مكونـات الــدم
ذ. عبد الله الأبيض
نشر بمجلة النــداء التربـوي، العدد 16-17، السنة العاشرة 1429 هـ-2008،
الصفحات من 160 إلى 172
خلق الله الإنسان في أحسن تقويم وكرمه وفضله على كثير من الخلق. وميز سبحانه بين المخلوقات وجعلها أجناسا وأنواعا، كما ميز بين أفراد الجنس الواحد. فلا تكاد تجد شخصين اثنين متماثلين كليا في بنيتها، إلا أن يكونا توأمين حقيقيين. والصفات المعتمدة في التمييز بين بني الإنسان عدة قد لا نحصيها، منها ما هو ظاهر جلي مثل القامة ولون البشرة وشكل الشعر والأنف والعين والأذن والأصابع………ومنها ما هو خفي دقيق يحتاج إلى وسائل كشف دقيقة وتقنيات مخبرية مثل الفصائل النسيجية والدموية…… وليكن حديثنا عن الفصائل الدموية والله الموفق.
الدم نسيج سائل لأن خلاياه (الكريات) غير متماسكة يضمها سائل البلازما الذي يشكل نسبة 55% من حجم الدم. تحمل الكريات الدموية على سطحها مواد بروتينية وسكرية متنوعة بتنوع الكائنات البشرية. وقد صنفت هذه المواد المميزة بين الكريات الدموية إلى 29 نظاما أشهرها النظامان ABO وريزوس Rhésus.
فصائل النظام ABO
فيما يخص النظام ABO نجد أربعة فصائل دموية ينتمي إليها الناس وهي A وB وAB وO، ترجع إلى وجود أو غياب بروتينات سكرية معينة (A وB) على سطح غشاء الكريات الحمراء، ويقابلها غياب أو وجود مضادات أجسام خاصة بها في البلازما. نجمل هذا التصنيف في الجدول التالي:
الفصيلة الدموية | بروتينات الكريات الحمراء (مولد المضاد) | مضاد الأجسام في البلازما |
A | A | مضاد B |
B | B | مضاد A |
AB | A وB | لا شيء |
O | لا شيء | مضاد A ومضاد B |
وهكذا يتضح أنه لا يمكن أن يحقن شخص ما من شخص آخر إلا إذا كانا من نفس الفصيلة، وإلا فإن جسم المستقبل سوف يرفض الدم المحقن إليه “فتهاجم” مضادات الأجسام الموجودة أصلا في دم المستقبل الكريات الحمراء المحقنة يترتب عن ذلك صدمة حقنية خطيرة. يستثنى من هذه القاعدة الحقنية العامة بعض حالات، إذ يمكن أن يتقبل جسم الإنسان دما من فصيلة غير فصيلته دون ظهور أي مشكل إذا تحقق غياب المضادات الخاصة بالدم المحقن في بلازما الشخص المستقبل. ذلك ما تلخصه الخطاطة التالية:
إذ يمكن حقن دم “O” إلى أشخاص من أية فصيلة أخرى، كما يمكن لشخص “AB” أن يتقبل دما من أية فصيلة أخرى. لذلك سمي الشخص من الفصيلة O معطيا عاما، وسمي الشخص من الفصيلة AB مستقبلا عاما، لكن هذا الاستثناء لا يلجأ إليها عمليا إلا في ضرورات قصوى تفاديا لكل خطإ محتمل، ويبقى المعتمد هو القاعدة العامة المذكورة آنفا، أي أن كل شخص لا يحقن إلا بدم من نفس فصيلته.
وراثة الفصائل الدموية ABO
ومن الناحية الوراثية، فإن المتحكم في ظهور فصائل النظام ABO مورثة يحمل الصبغي رقم 9، تتحكم في إنتاج البروتينات الغشائية للكريات الحمراء. وتوجد هذه المورثة على أحد ثلاثة أشكال: فإما أن تكون على شكل A فيترتب عنها، إنتاج مولد المضاد A أو تكون على شكل B فيترتب عنها إنتاج مولد المضاد B، أو تكون على شكلO فلا يترتب عنها إنتاج أي مولد مضاد.
ولما كان الإنسان ثنائي الصيغة الصبغية أي يتوفر على نموذجين من كل صبغي فإن الأنماط الوراثية الممكن وجودها عند الإنسان ستة نلخصها في الجدول التالي مع الفصائل المقابلة لكل منها:
النمط الوراثي | O/O | A/B | B/O | B/B | A/O | A/A |
الفصيلة المقابلة له | O | AB | B | B | A | A |
هذا نظرا لكون الموروثة O متنحية بالنسبة للموروثين A وB السائدتين. إذ لا يمكن للشكل O أن يتجلى في الفصيلة الدموية إلا إذا حمل على الصبغيين معا (O/O)، بينما يكفي للشكل A وB أن يظهر إذا حمل الصبغيين فقط (A/O).
ومعلوم أن من جهة أخرى أن الصبغيين المتماثلين لدى الإنسان جاء أحدهما من قبل الأب (في الحيوان المنوي) وجاء الآخر من قبل الأم (في البويضة). فلو افترضنا وجود زوج أحدهما من الفصيلة A والآخر من الفصيلة B، فإنه من الممكن أن يولد لهما أبناء من الفصائل الأربعة كلها، إذا اعتبرنا نمطيها الوراثيين هجينين، وفق ما تبنيه الشبكة التالية:
أمشاج الأبوين | A / | /O |
B/ | A//B فصيلة AB | B//O فصيلة B |
O/ | A//O فصيلة A | O//O فصيلة O |
وهكذا يظهر أن أما من الفصيلة A أو B مثلا يمكن أن تحمل أجنة من الفصائل الأربعة دون أن يترتب عن ذلك أي مشكل عليها ولا على مولودها.
