مواطنة المسلم
بقلم: حميد نعيمي
يمكنكم الاطلاع على الكتاب أو تحميله من الرابط التالي:
كل مواطن مسلم في بلاد الإسلام يتمتع بحقوق ويلتزم بواجبات.
حقوق المواطنة
إن الحقوق التي يتمتع بها المواطن تحت حكم الإسلام حقوق أصلية منزلة من عند رب العباد، فلم تأت نتيجة لأحداث أو لتطورات فكرية اجتماعية خاصة بشعب دون آخر.
أولا: الحقوق المدنية
1 – حق الحياة
لقد أنعم الله على عباده بنعمة الإيجاد، وأغلظ الوعيد لمن وضع حدا لحياة أي مخلوق بغير وجه حق، وجعل الاعتداء على الحياة من أكبر الكبائر الموجبة لغضبه، قال تعالى: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ﴾ المائدة:32، وقد جعل الله قتل المؤمن موجبا لغضبه ولعنته وللخلود في النار، حيث قال: ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ النساء:93.
واعتبره الرسول صلى الله عليه وسلم من الكبائر المهلكة لصاحبها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اجتنبوا السبعَ الموبقاتِ، قالوا: يا رسولَ اللهِ، وما هن؟ قال: الشركُ باللهِ، والسحرُ وقتلُ النفسِ التي حرّم اللهُ إلا بالحقِّ، وأكلُ الربا، وأكلُ مالِ اليتيمِ، والتولي يومَ الزحفِ، وقذفُ المحصناتِ المؤمناتِ الغافلاتِ.[1]
وحذر الرسول صلى الله عليه وسلم أيما تحذير من إزهاق أرواح الناس، فقد جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لَا يَزَالُ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا”[2]، لهذا يقول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: “إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله”.[3]
2 – حق الحرية
إن الحرية من أعظم الحقوق بل هي قطب رحاها، وهي ما يميز الإنسان عن غيره، وتمكن الإنسان من ممارسة أقواله وأفعاله بإرادته دون إكراه، لكن هذه الحرية ينبغي أن تكون مضبوطة مسؤولة، فالحرية المطلقة مفسدة مطلقة.
يعرف الجرجاني الحرية بأنها: “الخروج من رق الكائنات وقطع جميع العلائق والأغيار، وهي على مراتب: حرية العامة عن رق الشهوات، وحرية الخاصة عن رق المرادات لفناء إرادتهم في إرادة الحق، وحرية خاصة الخاصة من رق الرسوم والآثار لانمحاقهم في تجلي نور الأنوار”[4].
أما التهانوي فيعرفها: “خلوص حكمي يظهر في الآدمي لانقطاع حق الغير عنه، وعند السالكين انقطاع الخاطر من تعلق ما سوى الله تعالى بالكلية”.[5]
ويقول الطاهر بن عاشور: “جاء لفظ الحرية في كلام العرب مطلقا على معنيين أحدهما ناشئ عن الآخر، المعنى الأول: ضد العبودية، وهي أن يكون تصرف الشخص العاقل في شؤونه بالأصالة تصرفا غير متوقف على رضا أحد آخر، والثاني: تمكن الشخص من التصرف في نفسه وشؤونه كما يشاء دون معارض”.[6]
وهناك ثلاثة أنواع يشملها مفهوم الحرية في الإسلام:[7]
- النوع الأول: الحرية الشخصية، وتشمل: حق الأمن، حرمة المسكن، حرية التنقل، سرية المراسلات، احترام السلامة الذهنية للإنسان.
- النوع الثاني: الحرية السياسية، وتشمل: حرية الرأي والعقيدة، مزاولة الشعائر الدينية، حرية المشاركة السياسية في ظل مبدأ الشورى.
- النوع الثالث: الحقوق والحريات الاقتصادية والاجتماعية، فالأولى تشمل: حق الملكية، والثانية تتضمن: حق العمل، والرعاية الصحية، والتكافل الاجتماعي المتمثل في فريضة الزكاة وغيرها من الصدقات.
