منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

(1) سورة الفاتحة – فضائل رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم

زروق يعقوب (1) سورة الفاتحة - فضائل رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم

0

مقدمة:

إن أفضل وأعلم وأكمل وأنصف من تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه سبحانه في كتابه الحكيم. لذلك فإن فضائله صلى الله عليه وسلم مبثوثة في سور القرآن الكريم وآياته. فما من سورة منه إلا وهي تذكر بعضا من شمائله الكريمة، أو تبرز جانبا من قدره الشريف، أو تخاطبه بأمر هو أول من يمتثله، أو تنهاه عن نهي يكون هو أبعد الناس عنه، أو تقص عليه قصصا تثبت فؤاده ويأتسي بإخوانه قبله. لذلك فالقرآن والنبوة صنوان لا يفترقان. ولنتأمل كيف وصف الله كتابه بأوصاف في آيات وصف بها نبيه في آيات أخر قال تعالى : ﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ﴾ )المائدة: 15(  قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه لهؤلاء الذين خاطبهم من أهل الكتاب: “قد جاءكم من الله نور”، يعني بالنور، محمدًا ﷺ الذي أنار الله به الحقَّ، وأظهر به الإسلام، ومحق به الشرك، فهو نور لمن استنار به يبيِّن الحق”[1].

ويقول الإمام الشوكاني في تفسيرها: الضَّمِيرُ في قَوْلِهِ: ( يَهْدِي بِهِ ) راجِعٌ إلى الكِتابِ أوْ إلَيْهِ وإلى النُّورِ لِكَوْنِهِما كالشَّيْءِ الواحِدِ”[2]  .

وقال سبحانه واصفا كتابه بما وصف به نبيه: ﴿ يَا اَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا ﴾ (النساء: 174).كما وصف الحق سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم بالرحمة والهداية فقال سبحانه: ﴿ وَمَا أَرۡسَلۡنَـاكَ إِلَّا رَحۡمَة لِّلۡعَـٰلَمِینَ﴾ (الأنبياء: 107). وقال سبحانه: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهۡدِیۤ إِلَىٰ صِرَا⁠ط مُّسۡتَقِیم﴾ ( الشورى: 52)

وقال سبحانه واصفا كتابه كذلك بالرحمة والهداية: ﴿الۤمۤ تِلۡكَ ءَایَـٰتُ ٱلۡكِتَـٰبِ ٱلۡحَكِیمِ هُدى وَرَحۡمَة لِّلۡمُحۡسِنِینَ﴾ (لقمان: 1.2).

ولذلك كانت أمنا عائشة رضي الله عنها لا تكاد تسأل عن شيء كان يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أحالت السائل على القرآن الكريم. فعَنْ زُرارَةَ بْنِ أوْفى، قالَ: أخْبَرَنا سَعْدُ بْنُ هِشامِ بْنِ عامِرٍ، وكانَ جارًا لَهُ، أنَّهُ قالَ لِعائِشَةَ: أخْبِرِينِي عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، قالَتْ: ألَسْتَ تَقْرَأُ القُرْآنَ؟ قُلْتُ: بَلى، قالَتْ: «خُلُقُ نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ كانَ القُرْآنَ»، قالَ: فَهَمَمْتُ أنْ أقُومَ ولا أسْألُها عَنْ شَيْءٍ فَقُلْتُ: يا أُمَّ المُؤْمِنِينَ، أنْبِئِينِي عَنْ قِيامِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، قالَتْ: ألَسْتَ تَقْرَأُ هَذِهِ السُّورَةَ: ﴿يا أيُّها المُزَّمِّلُ﴾ ؟ [3]

وعَنْ عَلْقَمَةَ، سَألَهُ رَجُلٌ: أكانَ النَّبِيُّ يَخْطُبُ قائِمًا أوْ قاعِدًا؟ قالَ: «ألَسْتَ تَقْرَأُ: ﴿وتَرَكُوكَ قائِمًا﴾ (الجمعة:11)[4]

1 – مزية خص بها صلى الله عليه وسلم دون الأنبياء:

