منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

استراتيجيا الرّسول محمد صلى الله عليه وسلم لفتح مكّة

الدكتور مصطفى إبراهيم

0

استراتيجيا الرّسول محمد صلى الله عليه وسلم لفتح مكّة

الدكتور مصطفى إبراهيم

تمهيد

هذه الاستراتيجيا هي خطّة تنفيذية تمثّل مرحلة من مراحل خطّة استراتيجية مقاصدية نفّذها رسول اللّه(ص) وأبو بكر وعمر على مدى استراتيجي وصل ست وثلاثين سنة من البعثة النّبوية إلى وفاة عمر بن الخطّاب.

كان رسول الله(ص)يخطّط لهذا الأمر منذ الأيّام الأولى من دخول يثرب مهاجرا من مكة. التي فتحت في السنّة الثامنة للهجرة مما يعني أنّه(ص)لم يكن مستعجلا في فتحها بل عمل قبل كل شيء على صناعة ظروف ملائمة لذلك. وهو إجراء إداري معمول به في تنفيذ الخطط الاستراتيجية للمنظّمات، حيث تعمل الإدارة العليا على تهيئة الظروف البيئية الضرورية لتنفيذ مقاصدها.

وكان(ص) يتوقع ألّا يقع قتال وأن تستسلم له قريش أو تُسْلِمَ أو تخلّي بينه وبين القريشيين.  فقد قال قبل أن تبدأ قريش بإرسال الرسل لتفاوضه على دخول مكة، وهو في ألف وأربع مئة من المسلمين بالحديبية:’’ والذي نفسي بيده لا يسألوني خطّة يعظّمون فيها حرمات الله إلّا أعطيتهم إيّاها’’ ([1]). وكان له ذلك بفضل صلح الحديبية.

وفي الحقيقة كان هناك سبب آخر مهم جدّا دعا إلى ضمّ مكة نهائيا للدّولة الإسلامية وهو التحالفات التي تبنيها قريش ضدّها.  وقد ظهرت خطورة هذه التحالفات بوضوح في غزوة الخندق. في هذه الغزوة تحالفت قبائل كبيرة مع قريش بتحريض من يهود بني النضير الذين أخرجهم الرسول(ص)من العاصمة الإسلامية، بعد أن خانوا المعاهدات وحاولوا تقويض الأمن والاستقرار الداخليين للمدينة. وقد لجأوا إلى خيبر ليقيموا فيها. حيث أراد بنو النضير أن ينتقموا من الدولة الإسلامية فدخلوا في حملة تحريض وتحشيد ضدّها. واستجاب لهم من العرب: قبيلة قريش وحلفاؤها: كنانة (الأحابيش([2]))، وقبيلة غطفان (فزارة وبنو مرة وأشجع) وحلفاؤها بنو أسد وسليم وغيرُها، ثم انضم إليهم يهودُ بني قريظة الذين كان بينهم وبين المسلمين عهدٌ وميثاقٌ وهم لا يزالون يعيشون بالمدينة ([3]). هذا التحشيد ضد الدولة الإسلامية كان انطلاقا من خيبر اليهودية في ذلك التاريخ. وكانت معروفة بحصونها الصّعبة المنال وتقع على الطريق المؤدية إلى الشّام، وتعتبر سدّا أمام تحركات الجيش الإسلامي نحو الدولة البيزنطية. وكان لابدّ من كسر هذه التحالفات بتحييد أو ضمّ مكة والقضاء على خيبر. في غزوة’’ الخندق’’ انتصر المسلمون ورجعت قريش وأحلافها مهزومين. وتأكّدوا حينها أنّ الدولة التي ولدت في المدينة أصبحت مستعصية عليها.