وقد أقرت الشريعة الإسلامية الحريات العامة على اختلاف أنواعها للأفراد والجماعات، فقد نص الإسلام على الحرية الدينية وحرية الرأي والحرية السياسية والاجتماعية، والحرية هي شريعة الإسلام الكبرى، وهي حرية العقل وحرية الضمير وحرية الإرادة.[8]
والحرية ليست مجرد الإباحة وإنما هي كدح للتوصل للمثل العليا، فالإنسان ليس حرا وإنما يسعى ليتحرر من القهر والسوء ليصل إلى معالي الأخلاق والمثل في الآفاق والأنفس”.[9]
3 – حق المساواة
حق المواطن في المساواة يعني أن يكون في مركز قانوني متعادل مع المركز القانوني الذي يكون فيه غيره، فينطلقان من نقطة واحدة متساوية بحيث يتم التعامل معهما بنفس الطريقة و نفس القانون، و نفس الإجراءات و الموازين، ومبدأ المساواة أصل ثابت من أصول الإسلام، و قاعدة عامة من قواعد شريعته، يتوجب على كافة المكلفين تنفيذه و العمل به.
قال النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع: يا أيُّها النَّاسُ إنَّ ربَّكم واحدٌ، وإنَّ أباكم واحدٌ، ألا لا فضلَ لعربيٍّ على عجميٍّ، ولا لعجميٍّ على عربيٍّ، ولا لأحمرَ على أسودَ، ولا لأسودَ على أحمرَ إلَّا بالتَّقوَى، أبلغت؟ قالوا: بلغ رسول الله”[10]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “قد اذهب الله عنكم عُبِّية الجاهلية وفخرها بالآباء، مؤمن تقي وفاجر شقي، والناس بنو آدم وآدم من تراب”[11]، فهذا يؤكد اشتراك البشر في رب واحد وأب واحد، وأن ما يتوهمونه معيار للتمايز كالعرق واللغة واللون لا اعتبار له عند الله وأن المعيار الوحيد المعتبر عنده هو تقواه.
لقد شدد الإسلام الإنكار على الافتخار بالجنس والآباء لأنه سبب لتفضيل الناس بدون تقوى، فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لينتهينَّ أقوام يفتخرون بآبائهم الذين ماتوا، إنَّما هم فَحْم جهنَّم، أو ليكوننَّ أهْوَن على الله من الجُعَلِ الذي يُدَهْدِهُ الخِرَاءَ بأنفه، إنَّ الله أذهب عنكم عُبِّـيَّةَ الجاهليَّة وفخرها بالآباء، إنَّما هو مؤمن تقيٌّ، وفاجر شقيٌّ، النَّاس كلُّهم بنو آدم، وآدم خُلِق من تراب”[12]، وشرحه المباركفوري بقوله: “أي فلا يليق بمن أصله التراب النخوة والتجبر، أو إذا كان الأصل واحدا فالكل إخوة فلا وجه للتكبر لأن بقية الأمور عارضة لا أصل لها حقيقة نعم العاقبة للمتقين، وهي مبهمة فالخوف أولى للسالك من الاشتغال بهذه المسائل.[13]
وبين النبي صلى الله عليه وسلم معنى المساواة أمام القانون حين شفع وجهاء من القوم، في إعفاء امرأة شريفة وجب عليها حد السرقة، حتى لا توقع عليها العقوبة، فأبى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، ونبه إلى عدم جواز الشفاعة في حدود الله، لأن ذلك يخل بمبدأ المساواة بين الناس، ويؤدي إلى إيثار ذوي الوجاهة بإعفائهم من العقاب، مع إقامة الحدود على ضعفاء الناس، وبين الرسول صلى الله عليه وسلم أن ذلك الأمر إذا ساد في مجتمع أدى به إلى الزوال، فعن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن قريشا أهمهم شأن المرأة التي سرقت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح فقالوا من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتي بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه فيها أسامة بن زيد فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أتشفع في حد من حدود الله فقال له أسامة: استغفر لي يا رسول الله، فلما كان العشي قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختطب فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: “أما بعد فإنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وإني والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت فقطعت يدها”.[14]
وجاء في أخبار القضاة أن أبا هريرة رضي الله عنه كان يقضي، فجاء الحارث بن الحكم، فجلس على وسادته التي يتكئ عليها، فظن أبو هريرة أنه لحاجة غير الحكم، فجاءه رجل، فجلس بين يدي أبي هريرة، فقال له: ما لك؟ قال: استأذني على الحارث؟ فقال أبو هريرة: قم فاجلس مع خصمك، فإنها سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم.[15] إنها ضمانة المساواة أمام القضاء في أبهى صورها.
