قيم الاقتصاد الإسلامي|مفاهيم وقيم الاقتصاد الاسلامي وعلاقتها بالعدالة الاجتماعية
الدكتور حسن محمد أحمد محمد
قيم الاقتصاد الإسلامي|مفاهيم وقيم الاقتصاد الاسلامي وعلاقتها بالعدالة الاجتماعية
الدكتور حسن محمد أحمد محمد
يمكنكم تحميل الكتاب من الرابط التالي :
“الاقتصاد الإسلامي وأثره في ترسيخ مفاهيم وقيم العدالة الاجتماعية”
عند المقارنة بين الاقتصاد الإسلامي والاقتصادات الأخرى، لاسيما الرأسمالي والاشتراكي، نلحظ أن ثمة اختلافات بينها وبين النظام الإسلامي، ففلسفة الاقتصاد الرأسمال، على سبيل المثال، تنبني على مسائل تتحكم في حركته، وهي: الانتاج، التبادل، المنفعة، الاستهلاك. وهذه هي سمات مدرسة الاقتصاد الكلاسيكي التي كان على رأسها الاقتصادي الإنجليزي آدم سميث، والتي تقوم على مبدأ التبادل الحر، وهي تتيح لكل إنسان أن يسعى إلى تحقيق مصلحته الشخصية أولاً، ومن ثم، كما يرون، تتحقق المصلحة العامة المشتركة بينه وبين المجتمع، ولأن الصالح المشترك الأكبر يتكون من مجموع أجزائه، فإن إعاقة المصالح الشخصية فيه تقليل من مجموع المصالح المشتركة الكبرى. فالنظام الرأسمالي يعلّق النشاط الاقتصادي على المصلحة الشخصية وعلى المنفعة المتبادلة بين الفرد والمجتمع، وآلية جهاز الثمن كالعرض والطلب هي التي تجعل هذا الهدف سهلاً ميسورًا للجميع، وقد أوضح ستيورات مل، في كتابه (منطق العلوم الأخلاقية) أن الاقتصاد الكلاسيكي يبني نظرياته على مبدأ واحد، وهو النظر إلى الإنسان من ناحية غرائزه المادية فقط، ولا يهتم بظواهر الحياة الاجتماعية إلا في ما يتعلق بالبحث عن الثروة فقط[1]، وتعد مسألة الملكية الشخصية وحرية التملك واختيار مجال الإنتاج والتشغيل … من أهم خصائص الاقتصاد الرأسمالي، وفي إطار هذه الحريات يعمل الاقتصاد الرأسمالي “بنظام الثمن” …، وقد أضفى آدم سميث هالة من الاطراء والتمجيد على هذه الحركة الميكانيكية، التي قال: إنها تحقق التوازن بين الصالح الخاص والعام، والصالح العام. أما في نظر سميث، فهو مجموع المصالح الخاصة، واعتبر بذلك أن جهاز الثمن أو آلية السوق هي اليد السحرية التي تعمل على تقويم كل معوج في مضمار الاقتصاد.
وعلى العكس من مفهوم سميث والنظام الرأسمالي بكامله، نجد أن كار ماركس، مؤسس نظام الاقتصاد الإشتراكي الشيوعي، يرد كل الشرور الاقتصادية والاجتماعية إلى موضوع الملكية الفردية والحرية الشخصية ويعتر أن فناء النظام الرأسمالي سيكون في بذور الملكية والحرية والتي ستقضي عليهما في المستقبل[2].
وهناك شئ من التوافق بين نظام الاقتصاد الإسلامي والنظام الاقتصادي الرأسمالي فكلاهما يسير في ذات الاتجاه وهو الاعتراف بفكرة الملكية الشخصية أو الفردية، فقد أقر الإسلام مبدأ الملكية الشخصية واعترف بها ولم يحاربها بل وشجع الناس وحثهم عليها، إلا أن ثمة فرقًا جوهريًا يميز النظام المالي في الإسلام، عن رصيفه الرأسمالي، وهو: أن الإسلام يعتبر حركة الفرد لكسب معيشته ضرب من العبادة والتقرب إلى الله، وقد جاء في صحيح البخاري: (عن المقدام، رضي الله عنه، عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده)[3]. وفي صحيح مسلم: (عن سعيد بن يسار، أنه سمع أبا هريرة يقول، قال: رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ما تصدق أحد بصدقة من طيب ولا يقبل الله إلا الطيب إلا أخذها الرحمن بيمينه وإن كانت تمرة فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله)[4]، و(عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: على كل مسلم صدقة، فقالوا: يا نبي الله فمن لم يجد، قال: يعمل بيده فينفع نفسه ويتصدق، قالوا: فإن لم يجد، قال: يعين ذا الحاجة الملهوف، قالوا فإن لم يجد، قال: فليعمل بالمعروف وليمسك عن الشر فإنها له صدقة)[5].