أمّا بالنسبة لقيادة الدولة الإسلامية فقد غنمت امتيازين مهمين في هذه الغزوة: تأكيد قدرتها على الدفاع عن حدودها وتحصين عاصمتها ببناء الخندق. وتأكّدت أيضا من أمر مهمّ لابدّ أن تقوم به لتوحيد الجزيرة العربية تحت رأيتها وخروج مشروع الإسلام إلى المحيط الدولي، هذا الأمر هو فك الارتباط بين قريش والقبائل المتحالفة معها بقيادة وتحريض اليهود في خيبر. لذلك ومباشرة بعد صلح الحديبية توجه الجيش الإسلامي إلى خيبر لحسم الموقف نهائيا معها وتحرير طريق الشّام والقضاء على التّحالفات المناهضة لمشروع الدّولة الإسلامية. وقد مرت خطّة فتح مكة بعدّة مراحل متتالية تخدم كل مرحلة الأخرى وترتبط بها:

المرحلة الأولى: كسر تحالف عهود الإيلاف بين قريش والقبائل العربية:

نجحت الدولة الإسلامية الناشئة في كسر هذه التحالفات بفضل المعاهدات والموادعات مع قبائل الطّوق لطريق الإيلاف الذي تمرّ عبره قوافل قريش التجارية. والنّاظر في خريطة الغزوات والسّرايا إلى حدود صلح الحديبية يلاحظ تركيزها على تطويق مكّة وتأمين الممرّات الموصلة إليها. يقول الصلابي: ‘’ وبعد أن اتّفقت بعض القبائل مع رسول الله(ص)وعقدت معه معاهدات، أصبحت تشكل خطرا على تجارة قريش، وصار المسلمون هم السادة في المنطقة([4]).’’

لذلك عندما قرّر (ص)أن يعتمر لأوّل مرة بعد الهجرة كانت طريقه إلى مكة سالكة وآمنة ولم تمنعه القبائل التي مرّ بها من العبور. وكانت عملية المحاصرة ضربة موجعة لقريش لأنّها قلّصت حريتها في التنقّل بأمان.

المرحلة الثانية: ترسيخ أمن العاصمة:

 مثّل اليهود أكبر سبب في انعدام الاستقرار الأمني داخل المدينة. لذلك سارع رسول الله(ص)منذ هجرته إليها بإيجاد ميثاق اجتماعي سياسي يوضّح معالم التعامل بين كل مكونات المجتمع ووافق على بنوده بنو قريظة ([5]) وبنو النضير ([6]) وبنو قينقاع ([7]). ولكنّهم نقضوا عهودهم وخانوا التزاماتهم وبدأوا بحرب المسلمين في الدّاخل بشتّى الأساليب والتّحريض عليهم والتّحالف ضدّهم في الخارج. وقد صبر عليهم رسول الله(ص)كثيرا قبل طردهم نهائيا من المدينة. وقد نتج عن خروج اليهود من عاصمة الحكم الإسلامي:

  • استقرار داخلي كان لابد منه للتّفرغ نهائيا لردع قريش واسترجاع الكعبة وأموال المسلمين التي استولت عليها ظلما وقهرا.
  • ارتفاع نسبة المسلمين في التعداد السكاني للعاصمة.
  • تحرير التجارة من استغلال اليهود.
  • تأكيد سلطة الدولة في العاصمة: وقد ثبت الاستقرار الدّاخلي حتى عند غياب الرسول(ص)في الغزوات. ومن مكوّنات الأمن الداخلي للعاصمة أيضا الأمن الاقتصادي. فقد تطوّرت التجارة والزّراعة في المدينة وحولها بفضل الغنائم الحربية وتشجيع الرسول(ص)للمهاجرين على تعاطي التجارة.

المرحلة الثالثة: الدعوة للتهدئة والسّلام:

كان من نتائج غزوة الأحزاب وانهزام قريش وحلفائها أن قويت معنويات الجيش الإسلامي وتأكّد لقريش واليهود والقبائل المتحالفة معهما أنّ الدولة الإسلامية ليست سهلة المراس. وكان هذا الإنتصار سببا أيضا في تدهور معنوياتهم وجاهزيتهم للقتال.

