطنة بين الإسلام والغرب دراسة مقارنة”

المواطنة في بلاد الإسلام

التأصيل الشرعي للمواطنة في بلاد الإسلام

عند التأصيل الشرعي للمواطنة سيتم التركيز على المضمون الإجمالي للمواطنة لا على وجود لفظها ومشتقاتها، لأن لفظ “المواطنة” أو أحد مشتقاته على فرض وجوده في التراث الإسلامي، فإنه سيكون مستعملاً في معناه اللغوي – المنزل تقيم به -، لأن النصوص التراثية انتجت قبل زمن الاصطلاح، ولذلك لن نستطيع استنتاج المعنى الاصطلاحي للمواطنة في التراث الإسلامي اعتماداً على استعمال لفظها في ذلك التراث، لأنه سيكون استعمالاً في المعنى اللغوي لِلّفظ وليس في المعنى الاصطلاحي.

لهذا سنعرض لمجموعة نصوص شرعية تدل بمضمونها على حب الوطن والعيش المشترك بين المسلمين وغيرهم وعلى قيم الحرية والعدل والمساواة.

أولا: من القرآن الكريم

1 – قال تعالى: ﴿ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا ﴾ البقرة:246، فقد اعتبر القرآن الكريم الدفاع عن الوطن جهادا في سبيل الله، واعتبر أيضا الإخراج من الوطن وسيلة عقاب وزجر للمفسدين فيه حيث قال: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾المائدة:33، بل جعل القرآن الكريم إخراج الإنسان من وطنه معادلا للقتل إذ إن التمسك بالوطن والانتماء إليه غريزة وجبلة في الإنسان، قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا. وَإِذًا لَآَتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا﴾ النساء:66.

2 – قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾النساء:1، هذه الآية توضح وحدة النوع البشري، وصدوره عن أب واحد وأم واحدة، فالبشر كلهم كافرهم ومؤمنهم مشتركون في الأخوة الإنسانية، يقول الطبري: “ثم وصف تعالى ذكره نفسه بأنه المتوحِّد بخلق جميع الأنام من شخص واحد، مُعَرِّفًا عباده كيف كان مُبتدأ إنشائه ذلك من النفس الواحدة، ومنبِّهَهم بذلك على أن جميعهم بنو رجل واحد وأم واحدة وأن بعضهم من بعض، وأن حق بعضهم على بعض واجبٌ وجوبَ حق الأخ على أخيه، لاجتماعهم في النسب إلى أب واحد وأم واحدة وأن الذي يلزمهم من رعاية بعضهم حق بعض، وإن بَعُدَ التلاقي في النسب إلى الأب الجامع بينهم، مثل الذي يلزمهم من ذلك في النسب الأدنى وعاطفًا بذلك بعضهم على بعض، ليتناصفوا ولا يتظالموا، وليبذُل القوي من نفسه للضعيف حقه بالمعروف على ما ألزمه الله له، فقال: ﴿الذي خلقكم من نفس واحد﴾، يعني: من آدم”.[1]

3 – قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ الملك:15، يقول سليم العوا: “لو كان الناس لا يتعايشون إلا مع الاتفاق في الدين، لما استطاعوا أن يعمروا الأرض ويمشوا في مناكبها، ولا أن يتبادلوا المنافع والمعارف، ولاختل ميزان الاجتماع البشري والعمران الكوني”.[2]

4 – قوله تعالى: ﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ﴾ الأعراف:65. و﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ الأعراف:73، و﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ الأعراف:85، و﴿ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ﴾الشعراء:106، ﴿ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ﴾الشعراء:161، فكل هذه الآيات تعتبر الأنبياء إخوة لأقوامهم الذين كفروا بهم أخوة قومية وإنسانية، ويؤكد هذه الحقيقة صاحب المنار بقوله: “أي وأرسلنا إلى عاد أخاهم في النسب هودا، كما يقال في أخوة الجنس كله يا أخ العرب، وللدين أخوة روحية كأخوة الجنس القومية والوطنية، والآية دليل على جواز تسمية القريب أو الوطني الكافر أخا”[3]، وأضاف: “وفيه أيضا: ﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ أي وأرسلنا إلى ثمود أخاهم في النسب والوطن صالحا، سئل ابن أبي ليلى عن اليهودي والنصراني يقال له أخ؟ قال: الأخ في الدار”.[4]

5 – قوله تعالى: ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ المائدة:8، وقوله: ﴿وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا﴾ النساء:105، وقد نزلت الآية الأخيرة في أهل بيت من الأنصار سرقوا يهوديا، فكاد النبي أن يصدقهم حتى فضحهم الله وحذر نبيه من الدفاع عن الخائنين، وقد قيل إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن خاصم عن الخائن، ولكنه هَّم بذلك، فأمره الله بالاستغفار مما هَمَّ به من ذلك[5]، فنزل القرآن ينتصر للإنسان المظلوم رغم كفره، ويشنع على الظالم رغم إيمانه، فهذه هي عدالة الإسلام التي لا تحابي أحدا.