إن الله تعالى خص نبيه صلى الله عليه وسلم بخصال لم يعطهن نبيا قبله. ﴿ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء﴾، كرامة منه سبحانه وتعظيما لقدره الشريف. ومن تلك العطايا التي خصه بها سورة الفاتحة. عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: بَيْنا جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ قاعِدٌ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ سَمِعَ صَوْتًا نَقِيضًا مِن فَوْقِهِ فَقالَ: «هَذا بابٌ مِنَ السَّماءِ فُتِحَ اليَوْمَ لَمْ يُفْتَحْ قَطُّ إلّا اليَوْمَ، فَنَزَلَ مِنهُ مَلَكٌ» فَقالَ: «هَذا مَلَكٌ نَزَلَ إلى الأرْضِ لَمْ يَنْزِلْ قَطُّ إلّا اليَوْمَ فَسَلَّمَ» وقالَ: «أبْشِرْ بِنُورَيْنِ أُوتِيتَهُما لَمْ يُؤْتَهُما نَبِيٌّ قَبْلَكَ: فاتِحَةُ الكِتابِ، وخَواتِيمُ سُورَةِ البَقَرَةِ لَمْ تُقْرَأْ بِحَرْفٍ مِنها إلّا أُعْطِيتَهُ».[5]

فهي أعظم سورة أكرم الله بها أفضل رسله. فقد تضمنت مقاصد القرآن كلها واشتملت معانيه جميعها. وجمعت فضائله وأنواره بأسرها.

عَنْ أبِي سَعِيدِ بْنِ المُعَلّى، قالَ: كُنْتُ أُصَلِّي، فَدَعانِي النَّبِيُّ ﷺ فَلَمْ أُجِبْهُ، قُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي كُنْتُ أُصَلِّي، قالَ: «ألَمْ يَقُلِ اللَّهُ: اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ ولِلرَّسُولِ إذا دَعاكُمْ؟»، ثُمَّ قالَ: «ألاَ أُعَلِّمُكَ أعْظَمَ سُورَةٍ فِي القُرْآنِ قَبْلَ أنْ تَخْرُجَ مِنَ المَسْجِدِ»، فَأخَذَ بِيَدِي، فَلَمّا أرَدْنا أنْ نَخْرُجَ، قُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّكَ قُلْتَ: «لَأُعَلِّمَنَّكَ أعْظَمَ سُورَةٍ مِنَ القُرْآنِ» قالَ: «الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ، هِيَ السَّبْعُ المَثانِي، والقُرْآنُ العَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ.[6] «

قال ابن القيم: “اعْلَمْ أنَّ هَذِهِ السُّورَةَ اشْتَمَلَتْ عَلى أُمَّهاتِ المَطالِبِ العالِيَةِ أتَمَّ اشْتِمالٍ، وتَضَمَّنَتْها أكْمَلَ تَضَمُّنٍ. فاشْتَمَلَتْ عَلى التَّعْرِيفِ بِالمَعْبُودِ تَبارَكَ وتَعالى بِثَلاثَةِ أسْماءٍ، مَرْجِعُ الأسْماءِ الحُسْنى والصِّفاتِ العُلْيا إلَيْها، ومَدارُها عَلَيْها، وهِيَ: اللَّهُ، والرَّبُّ، والرَّحْمَنُ، وبُنِيَتِ السُّورَةُ عَلى الإلَهِيَّةِ، والرُّبُوبِيَّةِ، والرَّحْمَةِ، وتَضَمَّنَتْ إثْباتَ المَعادِ، وجَزاءَ العِبادِ بِأعْمالِهِمْ، حَسَنِها وسَيِّئِها، وتَفَرُّدَ الرَّبِّ تَعالى بِالحُكْمِ إذْ ذاكَ بَيْنَ الخَلائِقِ، وكَوْنَ حُكْمِهِ بِالعَدْلِ، وكُلُّ هَذا تَحْتَ قَوْلِهِ وتَضَمَّنَتْ إثْباتَ النُّبُوّاتِ”[7].

2 – رب العالمين ورحمة العالمين:

تطالعنا سورة الفاتحة بالثناء والشكر الخالص لله تعالى كونه ربا للعالمين ﴿الحمد لله رب العالمين﴾ قال ابن كثير: الرَّبُّ هُوَ: الْمَالِكُ الْمُتَصَرِّفُ، وَيُطْلَقُ فِي اللُّغَةِ عَلَى السَّيِّدِ، وَعَلَى الْمُتَصَرِّفِ لِلْإِصْلَاحِ، وَكُلُّ ذَلِكَ صَحِيحٌ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى”[8].