بالمناسبة يمكن أن نطرح سؤالا غفل عنه كثير ممن كتب في السيرة النبوية: ألم تهدّد الدولة الإسلامية الجديدة التجارة الدولية المارّة عبر طريق الإيلاف إلى بيزنطة وفارس والحبشة ومصر وغيرها من الدول والإمبراطوريات المتحكمة في المشهد الجيوسياسي بالمنطقة؟ ألم يكن طريق الإيلاف (الخارج من مكة إلى الشّمال والجنوب) من صناعة هذه الدّول الكبرى مع هاشم بن عبد مناف لتوفير السّلع وتنشيط الحركة التجارية منها وإليها؟

إذن كيف أغفلت هذه القوى الإقليمية الصّراع القائم داخل الجزيرة العربية بين مشروع الإسلام وأعدائه والذي قلّص من هذه الحركة التجارية بتضييقه على حرية تنقل قوافل قريش؟

ونظرا إلى كثرة ترحال العرب من مكة وغيرها إلى الدول المجاورة واتّصالهم المباشر بالملوك والأباطرة لا يمكن أن ندّعي أنّها لم تكن على علم بهذا الصّراع الذي أخذ يغيّر موازين القوى داخل الجزيرة. وإضافة إلى ذلك فقد كان لهذه القوى الأجنبية ممثّلون تجاريون بمكة مطّلعون على الوضع السياسي بها ولا يفوتهم أن يخبروا ملوكهم وأباطرتهم بذلك ويدقّوا نواقيس الخطر الذي يحيط بمصالحهم التّجارية. يقول احمد أمين (نقلا عن اوليري) في كلامه عن علاقة مكة بالرّوم والفرس:’’ … كان في مكة نفسها بيوت تجارية (chambre commerciale) رومانية يستخدمها الرومانيون للشؤون التجارية وللتّجسّس على أحوال العرب، كذلك كان فيها أحباش ينظرون في مصالح قومهم التّجارية.’ ([8]). كما إنه من الممكن أنّ قادة قريش حاولوا الاستعانة بإحدى القوى الإقليمية للاستقواء على الدّولة الإسلامية.

الإجابة على هذا التساؤل هي الوضع العسكري الذي كان سائدا في المنطقة منذ هجرة المسلمين إلى يثرب، والذي كان نتيجة للحرب البيزنطية الساسانية الأخيرة. فقد انهارت دولة الفرس بصفة كبيرة وكثرت خلافاتها الدّاخلية وانشغلت عن العرب وما يحدث في أرضهم.

وأيضا كانت بيزنطة منشغلة بشؤونها الدّاخلية لإعادة بناء الدّولة والجيش وكلّ مؤسّسات الحكم التي ضعفت بصفة خطيرة، وكادت الإمبراطورية البيزنطية أن تنهار نهائيا. كان الإمبراطور هرقل (Flavius Héraclius Augustus) منشغلا بترميم الجبهة الدّاخلية ولا يمكنه أن يخوض حربا مهما كانت سهولة الانتصار فيها.

و يرى بيتلر أنّ هرقل لم ير في القوّة الناشئة في جزيرة العرب ما يهدّد ملكه ([9]). بينما يرى أنّ رسول اللّه (ص) كان يراقب الحرب الأخيرة بين الفرس والبيزنطيين وينتظر نتائجها’’ وتضعضع قوّة الغالب والمغلوب منهما ([10])’’.

وقد هيّئت كلّ هذه الظّروف الإقليمية المناخ اللازم لصلح الحديبية ونشر الدعوة للإسلام وتوحيد الجزيرة العربية تحت رايته. ولا اعتقد أنّ رسول الله(ص)لم يكن يحتمل تدخل أجنبي ضدّ الدولة الإسلامية ولكنّه كان يعرف أنّ الوضع الإقليمي لا يسمح بذلك بل هو ملائم للمضي قدما في توحيد الصفّ العربي تحت راية الإسلام. والاهتمام بمثل هذا الاحتمال ينضوي مباشرة تحت التخطيط الاستراتيجي الشّامل، ويعتبر استباقا للمخاطر ودراستها والاستعداد لمواجهتها واغتنام الفرص المتاحة لتنفيذ مقاصد الخطّ الاستراتيجية. وكان هذا الوضع الإقليمي فرصة ذهبية أحسنت القيادة الإسلامية استثمارها لصالحها. وقد تمثّل هذا الاستعداد والاستثمار بكل وضوح في القضاء على خيبر لفتح الطريق نحو الشّام وتسهيل دخول الجيش الإسلامي إلى الحدود الجنوبية للدّولة البيزنطية إذا لزم الأمر.

