منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

الأربعون حديثا المبشرة (1) في بيان أهمية التبشير

الأربعون حديثا المبشرة (1) في بيان أهمية التبشير/يعقوب زروق

0

الأربعون حديثا المبشرة (1) في بيان أهمية التبشير

بقلم: يعقوب زروق

مقدمة:

{يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَداعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجًا مُنِيرًا (46)}.[الأحزاب: 45-46]

بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم وكلفه بمهام من بينها التبشير والإنذار. بالبشارة تتحفز النفوس للعمل الصالح وتتوق إلى الثواب. وبالنذارة تكف عن  السوء والفحشاء خوفا من العقاب. فالمؤمن يحيى بين رجاء في الله وطمع في رضاه ورحمته وبين خوف من عقوبته وسخطه.

وبالبشارة تتنزل الملائكة على المؤمنين أولياء الله. تطمئنهم، فلا يخافون مما هو آت ولا يحزنون عما فات.

إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ [فصلت: 30]

التخويف والتحزين من عمل الشيطان. شياطين الجن والإنس لا يفتؤون يبثون الحزن في الناس، زرعا لليأس من رحمة الله، الذي هو من صفات الكافرين.

 إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ  [آل عمران: 175]

إِنَّمَا ٱلنَّجۡوَىٰ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ لِيَحۡزُنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَيۡسَ بِضَآرِّهِمۡ شَيۡـًٔا إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ [المجادلة: 10]

التحزين والتخويف سلاح الشيطان، إن تمكن في القلب أساء العبد الظن في ربه واستدرجه الشيطان إلى مهاوي الكفر والعياذ بالله. فالمؤمن يحسن ظنه بالله. ولا تذهله الأحداث العظام لأنه يوقن أن المتصرف في الكون هو الله. وأنه لا حركة ولا سكون إلا بإذنه سبحانه. وأنه عزو جل

 “وَعِندَهُۥ مَفَاتِحُ ٱلۡغَيۡبِ لَا يَعۡلَمُهَآ إِلَّا هُوَۚ وَيَعۡلَمُ مَا فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِۚ وَمَا تَسۡقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعۡلَمُهَا وَلَا حَبَّةٖ فِي ظُلُمَٰتِ ٱلۡأَرۡضِ وَلَا رَطۡبٖ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَٰبٖ مُّبِينٖ”

[الأنعام: 59].

وقد استغل الأعداء هذا السلاح أيما استغلال، فكان لا بد أن يواجه بما يبطل سحره ألا وهو التبشير وإفشاء الأمل في الناس. وتعليمهم حسن الظن في الله عز وجل. عملا بآي القرآن واقتداء بالبشير النذير عليه أزكى الصلاة والتسليم.

لهذا الغرض جمعت هذه الأربعين المبشرة. وهي مبشرة المسلمين أفرادا بما أعده الله لهم من جزاء لمن آمن منهم وعمل صالحا. ومبشرة الأمة بما وعدها ربها به من النصر والتمكين وإظهار الدين.

الحديث الأول: الدعوة إلى التبشير:

عن سعيد بن أبي بردة ، عن أبيه ، عن جدّه ، أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بعث معاذا وأبا موسى إلى اليمن، قال : ” يسّرا ولا تعسّرا، وبشّرا ولا تنفّرا، وتطاوعا ولا تختلفا “.[1]

عن أبي هريرة:أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « الإيمان يمانٍ والحكمة يمانيةٌ »[2]. الإيمان يمان والحكمة كذلك منذ أن بعث نبي الله سليمان إلى أهلها:  أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ” [النمل: 31] . فكان تصرف ملكتها يومها في غاية الحكمة. استشارت واختبرت وأقبلت وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين. والإيمان يمان والحكمة يمانية منذ أرسل باذان والي كسرى على اليمن من يأتيه برسول الله صلى الله عليه وسلم تنفيذا لأمر كسرى فرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”  اذهبوا إلى صاحبكم فقولوا: إنّ ربّي قد قتل ربّك اللّيلة”[3]. فما كان منه إلا أن يسلم مع قومه. أسلم باذان وأسلم كثير من أهل اليمن فبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألوه أن يرسل لهم من يعلمهم الدين. فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا موسى الأشعري ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما .

في هذا الحديث يوصي رسول الله صلى الله عليه وسلم رسوليه إلى اليمن بثلاث وصايا مهمة تعينهما في مهمتهما:

  • “يسرا ولا تعسرا”: اليسر إرادة الله تعالى بعباده المؤمنين.

“شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ” [البقرة: 185]. وجزاؤه لهم إذ صدقوا واتقوا.{فَأَمَّا مَنْ أَعْطى واتقى (5) وَصَدَّقَ بالحسنى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لليسرى (7)}.[الليل: 5-7]. والعسر عقاب للأشقياء المكذبين.{وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ واستغنى (8) وَكَذَّبَ بالحسنى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ للعسرى (10) [الليل: 8 – 10 ].

لذلك كان لا بد لمعلم الناس الخير أن يراعي هذا المبدأ العظيم مبدأ اليسر وتجنب العسر.

  • ” بشرا ولا تنفرا “: التبشير إخبار بما يفرح، وتحبيب لأمر الدين للنفوس الشاردة عساها تعود، فتنجو. والتنفير زيادة لها في شرودها. التبشير حكمة يؤتيها الله من يشاء، ورحمة تأخذ بيد الضال لتدله على الطريق فيسلم. والتنفير غلظة في القلب وفظاظة في القول وهوى نفس.
  • ” تطاوعا ولا تختلفا “ من فقه البخاري رحمه الله أنه أورد هذا الحديث في كتاب الجهاد، للدلالة على أن تعليم الناس الدين والدعوة إلى الله جهاد وأي جهاد. هذا الجهاد يقتضي من أهله أن يتطاوعوا ويلينوا في أيدي بعضهم وأن يتركوا الاختلاف والنزاع. فهو مفض إلى الفشل.﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾[الأنفال: 46]

الحديث الثاني: البشارة لمن اجتهد وسدد وقارب

 عن أبي هريرة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال : ” إنّ الدّين يسرٌ، ولن يشادّ الدّين أحدٌ إلّا غلبه، فسدّدوا، وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والرّوحة، وشيءٍ من الدّلجة “.[4]

“وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ۚ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ۚ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ ۖ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ”[الحج: 78]

بالجهاد يرتفع عن الأمة الحرج والمشقة. والدعوة جهاد كما هو تعليم الناس الدين جهاد. فإن تكاليف الدين هي اليسر عينه، وخلافها الحرج والعنت. وإن الله أعلم بما يصلح عباده وأرحم بهم من أنفسهم. فإن هم أخذوا بما افترض عليهم وسددوا وقاربوا كانت لهم البشرى. وإن هم شددوا أو قصروا وقعوا في العسر.

السداد هو تحري الصواب في القول والفعل.

وَلۡيَخۡشَ ٱلَّذِينَ لَوۡ تَرَكُواْ مِنۡ خَلۡفِهِمۡ ذُرِّيَّةٗ ضِعَٰفًا خَافُواْ عَلَيۡهِمۡ فَلۡيَتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلۡيَقُولُواْ قَوۡلٗا سَدِيدًا [النساء: 9]

قال ابن حجر: ” فسدّدوا أي الزموا السّداد وهو الصّواب من غير إفراطٍ ولا تفريطٍ قال أهل اللّغة السّداد التّوسّط في العمل”.[5]

هذا السداد وتلك المقاربة، تحتاج وسائل مساعدة. لخصها صلى الله عليه وسلم في قوله: ” واستعينوا بالغدوة والرّوحة، وشيءٍ من الدّلجة “.

الغدوة هي السير أول النهار، والروحة السير آخره، والدلجة السير ليلا. هذه استعارات للدلالة على أن عمل المؤمن هو سير وسفر. وإن مما يعين المسافر أن يغذو باكرا ويروح ويدبج فتلك أوقات يسهل فيها السير. كذلك المؤمن مما يعينه في عمله أن يغتنم ثلاثة أوقات مباركات في يومه وليلته: وقت في الليل للقيام والتضرع بين يدي ربه. ووقت بين الفجر والشروق للذكر والتسبيح والتلاوة. ووقت مثله قبل الغروب. تلك هي الغدوة والروحة والدلجة. “يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ﴿1﴾ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا ﴿2﴾ نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا ﴿3﴾ أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا”[المزمل: 1- 4]

وقال سبحانه: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42)}. [الأحزاب: 41-42]

إن ذكر الله في هذه الأوقات مما يعين المؤمن على باقي أعمال يومه. بها يمدده ربه بالتأييد والتوفيق. فإن هو حرمها حرم التوفيق ووكل إلى قوته فخذل.


الهوامش:

[1]  – صحيح البخاري | كتاب الجهاد والسّير  | باب ما يكره من التّنازع والاختلاف في الحرب. 3038

[2]  – صحيح ابن حبان  7299-  ابن حبان (ت 354(

[3]  – أخرجه أبو نعيم عن دحية بن خليفة الكلبي

[4]  – صحيح البخاري |كتاب الإيمان| 39

[5]  –  فتح الباري لابن حجر   —   ابن حجر العسقلاني ) ت 852) – ج 1 – ص 94

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.