والأحاديث النبوية التي تروى في فضل العمل والحث عليه، في كتب الحديث، ليست بالقليلة وهي تهدف إلى شحذ الهمم من أجل العمل، وتدعو إلى تآلف وتآذر المجتمع المسلم بحيث يكون كالجسد الواحد، فقد جاء في صحيح البخاري: (عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)[6]، وأيضًا: (عن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه فإن لم يجلسه معه فليناوله لقمة أو لقمتين أو أكلة أو أكلتين فإنه ولي علاجه)[7]، ويروى عن عمر بن الحطاب، أنه مر بقوم، بمكة، فرأى الخدم وقوفًا لا يأكلون مع سادتهم؛ فغضب وقال لسادتهم، مستنكرًا،: ما بال قوم يستأثرون على خدامهم!؟ ثم دعا الخدم للأكل مع سادتهم في وعاء واحد[8]. تؤكد الأحاديث السابقة على مبدأ التشارك والمشاركة الاجتماعية، ولكنها ليست كالمشاركة في النظام الشوعي الذي انبنى على سيطرة الدولة وهيمنتها على جميع وسائل الإنتاج وموارده، ولعل ذلك هو السبب الرئيس في فسادها، بجانب بعد الدولة عن كل معتقد ديني إيماني؛ الأمر الذي أسهم في فشل النظرية وتفكك الأنظمة الشيوعية.
لقد نحا النظام المالي في الإسلام منحًا مختلفًا عن كل من الاقتصاد الرأسمالي والإشتراكي، حينما تفهم طبيعة النفس الإنسانية وشغفها بحب المال، قال تعالى:(وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا) الفجر:20.
ولننظر إلى هذه الآيات (محمد: 36-38) وهي تنقل إلينا مشهدًا تصويريًا، يعبر عن شدة الحرص والبخل المتمكن والمتحكم في النفس الإنسانية، وهي تدعونا، في نفس الآن، إلى احياء الجانب الإيماني المشرق من النفس، وتمنينا بنعيم لا يوصف ولا ينفد في الدار الآخرة.
(إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ * إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ * هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ) محمد: 36-38.
من هنا اتسعت هوة الفروقات بين الأنظمة الاقتصادية الثلاثة، النظام الاقتصادي الإسلامي من جانب، والنظامين الآخرين، اللرأسمال والاشتراكي، من جانب آخر، ففي حين غلّب الإسلام الجانب الروحي في الفرد والمجتمع نجد أن كلا من الاقتصادين الرأسمالي والاشتراكي قد أهملا الجوانب الروحية في الإنسان، وركزا، جميع جهودهما، على النواحي المادية من الإنسان، فلم يحالفهما النجاح، والواقع أن مفهوم الاقتصاد الإسلامي قد تجاوز كل من النظم الرأس مالية والاشتراكية، والتي ركزت جهودها في إشباع الحاجات المادية الغريزية في الإنسان، دون الاهتمام بالقيم الأخلاقية والروحية التي أولاها الإسلام كل اهتمامه وعنايته، من خلال سعيه الحسيس وتركيزه على معالجة شؤون الحياة المجتمعية بكاملها كوسيلة للعيش الكريم؛ مما ينمي، في الإنسان الكثير من السمات والخصائص الروحية العليا التي تقوم على مبدأ الخوف من العقاب وانتظار الثواب في الآخرة[9]، يقول تعالى:
(وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) الإسراء: 77.
وإن كان الاقتصاد الرأسمالي، اليوم، قد أصاب حظًا من النجاح في هذه الحياة الدنيا، فإنه كالبرق الخلب أو السراب الخادع، يقول تعالى:
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ) النور: 39.
لذلك لابد من فك الارتباط بين النظم المالية في الدول المسلمة وبين النظام الرأسمالي الربوي الذي تعرض ويتعرض لكثير من مخاطر الإنهيار المالي، ولعل في ذلك فائدتان، الأولى تفادي مخاطر الإنهيار، أما الثانية فهي العودة إلى حظيرة النظام المالي الإسلامي الذي يقربنا من الله تعالى.
[1]/ السيد محمد بدوي: في علم الاقتصاد الاجتماعي، ص: 26، دار المعرفة الجامعية، (الإسكندرية – مصر) 1988م.
[2]/ أمينة أحمد إمام الشوربجي: رؤية الرحالة المسلمين للأحوال المالية والاقتصادية لمصر في العصر الفاطمي، ص: 15، الهيئة المصرية العامة للكتاب (القاهرة) 1994م.
[3]/ صحيح البخاري ج2/ص730.
[4]/ صحيح مسلم ج2:ص702.
[5]/ صحيح البخاري ج2:ص524.
[6]/ صحيح البخاري ج1/ص14.
[7]/ (صحيح البخاري ج2:ص902.
[8]/ السيد محمد بدوي: في علم الاقتصاد الاجتماعي، ص: 222، دار المعرفة الجامعية، (الإسكندرية – مصر) 1988م.
[9]/ أمينة أحمد إمام الشوربجي: رؤية الرحالة المسلمين للأحوال المالية والاقتصادية لمصر في العصر الفاطمي، ص: 17، الهيئة المصرية العامة للكتاب (القاهرة) 1994م.