ورغم ملاءمة الظّرف الدّولي والمحلّي لأهداف مشروع الإسلام إلا أنّ رسول الله(ص)لم يفكّر وقتها في الغزو العسكري المباشر لمكّة وضمّها نهائيا إلى الدولة الإسلامية. بل كان يبحث عن السّلام والاستقرار ويأمل أن تنضمّ إليه مكة طواعية ودون قتال. من أجل هذا الهدف، وبعد دراسة الوضع الاستراتيجي المحيط بمكة، قام (ص)بمبادرة خطيرة ولكنّها محسوبة بدقّة.

المرحلة الرابعة: الصّلح

 قرّر رسول الله(ص)الخروج إلى مكة للعمرة في ذي القعدة من سنة 6 للهجرة في 1400 مسلما حسب إجماع رواة السيرة ([11]). وكان يعرف أنّ قريشا يمكن أن تمنعه من دخول مكة بالقوة العسكرية، ولكن الظرف المحلّي والعربي والإقليمي لا يسمح لها بذلك وليس من صالحها. فقد أصبحت محاصرة في تجارتها أيّ في وجودها. وحتى صداقاتها الإقليمية لن تنفعها بشيء نظرا لتدهور الأوضاع في بيزنطة والدّولة السّاسانية وانشغالهما بمشاكلهما الداخلية العويصة. وتمثّلت خطورة المبادرة في عدم حمل السّلاح وعدّة الحرب وكلّ ما حملوه سيف المسافر الذي لا يغني كثيرا في الصّدام العسكري. وقد حسب(ص)الموقف بدقّة: فقد خرج في شهر تعظّمه العرب وهو شهر حرام لا قتال فيه (ذي القعدة) وكان قاصدا مكة: المدينة المحرمّة التي يعظّمها كل العرب أيضا. خرج إذن في زمن حرام وإلى مكان حرام. وكان يعرف أنّ قريشا لا تريد قتالا في مكة أو حولها، وعلى علم بأنّ حلفاءها تناقصوا وحتى الذين بقوا على حلفهم معها لم يعودوا بنفس الحماس.

كانت قافلة المعتمرين المسلمين، وهي تسلك الطّريق الدّولي الرابط بين مكة والمدينة، تبعث الرّسائل السّلمية عبر القبائل التي تمرّ بها. فقد كانوا بزيّ الإحرام ويسوقون أمامهم الهدي من غنم وبعير. وكانت القبائل ترى هذا المشهد لأول مرّة وتنبهر به وتعجب مما تغيّر في يثرب حتى يخرجوا إلى العمرة بهذا العدد وهذا الأسلوب وهذه التلبية التي لا تذكر الأصنام في نصّها. وكانوا يتساءلون أيضا كيف ستستقبلهم قريش وحلفاؤها وهم في حالة حرب معهم؟ ومن الأكيد كانت أخبار المعتمرين تسبقهم إلى القرى والأرياف قبل أن يصلوها. وكانت المواقف، من هذا المشهد الجديد، متنوّعة. هل جاؤوا لحرب أم لسلم؟ غير أنّ رسائل السلم أقوى من رسائل الحرب. ووصلت أخبارهم أيضا إلى قريش. وعرفوا أنّ المسلمين جاؤوا للعمرة. وبأسلوبهم لا بالأسلوب المعتاد عند المشركين. جاؤوا يوحدّون الله وحده ولا يذكرون آلهة قريش وأحلافها بشيء.