4 – حق العدل
العدل في اللغة ضد الجور: الحكم بالحق[16]، وفي لسان العرب: “العدل ما قام به النفوس أنه مستقيم، وعدل الحاكم في الحكم يعدل عدلا وهو عادل من قوم عدول وعدُل الأخيرة اسم للجمع، يقال هو يقضي بالحق ويعدل وهو حكم عادل ذو معدلة في حكمه، ورجل عدل رضا ومقنع في الشهادة، ورجل عدل بين العدل والعدالة وصف بالمصدر معناه ذو عدل”.[17]
وقد أمرنا الله بالعدل في عدة آيات منها قوله تعالى: ﴿إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ النساء:17، ومعناها: “أن الله يأمركم يا معشر ولاة أمور المسلمين، أن تؤدوا ما ائتمنتم عليه رعيتكم من فيئهم وحقوقهم وأموالهم وصدقاتهم إليهم، لا تظلموها أهلها، ولا تستأثروا بشيء منها، ولا تضعوا شيئا منها في غير موضعه، ويأمركم إذا حكمتم بين رعيتكم أن تحكموا بينهم بالعدل والإنصاف، وذلك حكم الله الذي أنزله في كتابه، وبينه على لسان رسوله، لا تعدوا ذلك فتجوروا عليهم”.[18]
ثانيا: الحقوق الاقتصادية
فللمواطن الحق في العيش الكريم والمحافظة على ما اكتسبه وله حق الملكية الخاصة، ويعرف المالكية الملكية بقولهم: “هو اختصاص بالشيء يمنع الغير منه، ويمكن صاحبه من التصرف فيه ابتداء إلا لمانع شرعي، فإن حاز الشخص مالا بطريق مشروع أصبح مختصا به، واختصاصه به يمكنه من الانتفاع به والتصرف فيه إلا إذا وجد مانع شرعي يمنع من ذلك كالجنون والعته أو السفه أو الصغر ونحوها، كما أن اختصاصه به يمنع الغير من الانتفاع به أو التصرف فيه إلا إذا وجد مسوغ شرعي يبيح ذلك كولاية أو وصاية أو وكالة”.[19]
وجعل الله تعالى المال من الزينة للناس حيث قال: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلا﴾ الكهف:46، وأمر بالسعي بطلب الرزق وتملك ما تفضل به الله ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ الجمعة:10.
ولحماية هذا الحق في التنعم بما رزقنا الله فقد نهى عن الاعتداء على هذا الحق فقال: ﴿وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ البقرة:188، وقال أيضا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ النساء:26.
وعن أبي حرة الرقاشي عن عمه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس”[20]، وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “حرمة مال المؤمن كحرمة دمه”.[21]
وللتملك قيود من أجل ترشيده، والمساهمة في التكافل والمؤاخاة ورفع الغبن والضرر على المواطنين، فمنها: الاعتدال في الإنفاق، وكون المال المكتسب من كسب حلال، وأن لا يكون ضارا، وأن تؤدى زكاته، وأن ينفق منه في سبيل الله تعالى[22]، فعن أبي سعيد الخذري قال: ينما نحن مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في سفرٍ إذ جاء رجلٌ على ناقةٍ له فجعل يَصرِفُها يمينًا وشمالًا فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: من كان عنده فضلُ ظهرٍ فلْيَعُدْ به على مَنْ لا ظهرَ له ومن كان عنده فضلُ زادٍ فلْيَعُدْ به على من لا زاد له حتى ظنَنّا أنه لا حقَ لأحدً مِنّا في الفضلِ.[23]
ثالثا: الحقوق الاجتماعية
1 – حق التربية والتعليم
لقد دعانا الله عز وجل للتعلم بجعله مقام أهل العلم عاليا فقال: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ الزمر:9 و ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ المجادلة:11.