وقال السعدي: ” الرب، هو المربي جميع العالمين -وهم من سوى الله- بخلقه إياهم، وإعداده لهم الآلات، وإنعامه عليهم بالنعم العظيمة، التي لو فقدوها، لم يمكن لهم البقاء. فما بهم من نعمة، فمنه تعالى”.[9]

وعلى هذا فإن من مقتضى ربوبيته سبحانه أن بعث في العالمين رسوله صلى الله عليه وسلم رحمة لهم  به صلاحهم في الدنيا والآخرة. كما قال سبحانه: ﴿وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين﴾        (الأنبياء: 107).

وتثني بذكر أسمائه الحسنى سبحانه ﴿ٱلرَّحۡمَـٰن ٱلرَّحِیمِ﴾ اشتملت الفاتحة على صفات الرب سبحانه وعلى بعض أسمائه التي إليها ترجع باقي الأسماء والصفات كما ذكر ابن القيم سابقا. وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو من يعرف الناس بربهم سبحانه وهو من يدلهم عليه، ومن يعلمهم أسماءه الحسنى. إذ هو صلى الله عليه وسلم هو أعلم الناس بالله. فعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنَّ أتْقَاكُمْ وأَعْلَمَكُمْ باللَّهِ أنَا”.[10]

وتلك مهمته صلى الله عليه وسلم أن يدل الناس على خالقهم، ويوصلهم إليه. هو وسيلتهم إليه. فأية رحمة أعظم من أن يعرف المؤمن ربه ويتقرب إليه ويحبه. ﴿الرَّحْمَن فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا﴾ قال السعدي: “يعني بذلك نفسه الكريمة فهو الذي يعلم أوصافه وعظمته وجلاله، وقد أخبركم بذلك وأبان لكم من عظمته ما تستعدون به من معرفته فعرفه العارفون وخضعوا لجلاله، واستكبر عن عبادته الكافرون واستنكفوا عن ذلك”[11].

3 – لا هداية إلى الصراط المستقيم إلا برسول الله صلى الله عليه وسلم:

في الفاتحة  بعد الإقرار بالعبودية لله واللجإ إليه سبحانه طلبا لعونه، والتضرع إليه أن يهدينا الصراط المستقيم. بين الحق سبحانه أن الصراط المأمور بسلوكه هو صراط رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفي هذا أعظم تشريف لرسول الله صلى الله عليه وسلم. قال عبد الرحمن بن زيد في قول الله ” صراط الذين أنعمت عليهم “، قال: النبيّ ﷺ ومن معه”[12].

وَقَالَ بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ: “طَرِيقُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَالْحَسَنُ: رَسُولِ اللَّهِ وَآلِهِ  وَصَاحِبَاهُ”.[13]

وقالَ الْجُمْهُورُ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: ” إِنَّهُ أَرَادَ صِرَاطَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ. وَانْتَزَعُوا ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً} ” (النساء: 69)[14]

فالهداية في اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال سبحانه: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهۡدِی إِلَىٰ صِرَاطࣲ مُّسۡتَقِیمࣲ  صِرَ ا⁠طِ ٱللَّهِ ٱلَّذِی لَهُۥ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ا⁠تِ وَمَا فِی ٱلۡأَرۡضِ أَلَا إِلَى ٱللَّهِ تَصِیرُ ٱلۡأُمُورُ ﴾ (الشورى 53.52)

وكل سبيل دون سبيل رسول الله صلى الله عليه وسلم مغصوب عن أهله ضالون مستحقون للنار.

قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ (النساء: 115)

قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: “ومن يشاقق الرسول”، ومن يباين الرسولَ محمدًا ﷺ، معاديًا له، فيفارقه على العداوة له من بعد ما تبين له أنه رسول الله، وأن ما جاء به من عند الله يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم”[15]


 

الهوامش:

[1]  – جامع البيان. تفسير الطبري — ابن جرير الطبري

[2]  – فتح القدير – محمد بن علي الشوكاني

[3]  – صحيح ابن حبان. الرقم: 5251

[4]  – مصنف ابن أبي شيبة. الرقم: 5183

[5]  – السنن الكبرى للنسائي.  7960

[6]  – صحيح البخاري 5006

[7]  – مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين. ابن القيم.

[8]  – تفسير القرآن العظيم.  ابن كثير

[9]  – تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان.  السعدي

[10]  – .صحيح البخاري

[11]  – تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان.  السعدي

[12]  – جامع البيان. تفسير الطبري

[13]  – معالم التنزيل . البغوي.

[14]  – الجامع لأحكام القرآن. القرطبي.

[15]  – . تفسير الطبري

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.