كانت هذه المبادرة النّبوية وبهذه الطريقة محرجة جدا لسلطة قريش في مكة بمضمونها وشكلها. وكان لابد لقيادة قريش أن تتّخذ موقفا يحفظ سمعتها أمام العرب كمركز ديني وتجاري وثقافي. لذلك قرّروا أن يمنعوا محمدا(ص)وأصحابه، رصي الله عنهم، دخول مكة عنوة. فجهزوا جيشهم في الانتظار. وأرسل (ص)أحد عيونه (بِسْرُ بْنُ سُفْيَانَ الْكَعْبِيُّ([12])) يستطلع له أخبار مكة فأكّد له أنّ قريشا استعدت للحرب والقتال لمنع المسلمين من دخول الحرم ([13]). كان قائد مشروع الإسلام يتمنى ألّا تلتجئ قريش إلى العناد في موقفها وأن تخلّي بينه وبين النّاس يدعوهم ويقبلون دعوته أو يرفضونها بكلّ حريّة. وكان يقول:’’ إنّا لم نجئ لقتال أحد ولكنّا جئنا معتمرين، وإنّ قريشا أنهكتهم الحرب وأضرّت بهم، فإن شاءوا ماددتهم مدّة ويخلوا بيني وبين الناس، فإن أظهر وإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا، والا فقد جموا. وإن هم أبوا فوالذي نفسي بيده لأقاتلنّهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي، ولينفّذنّ الله أمره.’’ ([14]). كان (ص)يعرف إذن أنّ قوة قريش قد ضعفت كثيرا وأنّها لا تحبّذ حربه.ولما حل الرّكب بالحديبية أرسل إليهم عثمان بن عفان، رضي الله عنه، وقال له:”اذهب إلى قريش فأخبرهم أنّا لم نات لقتال أحد، وإنّما جئنا زوارا لهذا البيت معظّمين لحرمته، معنا الهدي ننحره وننصرف’’([15]).

وكان هدفه (ص)من هذا التّمسّك الواضح بالحل السلمي مع قريش وأحلافها عدم إراقة الدماء وبالحرم خصوصا والبحث عن اعتراف أقوى قبائل العرب بالدّولة الجديدة، إمّا استسلاما أو إسلاما أو مهادنة. فقد أرسلت قريش ثمانين فارسا لمباغتة المسلمين وغزوهم فوقع أسرهم دون قتلهم. لهذا أرسل عثمان بن عفان، رضي الله عنه، ليأكّد على هذه النوايا السلمية تجاه قومه. فبدأت قريش تطمئن إلى سلميته(ص)ودخلت معه في مفاوضات طويلة عبر إرسالها عدة مفاوضين. وكان _ صلى الله عليه وسلم، في مفاوضاته معهم، يتجنب الصدام ويتنازل لهم عند بعض شروطهم التي لا تخلّ بمضمون رسالة الإسلام.

وحسب علوم الإدارة العصرية وبالأخصّ علم التفاوض استعمل النبيّ محمد (ص)’’ استراتيجية تجنب النزاع’’. وقد كان همّه خلال مفاوضات الحديبية توحيد الصفّ العربي تحت راية الدولة الإسلامية. وتتلخّص استراتيجية تجنب النزاع عنده في النّقاط التالية:

  • الخروج بدون سلاح الحرب وبالهدى لإظهار نيّة العمرة دون القتال.
  • استعراض القوّة دون الرّد على استفزازات قريش القتالية.
  • وضع قوّة الخصم وإمكانياته العسكرية وكونه على أرضه في احتمالات الصّدام العسكري وبالتالي تجنبه.
  • تعظيم حرمة المكان والزمان (مكة في ذي القعدة).
  • إعطاء قيمة لصلة الرّحم.
  • تقديم الصّلح على القتال من أجل مكاسب أهمّ وأكبر.
  • حسن إدارة التواصل مع العدوّ وضبط النّفس مقابل استراتيجية النّزاع والصّدام عند قريش([16]).

ولما تأكّدت قريش من نوايا المسلمين السلمية بدأت تبحث معهم عن حلّ سلمي يبعدهم جميعا عن المواجهة العسكرية. وقد اقتنع المفاوضون بهذه الدعوة السلمية ونقلوا حيثياتها إلى رؤوس قريش الذين رفضوا رفضا باتّا دخول المسلمين مكة ولو بنيّة العمرة فقط لأنّهم اعتبروا ذلك مسّا بكرامتهم ورئاستهم للعرب. وكان آخر المفاوضين القريشيين مع رسول الله(ص)سهيل بن عمرو ([17]). فقد أرسلته قريش وطلبت منه أن يصالح رسول الله(ص)على أن يعود بعد سنة للاعتمار. وقبل رسول الله(ص)هذا الشرط. كان همّه أن يحصل على هدنة مع قريش:

