منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

هل كان أبو بكر ابن العربي محدثا ناقدا وصوفيا سالكا؟ قراءة في المتن المعافري

الدكتور عبد الله الجباري

0

هل كان أبو بكر ابن العربي محدثا ناقدا وصوفيا سالكا؟

قراءة في المتن المعافري

الدكتور عبد الله الجباري

 

 

يعد القاضي أبو بكر ابن العربي المعافري من مشاهير فقهاء مالكية الغرب الإسلامي في القرن السادس الهجري، وهو إضافة إلى الفقه ومكانته فيه، فإنه كان أديبا لغويا، ومتكلما أشعريا، عمل على ترسيخ العقيدة الأشعرية في الغرب الإسلامي بعد عودته من المشرق، كما أثرى الخزانة الإسلامية في فنون متعددة، فألف في العقيدة وأحكام القرآن وفقه الحديث، وكانت له مشاركات واسعة في حلقات الدرس الشرعي بالديار الأندلسية.

وأمام هذا النشاط العلمي الواسع، خلعت على القاضي أبي بكر أوصاف ونعوت متعددة، منها أنه كان حافظا ناقدا في علم الحديث، وأنه كان من صوفية زمانه، وبعضهم يقيد صوفيته، فيعتبره من صوفية الفقهاء، ويدرجه في مساق واحد مع الإمام زروق.

فهل كان ابن العربي محدثا ناقدا؟ وما هي أمارات ودلائل انخراطه في سلك التصوف؟

سؤالان نحاول مقاربتهما بعيدا عن الكتابات المناقبية الرائجة، وسنعمل على التعرف على حقيقة ذلك من خلال المتن المعافري دون الاعتماد على الوسطاء من العلماء والباحثين، وسنعضد كل قول بدليله من أقوال الرجل ومواقفه، مما سطره بيده، ودونه ببنانه، متغافلين عما قيل عنه إجلالا وإخلالا، لأننا بصدد تقديم قراءتنا لا قراءة غيرنا، إذ لسنا أسارى لأحد، ولسنا مكررين لصداه كيفما كانت جلالته ومكانته عندنا، إيمانا منا بأن التقليد في الأقوال يزري بالرجال، وليس من شيم ذوي الهمم العوال، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى الطاهرين والطاهرات من الآل.

أولا: ابن العربي المعافري والنقد الحديثي.

غير خاف على الباحث أن القاضي أبا بكر ابن العربي كانت له مشاركات علمية في علم الحديث، وأنه صحح وضعف، واستدرك وانتقد، ورحل وقيد، وجلب إلى الديار المغربية أسفارا عديدة ومصنفات كثيرة كان لها أثر في الثقافة الأندلسية. فهل يمكننا بناء على هذه الاعتبارات تصنيف القاضي ضمن الحفاظ النقاد؟

1 ـ سعة الرواية.

أول ما يشترط في المحدث المتخصص أن يكون واسع الرواية، وهي ملكة لا تتحقق إلا بسماع المصنفات الكثيرة، وكانت للمحدثين وسائل أخرى تسهم في هذه السعة، وهي لقاء العلماء وتلقي مصنفاتهم مناولة، وأخذ الإجازات العامة أو الخاصة منهم، إضافة إلى تعمد المحدثين انتساخ جملة وافرة من الأجزاء والمصنفات بأيديهم[1].

وابن العربي وإن كانت له رواية، إلا أنه لم يكن (واسع الرواية)، وفاتَه سماع كثير من المصنفات المشهورة التي يكثر العزو إليها، ومن ذلك مسند الدارمي وسنن ابن ماجه ومستدرك الحاكم ومصنفات الطبراني، فإنه لم يسمع هذه الكتب ولم يتعرف عليها ولم يعزُ إليها في مصنفاته.

قد يعتذر البعض بأن بعض هذه المصنفات لم تكن موجودة في الديار الأندلسية وقتئذ، كسنن ابن ماجه الذي لم يعرف إلا متأخرا، وهو عذر مرفوض بالنسبة لابن العربي، لأنه أمضى فترة طويلة في المشرق، وكان لهذه المصنفات رواج على مستويات متعددة، إن على مستوى النساخة، أو على مستوى الرواية والسماع، ويكفي أن شيخه الغزالي قد أكثر من النقل منها والعزو إليها في الإحياء، وكانت له نسخ منها في مكتبته، فيقول مثلا: “هكذا في نسختي من المستدرك”[2]، وقال عن حديث: “ولم أره في معاجم الطبراني”[3]، كما اعتمد على مسند الشاميين له[4].

ومما تقرر في علم التخريج، أن الحديث إذا كان في مسند أحمد والسنن الأربعة، فإن العزو إلى المسند أولى، وهذا ما لا نجده عند ابن العربي، فتراه يعزو الحديث إلى السنن دون المسند، ومن أمثلة ذلك:

** قال ابن العربي: روى النسائي والترمذي عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على قزح، فقال: هذا قزح، وهذا الموقف، وجمعٌ كلها موقف”[5].

هذا الحديث مروي في مسند علي من المسند للإمام أحمد في ثلاثة مواضع بتغيير يسير في اللفظ، ورواه بلفظه في موضعين[6].

** قال ابن العربي: “ورويا [= الترمذي والنسائي] ومعهما أبو داود أن عروة بن مضرس الطائي قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بالموقف؛ يعني بجمعٍ؛ فقلت: جئت يا رسول الله من جبل طيء، أكللت مطيتي، وأتعبت نفسي، والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه، فهل لي من حج؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أدرك معنا هذه الصلاة، وأتى عرفة قبل ذلك ليلا أو نهارا، فقد تم حجه، وقضى تفثه”[7].

وهذا الحديث رواه الإمام أحمد عن مضرس في مواضع[8]، ولم يعزه ابن العربي إليه، وفي المتن المعافري أمثلة أخرى، مما يرجح عدم اطلاعه على المسند[9].

2 ــ القدرة على الاستحضار.

من الشروط الأساس في العالم أن يكون قادرا على استحضار النصوص، فالفقيه يستحضر الأقوال الفقهية المنسوبة إلى علماء مذهبه على الأخص، وقد يستحضر غيرها. والأصولي يستحضر أقوال الأصوليين واختياراتهم، وهكذا النحوي وغيره.

والقدرة على الاستحضار درجات ومراتب، لكن حدها الأدنى لا ينزل عن المصنفات المشهورة التي تعد معالم وصوى في ذلك العلم التخصصي. وبالنسبة للمحدث الحافظ، فإنه يستحضر على الأقل متون الصحيحين والموطأ والسنن الأربعة، وأدنى الأدنى متون الصحيحين، وهذا ما لم يتحقق في القاضي ابن العربي، فإنه يعزو الحديث إلى البخاري رغم أنه مروي في صحيح مسلم، والقاعدة أن يعزى إليهما إن كان متفقا عليه، وأحيانا يقتصر في العزو على مسلم دون البخاري، وأحيانا يعزوه إلى السنن ويغفل الصحيح، ومن أمثلة ذلك:

** قال ابن العربي: “وقد روى البخاري عن خباب قال: هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وذكر الحديث؛ ثم قال: ومنهم مصعب بن عمير، قتل يوم أحد، فلم نجد له ما نكفنه فيه إلا نمرة، كنا إذا غطينا بها رأسه بدت رجلاه، وإذا غطينا بها رجليه بدا رأسه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: غطوا بها رأسه واجعلوا عليه من الإذخر”[10].

عزا ابن العربي هذا الحديث إلى صحيح البخاري وكأنه من أفراده، مع أنه مروي في صحيح مسلم عن خباب أيضا[11]، ولو استحضره ابن العربي لما عدل عنه، خصوصا أنه يصر على عزو “المتفق عليه” إليهما.

والأغرب هو عزوه الحديث إلى السنن رغم أنه في صحيح مسلم، فقال رحمه الله: “روى ابن أبي بريدة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ لكل صلاة، فلما كان يوم الفتح صلى الصلوات بوضوء واحد، فقال له عمر: فعلتَ شيئا لم تكن تفعله، فقال: عمدا فعلته، أخرجه النسائي وأبو داود والترمذي”[12].

وهذا الحديث رواه مسلم عن نفس الصحابي[13]، ولا توجد نكتة تصرف ابن العربي عن العزو إلى الصحيح، إذ هو المقدَّم والأقدم.

وإضافة إلى عدم استحضاره لأحاديث صحيح مسلم، فإنه لا يستحضر أحيانا متون سنن أبي داود، وهي أشهر السنن عند الفقهاء، فإنه ذكر كما قلنا سابقا حديث وقوف النبي على قزح، وقوله: “هذا قزح، وجمعٌ كلها موقف”[14]، وعزاه إلى النسائي والترمذي، مع العلم أنه ليس عند النسائي، بل رواه أبو داود، ولو استحضره أثناء الإملاء لما أغفله كعادته في الرواية عن الثلاثة إن اتفقوا.

والأغرب من كل ما سبق، هو إغفاله صحيح البخاري في العزو، واستحضار أحاديث الجامع الصحيح عند المحدثين يعد من الأساسيات عندهم، وحتى بعض الفقهاء يستحضرون أحاديثه نظرا لكثرة حضورهم مجالس السماع الخاصة به. ففي موضوع القسامة، أورد ابن العربي حديث حويصة ومحيصة، وهو العمدة في هذا الباب، وعزاه إلى صحيح مسلم وموطأ الإمام مالك[15]، وفيه قول رسول الله صلى الله عليه سولم: “أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم؟”، وهو في صحيح البخاري في موضعين، أحدهما بنفس هذا اللفظ[16]، والآخر مع تغيير طفيف جدا[17].

