منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

اعتناء بني مرين برعاية الشيوخ المسنين|الرعاية الاجتماعية في عهد بني مرين

الدكتور عبد اللطيف بن رحو

0

اعتناء بني مرين برعاية الشيوخ المسنين|الرعاية الاجتماعية في عهد بني مرين

الدكتور عبد اللطيف بن رحو

يمكنكم تحميل كتاب العمل الاجتماعي في عهد الدولة المرينية (1244 – 1465م) من الرابط التالي

كتاب”العمل الاجتماعي في عهد الدولة المرينية (1244 – 1465م)

المبحث الأول: رعاية الشيوخ المسنين

المطلب الأول: المفهوم اللغوي والاصطلاحي للشيخ المسن

  • الفرع الأول: الشيخ المسن في اللغة

الشيخ من أدرك الشيوخة، وهي غالبا عند الخمسين، وهو فوق الكهل ودون الهرم. ونقول شاخ الإنسان شيخا وشيوخة شيخوخة: أسن، ويقال شاخ النبات: يبس جوفه وتليَّف.

والشيخ من استبانت فيه السن، من خمسين أو إحدى وخمسين إلى آخر عمره أو إلى الثمانين. جمع شيوخ وأشياخ وشيخة ومشيخة وتصغيره شييخ.
وقيل شاخ يشيخ شيخا، بالتحريك وشيوخة وشيوخية، عن اللحياني، وشيخوخية فهو شيخ، وشيخ تشييخا أي شاخ، وأصل الياء في شيخوخة متحركة فسكنت لأنه ليس في الكلام فعلول.

  • الفرع الثاني: الشيخ المسن في الاصطلاح

1 -تعريف المالكية: عرف أهل المذهب المالكي بأنه الشيخ الكبير الهرم الذي لا يقدر على الصوم بوجه من الوجوه.
2 -تعريف الحنفية: عرفه أصحاب الإمام أبي حنيفة وقالوا: الشيخ الهارم الذي لا يقدر على الصوم، وفنيت صحته وقوته، وهذا ما ذكره الشيخ شلبي في حاشيته حينما عرف الشيخ الهرم فقال: «قوله للشيخ الفاني الذي قارب الفناء أو الذي فنيت قوته. وفي جامع البرهان في تفسيره أن يعجز عن الأداء ولا يرجى له عود القوة، ويكون مآله الموت بسبب الهرم.»
3 -تعريف الشافعية: يرى الشافعية أن الشيخ الهرم الذي له عجز يعجزه في حالة الكبر.
ويتبن من خلال التعاريف اللغوية والاصطلاحية أن الشيخ المسن هو الذي بلغ عتبة الكبر وصار جسمه ضعيفا يعجزه عن القيام بالأعمال سواء الأعمال الشرعية أو الأعمال اليومية المعتادة للبشر.

المطلب الثاني: الرعاية الاجتماعية للشيخ المسن في العهد المريني

إن رعاية المسنين تختلف باختلاف العصور والمراحل التاريخية، وباختلاف المجتمعات من جهة أخرى. وقد شهدت الحياة الاجتماعية ضروبا من رعاية المسنين التي تمثلت في الخدمات التي كانت وما تزال محطة عناية أولي الأمر على اختلاف مسمياتهم كانوا أمراء أو ملوك أو ما أجمع عليه أصحاب الشأن في تلك المجتمعات، ولا بد من القول إن كل مجتمع وكل عصر وزمان أسلوبه في التعامل مع أبنائه خصوصا رعاية الشيخ المسن.
فالشيخوخة طور من أطوار الحياة، وهي ليست مرضا، وإنما هي فترة يتغير فيها الإنسان تغيرا فسيولوجيا إلى صورة أخرى ليست بأحسن مما كان عليه سابقا كون الصورة الجديدة يصاحبها ضمور في كثير من الأعضاء، وفقدان مملوس للقوة.
يقول عز وجل: ﴿۞اَ۬للَّهُ اُ۬لذِے خَلَقَكُم مِّن ضُعْف ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعْدِ ضُعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعْدِ قُوَّة ضُعْفا وَشَيْبَةۖ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُۖ وَهُوَ اَ۬لْعَلِيمُ اُ۬لْقَدِيرُۖ﴾ [سورة الروم الآية:53]

فقد سبق الإسلام كل الأنظمة السابقة أو الحديثة لرعاية الشيخ المسن، إذ يحظى الشيخ المسن في مجتمعاتنا الإسلامية عادة بكثير من التقدير والاحترام، فالإسلام كفل للشيخ المسن الرعاية الاجتماعية كالنفقة والمسكن والملبس والصحة وتجهيزه إذا لقي ربه ودفنه.

  • الفرع الأول: تخصيص النفقة للشيوخ المسنين

إن المؤلفات التاريخية التي أرّخت للزمن المريني بالمغرب، خصوصا فيما يتعلق بجانب العمل الاجتماعي، كانت معلوماتها جد يسيرة، بسبب التركيز على الجانب السياسي والعسكري والاقتصادي للدولة المرينية، وربما يكون إهمالا من طرف المؤرخين الذين اهتموا بكتابة تاريخ الدولة من جوانب أخرى. ذلك كله دفعني إلى البحث في كتب غير الكتب التاريخية، مما جعلنا نتخبط في بركة شح المعلومة الدقيقة والمؤكدة التي تكون فصلا للجدال خصوصا أن التاريخ يحتاج للدقة وإثبات النصوص الصحيحة دون الخروج عن الحقيقة.