  • لإجبارها على الاعتراف بالدولة الإسلامية لانّ المعاهدات تخدم هذا الهدف.
  • للاهتمام بنشر الدّعوة في الجزيرة العربية وخارجها: أرسل رسائل إلى بعض الأمراء والملوك يدعوهم للإسلام مباشرة بعد صلح الحديبية، مثل: المقوقس الوالي البيزنطي على مصر، وهرقل إمبراطور بيزنطة، وكسرى ملك فارس، والمنذر بن ساوى أمير البحرين، وهوذة الحنفي أمير اليمامة، والأقيال العباهلة ملوك حضرموت، وعبد ابني الجلندي ملكي عمان، والحارث الحميري حاكم اليمن، والحارث الغساني أمير الغساسنة.
  • للتفرغ لحرب اليهود في خيبر وتحرير طريق الشّام وقطع تحالفهم مع قريش وتحريضهم ضد المسلمين. فبعد رجوعه من الحديبية إلى المدينة بعشرين يوما ([18]) فقط توجّه جيش الدولة الإسلامية إلى خيبر وحاصر حصونها حصنا حصنا حتى سقطت ([19]). وبذلك تحرّرت الطّريق الدولية بين المدينة والشّام وانقطع الحبل الذي يربط بين قريش وخيبر وتفكّك حلف الأحزاب الذي هاجم المدينة في غزوة الخندق. وهذا أكبر دليل على أنّ رسول الله(ص)كان يرى أنّه لابدّ من تحرير الطّريق الرابطة بين الشّام والمدينة من يهود خيبر للخروج بالمشروع من حدود الجزيرة العربية.
  • لإدخال الرّهبة في صفوف أعداء الدولة.
  • للاستعداد لفتح مكة نهائيا في صورة استحالة ضمها سلميا إلى الدولة الإسلامية.

المرحلة الخامسة: التنازل لكسب نتائج تفاوضيّة أهمّ:

أثناء هذه المفاوضات تنازل رسول الله(ص)لمفاوضي قريش عن عدّة أمور منها ذكر ‘’ بسم الله الرحمان الرحيم’’ و ‘’ هذا من محمد رسول الله’’ في نصّ الاتّفاقية. ورضي أيضا بأن يعيد لقريش كلّ مسلم فارّ من مكة إلى المدينة ولا يعيدوا هم كلّ مشرك فارّ من المدينة إلى مكة ([20]). وهذا نصّ صلح الحديبية (6 هجرية).

وقد عظم التّنازل في نفوس المسلمين لأنّهم لم يجدوا له مبررات مقنعة. ولكنه (ص)وهو يتفاوض مع المشركين كان ينظر إلى أبعد من الظرف الذي يتفاوض فيه. كان يخّطط لنشر المشروع خارج حدود الجزيرة العربية ويرى فارس وبيزنطة داخل أرض الإسلام. كان تفكيره على المدى البعيد الاستراتيجي. قريش كانت تريد أن تتفاخر بتنازلات الرسول(ص)لها حتى تحافظ على سمعتها أمام بعض القبائل التي مازالت متحالفة معها. أمّا هو فكان يفتح حدود الدّولة الإسلامية على العالم وعلى ثقافات لا عهد لقريش والمسلمين بها. كان تفكير قريش محليّا ضيّقا فيما كان تفكير رسول الله(ص)استراتيجيا مقاصديّا عالميا مفتوحا، لا يرى لمشروعه حدودا تحدّه لا في المكان ولا في الزمان. وكان، قبل ذلك، والمسلمون يحفرون الخندق لحماية المدينة من قريش وأحلافها في غزوة الأحزاب يخطط لفتح فارس والشّام وغيرها، ويبشّر المسلمين بذلك. وقد تمّ فتح الشّام وفارس في عهد عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، أمّا اليمن فقد أقبلت على الإسلام دون قتال ([21]).

 وبفتح خيبر عزلت مكة نهائيا وتشتّت أغلب حلفائها وأصبحت سهلة المنال. وأصبح أيضا من الممكن ضمها إلى الدولة الإسلامية دون قتال بل استسلاما وإسلاما. وهذا ما كان يريده رسول الله(ص)ويخطّط له. فقد فتحت مكة منذ اللحظات الأولى التي ابرم فيها صلح الحديبية.