ومن أوهامه الخاصة بالصحيحين، أنه يعزو الحديث إلى مسلم وهو غير موجود في جامعه، أو يعزوه إلى صحيح البخاري وهو ليس كذلك، أو ينفي وجوده فيه وهو من أحاديثه، ومن أمثلة ذلك:

المثال الأول:

قال ابن العربي: “وبه قال البخاري، نا سعيد بن سليمان عن عبادة عن حصين قال: حدثتني امرأة عتبة بن فرقد، قالت: كنا نتطيب ونجتهد لعتبة بن فرقد أن نبلغه فما نبلغه، فقلنا له في ذلك، فقال: أخذني الشرى على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فتفل فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وقال أيضا البخاري من طريق أخرى نحوه، وفيه: فتفل في كفه ثم مسح به جلدي، فكنت من أطيب الناس ريحا. قال حصين: فأخبرتني أم عاصم قالت: كنا عنده أربع نسوة، فنجهد في الطيب فما نقاربه”[18].

في هذا النص، يحيل ابن العربي إلى البخاري مرتين، ويفيد نصه أن البخاري روى هذا الحادث من طريقين، وبالعودة إلى مصنفات الإمام البخاري المتعددة، لم نجد لهذين الطريقين أثرا، ولم نجد لطيب عتبة بن فرقد صدى، وحتى الحافظ المزي؛ وهو أعجوبة الدنيا في الحفظ؛ رواه بسنده إلى المعجم الصغير للطبراني، وعزاه الحافظ الموسوعي ابن حجر إلى المعجم الصغير أيضا[19]، ولو كان عند البخاري لما أغفلا العزو إليه. والسند الذي اعتمده ابن العربي موجود في المعجم الكبير للطبراني، وفيه سعيد بن سليمان عن عباد ــ وليس عبادة ــ عن حصين[20].

المثال الثاني:

ذكر ابن العربي حديث: “كان داود يأكل من صنعة يده”، وقال عقبه: “خرجه مسلم”[21]. والحديث لا وجود له في صحيح مسلم، بل هو من أفراد صحيح البخاري، نص على ذلك غير واحد من الحفاظ، كالحميدي وعبد الحق الإشبيلي في كتابيهما المخصص للجمع بين الصحيحين[22].

وهناك أمثلة أخرى مشابهة لهذين المثالين.

3 ــ الدقة في العزو.

تعد “الدقة في العزو” أمارة من أمارات المحدث الحافظ، وإن وهم فإن أوهامه تقلّ جدا، إضافة إلى أنها لا تقع منه في المصادر الرئيسة، كالسنن الأربعة والموطأ، أما الوهم في الصحيحين، فيكاد يكون مستحيلا.

وبالرجوع إلى المتن المعافري، نجد له أوهاما في العزو غاية في الغرابة، فيعمد إلى تشطير المتن الواحد، أو يجمع المتنين المختلفين في حديث واحد، وأثناء التشطير أو الجمع يقع في أوهام في العزو، نورد نماذج منها:

** قال رحمه الله: “روى مسلم عن أسماء أنها أخرجت جبة رسول الله صلى الله عليه وسلم مكفوفة الكمين والجيب والفرج بالديباج.

وفي صحيح مسلم عنها أنها قالت: هذه جبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخرجت إلي جبة طيالسة كسروانية، لها لبنة ديباج، وفرجاها مكفوفان بالديباج.

وفي صحيح مسلم عنها أنها قالت: هذه جبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخرجت جبة كانت عند عائشة حتى قبضت، فلما قُبضت قَبضتها، وكان صلى الله عليه وسلم يلبسها، فنحن نلبسها للمرضى يستشفى بها”[23].

بقراءة هذا النص، يتبين لنا أنه يتضمن ثلاثة متون، كل متن مروي في صحيح مسلم عن أسماء، وبالعودة إلى الجامع الصحيح[24]، يتبين لنا أن النصين الأخيرين هما نص واحد، قام ابن العربي بتشطيره وعزوِ كل جزء إلى الجامع الصحيح عن أسماء، وتلك طريقة توهم أن النصين حديثان. أما الجزء الأول، فلا علاقة له بالجامع الصحيح للإمام مسلم، خصوصا أنه يتضمن الكمين والجيب، وهو بهذا اللفظ في مصنف ابن أبي شيبة عن أسماء أنها “جاءت بجبة مكفوفة الكمين والجيب والفرجين بالديباج”[25]. أما لفظ صحيح مسلم فخلو من هذا، وفيه: “هذه جبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخرجت إلي جبة طيالسة كسروانية، لها لبنة ديباج، وفرجيها مكفوفين بالديباج، فقالت: هذه كانت عند عائشة حتى قبضت، فلما قبضت قبضتها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يلبسها، فنحن نغسلها للمرضى يستشفى بها”.

** ومن غريب ما وقع للقاضي ابن العربي رحمه الله، ضمه لحديثين في الغلول، واعتبرهما حديثا واحدا له روايتان، وتزداد الغرابة حين نعلم أن الحديثين من موطأ مالك، وهو الكتاب الذي شرحه في مصنفين، واعتنى به مدة من الزمن، وفاقا لعادة فقهاء المالكية الذين لم يكونوا يغادرون منه حرفا، فقال: “روى أبو داود وغيره في الموطأ أن رجلا أصيب يوم خيبر، فذكروه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: صلوا على صاحبكم، فتغيرت وجوه القوم، فقال صلى الله عليه سلم: “والذي نفسي بيده، إن الشملة التي أخذها يوم خيبر لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارا، وفي رواية، فقال: إن صاحبكم قد غلّ في سبيل الله، ففتشنا متاعه فوجدنا خرزا من خرز يهود، ما يساوي درهمين”[26].

وتستوقفني عبارته: “روى أبو داود وغيره في الموطأ”، وهذه عبارة لا يستعملها المحدثون، ولعله أراد أن يعزو الحديث إلى سنن أبي داود، وأن يبين أنه رواه من طريق مالك الذي أخرجه في الموطأ، وهذا هو الوجه المحتمل.

ثم ننتبه في كلام القاضي، فنجد أن رجلا مات يوم خيبر، وبعد سطر، يتبين لنا أن شخصا مات، وذكّرهم النبي صلى الله عليه وسلم بحادثة خيبر التي يبدو من خلال السياق أنها سابقة، ولو كانت في نفس اليوم لما قال: “إن الشملة التي أخذها يوم خيبر”، ولقال بدلها: إن الشملة التي أخذها اليوم.

وبالعودة إلى سنن أبي داود وموطأ مالك، نجد أن أبا داود روى من طريق مالك عن زيد بن خالد الجهني أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم توفي يوم خيبر، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: صلوا على صاحبكم، فتغيرت وجوه الناس لذلك، فقال: إن صاحبكم غلّ في سبيل الله، ففتشنا متاعه فوجدنا خرزا من خرز يهود لا يساوي درهمين”[27].

أما الحديث عن الشملة التي لم تصبها المقاسم فغير مذكور هنا، بل نجده مذكورا في حديث آخر، رواه أبو داود من طريق مالك أيضا، عن أبي هريرة، وفيه: “خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام خيبر، فلم نغنم ذهبا ولا ورقا إلا الثياب والمتاع والأموال، قال: فوجّه رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو وادي القرى، وقد أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم عبد أسود، يقال له مِدعم، حتى إذا كانوا بوادي القرى، فبينا مدعم يحط رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ جاءه سهم فقتله، فقال الناس: هنيئا له الجنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلا، والذي نفسي بيده، إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لَتشتعل عليه نارا، فلما سمعوا ذلك جاء رجل بشراك أو شراكين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: شراك من نار، أو قال: شراكان من نار”[28].

وهذا الحديث رواه البخاري ومسلم، كلاهما من طريق مالك، ولا وجه للاقتصار على رواية أبي داود من طريق مالك وحدها، وهذا قصور في العزو أيضا.

ومما يدل على أننا أمام حديثين وحادثتين، أن غزوة وادي القرى ومحاصرتها، لم تتم إلا في جمادى الآخرة سنة 7هـ، وغزوة خيبر وقعت في جمادى الأولى من نفس السنة[29]، وبينهما فتح فدك[30].

بناء على هذه الملاحظات، يتبين لنا أن ابن العربي لفق بين النصين، وجعلهما حديثا واحدا روي بروايتين، والأمر بخلاف ذلك، وما كنا نظن أن يصدر منه هذا الوهم في أحاديث الموطأ.

** ومن الوهم في العزو أيضا، قوله رحمه الله: “روى النسائي عن سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اقتلوا الشيوخ المشركين واستحيوا شرْخهم”[31].

وهذا الحديث الذي عزاه إلى النسائي غير موجود في السنن الكبرى والصغرى، وهو موجود في المسند وفي سنن أبي داود والترمذي، وقد تواطأ الحفاظ المستبحرون على عزوه إلى المصنفات الحديثية دون سنن النسائي[32]، مما يبدد احتمال وجود نسخ قديمة تتضمن هذا الحديث.

** ومما وهمه في العزو إلى صحيح مسلم، قوله رحمه الله: “حديث مالك عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة أنه كان يقول: من كان عنده مال لم يؤد زكاته، مُثل له يوم القيامة شجاعا أقرع، له زبيبتان، يطلبه حتى يمكنه، يقول أنا كنزك… هذا حديث موقوف عند جماعة رواة الموطأ من قول أبي هريرة. عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا، خرجه البخاري ومسلم هكذا، وقد روي مسندا من طرق كثيرة عن ابن عمر وغيره، وهو صحيح”[33].

فالكلام هنا عن حديث أبي هريرة، وفيه عقوبة الشجاع الأقرع ذي الزبيبتين، وقد جعله من المتفق عليه بين الشيخين، وبعد البحث، وجدت الأمر بخلاف ذلك، وأنه من أفراد البخاري[34]، وتأكد لي الأمر بصنيع الحفاظ المتقنين، مثل الحميدي[35] وعبد الحق الإشبيلي[36]، واكتفى الزيلعي[37] بعزوه إلى البخاري، ولم يذكر مسلما.