غير أنني أرجع وأقول: إن سلاطين بني مرين اهتموا كثيرا بالشق الاجتماعي خلال هذا العصر، وهذا ما يتبين من خلال استقراء النصوص التاريخية، التي تحدثت عن المجهدات المبذولة من طرف الدولة والمجتمع لأجل تحقيق هذه الرعاية الاجتماعية.

وانطلاقا من كل هذا فالدولة أخذت على عاتقها رعاية الشيوخ الضعفاء، الذين لا يجدون النفقة ولا الإعالة بسبب الضعف والعجز وعدم القدرة على القيام بالشؤون الخاصة. فخفضت لهم الدولة جناح الذل من الرحمة، فخصصت لهم بناء يشبه الربط لسكناهم ورواتب تصرف لهم بأسمائهم.

ويتحدث ابن مرزوق عن هذه الفئة بتخصيص النفقة ورواتب لهم فيقول: «كان مولانا رضي الله أشفق خلق الله على من علت سنه ووهنت قوته، وقد أجرى على من اتصف بالشياخة من الضعفاء ولازم الخير رواتب تكفيهم ورسمهم في جرائد عماله شيوخ الجامع.»

ومن الحوادث التي وقعت عهد السلطان أبي الحسن المريني ما وقع لشيخ مسن من الموحدين الذي ناله عطف وإحسان السلطان، ويروي لنا ابن مرزوق هذه الحادثة فقال: «قال أبو الحسن: ترى هل بقي في هذه المدينة أحد من ذريتهم وعقبهم؟ فقال الفقيه أبو الفضل بن أبي مدين وغيرهم نعم يا مولاي، هاهنا شيخ ظريف المنزع، حسن الهيئة، سري الهمة متعفف، متقلل صالح، ملازم لمواضع الخير، قد طعن في السن وقارب الهرم. فقال لهم: وبما يتعيش؟ فقالوا له: سبب ضعيف. فقال لهم: وَلِمَ لم يجر له من المخزن ما يتعيش به؟ فقالوا: ما نعلم له سببا. فقال: عليّ به الآن، فجيء به فقربه مولانا رحمه الله وأدناه وأجلسه بين يديه فسأله عن نسبه، فأخبره أنه أبو جعفر بن فلان بن يحيى بن المنصور، فألبسه مولانا بلباسه الذي يلبسه فعاد ملكا في هيئته، فأمر بالإحسان إليه وتعاهده الطعام في كل ليلة يصل إليه. ويزيد ابن مرزوق بقوله: ودعونا لمولانا يوم أحسن إليه بمن أحسن، فقال: أليس من ذوي الأحساب ومن أبناء الملوك وممن خانه الزمان، فإن لم يصنع المعروف مع مثل هذا وإلا فمع من يصنع.»

من خلال استقراء النصوص التاريخية يتبن أن الدولة المرينية أرخت سِدال الرحمة والرأفة في وجوه الضعفاء من المسنين احتراما لكبر سنهم وعجزهم، فكانت هذه المبرّة من النعم التي أظلت ظلالها، وأثمرت ثمارا يانعة نافعة للأمة، ولقيت استحسانا وترحيبا من جميع أطياف المجتمع المريني.

  • الفرع الثاني: تخصيص مساكن خاصة للشيوخ المسنين

بذلت الدولة المرينية جهودا جبارة في الميدان الاجتماعي تحمد عليها خاصة لهذه الفئة الضعيفة والعاجزة، فأحدثت دورا خاصة بالمسنين لتكون مأوى لهم بدل الشارع ولحفظ كرامتهم من السؤال والتعفف عنه وربطهم اجتماعيا بين أفراد المجتمع، ورفع حرج العوز والفاقة عنهم.

وهذه المبرة تضافرت فيها جهود الدولة مع مبادرات المحسنين، فعمد السلطان أبو الحسن المريني إلى بناء دور شبيه بالربط برسم سكنى من دخل مرحلة الشيخوخة من الضعفاء الملازمين للخير. وقد ورد في لوحة الأوقاف على مدرسة الأندلس بفاس هذه الفقرة: «وأمر أبو الحسن مع ذلك ببناء دار أبي «حباسة» للشيوخ الملازمين للصلوات بجامع الأندلس والغالب أن هذه البنية هي نفس الفندق المواجه لدار الوضوء التابعة لمدرسة الأندلس. وقد كان حينها مسكنا للمكفوفين.»

وبفاس قصر يحمل اسم دار الشيوخ عند زقاق رياض جحا بين الصاغة ورحبة قيس. وكان بمكناس دار شيوخ وهي بالضبط فندق الجزارين داخل باب الحديد.
وكتب ابن مرزوق عما أحدثه السلطان أبو الحسن من بناء دار للمسنين العجزة فيقول في هذه المنقبة العظيمــة والفضيــلة والتي كانــت مرضـــاة لله: «وبنى لهم دورا شبـــه الربـــــط وأجرى لهم كســــاء في كل عـــام
تكفيهم، وهذه منقبة عظيمة وفضيلة جسيمة نفعه الله بها وأعظم له أجرها.»
كما أوقف السلطان أبو عنان ما جبى من الأبواب على العجائز والمشايخ الملازمين للمساجد بجميع الجهات المرينية.
ويمكن القول إن السلطة المرينية وأهل البر والإحسان، كان لهم الفضل في خدمة هذه الفئة من المجتمع، وحققوا لها جانبا من الطمأنينة التي حث عليها ديننا الحنيف، فكانت بذلك خير مزية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.