فصيلتا النظام ريزوس
وأما فيما يخص النظام ريزوس1 فهناك، فصيلتان اثنتان حسب وجود أو غياب مولد مضاد D (عامل ريزوس) على غشاء كريات الدم الحمراء، وبالتالي فإن كل فصيلة من فصائل الدم الأربع المتعلقة بالنظام ABO يمكن أن تكون A,Rh+ – A,Rh— – B,Rh+ – B,Rh– – AB,Rh+– AB,Rh– – O,hR+ O,Rh-.
وليس هناك في الأصل أي مضاد أجسام مضاد للريزوس موجود في بلازما الفصيلتين معا Rh– وRh+ لكنه يتشكل لدى الأشخاص Rh– مضاد الريزوس حالة تعرضهم لحقن دم من فصيلة Rh+. وهو ما يجعل جسمهم ممنعا ضد الدم Rh+بصفة نهائية، وإذا ما تعرضوا في مرة موالية لحقن بدم Rh+فإن ذلك يعرضهم للهلاك إثر صدمة حقنية. لذلك وجب يجنب حقن دم Rh+ لشخص Rh–على الإطلاق. وأما حقن دم Rh– لشخص Rh+ فلا مانع منه إذ لا يترتب عليه مشكل.
وراثة العامل ريزوس:
ومن الناحية الوراثية فإن المتحكم في ظهور مولد المضاد D على سطح الكريات الحمراء مورثة ذات مظهرين أحدهما سائد يرمز له بـ D+أوRh+ والآخر منتج يرمز له بـ D– أو Rh– فيكون عدد الأنماط الوراثية الممكنة لدى الإنسان والمتعلقة بهذه المورثة ثلاثة وهي:
الأنماط الوراثية الممكنة | Rh+/ Rh– | Rh+/ Rh– | Rh+/ Rh– |
الفصيلة الدموية المقابلة لها | [Rh+] | [Rh+] | [Rh–] |
وعليه، فإن زوجا ينتمي كلا طرفيه للفصيلة [Rh–] لن ينجب إلا أبناء من الفصيلة Rh–. وأما إذا كان أحد الزوجين أو كلاهما من الفصيلة [Rh+] فالحالات متعددة لا يتسع المجال للوقوف معها كلها إنما نختار منها حالة كون المرأة من الفصيلة [Rh–] والرجل من الفصيلة [Rh+]، فإنه من الممكن أن ينجبا أطفالا من الفصيلة[Rh+] سواء كان الرجل نقي النمط الوراثي (Rh+/+Rh) أو هجينا (Rh+/Rh–) وفق ما تبينه الشبكتان التاليتان:
حالة كون الرجل (Rh+/+Rh):
الأب الأم | /+Rh |
/–Rh | Rh+/ Rh– فصيلة [Rh+] 100% |
حالة كون الرجل(Rh+/ Rh–):
الأب الأم | /+Rh | Rh– |
Rh– | Rh+/ Rh– فصيلة[Rh+] 50% | Rh–/ Rh+ فصيلة [Rh–] 50% |
مرض انحلال دم المولود الرضيع:
تبين أن المرأة [Rh–] حينما تحمل لأول مرة بجنين [Rh+] قد يحدث في أواخر الحمل (الأسبوعان الأخيران) أو خلال الوضع انتقال مولد مضاد الريزوس (D+) الجنيني إلى دم الأم عبر المشيمة. الأمر الذي يتسبب في إنتاج مضاد الريزوس لدى الأم جسم الأم بعد بضعة أسابيع. ولن يشكل ذلك خطورة على المولود الأول، لكن جسم الأم أصبح ممنعا بصفة نهائية ضد عامل الريزوس إذ تشكل في بلازما الأم مضاد الريزوس على الدوام. وإذا ما حصل أن حملت هذه الأم مرة أخرى بجنين [Rh+] فإن دم الجنين مع أواخر الحمل فيتسبب في انحلال كرياته الحمراء يشكل خطورة كبيرة على المولود غالبا ما تنتهي بموته.
لذلك وجب اتخاذ احتياطات أساسية في مثل هذه الحالة وذلك بأن تحقن الأم (Rh–) حالة وضعها مولودا [Rh+] بمادة مانعة من تشكل مضاد الريزوس لديها.
وليس هناك حالة مرضية متعلقة بالنظام ABO ناجمة عن اختلاف الفصائل الدموية بين الأم وجنينها، بسبب كون مضادات الأجسام A وB لا تخترق المشيمة على الإطلاق.
خـاتمـة
وأنا أبحث في الموضوع في بعض المواقع الإلكترونية العربية، أثار انتباهي عدد من المواقع يتساءل فيها كثير من الناس عن حقيقة قرابتهم بآبائهم أو أبنائهم اعتمادا على فصائلهم الدموية. ولا غرابة في ذلك لما كثرت عندهم الفاحشة وانتشرت الخيانات الزوجية، فصار الكثير منهم غير متأكد من حقيقة انتمائه لأبيه أو انتماء ابنه له. فلا يسعنا في هذا المقام إلا أن نحمد الله على نعمة الإسلام الذي جعل من كلياته حفظ النسل وفحش الزنى وجعله من الكبائر. وضبط الشارع العلاقة مع الأدعياء وهم الأبناء بالتبني وأمر بأن ينسبوا إلى آبائهم الحقيقيين، فقال الحق سبحانه في سورة الأحزاب: “وما جعل أدعياءكم أبناءكم. ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل. أدعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله. فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم. وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم. وكان الله غفورا رحيما”. سورة الأحزاب
الهوامش:
1/- نسبة إلى نوع من القردة بآسيا Macacus rhesus أجريت عليه دراسات الفصائل الدموية أواخر الثلاثينيات من القرن الماضي.