أما الإمام مسلم، فروى حديثا في مانع الزكاة، رواه جابر وليس أبا هريرة، ولم ترد فيه ألفاظ الشجاع الأقرع والزبيبتين وغيرها، فلا يجوز عزو هذا الحديث إليه، لذا كان هذا التخريج من أوهام القاضي رحمه الله بحسب قواعد الصناعة الحديثية.

4 ــ علم مصطلح الحديث.

أــ شرط البخاري في صحيحه.

أخضع العلماء عبر العصور منهج الإمام البخاري وشروطه للدراسة والبحث والتحقيق، ولم يذكر أحد من نقادهم أنه اشترط في إخراج الحديث رواية اثنين عن اثنين على الأقل، وهذا ما تفرد به ابن العربي ولم يوافقه عليه أحد، بل تعرض بسببه إلى الانتقاد من قبل الحفاظ الحذاق.

ذكر ابن العربي ذلك الشرط في شرحه للصحيح، وهو كتاب مفقود، وعنه نقل ابن رشيد السبتي في ترجمان التراجم، وعنه نقل الحفاظ، قال ابن حجر: “صرح القاضي أبو بكر ابن العربي في شرح البخاري بأن ذلك شرط البخاري”، وانتُقد بكون حديث النية الذي افتتح به البخاري جامعه لا يتوفر فيه هذا الشرط، فأجاب بكون الحديث وإن لم يروه عن عمر غير علقمة، “فإن عمر خطب به على المنبر بحضرة الصحابة رضي الله عنهم”، وكأن عدم إنكارهم دليل على أنهم سمعوه من غيره، وهذا جواب فيه نظر كما قال ابن حجر، لأنه لا يلزم من كونهم سكتوا عنه أن يكونوا سمعوه من غيره، ولو سلم هذا في عمر رضي الله عنه، مُنع في تفرد علقمة، ثم تفرد محمد بن إبراهيم عن علقمة، ثم تفرد يحيى بن سعيد به، عن محمد على ما هو الصحيح المعروف عند المحدثين، وقد وردت لهم متابعات لا يعتبر بها، وكذا لا نسلم جوابه في غير حديث عمر”[38].

وإذا كان ابن العربي قد صرح برأيه في شرح الصحيح كما نقل ابن حجر عن ابن رشيد، وهو من مصنفاته الأولى، فإنه صرح برأيه في مواضع من عارضة الأحوذي، وهي من أواخر مصنفاته، مما يدل على تشبثه برأيه وعدم تراجعه عنه.

ب ــ التزام الصحة وعدم العمل بالضعيف.

اشتهر ابن العربي المعافري بدعوته إلى التزام ما صح من الحديث، والإعراض عن الضعيف وما دونه أثناء الوعظ والتأليف في العلوم كلها، وكرر ذلك في مواضع من كتبه، وتناقل موقفه عدد من المصنفين في علم المصطلح.

وبالنظر في التراث المعافري، نجد قاضينا أول من لم يلتزم بنصيحته وشرطه، ومصنفاته ملأى بالضعيف بأنواعه، والموضوع، والإسرائيليات الخرافية، وبيان ذلك من خلال الآتي:

** الاستدلال بالضعيف.

قبل الإشارة إلى الاستدلال بالضعيف في كتبه، نود أن نشير إلى أن ابن العربي ألف كتابا جمع فيه الأحاديث القصار، نظرا لأنه لم يرقه الشهاب للقضاعي الذي خلط فيه صاحبه بين الصحيح وغيره، فألف سراج المهتدين، التزم أن يصونه من الضعيف والواهي، لكنه “لم يف بوعده في صيانة كتابه هذا عن الضعيف، فأورد فيه أحاديث كثيرة ضعيفة”[39]، وإذا لم يلتزم بشرطه في كتابه هذا، وهو جزء صغير متحكم فيه، فكيف سيلتزم به في مصنفاته الأخرى؟

لن نجازف إن قلنا بأن المصنفات المعافرية حبلى بالآثار الضعيفة والسقيمة، ومن أمثلتها:

1* قال في عارضة الأحوذي: “يستحب من الخيل ما روى أبو وهب الجشمي؛ وكانت له صحبة؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “عليكم بكل كميت أغر محجل، أو أدهم أغر محجل، أو أشقر أغر محجل”[40]. هذا حديث ضعيف، واستدل به على الاستحباب، فيه عقيل بن شبيب مجهول.

2* ذكر في سراج المريدين رواية عن أحمد بن حنبل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول لأهله إذا رأى بهم خصاصة: يا أهلاه، صلوا صلوا”[41]. وهذا ضعيف

3* ذكر في المتوسط في الاعتقاد حديثا مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن من قرأ القرآن وأعربه فله بكل حرف خمسون حسنة، لا أقول ألم حرف، ولكن الألف حرف، واللام حرف، والميم حرف[42]. وهذا حديث باطل، روي بألفاظ، أقربها إلى لفظ ابن العربي ما ذكره قوام السنة في المحجة بدون إسناد، ولعله مصدره الذي نقله منه، وفي الكامل لابن عدي اقتران الإعراب بأربعين حسنة، وفي سنده نوح ابن أبي مريم، والغالب أنه موضوع.

هذه نماذج من الآثار الضعيفة والتالفة التي أوردها ابن العربي في كتبه، وله نظائر كثيرة، نص على جملة منها محققو كتبه في تعليقاتهم.

** الاستدلال بالموضوع.

لم يكتف ابن العربي بالاستدلال بالحديث الضعيف وإيراده في مصنفاته، صغيرها وكبيرها، بل أورد الموضوعات وما لا أصل له أيضا، فذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبسط رداءه لابن أم مكتوم، ويقول له: مرحبا بمن عاتبني فيه ربي[43]. وهذا لا أصل له.

وأورد في مواضع من الأمد الأقصى متن “السحر حق”، فقال: “فإن اقترن بذلك أن الله تعالى حرمه ونهى عنه كالسحر والعين، صار حقا من وجه، وهو الوجود، وهو معنى قوله في الأثر: (السحر حق)”[44]. وقال أيضا: “قال علماء الأصول والفقه: الحقيقة كون الشيء موجودا، والحق كونه مشروعا، فكل حق حقيقة، وليس كل حقيقة حقا، قالوا: وهذا معنى قوله في الأثر: (السحر حق)”[45].

في هذين النصين، جعل هذا المتن “أثرا”، وللأثر معنى واسع، قد يطلق على الحديث النبوي أو على غيره، لكنه في موضع آخر نسبه صراحة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: “ومنه قوله صلى الله عليه وسلم المأثور عنه: (السحر حق والعين حق)”[46]، وهذه النسبة غير صحيحة، وهي مما لا أصل له.

وفي سياق الحديث عن وقوع الملائكة في المعصية، قال رحمه الله: “قلت: وهذا صحيح، فإن إبليس عصاه وهو من جملتهم، وهاروت وماروت على ما جاء في قصتهم”[47]. وقصة هاروت وماروت باطلة منكرة، في متونها تناقضات واضطرابات، وهي عند التحقيق مروية عن كعب الأحبار، وليست عن الرسول صلى الله عليه وسلم[48]، وابن العربي نفسه ذكر أنه لم يصح سندها[49]، فكيف يستدل بها في موضوع عقدي، وينكر الاستناد إلى الضعيف ولو في الفضائل؟

** الاستدلال بالإسرائيليات.

لم يقتصر ابن العربي على الضعيف والمنكر والموضوع، بل أورد بعض الإسرائيليات استدلالا بها، واعتمادا عليها، ومما قاله في استغفار داود عليه السلام، أن ذنبه لم يكن حراما ولا مكروها، بل كان جائزا، وهو قوله ﴿أَكۡفِلۡنِیهَا﴾ [ص: 23]، وتوجيه ذلك أنه “ليس على الرجل حرج في أن يقول لصاحبه: طلِّق لي زوجتك، بل هذا من تمام المودة، ومن حكم التبسط في المحبة”[50]، والواقع أن في هذا القول حرج شديد، خلافا لما ادعاه القاضي ابن العربي، ولا علاقة له بتمام المودة والتبسط في المحبة، بل هو أدعى للبغض والقطيعة، ومخالف للمروءة، وحاشا أنبياء الله أن يقعوا في هذه السفاسف، ولم يفرض على ابن العربي الوقوع في هذا التفسير غير اللائق بمقام النبوة إلا خضوعه للإسرائيليات، لأنه فهم ابتداء ــ مثل كثير من المفسرين ــ أن النعجة كناية عن المرأة، وأن الخصمين ليسا خصمين حقيقة، وإنما أرادا أن يبينا له خطأ صنيعه فتمثلا له بتلك الخصومة، وأن داود أراد امرأة أوريا، وكل هذا من الإسرائيليات التي لا يقبلها العقل، وينبو عنها السمع، وقد رد جمع من المحققين هذا التفسير، وردوا تلك الروايات، وبينوا أن الخصمين خصمان حقيقة، وأن النعاج حقيقة لا كناية فيهما[51].

ومن المستغرب أن ينصح ابن العربي غيره بالتمسك بالصحيح دون غيره، وينفتح هو على الضعيف والموضوع والإسرائيليات في العقيدة، وليس في الرقائق والفضائل فقط.

5 ــ إطلاقات ابن العربي الحديثية:

يتميز “الحافظ” في عرف المحدثين بمميزات سبق أن أشرنا إلى بعضها، ومنها الموسوعية والقدرة على الاستحضار، لذلك كانت أقوال الحفاظ النقاد حجة يُستدل بها، ومنها ما اشتهر به الطبراني، فإنه يقول: تفرد به فلان، أو لا يروى عن فلان إلا بهذا الإسناد، لم يرو هذا الحديث عن فلان إلا فلان، لا يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد، إلخ عباراته المشهورة بين علماء الحديث.

