إن الإيمان بعقيدة شعب الله المختار، هي فكرة أساسية في فكر الجماعات الدينية المتطرفة، نتج عنها صفة ” القداسة ” التي أصبح يحملها كهنتهم وأحبارهم، وأصبحت حاضرة بشكل قوي في طقوسهم الدينية وكتبهم التوراتية، كما جاء في سفر الخروج 19/6 »وَأَنْتُمْ تَكُونُونَ لِي مَمْلَكَةَ كَهَنَةٍ وَأُمَّةً مُقَدَّسَةً. هذِهِ هِيَ الْكَلِمَاتُ الَّتِي تُكَلِّمُ بِهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ». .بل الأكثر من ذلك أن اليهود غير المتدينين أخذوا هم أيضا بهذا التصور، فأصبح يكتسي طابعا قوميا عميقا .
كما أن هذه النزعة الدينية المتطرفة التي تدعو إلى التمييز بين اليهود كشعب مختار أو كشعب مقدَّس وبين الشعوب الأخرى التي تقع خارج دائرة القداسة، تجسدت بشكل واضح حين اعتبرت غير اليهود أغيار أو غرباء. فقد جاء في سفر أشعياء 61: 5 ـ 6 ” وَيَقِفُ الأَجَانِبُ وَيَرْعَوْنَ غَنَمَكُمْ، وَيَكُونُ بَنُو الْغَرِيبِ حَرَّاثِيكُمْ وَكَرَّامِيكُمْ. أَمَّا أَنْتُمْ فَتُدْعَوْنَ كَهَنَةَ الرَّبِّ، تُسَمَّوْنَ خُدَّامَ إِلهِنَا. تَأْكُلُونَ ثَرْوَةَ الأُمَمِ، وَعَلَى مَجْدِهِمْ تَتَأَمَّرُون. » كما جاء في سفر ميخا4: 13 ” «قُومِي وَدُوسِي يَا بِنْتَ صِهْيَوْنَ، لأَنِّي أَجْعَلُ قَرْنَكِ حَدِيدًا، وَأَظْلاَفَكِ أَجْعَلُهَا نُحَاسًا، فَتَسْحَقِينَ شُعُوبًا كَثِيرِينَ، وَأُحَرِّمُ غَنِيمَتَهُمْ لِلرَّبِّ، وَثَرْوَتَهُمْ لِسَيِّدِ كُلِّ الأَرْضِ».”. .
أما صور التطرف والتعصب اتجاه الآخر في فكر هذه الجماعات الدينية اليهودية المتطرفة فترجع فيه إلى نصوص توراتية، نذكر منها:
ـ سلب هذا الآخر حقوقه وآدميته وحياته (سفر يشوع)
ـ طرد وضرب وتحريم الشعوب الأخرى ( سفر الخروج 23/30 ـ سفر التثنية 7/21)
ـ النهي عن قطع عهد مع الآخر أو الشفقة عليه (سفر التثنية 7/2)
ـ إبادة وتحريم مدن الشعوب الأخرى واغتنام أراضيهم (سفر يشوع 6/20-21 . سفر التثنية20/ 16ـ 20)
ـ استعباد أبناء الشعوب الأخرى ( سفر اللاويين 25/44-46)
بل إن التلمود(في بعض نصوصه المتناقضة) يدعو دعوة صريحة إلى قتل الغريب، ومنهم الإنسان العربي عموما والفلسطيني على وجه الخصوص.
ومن أجل تحقيق أهدافها فإن هذه الجماعات الدينية اليهودية المتطرفة لا تتوانى في استخدام العنف والبطش في محاربة المعارضين لها، حتى وإن كانوا من تيارات يهودية أخرى أكثر اعتدالا من وجهة نظرها. لكن الممارسة الأكثر تطرفا فتبرز بالخصوص في مواجهة الفلسطينيين، ويمكن أن نذكر في هذا الصدد بعض العمليات الإرهابية ضد الفلسطينيين على سبيل الرصد لا الحصر[1]:
1ـ تفخيخ سيارتي اثنين من رؤساء البلديات الفلسطينيين في يونيو 1980.
2ـ محاولة في جامعة الخليل الإسلامية في صيف سنة 1983م، قتل فيها ثلاثة طلاب عرب وجرح ثلاثة وثلاثون.
3ـ التحضير لعملية تفجير خمس حافلات عربية في بداية 1984م.
4ـ مذبحة الحرم الإبراهيمي في 25فبراير 1994م، قتل فيها تسعة وتسعون مسلما وجرح مائة وخمسة وعشرون.
أما التطرف والإرهاب الحقيقي فيمارسه جيش الاحتلال الصهيوني في قطاع غزة المحاصر بحرا وبرا وجوا، من خلال حروب مستمرة منذ سنة 2006، كان آخرها في أواخر رمضان من هذه السنة 1442ه، قتل فيها عددا كبيرا من الأطفال والنساء والعجزة، وهدم البنايات والمدارس والمرافق الصحية والمراكز الإعلامية والبنيات التحتية، ورفض إدخال “الكازوال” والمواد الأساسية الضرورية للحياة الانسانية. وقد لانستغرب من صورة إرهاب من هذا المستوى يمارس على الفلسطينيين العزل في قطاع غزة، إذا علمنا أن مجموعة من أفراد جيش الاحتلال الصهيوني ينتمون إلى الجماعات الدينية اليهودية المتطرفة ويدينون بدينها، وهم جنود التوراة الذين يقومون بكل هذه الجرائم باسم القداسة.
الهوامش:
[1] د.هويدا عبد الحميد مصطفى: الجماعات اليهودية المتطرفة والاتجاهات السياسية الدينية في إسرائيل، مكتبة الشروق الدولية، ط1، 2010م ، ص: 174ـ 177(بتصرف).