وقد وردت أحاديث كثيرة في فضل العلم، وأوجبت على المسلمين تعليم الجاهلين، فعن أبي أمامة الباهلي قال: ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلَانِ: أَحَدُهُمَا عَابِدٌ وَالْآخَرُ عَالِمٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ”، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْض حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا، وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ”[24]، وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “طلب العلم فريضة على كل مسلم”[25]، فعن أبزى الخزاعي رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ خَطَبَ النَّاسَ قَائِمًا: فَحَمَدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَذَكَرَ طَوَائِفَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَأَثْنَى عَلَيْهِمْ خَيْرًا، ثُمَّ قَال:” مَا بَالُ أَقْوَامٍ لا يُعَلِّمُونَ جِيرَانَهُمْ، وَلا يُفُقِّهُونَهُمْ، وَلا يَفُطِّنُونَهُمْ، وَلا يَأْمُرُونَهُمْ وَلا يَتَفَطَّنُونَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيُعَلِّمِنَّ قَوْمٌ جِيرَانَهُمْ، وَلَيَأْمُرَنَّهُمْ وَلَيَنْهَوْنَهُمْ، وَلَيَتَعَلَّمَنَّ قَوْمٌ مِنْ جِيرَانِهِمْ، وَلَيَتَفَقَّهُنَّ، وَلَيَتَفَطَّنُنَّ أَوْ لأُعَاجِلَنَّهُمْ بِالْعُقُوبَةِ فِي دَارِ الدُّنْيَا”، ثُمَّ نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَدَخَلَ بَيْتَهُ، فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُمْ: مَنْ يَعْنِي بِهَذَا الْكَلامِ؟ قَالُوا: مَا نَعْلَمُ يَعْنِي بِهَذَا الْكَلامِ إِلا الأَشْعَرِيِّينَ، إِنَّهُمْ فُقَهَاءُ، عُلَمَاءُ، وَلَهُمْ جِيرَانٌ مِنْ أَهْلِ الْمِيَاهِ، جُفَاةٌ جَهَلَةٌ، فَاجْتَمَعَ جَمَاعَةٌ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ فَدَخَلُوا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالُوا: قَدْ ذَكَرْتَ طَوَائِفَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِخَيْرٍ، وَذَكَرْتَنَا بِشَرٍّ، فَمَا بَالُنَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَتُعَلِّمُنَّ جِيرَانَكُمْ، وَلَتَأْمُرُنَّهُمْ، وَلَتَنْهُوَنَّهُمْ، أَوْ أُعَاجِلَنَّكُمْ بِالْعُقُوبَةِ فِي الدَّارِ الدُّنْيَا، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمَا إِذًا فَأَمْهِلْنَا سَنَةً فَفِي سَنَةٍ مَا نُعَلِّمُهُمْ يَتَعَلَّمُونَ؟ فَأَمْهَلَهُمْ سَنَةً، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ. كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ المائدة:78-79.[26]
2 – الحق في الأمان على النفس
لقد حرم الله تعالى الاعتداء على أمن الناس وترويعهم وإخافتهم، فعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يسيرون مع النبي صلى الله عليه وسلم فنام رجل منهم فانطلق بعضهم إلى حبل معه فأخذه ففزع، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا”[27].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يشير أحدكم على أخيه بالسلاح فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النار”[28]، وعنه أيضا قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى ينتهي وإن كان أخاه لأبيه وأمه.[29] وعن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إذا مر أحدكم في مسجدنا أو في سوقنا ومعه نبل فليمسك على نصابها بكفه أن يصيب أحدا من المسلمين منها شيء” أو قال: ليقبض على نصالها”.[30] فالرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن الأمور التي تكون سببا في إلحاق الأذى بالمواطنين.
وللحفاظ على أمن المواطن رفض الشرع أخذ الناس بالدعاوي وحدها دون بينات، فالأصل في الإنسان براءة الذمة، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه”.[31]
[1] صحيح البخاري، كتاب الوصايا، باب ما للوصي أن يعمل في مال اليتيم، ح2761، ص684، و(صحيح مسلم)، مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، ط2: 1410ه/1990م، بيت الأفكار الدولية: الرياض السعودية، كتاب الإيمان، باب بيان الكبائر وأكبرها، ح89، ص63.
[2] صحيح البخاري، كتاب الديات، باب قول الله تعالى: ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم، ح6862، ص1698.
[3] صحيح البخاري، كتاب الديات، باب قول الله تعالى: ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم، ح6863، ص1698
[4] (معجم التعريفات)، علي بن محمد السيد الشريف الجرجاني، تحقيق ودراسة محمد صديق المنشاوي، دار الفضيلة: القاهرة، ص76.
[5] (كشاف اصطلاحات الفنون)، محمد بن علي التهانوي، تحقيق يوسف بن محمود الحاج أحمد، ط1: 1418ه/1998م، مكتبة العلم الحديث،1/397.
[6] (مقاصد الشريعة)، محمد الطاهر بن عاشور، تحقيق محمد الطاهر الميساوي، ط2: 1421ه/2000م، دار النفائس: عمان الأردن، ص390/391.