ونظرا لموسوعية الطبراني وقدرته على الحفظ والاستذكار، فإنه عمدة المحدثين في هذه الإطلاقات، وهو وإن كانت له أوهام، فهي نادرة جدا، ونظيره في ذلك حافظ الدنيا في عصره ابن حجر العسقلاني، والحافظ الذي يصل إلى هذه الدرجة تكون إطلاقاته وأقواله بمثابة حكاية الإجماع، قال الحافظ أحمد بن الصديق: “قول الحافظ: لم يرد في الباب حديث، أو: لا أعلم معارضا من السنة، أو نحو هذا، هو كقوله: لا أعلم في المسألة خلافا. فلو كان نفي الحافظ غير معتمد، لما ثبت من الإجماع شيء”[52].

وبالرجوع إلى المتن المعافري، نجد صاحبه مكثرا من الإطلاقات الحديثية، ومنها:

1* لم يرو حديث “الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين” إلا سعيد بن زيد[53].

2* ذكر في الصلاة قبل صلاة المغرب أن الحديث فيها صحيح، لكن “اختلف فيه الصحابة، ولم يفعله بعدهم أحد”[54].

3* تطرق إلى سؤال الإنسان لغيره، وطلب ما عنده، وقال: “ليس في الباب حديث صحيح إلا اثنا عشر حديثا”[55].

4* قال رحمه الله: “ليس في سور القرآن حديث صحيح إلا في الفاتحة والبقرة وآل عمران والملك والصمد”[56].

5* ذَكر ألوان الثياب، وقال: الأصفر: لم يرد فيه حديث”[57].

هذه نماذج وأمثلة من إطلاقات ابن العربي رحمه الله، تتبعت جملة منها، ووجدت أغلبها منتقض، وقد سبق للعلماء أن نبهوا إلى إطلاقاته وما يعتريها من وهم، قال الحافظ ابن حجر تعليقا على الإطلاق الخامس: “ومن المستغرب قول ابن العربي: لم يرد في الثوب الأصفر حديث، وقد ورد فيه عدة أحاديث كما ترى”[58]، وقبْل ابنِ حجر، نقض ابن العربي إطلاقه هذا بنفسه، فقال في سراجه أثناء حديثه عن اللون الأصفر: “تقدم في حديث قيْلة: رأيت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أسمال مُلَيّتين، كأنما قد صبغا بزعفران، وقد نفضتا”[59].

6ــ معلقات البخاري عند ابن العربي.

الحديث المعلق هو الذي يرويه المصنّف بدون سند، فيقول: “قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا”، أو أن يحذف جميع السند إلا الصحابي، أو يحذف جميع السند إلا الصحابي والتابعي، أو يحذف شيخه أو شيخه وشيخ شيخه[60]. وقد أورد البخاري في جامعه كثيرا من الأحاديث معلقة، إلا أن العلماء لا يعزونها إليه، لأنها ليست من شرط الجامع الصحيح، لافتقارها إلا اتصال الإسناد، وإذا عزوها إليه قيدوها بعبارة دالة على أن الحديث المشار إليه غير مسند في كتابه، فيقولون: رواه البخاري معلقا، رواه تعليقا، أو غيرها من العبارات، ولا يطلقون العزو بعبارات مثل: أخرجه البخاري، رواه البخاري،…

لم ينضبط أبو بكر بن العربي لهذا التمييز، فأطلق العزو إلى البخاري رغم أن الحديث معلق غير مسند عنده، فقال مثلا: “ليس في الرهن حديث صحيح، إلا رهن النبي صلى الله عليه وسلم عند اليهودي، وما رواه البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الرهن مركوب ومحلوب، يركب بنفقته، ويحلب بنفقته”[61]، وبعد البحث عن الحديث في الجامع الصحيح للبخاري، وجدناه هكذا: “باب الرهن مركوب ومحلوب، وقال مغيرة عن إبراهيم تُركب الضالة بقدر علفها، وتحلب بقدر علفها، والرهن مثله”، ومنه يتبين الآتي:

أولا: لم يذكر البخاري تتمة النص: “يركب بنفقته، ويحلب بنفقته”، فلا يجوز عزوها إليه.

ثانيا: الشطر الأول من المتن “الرهن مركوب ومحلوب” لم ينسبه البخاري إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر راويه من الصحابة كما فعل في المتن السابق، بل ذكره عنوانا وترجمةً للباب فقط.

ومتنٌ هذا حاله لا يجوز بحال عزوه إلى البخاري، ومما يدل على أن المعافري لا يميز بين ما ذكره البخاري وما رواه مسندا، أنه كرر هذا الخطأ في المسالك، فقال: “ليس في الرهن حديث صحيح إلا رهن النبي [صلى الله عليه وسلم] عند اليهودي، وما روى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الرهن مركوب ومحلوب، يركب بنفقته، ويحلب بنفقته،… وهذا يعارض حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي خرجه البخاري في قوله: “الرهن مركوب ومحلوب بنفقته”[62]، وفي هذا النص يكرر الخطأ، فيقول:

** ما روى البخاري.

** خرجه البخاري.

ولما اعتبر ابن العربي الحديث مخرجا في الجامع الصحيح، عدّه صحيحا، فنفى الصحة عن كل ما روي في الرهن، واستثنى هذا الحديث، ظنا منه أنه صحيح، والحديث فيه اختلاف بين علماء الحديث بين من يرجح وقفه، ومن يقول برفعه، وبه جزم الترمذي.

ثانيا: علاقة ابن العربي بالتصوف، استنطاق المتن المعافري:

يروج بعض الباحثين فكرة مفادها أن ابن العربي معدود من شيوخ التصوف بالغرب الإسلامي، ولتصوفه تميز خاص، وهو ما يصطلح عليه البعض بـ”تصوف الفقهاء”، ومنهم من يقارنه بالشيخ زروق ويجعلهما في مرتبة واحدة، ومنهم من يدعي أن “سراج المريدين” هو بمثابة “إحياء علوم الدين” المغربي، ومنهم من يستند في دعواه على كلمة الشيخ زروق: “وللمحدث تصوف نحا نحوه ابن العربي في سراجه”. فهل كان ابن العربي صوفيا؟ وهل في تراثه ما يعضد هذه الدعاوى؟

1 ــ مخالفته للمنهج العام للصوفية:

لعل أحسن من يعبر عن انتماءات ابن العربي وتوجهاته الفكرية، هي كتاباته العلمية المنثرة في مصنفاته العديدة، وهذا ما شجعنا لتخطي الوسائط، والتوجه مباشرة إلى المتن المعافري لتجلية مواقفه من التصوف والصوفية.

قد يجزم البعض بنسبة ابن العربي إلى التصوف، بناء على قرائن وإشارات، وهذا ما لا نطمئن إليه، للاعتبارات الآتية:

** يحيل ابن العربي أحيانا على علماء الفقه وعلماء الصوفية، فينسب نفسه إلى الأولين، ولا ينتسب إلى الآخرين، ولنتأمل قوله رحمه الله: “وأما الحج المبرور فقال علماؤنا: هو الذي لا رفث فيه ولا فسوق مع الصيانة من سائر المعاصي، وقال أهل الإشارة: الحج المبرور هو الذي لم يتعقبه معصية”[63]، وأحيانا يحيل في قول واحد إلى علماء الكلام والصوفية، فيقول: “أو يكون كما قال بعض العلماء الصوفية: إن نزوله ثلث الليل إنما هو نزول من حال الغضب إلى حالة الرحمة، وإلا إذا أضفت النزول إلى السكينة لم يكن، وإذا أضفته إلى الكلام لم يكن أيضا تفريغ مكان ولا شغل مكان، وإنما أراد به إقباله على أهل الأرض بالرحمة والاستعطاف بالتوبة والإنابة، هذا تفسيره عند علمائنا من أهل الكلام”[64]، ويقول أيضا: “وقد صار هذا الاسم في عرف المتكلمين من علمائنا والصوفية…”[65]، فنسب نفسه إلى علماء المتكلمين، ويقصد بهم الأشاعرة، ولم ينسب نفسه إلى الصوفية.

** كان ابن العربي مصاحبا للملوك، ملازما لهم، وبسبب ذلك وقع للإمام الصوفي ابن مجاهد نفور من حلقته، بسبب أنه كان يدرس وبغلته تنتظره لتحمله إلى السلطان. وحكى عنه أبو يحيى اليسع بن حزم (ت:575هـ) وهو من معظمي ابن العربي أنه ممن “تعلق بأذيال الملك، ولم يجر مجرى العلماء في مجاهرة السلاطين وحزبهم، بل داهن”[66].

كما كان مرافقا للأمراء صغارا وكبارا، ومما أثر عنه، أنه صاحب أحد أبناء الأمراء المرابطين اللمتونيين، فداعبه بأن ركض فرسه وهز عليه رمحه، فقال له على البديهة[67]:

يهز علي الرمح ظبي مهفهف.. لعوب بألباب البرية عابث.

فلو أنه رمح إذا لاتّقيته.. ولكنه رمح وثان وثالث.

ولم يكن الصوفية على وفاق مع هذا المنهج، وفي تراثهم كلام كثير عن عدم مخالطة السلاطين، والتنفير من مجالسة الملوك، والتحذير من الذل والإهانة التي قد يتعرض إليها الفقيه بمخالطتهم، وها هو أمير صغير يداعب الفقيه ويهز عليه رمحه، فأين مهابة الفقيه ومكانته؟ كما أنه لم يكن يتعفف عن طلب الصلات منهم، واتخاذهم شفعاء له لدى الغير لقضاء مآربه وحاجاته الشخصية، وقد حكى بنفسه أنه طلب ذلك من الأمير سيْر بن أبي بكر[68].