6 – قوله تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ النحل:125، وقوله تعالى: ﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ سبأ:24، وتبين هذه الآيات طريقة الدعوة إلى الله وسبل إقناع الآخر، حيث ينبغي أن يكون ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة، واختيار أنجع السبل التي توصل إلى الحق، كما تتحدث الآية الثانية عن الموضوعية والحيادية في الحوار، فرغم أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان على يقين من صواب عقيدته فقد كان موضوعيا ﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾، فهكذا يكون التعايش.

7 – قوله تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ الممتحنة:8، وقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ النساء:58، فقد جعل الله قاعدتين للتعامل مع عامة الناس، هما: البر والعدل، والعدل يتضمن صيانة جميع الحقوق، والبر هو الإحسان وهو المعاملة بالرأفة والرحمة، ولا شك في أن العدوان على حقوق الناس خارج عن ذلك كله، قال الطبري: “عنى بذلك لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين من جميع أصناف الملل والأديان أن تبروهم وتصلوهم وتقسطوا إليهم.. وقوله: إن الله يحب المقسطين، يقول: إن الله يحب المنصفين الذين ينصفون الناس ويعطونهم الحق والعدل من أنفسهم، فيبرون من برهم، ويحسنون إلى من أحسن إليهم”.[6]

ثانيا: من السنة النبوية الشريفة

1 – صحيفة المدينة[7] وهي المعاهدة التي كتبها رسول الله صلى الله عليه وسلم لتنظيم العلاقات بين أهل المدينة بمختلف قبائلهم وأديانهم، فهي العقد المنظم لعلاقات المسلمين فيما بينهم وعلاقاتهم مع قبائل اليهود، وتتكون المعاهدة من 47 بندا، ويعتبرها سليم العوا دستورا حيث يقول: “ولا تزال المبادئ التي تضمنها الدستور – في جملتها معمولا بها- والأغلب أنها ستظل كذلك في مختلف نظم الحكم المعروفة إلى اليوم وصل إليها الناس بعد قرون من تقريرها في أول وثيقة سياسية دونها الرسول صلى الله عليه وسلم.[8] ويضيف موضحا تميزها عن باقي العقود: “وحق المواطنة الذي أبدعته الوثيقة وكفلته للأقليات الدينية الموقعة عليها، هو وضع أرقى من عقد الذمة وعقد العهد، لأن حق المواطنة لم يوجب جزية على أي من المنضوين تحته، ولم يحرم أحدا من ممارسة الدفاع عن المدينة بنفسه وسلاحه، وهذا هو الوضع الأنسب للدولة الحديثة، التي تميل إلى اشتراك جميع المواطنين في مسؤولية الدفاع عن الوطن”[9]، ويضيف أيضا مبرزا السبق الدستوري لهذه الصحيفة: “وهذه الصحيفة هي أول دستور مدون في التاريخ كله، ولم يسبق إلى مثلها أحد ولم ينسج على منوالها أحد، إلى أن صنع الإنجليز بعد ثورثهم في سنة 1215م وثيقتهم التي سموها العهد الأعظم وشتان ما بين الوثيقتين”.[10]

ويقرر البند 2 من الصحيفة أن المسلمين أمة واحدة تربط بين أفرادها رابطة العقيدة، فأحلت الصحيفة الرابطة الدينية مكان الرابطة القبلية فجعلت الإسلام أساس المواطنة ف”المسلمون أمة من دون الناس” فيكون ولاؤهم لله وتتحد أفكارهم ويتمايزون بذلك عن الناس بما يزيد تماسك الجماعة المسلمة واعتزازها بدينها[11]، ولكن لم تمنع حق المواطنة من غير المسلمين حين نصت عل اعتبار اليهود والمشركين من أهل المدينة رعايا الدولة الإسلامية وحددت لهم حقوقهم وواجباتهم (البنود 16-20 ومن25 إلى 36)، فمثلا: “وأن من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصر عليهم” و”وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين” فهم مواطنون ما داموا محافظين على العهود أي شروط المواطنة، بل إن البند 24 يدل على أن اليهود يلتزمون بدفع قسط من نفقات الحرب الدفاعية عن المدينة[12]، ويوضحه البند 44 “وأن بينهم النصر على من دهم يثرب”، وقد تناولت البنود من 25 إلى 35 العلاقة مع المتهودين من الأوس والخزرج إذ تمت نسبتهم إلى قبائلهم وجعلتهم الصحيفة تحت إطار دولة الإسلام، فاختلاف الدين بمقتضى أحكام الصحيفة ليس سببا للحرمان من مبدأ المواطنة.