[7] (المجتمع الإنساني في ظل الإسلام)، محمد أبو زهرة، الطبعة 2: 2008، الدار السعودية للنشر والتوزيع: جدة، ص37.
[8] (الإسلام والسياسة)، حسن فوزي النجار، ط1: 1969، مطبوعات الشعب: القاهرة، ص110.
[9] (الحريات العامة في الدولة الإسلامية)، راشد الغنوشي، 2/203.
[10] (مسند أحمد)، باقي مسند الأنصار، حديث رجل من أصحاب الأنصار، ح23489، 38/473.
[11] (سنن الترمذي)، محمد بن عيسى بن سورة، تحقيق أحمد محمد شاكر وآخرون، ط2: 1395ه/1975م: مكتبة مصطفى الحلبي: مصر،كتاب تفسير القرآن، باب من سورة الحجرات، ح3270، 5/389.
[12] سنن الترمذي، كتاب المناقب، باب فضل الشام واليمن، ح3955، 5/734. وسنن أبي داود، كتاب الإيمان، باب في التفاخر بالأحساب، ح5116، ص551.
[13] (تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي)، محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري، دار الفكر: بيروت، 10/455.
[14] صحيح مسلم، كتاب الحدود، باب قطع السارق الشريف وغيره والنهي عن الشفاعة في الحدود، ح1688، ص1315.
[15] (أخبار القضاة)، وكيع أبو بكر محمد بن خلف، صححه وعلق عليه وخرّج أحاديثه: عبد العزيز مصطفى المراغي، ط1: 1366ه/1947م، عالم الكتب: بيروت، ص79.
[16] (كتاب العين)، الخليل بن أحمد الفراهيدي، ترتيب وتحقيق الدكتور عبد الحميد الهنداوي، ط1: 1424ه/2003م، 2/38.
[17] (لسان العرب)، ابن منظور، ص2838.
[18] (تفسير الطبري)، 8/494.
[19] (الفقه الإسلامي وأدلته)، وهبة الزحيلي، ط2: 1405ه/1985م، دار الفكر: دمشق سوريا، 4/57.
[20] (سنن الدارقطني)، علي بن عمر الدارقطني، تعليق وتحقيق شعيب الأرناؤوط وآخرون، ط1:1424ه/2004م، مؤسسة الرسالة: بيروت، كتاب البيوع، ح2886، 3/424.
[21] (مسند الإمام أحمد بن حنبل)، أحمد بن حنبل، تحقيق الشيخ شعيب الأرناؤؤط وآخرون، ط1: 1996م، مؤسسة الرسالة: بيروت، ومن مسند بني هاشم، ح4262، 7/296، وسنن الدارقطني، كتاب البيوع، ح2888، 3/425.
[22] (حق الحرية في العالم)، وهبة الزحيلي، ط1: 1421ه/2000م، دار الفكر: دمشق، ص198.
[23] سنن أبي داود، أبو داود سليمان بن الأشعت السجستاني، بيت الأفكار الدولية: عمان الأردن، كتاب الزكاة، باب في حقوق المال، ح1663، ص196.
[24] سنن الترمذي، كتاب العلم، باب فضل الفقه على العبادة، ح2628، 5/80.
[25] (سنن ابن ماجة)، محمد بن يزيد القزويني، ط1، مكتبة المعارف: الرياض السعودية، باب فضل العلماء، ح224، ص56.
[26] (كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال)، علي المتقي بن حسام الدين الهندي، ط5: 1445ه/1985م، مؤسسة الرسالة: بيروت لبنان،3/684، وقال: “رواه ابن راهويه في الوحدان وابن السكن وابن منده والبارودي وأبو نعيم وابن مردويه، قال ابن السكن: ما له غيره وإسناده صالح”.
[27] سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب من يأخذ الشيء على المزاح، ح5004، ص541.
[28] صحيح البخاري، كتاب الفتن، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: من حمل علينا السلاح فليس منا، ح7072، ص1750، وصحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب النهي عن الإشارة بالسلاح إلى مسلم، ح2616، ص1052.
[29] صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب النهي عن الإشارة بالسلاح إلى المسلم، ح2616، ص1052.
[30] صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب أمر من مر بسلاح في مسجد أو سوق أو غيرهما من المواضع الجامعة للناس أن يمسك بنصالها، ح2615، ص1051.
[31] صحيح مسلم، كتاب الأقضية، باب اليمين على المدعى عليه، ح1711، ص711.