لم يكن الصوفية ليرضوا هذا التصرف المعافري، بل كانوا في عصره ومصره رموز المعارضة السياسية التي تبلورت فيما بعد بما اصطُلح عليه “ثورة المريدين”، والتي كانت بتأطير مباشر من ابن برجان الإشبيلي (ت:536هـ) وابن العريف الصنهاجي (536هـ) وغيرهما.

** اشتهر الصوفية بالحديث عن الحب الإلهي، وتعلقوا بالله حبا، وجعلوا المحبة من أهم المقامات التي يجب على الصوفي أن يرتقي إليها ويتحلى بها، وللصوفية في هذا المقام أقوال مأثورة، منظومة ومنثورة، لا تكاد تجد كتابا من كتبهم الرئيسة إلا وللمحبة حضور وذكر، ففي التعرف لمذهب أهل التصوف للكلاباذي (ت:380هـ) مبحث “قولهم في المحبة”، وفي الرسالة لأبي القاسم القشيري (ت:456هـ) “باب المحبة”، ونظراتهم وأقوالهم في هذا الباب دالة على درجة عالية من السمو الروحي، وصفاء السريرة، وخلوص التوحيد، بل يمكن اعتبار المحبة من أسس قواعد التصوف، وهي معيار من معايير التوحيد عند الصوفية، حتى قالوا: “ولما كانت المحبة تزيد وتنقص باعتبار شهود الوحدانية، فكلما قوي التوحيد في القلب، قويت المحبة لانحصارها في واحد”[69].

هذه النظرة إلى الحب والمحبة باعتبارها مقاما عليا، تختلف اختلافا جذريا عن نظرة ابن العربي المعافري، لأنه ينظر إليها نظرة دونية، لدرجة أنه رفض استعمال ألفاظ العشق وغيره في حق الله تعالى، باعتبارها ألفاظ المجون والمجان، ولما اصطدم بالنصوص الشرعية المصرحة بلفظ “الحب” في حق الله تعالى لم يجد بدا من القبول بها، وكأنه يستعملها للضرورة، فقال: “وللصوفية في إطلاق العشق على الله تجاوز عظيم، واعتداء كبير، ولولا إطلاقه للمحبة ما أطلقناها عليه، فكيف نتعداها إلى سواها من ألفاظ المجان؟ وليس لها أصل في الشريعة”[70]، وفي كلامه تهويل غير سائغ، ومبالغة لا موجب لها.

2 ــ التأليف الصوفي:

ألف ابن العربي المعافري في فنون شتى، في فقه الحديث والتفسير والعقيدة واللغة وغيرها، لكنه لم يؤلف كتابا أو رسالة في التصوف لتربية المريدين وتأطير السالكين، ولم يركز على مقامات التصوف كالشكر والتوبة والتقوى والمحبة وغيرها، وهذه المقامات وإن تناولها منثرة في كتبه إذا اقتضاها المقام في أحكام القرآن أو القبس أو المسالك أو غيرها، فإنه يتناولها بطريقة الفقهاء أو علماء الكلام، ولا يتجاوز ذلك إلى المقاربة الإحسانية التي اشتهر بها معاصروه كابن برجان وغيره.

وإذا استحضرنا عصر ابن العربي، فإننا نستحضر أهم ما يميزه، وهو ثنائية الفقه والتصوف، فالدولة المرابطية دولةُ الفقهاء، والمعارضة تصدّرها الصوفية، وبما أن ابن العربي كان فقيها بارزا، وكان مقربا جدا من السلطة وأمرائها، فإنه سيكون لا محالة في صف الفقهاء وعلماء الظاهر، لذا كان مشروعه يكاد ينحصر في معارضة مشروع الصوفية.

فالصوفية يتبنون تفسير القرآن وفق نظرة شمولية؛ لغةً وأحكاما، إضافة إلى التفسير الإشاري الذي أبدعوا فيه، ولم ينقبعوا وراء ظواهر النصوص، ولابن برجان قدم راسخة في هذا الباب، أما ابن العربي فيصر على التعامل مع القرآن من زاوية الفقه والأحكام فقط، فكانت له أحكام القرآن الصغرى والكبرى.

والصوفية تبنوا أسماء الله الحسنى بمقاربة عرفانية، واتخذوها وسيلة لتربية المريدين وتسليكهم، ولابن برجان شرح بديع لها وفق ثنائية الاعتبار والتعبد، حيث يشرح الاسم الإلهي من حيث الاعتبار أولا، ثم من حيث التعبد ثانيا، وابن العربي قام بمقاربة الأسماء الحسنى مقاربة تقليدية من خلال الأمد الأقصى، وكان يستثمر كل فرصة تسنح له لانتقاد الصوفية عموما، أو الغزالي على الخصوص، وإن لم تسنح له اختلقها.

أما سراج المريدين، فاعتبره البعض كتابا في التصوف، وكتابا في التأطير الصوفي، والصواب أنه بخلاف ذلك، لأن المريدين كانوا يمثلون المعارضة السياسية، وكان الفقهاء يعتبرونهم على ضلال، وأحرقوا لهم بتواطؤ مع السلطة إحياء علوم الدين، وهو بمثابة دستور الصوفية آنذاك، لذا كان الفقهاء يعتبرونهم في ضلال وغواية، فبادروا إلى الرد على التصوف عموما، وعلى الغزالي خصوصا، ومنهم القاضي ابن حمدين التغلبي (ت:508هـ) الذي كان صاحب فتوى الإحراق، وكانت له رسائل وردود على الغزالي[71]. أما ابن العربي فلم يعمد إلى الرد على الصوفية أو الغزالي في تأليف مستقل، بل حاول أن يضع لهم كتابا ظاهره في التصوف، وباطنه في نقد التصوف، لذلك وضع سراج المريدين، وقدمه كالمخلّص للصوفية، وكأنه يقول بأنهم في غواية وظلمة، فقدم لهم السراج لينير لهم الطريق.

إضافة إلى ذلك، فإنه ملأه بأقوال القشيري والغزالي، وكان كثير الاقتباس من كتابيهما لطائف الإشارات وإحياء علوم الدين، لكنه يقتبس الكلام المقبول عند الفقهاء، الذي لا يتعمق في الإشارة وبواطن النصوص، وفي الوقت نفسه، يبث انتقادات لاذعة للتصوف، خصوصا لبعض آراء الغزالي، وكان يبالغ في النقد ويتعسف فيه كما سنجلي ذلك، وكأني به أراد أن ينسف المشروع الصوفي من الداخل، حيث أراد أن يظهر بمظهر الإنسان الذي لا يعادي التصوف، وينقل أقوال الصوفية، لكنه في الوقت نفسه يحاول أن ينسف أهم مقولاته التي إن سحبناها منه لن يبقي للتصوف أدنى تميز عن الفقه وغيره من العلوم.

3 ــ الإكثار من نقد الصوفية:

تعددت المواقف الفقهية من حادثة إحراق الإحياء، فأغلب الفقهاء باركوا العملية وناصروها، ومنهم من عارضها وانتقدها؛ وهم قلة، وهناك من التزم الصمت، ومنهم ابن العربي، لكن صمته لا يعني أنه كان بعيدا عن الصراع الفقهي الصوفي إبانئذ، بل كان منخرطا فيه بوسائله الخاصة، ومما بنى عليه مشروعه في مواجهة الصوفية أمران اثنان:

  • أولهما: نقد الأقوال والمواقف التي يتميز بها الصوفية عامة.

** اشتهر الصوفية بالتفسير الإشاري، وبرع فيه غير واحد منهم، ولهم فيه إشارات بديعة، وإضاءات هادية، لأنهم لا يتوقفون عند ألفاظ النصوص، كما أنهم لا يلغونها، بل يغوصون في بحارها لاستخراج الدرر من أصدافها، إيمانا منهم بأن النص القرآني لا يحتمل وجها وحيدا، بل يتضمن من الفوائد والدرر ما يفرض علينا فهمه وتفسيره وتأويله على وجوه متعددة لا تنافي بينها، إيمانا منهم بأنه النص الذي لا تنقضي عجائبه.

لم يطمئن ابن العربي المعافري للتفسير الإشاري، ولم يدعُ إليه، بل عمل على انتقاده ورفضه، واعتبره من التكلف الذي يستغنى عنه، فقال: “وشيوخ الصوفية تسلك هذا في كل آية، فربما أوقعهم ذلك في غواية، لأنه تكلُّف ليس له نهاية”[72].

** تميز الصوفية وتفردوا بحديثهم عن الحب الإلهي، ولهم في ذلك مقولات متعددة، منها ما حكاه عنهم ابن العربي بقوله: “وزعم بعض الصوفية أن أعلى درجات المحبة أن لا يكون له طمع في جنة أو خوف من نار”، وعدّ هذا القول مما “لا يتصور في الخَلق”[73]، وقال أيضا: “قال الصوفية: المخلص يسجد لله محبة، وغيره يسجد لابتغاء عوض، أو لكشف محنة، فهو يسجد كرها”[74]، وعلق عليه بقوله: “وغرض الصوفية ساقط”.

وما اعتبره ابن العربي مما “لا يتصور في الخلق”، مجرد تحكم، وإلا، فقد وجدنا من عبر عن مواجيده بعبارات دالة على ذلك، واعتبروا الله تعالى أغلى أمانيهم وأسمى وجهاتهم، لذلك لم يلتفتوا إلى السوى والأغيار، بما في ذلك الجنة والنار، وقد صرح الصوفية بذلك نثرا ونظما، فقال لسانهم أبو الحسن الششتري في نونيته:

أرى طالبا منا الزيادة لا الحسنى // بفكرٍ رمى سهما فعدّى به عَدْنا.