2 – وعن عمرو بن مرة قال سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى قال كان سهل بن حنيف وقيس بن سعد قاعدين بالقادسية فمروا عليهما بجنازة فقاما، فقيل لهما: إنها من أهل الأرض، أي من أهل الذمة، فقالا: إن النبي صلى الله عليه وسلم مرت به جنازة فقام فقيل له: إنها جنازة يهودي، فقال: “أليست نفسا”[13]، والحديث صريح في احترام النفس الإنسانية بغض النظر عن دينها، وسواء في حياتها أو بعد مماتها.[14]

3 – عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ، يُقَالُ لَهُ: ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:” مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟” فَقَالَ: عِنْدِي خَيْرٌ يَا مُحَمَّدُ، إِنْ تَقْتُلْنِي تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ، فَسَلْ مِنْهُ مَا شِئْتَ، فَتُرِكَ حَتَّى كَانَ الْغَدُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: “مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ ” قَالَ: مَا قُلْتُ لَكَ: إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، فَتَرَكَهُ حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْغَدِ، فَقَالَ: ” مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟” فَقَالَ: عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ، فَقَالَ: “أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ”، فَانْطَلَقَ إِلَى نَجْلٍ قَرِيبٍ مِنَ الْمَسْجِدِ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، يَا مُحَمَّدُ وَاللَّهِ مَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ، فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ إِلَيَّ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ، فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيَّ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ، فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلَادِ إِلَيَّ، وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي وَأَنَا أُرِيدُ الْعُمْرَةَ، فَمَاذَا تَرَى؟ فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ، فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ، قَالَ لَهُ قَائِلٌ: صَبَوْتَ، قَالَ: لَا، وَلَكِنْ أَسْلَمْتُ مَعَ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا وَاللَّهِ لَا يَأْتِيكُمْ مِنْ الْيَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، [15] فالرسول صلى الله عليه وسلم تعامل مع ثمامة المشرك المحارب بحق الإنسانية ورفض تجويعه وإظماءه، وهذا التعامل بالحسنى دفع ثمامة رضي الله عنه لتغيير موقفه من الإسلام رأسا على عقب، وحول بغضه للإسلام حبا شديدا، وأصبح جنديا ينصر المسلمين على أعدائهم، وهذا أحد نماذج تعاطف الرسول صلى الله عليه وسلم مع الحالات الإنسانية من غير المسلمين.

4 – عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنَّهُ مَشَى إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِخُبْزِ شَعِيرٍ وَإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ وَلَقَدْ رَهَنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم دِرْعًا لَهُ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ يَهُودِيٍّ وَأَخَذَ مِنْهُ شَعِيرًا لِأَهْلِهِ.[16] مما يؤكد التعامل التجاري مع غير المسلمين إلى درجة رهن آلة حرب لديهم.


[1] (تفسير الطبري)، ابن جرير الطبري، ط4: 1400ه/1980م، دار المعرفة: بيروت، لبنان، 7/513.

[2] (للدين والوطن، فصول في علاقات المسلمين بغيرهم)، محمد سليم العوا، ط2: 2007، نهضة مصر للطباعة: مصر، ص38-39.

[3] (تفسير القرآن الحكيم)، المشهور بالمنار، محمد رشيد رضا، ط3: 1367ه، مطبعة المنار: مصر، الأعراف 65، 8/497.

[4] (تفسير المنار)، محمد رشيد رضا، الأعراف 73، 8/502.

[5] (تفسير الطبري)، تفسير النساء 105، 9/175-176.

[6] (تفسير الطبري)، ابن جرير الطبري، 12/62.

[7] نسختها الكاملة في ملحق البحث.

[8] (السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث)، علي محمد الصلابي، ط7: 1429ه/2008م، دار المعرفة: بيروت، ص332.

[9] (للدين والوطن)، سليم العوا، ص25.

[10] نفسه، ص60-61.

[11] المرجع نفسه، ص329.

[12] (السيرة النبوية الصحيحة)، أكرم ضياء العمري، ط6: 1415ه/1995م، مكتبة العلوم والحكم: المدينة المنورة، ص286.

[13] صحيح البخاري، أبو عبد الله البخاري، ط1: 1423ه/2002م، دار ابن كثير: دمشق-بيروت، كتاب الجنائز، باب من قام لجنازة يهودي، ح1311، ص317.

[14] (الحريات العامة في الدولة الإسلامية)، راشد الغنوشي، طبعة عام 2008م، مركز الناقد الثقافي: دمشق سوريا، ص52.

[15] صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب وفد بني حنيفة وحديث ثمامة بن أثال، ح2916، ص720.

[16] صحيح البخاري، كتاب الجهاد، باب ما قيل في درع النبي والقميص في الحرب، ح4370، ص1070-1071.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.