ومقصوده أنهم يطلبون “الزيادة”، وهي النظر إلى وجه الله تعالى، وهي المذكورة في قوله جل وعز: “للذين أحسنوا الحسنى وزيادة”، ورمى من أجل ذلك بسهم تعدى به مطلب جنة عدن، وهذا يدل على أن الحافز للعبادة عندهم ليس هو الطمع في الجزاء أو الخوف من العقاب، وإنما حافزهم الرئيس هو محبة الله تعالى.

وقول الصوفية هنا لا يعارضه علماء الشريعة، لعدم مخالفته للشرع كما قد يُتوهم، وقد توقف العلامة العطار في حاشيته على جمع الجوامع عند قول ابن العربي المعافري، وعلق عليه مبينا أن قولهم لا يعني “احتقار الجنة والنار وعدم الاهتبال بهما”، بل إن مرادهم هو أنهم لا يجعلون أعمالهم معللة بهما، بحيث إنهما لو لم يوجدا ما عملوا، فإن مولانا تعالى يستحق على العبد العبادة لذاته وصفاته لو لم تكن له جنة ولا نار، فهذا هو الذي يتحرزون عنه”، أما من يعبد الله “ليتوصل بعبادته إلى عطائه فقد جهل حق ربوبيته، ولم يخلص في عبوديته”[75]، واستدل في هذا المقام بحديث: “لن يدخل أحدكم الجنة بعمله”.

  • ثانيهما: نقد الغزالي باعتباره رمز التصوف في الأندلس.

إضافة إلى النقد القوي الذي وجهه القاضي ابن العربي لبعض أقوال الصوفية، فإنه عمد إلى أبي حامد الغزالي وأقواله بالخصوص، ليرد عليه بعبارات ذات حمولة عنيفة وقاسية، مع العلم أن الاختلاف العلمي لا يستوجب تلك العبارات، فماذا قال؟ ولماذا؟

تحتاج علاقة أبي بكر ابن العربي بأبي حامد الغزالي إلى وقفات دقيقة ومتأنية، فالغزالي شيخ ابن العربي، ولم يكن من عامة الشيوخ الذين أخذ عنهم معلومة أو معلومتين، بل لازمه وأفاد منه الكثير، وهذا باعتراف القاضي نفسه. إضافة إلى ذلك، فإنه ملأ مصنفاته بالنقول والاقتباسات من كتبه، خصوصا الإحياء، وكثيرا ما ينقل دون إحالة، وأحيانا ينقل عنه ويذكر اسمه أو صفته، ثم يتبعه بالنقد، ويشفع ذلك بعبارات غاية في القسوة، ومن أمثلة ذلك:

** ذكر الغزالي خمسة أسباب للمحبة، والخامس هو “المناسبة الخفية بين المحب والمحبوب”[76]، وأن تلك الأسباب كلها “مجتمعة في حق الله تعالى”[77].

لم يستسغ ابن العربي أن ينسب السبب الخامس إلى الله تعالى، وبيّن أنه خطأ عقدي صادر عن الغزالي، وانتقده في مواضع من مصنفاته، فقال: “النَّسب والسبب محالان على الله تعالى، فلا يقال في ذات الباري مناسبة ولا تسبيب، نعم، من أفعاله النسب والسبب كسائر الأفعال كلها”[78]، وقال في موضع آخر: “وأما حب المناسبة والمشاكلة، فصَهْ صَه، أيُّ مناسبة بين العبد وبين الله؟ أبالمقدار الذي خلق له من العلم يناسب علمَه؟ أم بوجه من القدرة خلقها فيه؟ أم بمعنى من الإرادة يسرها له؟ أم بالحياة التي خصصه بها؟. تالله ما جُعلت هذه الصفات إلا ليتوصل بها إلى معرفة استحالة المناسبة والمشاكلة بينه وبين ربه، وانفراد الإله بخصائص الإلهية التي يستحيل كون الخلق على شيء منها”[79].

ولم يتوقف ابن العربي في نقد قالة الغزالي، بل شفع ذلك بنعوت قاسية جدا، فقال عنه: “هو قول تكاد الدفاتر تتمزق منه، وتُفَضُّ الأفواه وتموت القلوب من الاحتلاط لسماع هذا الاختلاط الذي ينفيه العقل والشرع”[80]، وقال أيضا: “لقد أسقط هذا القائل نفسه من الجوزاء إلى المعزاء”[81]، وقال أيضا: “يا ليته خبّأ هذا القول في جَنانه، وقبض دونه عِنان لسانه، وترك كثيرا من هذا المقدار، اقتداء بقوله: قبور الأسرار صدور الأحرار، ولم يخض في شيء من هذه الأغراض، الجالبة إلى القلوب العلل والأمراض، ولقد كان سيفه أحدّ، وسبقه أجدّ، من هذه الأغراض الفاترة، التي تدور بين طرفي نقيض: تصوف ليس له تصرف، وتفلسف ليس بعده تعرُّف”[82].

بهذه العبارات تعامل مع الغزالي في هذه الجزئية، وكأنه قال منكرا من القول، وحاد عن العقيدة، ووقع في تشبيه الله تعالى أو حط من قدره العلي، وحاشا الغزالي أن يقع في هذا أو يصدر عنه، وهو المدافع عن التنزيه، المعارض للتشبيه، وكلام الغزالي بالرجوع إليه سليم سديد، فإنه قال رحمه الله: “وهذا السبب يقتضي حب الله تعالى لمناسبة باطنة، لا ترجع إلى المشابهة في الصور والأشكال، بل إلى معان باطنة، يجوز أن يُذكر بعضها في الكتب، وبعضها لا يجوز أن يُسطّر، بل يُترك تحت غطاء الغبرة حتى يعثر عليه السالكون للطريق إذا استكملوا شرط السلوك”[83].

والغزالي أوضح وأفصح، وركز على “لا ترجع إلى المشابهة في الصور والأشكال”، ومع هذا التوضيح والبيان، أصر ابن العربي أن يبين أن كلام الغزالي يتعارض مع مبدأ “انفراد الإله بخصائص الإلهية التي يستحيل كون الخلق على شيء منها”.

من هنا ندرك أن ابن العربي كان يتحكك في النقد على شيخه الغزالي، ويبالغ في ذلك، وله عبارات أخرى في حقه لا تقل قسوة.

وإذا صدر عن ابن العربي ثناء ومدح في حق الغزالي، فإنه يتبعه بما يشين، ويردفه بما يحط من قيمته بالمرة، فقال عنه تعليقا على إحدى قالاته: “مرتبة هذا القائل عظيمة، ووهمه أعظم، هذا تعمق لا طائل وراءه، ولا تحقيق معه”[84]، وقال أيضا: “عجبا لهذا العالم، على أنه رفيع العماد في العلم، كثير الانتقاد على ذوي الفهم، ينتحي في جوابه هذا التوجيه، وينزل إلى الخامل الساقط عن الوجيه”، ثم بيّن أنه سفل معه عن هذا الغرض[85]، ولما نثر أريج الثناء على كتابي تهافت الفلاسفة والقسطاس، أتبعه بإطراء معيار العلم، لكنه لم يكتف بذلك، فأتبعه بالعبارات الناسفة، وكأن الإطراءات عنده ليست سوى قنطرة عبور للتبخيس، فقال: “بيد أنه أدخل فيه أغراضا صوفية فيها غلو وإفراط، وتألّ على الشرع وانبساط”، ثم قال: “وقد كان أبو حامد تاجا في هامة الليالي، وعقدا في لبة المعالي، حتى أوغل في التصوف، وأكثر معهم التصرف، فخرج على الحقيقة، وحاد في أكثر أحواله عن الطريقة، وجاء بألفاظ لا تطاق، ومعان ليس لها مع الشريعة انتظام ولا اتساق”[86] إلخ كلامه.

بتتبع تنقيداته للغزالي، نجد ابن العربي ينتقده بالحق وبغيره، بمناسبة وبغيرها، وإذا صوب إليه سهام نقده، استعمل عبارات قَسِيّة، وألفاظا دَنيّة، مما جعلنا نطرح سؤال الهدف والجدوى من هذه الاستعمالات، خصوصا أنها موجهة إلى علم من كبار أعلام الأمة، وهو إضافة إلى ذلك، أستاذ ابن العربي وشيخه، فلا يراعي أثناء الحديث معه حرمة المشيخة، ولا يتذكر شرف الأستاذية.

بعد التأمل في المسألة، بدا لي أنه كان يمعن في التبخيس من مكانة أبي حامد الغزالي، ويستعمل تقنية التكرار ليحصل استقرار ذلك في أذهان المتلقي، لأن الغزالي فرض نفسه بقوة في الساحة الأندلسية والمغربية، وصار كتابه إحياء علوم الدين دستور الصوفية، كثر انتساخه وتداوله، وتدريسه وإقراؤه، مما يدل على مكانة الغزالي ورمزيته التي اكتسبها بسرعة في الديار الأندلسية.

وإذا صارت للغزالي كاريزما ورمزية وسط التيار الصوفي، كان حريا بابن العربي، وهو المنتسب إلى صف الفقهاء، أن يجتهد في نسف هذه الكاريزما، فكان ينتقي من الألفاظ أقساها، ومن العبارات أعنفها، فيصف أقواله بالسفل والفساد والبشاعة والغباء وغيرها من الألفاظ المستبشعة، وكان يبالغ في ذلك، ويخطّئ الغزالي في غير خطأ، وأحيانا يبتر كلامه ليحقق مراده.

وإضافة إلى الانتقاد اللاذع للغزالي، فإنه يميز بين الغزالي الفقيه أو الأصولي أو المتكلم، وهو الغزالي المقبول، وبين الغزالي الصوفي، وهو الغزالي المرفوض، ففي سياق سرد عناوين الكتب التي جلبها معه من المشرق[87]، ذكر جملة منها، وضمّنها المنخول والمنتخل والتعليقة وشفاء الغليل وغور الدور ومحك النظر ومعيار العلم وتهافت الفلاسفة والاقتصاد في الاعتقاد، ولم يذكر كتاب إحياء علوم الدين، فهل سقط سهوا؟

هذا ما نستبعده، ونرجح أنه في سياق مشروعه الذي يريد به نسف مشروع الصوفية من الداخل، لا يسعه إلا تجاهل دستورهم، رغم أنه استفاد منه كثيرا في كتبه، خصوصا سراج المريدين.

خاتمة

هذا قُلٌّ من كُثر، وغيض من فيض من الملاحظات والتنقيدات الحديثية الدالة على أوهام ابن العربي في الحديث وعلومه وتخريجاته، تنظيرا وتطبيقا، وله نظائر أخرى وأمثلة مشابهة، لذا لا أراه من حفاظ الحديث ونقاده، ولعل وصفه بـ”الحافظ” من قبل تلميذه ابن بشكوال لم يكن بالمعنى الاصطلاحي للكلمة، بل بمعناها اللغوي، حيث يطلق “الحافظ” على الفقيه للدلالة على قدرته في حفظ واستظهار فروع المذهب، وهذا معهود ومستعمل في الصلة لابن بشكوال والغنية للقاضي عياض وغيرهما.

كما بينت في هذا البحث بُعد الفقيه أبي بكر ابن العربي عن التصوف علما وسلوكا، وأنه لم يكن معدودا ضمن أهله، ولا مذكورا في طبقاته، وفاقا لما أطبق العلماء والباحثون على التمييز بينه وبين سميه اعتمادا على التصوف إثباتا ونفيا، فإذا ذكروا ابن العربي المعافري قالوا: “ابنُ العربي الفقيه وليس ابنَ العربي الصوفي”، وإذا ذكروا الحاتمي قالوا رفعا للبس: “ابن العربي الصوفي وليس ابن العربي الفقيه”، فكان التصوف صفة مثبَتة للحاتمي، ونفيُه صفةً مثبَتة للمعافري.

كما بينت أنه كان اللسان الممثل للفقهاء في عصر اشتد فيه الصراع في الأندلس بينهم وبين الصوفية/المريدين، وعضدت ذلك بأنه لم يكتف بنقد الصوفية وممارساتهم، بل انتقد التصوف في مميزاته وخصوصياته، مما يدل على أن نسبته إلى التصوف مجرد توسع في العبارة، أو أن نسبته إليه خاضعة للمزاج السياسي المغربي المعاصر الذي ما فتئ يتحدث عن “الثوابت” الدينية، أما الصرامة العلمية والتصنيف العلمي فيأبى إدراجه ضمن الصوفية أهل السلوك والعرفان.

abdellah4144@hotmail.fr

ثبت المراجع المعتمدة في البحث

البخاري، محمد بن إسماعيل.

1 ــ الجامع الصحيح.

ابن حجر، أبو الفضل أحمد العسقلاني (ت:852هـ).

2 ــ فتح الباري. دار المعرفة، بيروت، 1379.

3 ــ نزهة النظر شرح نخبة الفكر، طبعة البابي الحلبي.

الحميدي، محمد بن فتوح (ت:488هـ).

4 ــ الجمع بين الصحيحين. تحقيق علي البواب، دار ابن حزم، لبنان، بيروت، ط: 2، 1423 ــ 2002.

ابن حنبل، أحمد.

5 ــ المسند. تحقيق شعيب الأرنؤوط وآخرين، مؤسسة الرسالة، ط: 1، 1421 ــ 2001.

الزيلعي، جمال الدين (ت:762هـ).

6 ــ تخريج أحاديث الكشاف. تحقيق عبد الله السعد. دار ابن خزيمة، الرياض، ط: 1، 1414.

7 ــ نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية. تحقيق محمد عوامة، مؤسسة الريان ببيروت، دار القبلة بجدة، ط: 1، 1418 ــ 1997.

ابن سعيد المغربي، أبو الحسن علي بن موسى (ت:685هـ).

8 ــ المغرب في حلى المغرب. تحقيق شوقي ضيف، دار المعارف، القاهرة، ط: 3، 1955.

ابن أبي شيبة، أبو بكر (ت:235هـ).

9 ــ المصنف. تحقيق سعد الشثري، دار كنوز إشبيلية، الرياض، السعودية، ط: 1، 1436 ــ 2015.

الطبراني، أبو القاسم سليمان بن أحمد (ت:360هـ).

10 ــ المعجم الكبير، تحقيق حمدي بن عبد المجيد، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، ط: 2.

ابن عبد البر، أبو عمر يوسف (463هـ).

11 ــ الدرر في اختصار المغازي والسير. تحقيق شوقي ضيف، دار المعارف، القاهرة، ط: 2، 1403.

 

عبد الحق، أبو محمد الإشبيلي (ت:582هـ).

12 ــ الجمع بين الصحيحين. عناية حمد الغماس، دار المحقق، الرياض، السعودية، ط: 1، 1419 ــ 1999.

ابن عبد الهادي، أبو عبد الله محمد (ت:744هـ).

13 ــ طبقات علماء الحديث. تحقيق أكرم البوشي وإبراهيم الزيبق، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، ط: 2، 1417 ــ 1996.

ابن عجيبة، أحمد بن محمد الحسني (ت:1224هـ).

14 ــ البحر المديد في تفسير القرآن المجيد. تحقيق أحمد عبد الله القرشي، القاهرة، 1419.

ابن العربي، أبو بكر محمد بن عبد الله الإشبيلي (ت:543هـ).

15 ــ أحكام القرآن، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط: 3، 1424 ــ 2003.

16 ــ الأمد الأقصى، في شرح أسماء الله الحسنى. عناية عبد الله التوراتي وأحمد عروبي، دار الحديث الكتانية، ط: 1، 1436 ـــ 2015.

17 ــ سراج المريدين في سبيل الدين. عناية عبد الله التوراتي، دار الحديث الكتانية، ط: 1.

18 ــ عارضة الأحوذي، بشرح جامع الترمذي. عناية صدقي جميل العطار، دار الفكر، 1415 ــ 1995.

19 ــ العواصم من القواصم. تحقيق عمار طالبي، مكتبة دار التراث، مصر.

20 ــ القبس في شرح موطأ مالك بن أنس. تحقيق محمد عبد الله ولد كريم، دار الغرب الإسلامي، ط: 1، 1992.

21 ــ قانون التأويل. تحقيق محمد السليماني، دار القبلة بجدة، ومؤسسة علوم القرآن ببيروت، ط: 1، 1406 ــ 1986.

22 ــ المتوسط في الاعتقاد. عناية عبد الله التوراتي، دار الحديث الكتانية، ط: 1، 1436 ــ 2015.

23 ــ المسالك في شرح موطأ مالك. عناية محمد السليماني وعائشة السليماني، دار الغرب الإسلامي، ط: 1، 1428 ــ 2007.

العطار، حسن بن محمد الشافعي (ت:1250هـ).

24 ــ حاشية العطار على جمع الجوامع. دار الكتب العلمية.

عياض، أبو الفضل القاضي.

25 ــ الغنية. تحقيق ماهر جرار، دار الغرب الإسلامي، ط: 1، 1402 ــ 1982.

الغزالي، أبو حامد محمد الطوسي (ت:505هـ).

26 ــ إحياء علوم الدين. دار المعرفة، بيروت.

الغماري، أحمد بن الصديق.

27 ــ المثنوني والبتار في نحر العنيد المعثار الطاعن فيما صح من السنن والآثار. مكتبة القاهرة، ط: 2. 1431 ــ 2010.

الغماري، عبد الله بن الصديق.

28 ــ قصة داود عليه السلام، (الجزء 5 من موسوعة العلامة عبد الله بن الصديق الغماري).

مالك بن أنس.

29 ــ الموطأ.

مسلم بن الحجاج.

30 ــ الجامع الصحيح.

الواقدي، محمد بن عمر (ت:207هـ).

31 ــ المغازي. تحقيق مارسدن جونس، دار الأعلمي، بيروت، ط: 3، 1409 ــ 1989.


[1] قلّت هذه الوسيلة في القرن الماضي بسبب ظهور الطباعة، وانعدمت اليوم بسبب الوفرة في طباعة الكتب التراثية من مصنفات ورسائل وأجزاء.

[2] الغزالي، أبو حامد محمد الطوسي (ت:505هـ)، إحياء علوم الدين: 3/293. دار المعرفة، بيروت.

[3] الغزالي، الإحياء: 3/271.

[4] الغزالي، الإحياء: 3/10.

[5] ابن العربي، أبو بكر محمد بن عبد الله الإشبيلي (ت:543هـ)، أحكام القرآن: 1/193. دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط: 3، 1424 ــ 2003.

[6] الإمام أحمد بن حنبل، المسند: 2/5 ــ 454. تحقيق شعيب الأرنؤوط وآخرين، مؤسسة الرسالة، ط: 1، 1421 ــ 2001.

[7] ابن العربي، أبو بكر، أحكام القرآن: 1/193.

[8] الإمام أحمد بن حنبل، المسند: 26/142 ــ 145، 30/233 ــ 235.

[9] قال ابن العربي: “روى أحمد بن حنبل عن الصحابة أنه كان لباسها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصوف”. سراج المريدين: 1/110، هذا العزو إلى الإمام أحمد ليس دليلا على وقوفه على المسند، لأنه قد يرويه بالواسطة دون الرجوع إليه، لذلك رواه عن “الصحابة”، ولم يروه عن “عائشة”، إضافة إلى أنه لم يروه بلفظه، ولفظ المسند عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى وعليه مرط من صوف لعائشة، عليها بعضه، وعليه بعضه”. المسند: 41/445، 43/37 ــ 220. ومما يعضد هذا، أنه روى في نفس الصفحة من السراج عن أحمد أثرا عن ثابت البناني، ولم نجده في كتب الإمام أحمد، ولعله رواه بالواسطة أيضا، لأننا وقفنا على هذا الأثر في حسن التنبه لما ورد في التشبه لنجم الدين الغزي: 2/268 معزوا إلى زوائد الزهد لعبد الله بن الإمام أحمد. والله أعلم.

[10] ابن العربي، أبو بكر، أحكام القرآن: 1/444.

[11] صحيح مسلم، كتاب الجنائز، باب في كفن الميت.

[12] ابن العربي، أبو بكر، أحكام القرآن: 2/51.

[13] صحيح مسلم، كتاب الطهارة، باب جواز الصلوات كلها بوضوء واحد.

[14] ابن العربي، أبو بكر، أحكام القرآن: 1/193.

[15] ابن العربي، أبو بكر، أحكام القرآن: 1/40.

[16] صحيح البخاري، كتاب الأحكام، باب كتاب الحاكم إلى عماله والقاضي إلى أمنائه.

[17] لفظه: “أتحلفون وتستحقون قاتلكم، أو صاحبكم؟”. صحيح البخاري، كتاب الجزية، باب الموادعة والمصالحة مع المشركين بالمال وغيره.

[18] ابن العربي، أبو بكر، سراج المريدين: 1/104.

[19] ابن حجر، أبو الفضل أحمد العسقلاني (ت:852هـ)، فتح الباري: 10/286. دار المعرفة، بيروت، 1379.

[20] الطبراني، أبو القاسم سليمان بن أحمد (ت:360هـ)، المعجم الكبير: 17/133. تحقيق حمدي بن عبد المجيد، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، ط: 2.

[21] ابن العربي، أبو بكر، سراج المريدين: 1/57.

[22] الحميدي، محمد بن فتوح (ت:488هـ)، الجمع بين الصحيحين: 3/487. تحقيق علي البواب، دار ابن حزم، لبنان، بيروت، ط: 2، 1423 ــ 2002.

عبد الحق، أبو محمد الإشبيلي (ت:582هـ)، الجمع بين الصحيحين: 2/538. عناية حمد الغماس، دار المحقق، الرياض، السعودية، ط: 1، 1419 ــ 1999.

[23] ابن العربي، أبو بكر، سراج المريدين: 1/118.

[24] صحيح مسلم، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة.

[25] ابن أبي شيبة، أبو بكر (ت:235هـ)، المصنف: 13/490. تحقيق سعد الشثري، دار كنوز إشبيلية، الرياض، السعودية، ط: 1، 1436 ــ 2015.

[26] ابن العربي، أحكام القرآن: 1/394.

[27] رواه مالك في الموطأ، كتاب الجهاد، باب ما جاء في الغلول. ورواه أبو داود، كتاب الجهاد، باب في تعظيم الغلول.

[28] الإحالة السابقة.

[29] الواقدي، محمد بن عمر (ت:207هـ)، المغازي: 1/ 5. تحقيق مارسدن جونس، دار الأعلمي، بيروت، ط: 3، 1409 ــ 1989.

[30] ابن عبد البر، أبو عمر يوسف (463هـ)، الدرر في اختصار المغازي والسير: 207. تحقيق شوقي ضيف، دار المعارف، القاهرة، ط: 2، 1403.

[31] ابن العربي، أحكام القرآن: 1/150.

[32] عزاه المزي إلى سنن أبي داود والترمذي (تحفة الأشراف: 4/70). وعزاه ابن كثير إلى المسند إضافة إلى السنن المذكورة (إرشاد الفقيه إلى معرفة أدلة التنبيه: 2/308).

[33] ابن العربي، أبو بكر، المسالك في شرح موطأ مالك: 4/53. عناية محمد السليماني وعائشة السليماني، دار الغرب الإسلامي، ط: 1، 1428 ــ 2007.

[34] رواه البخاري، كتاب الزكاة، باب إثم مانع الزكاة.

[35] الحميدي، محمد بن فتوح، الجمع بين الصحيحين: 3/162. وصدر كلامه بما يدل على تفرد البخاري، فقال: “وللبخاري طرف في مانع الزكاة …”.

[36] عبد الحق، أبو محمد الإشبيلي، الجمع بين الصحيحين: 2/50.

[37] الزيلعي، جمال الدين، نصب الراية: 4/409. تخريج أحاديث الكشاف: 1/249.

[38] ابن حجر، أبو الفضل أحمد العسقلاني، نزهة النظر شرح نخبة الفكر: 5، طبعة البابي الحلبي.

[39] من مقدمة محمد بوخبزة لكتاب سراج المهتدين.

[40] ابن العربي، أبو بكر، عارضة الأحوذي: 6/171.

[41] ابن العربي، أبو بكر، سراج المريدين: 1/50.

[42] ابن العربي، أبو بكر، المتوسط في الاعتقاد: 422.

[43] ابن العربي، أبو بكر، عارضة الأحوذي: 6/388.

[44] ابن العربي، أبو بكر، الأمد الأقصى: 1/300.

[45] ابن العربي، أبو بكر، الأمد الأقصى: 1/301.

[46] ابن العربي، أبو بكر، الأمد الأقصى: 1/294.

[47] ابن العربي، أبو بكر، المتوسط في الاعتقاد: 438.

[48] لمعرفة ذلك، ينظر: عبد الله بن الصديق، قصة هاروت وماروت، الجزء 5 من موسوعة العلامة عبد الله بن الصديق الغماري، دار السلام، مصر، ط: 1، 1437، 2016.

[49] ابن العربي، أبو بكر، أحكام القرآن: 1/46.

[50] ابن العربي، أبو بكر، سراج المريدين: 4/262.

[51] ينظر في ذلك: عبد الله بن الصديق، قصة داود عليه السلام، الجزء 5 من موسوعة العلامة عبد الله بن الصديق الغماري.

[52] ابن الصديق، أحمد الغماري، المثنوني والبتار في نحر العنيد المعثار الطاعن فيما صح من السنن والآثار: 37. مكتبة القاهرة، ط: 2. 1431 ــ 2010.

[53] ابن العربي، أبو بكر، سراج المريدين: 1/203. المسالك: 7/450.

[54] ابن العربي، أبو بكر، عارضة الأحوذي: 1/252.

[55] ابن العربي، أبو بكر، سراج المريدين: 3/40.

[56] ابن العربي، أبو بكر، عارضة الأحوذي: 6/38.

[57] ابن العربي، أبو بكر، القبس: 1102. المسالك: 7/284.

[58] ابن حجر، أبو الفضل أخمد بن علي، فتح الباري: 10/305.

[59] ابن العربي، أبو بكر، سراج المريدين: 1/107.

[60] ينظر: ابن حجر، أبو الفضل أحمد بن علي، نزهة النظر في شرح نخبة الفكر: 17. مطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر.

[61] ابن العربي، أبو بكر، القبس: 903.

[62] ابن العربي، أبو بكر، المسالك: 6/312.

[63] ابن العربي، القبس: 561.

[64] ابن العربي، المسالك: 3/449.

[65] ابن العربي، أبو بكر، سراج المريدين: 3/191.

[66] نقلا عن: ابن عبد الهادي، أبو عبد الله محمد (ت:744هـ)، طبقات علماء الحديث: 4/71. تحقيق أكرم البوشي وإبراهيم الزيبق، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، ط: 2، 1417 ــ 1996.

[67] ابن سعيد المغربي، أبو الحسن علي بن موسى (ت:685هـ)، المغرب في حلى المغرب: 1/255. تحقيق شوقي ضيف، دار المعارف، القاهرة، ط: 3، 1955.

[68] ابن العربي، أبو بكر، أحكام القرآن: 4/50. سراج المريدين: 4/262.

[69] ابن عجيبة، أحمد بن محمد الحسني (ت:1224هـ)، البحر المديد في تفسير القرآن المجيد: 1/193. تحقيق أحمد عبد الله القرشي، القاهرة، 1419.

[70] ابن العربي، أبو بكر، سراج المريدين: 2/441.

[71] عياض، أبو الفضل القاضي، الغنية: 46.

[72] ابن العربي، أبو بكر، قانون التأويل: 579.

[73] ابن العربي، أبو بكر، الأمد الأقصى: 2/113.

[74] ابن العربي، أبو بكر، أحكام القرآن: 3/82.

[75] العطار، حسن بن محمد الشافعي (ت:1250هـ)، حاشية العطار على جمع الجوامع: 2/533. دار الكتب العلمية.

[76] الغزالي، أبو حامد، إحياء علوم الدين: 4/300.

[77] الغزالي، أبو حامد، إحياء علوم الدين: 4/301.

[78] ابن العربي، أبو بكر، سراج المريدين: 3/154.

[79] ابن العربي، أبو بكر، الأمد الأقصى: 2/111.

[80] ابن العربي، أبو بكر، سراج المريدين: 3/154.

[81] ابن العربي، أبو بكر، سراج المريدين: 3/155.

[82] ابن العربي، أبو بكر، الأمد الأقصى: 2/109.

[83] الغزالي، أبو حامد، إحياء علوم الدين: 4/306.

[84] ابن العربي، أبو بكر، الأمد الأقصى: 1/345.

[85] ابن العربي، أبو بكر، الأمد الأقصى: 2/92 ــ 93.

[86] ابن العربي، أبو بكر، العواصم من القواصم: 78.

[87] ابن العربي، أبو بكر، سراج المريدين: 4/399 وما بعدها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.