 مراحل فتح مكّة

والحوادث بعد ذلك أثبتت البعد الاستراتيجي المقاصدي لنظرة رسول اللّه(ص) للواقع وتوظيفه لبناء المستقبل. ولا أدلّ على هذه النّظرة من اختصار الهدنة بين قريش والمسلمين إلى سنتين عوضا عن ثماني، وعودتهم إلى مكّة لفتحها نهائيّا في عشرة آلاف مقاتل عوضا عن ألف وأربع مائة.

  وفي إطار تنزيل هذه الخطّة التّنفيذية وقعت حادثة غير منتظرة في حدّ ذاتها ولكنّ مثلها محتمل. تمثّلت هذه الحادثة في قتل مبعوث رسول الله(ص)الحارث بن عمير الأزدي، رضي اللّه عنه، إلى الحارث بن أبي شمر الغساني ملك بصري والجولان (الشّام) حليف قيصر الروم. وقد قتله ابن الحارث الغساني نفسه ([22]). هذه الحادثة دفعت القيادة الإسلامية إلى أن تقوم بالردّ عليها فكانت معركة مؤتة وكانت قبل فتح مكة وفي السنّة الثامنة للهجرة أيّ الثانية بعد صلح الحديبية ([23]).

ويمثّل هذا الإجراء الخارج عن الخطّة الأصلية لفتح مكة دليلا على مرونة التّخطيط عند رسول الله(ص)وقيادة الدولة. وهو إجراء يدخل ضمن نظريات التخطيط العصري الذي يعتبر الخطّة الاستراتيجية قابلة للتعديل وإعادة النّظر في كلّ لحظة إذا وقع تغيير في البيئة الدّاخلية أو الخارجية للمنظمة. والقيادة الناجحة لا تتردّد في التّعديل بعد دراسة الموقف من جميع جوانبه. ذلك أنّه من ميزات التّخطيط الاستراتيجي العصري أنّه ليس جامدا بل متحرّكا تحرك البيئة التي يتفاعل في إطارها، وهو ما يطلق عليه الاستراتيجيون ’’ المرونة في التّخطيط’’. والمرونة اعتبار الفعل وردّة الفعل في أثناء التّنفيذ’.

المرحلة السادسة: الفتح والضمّ النهائي:

كان صلح الحديبية ينصّ على هدنة بعشر سنوات بين قريش وأحلافها من جهة والدّولة الإسلامية وأحلافها من جهة أخرى. وكان من بنود الصّلح أنّه من أراد أن يدخل في أحد الحلفين لا حرج عليه، وأنّ القبيلة التي تنضمّ إلى أيّ من الحلفين تعتبر جزءًا منه، فأيّ عدوان تتعرض له يعتبر عدوانًا على الحلف الذي تنتمي له ونقضا للمعاهدة. وحسب هذا البند دخلت خزاعة في حلف المسلمين، ودخلت بنو بكر في حلف قريش. وقد كانت بين القبيلتين عداوة قبل ذلك.

ولكن بعد صلح الحديبية (شعبان من السنّة الثامنة للهجرة أيّ بعد سنتين من الصلح) أغار بنو بكر على خزاعة ليلا ونالوا منهم وأعانتهم قريش بالسّلاح بل ومنهم من قاتل معهم. وبهذا فإنّ قريشا وأحلافها نقضوا الاتّفاق الذي عاهدوا عليه المسلمين وأصبحت الدّولة في حلّ منه ولها حقّ الرّد على النّقض الذي وقع. وقد علم رسول الله(ص)بالحادثة في حينها لأنّ خزاعة أرسلت من يعلمه. ومن الأكيد أنّ في قريش من لم يرض على هذه الفعلة. لذلك أرسلت أبا سفيان إلى المدينة ليعتذر لرسول الله(ص)عن هذه الخيانة ويطلب تمديد الصلح. باختصار رفض رسول الله(ص)أن يقابله ورفض الصحابة، رضي الله عنهم، التّوسّط له.

وقد ألحّ أبو سفيان على مواصلة الصلح ولكن اعترضه جدار من الرفض قويّ. وعاد إلى مكة كما جاء منها([24]). وكان هذا الموقف إهانة لأبي سفيان وجلبا لسّخرية قريش منه. كيف يمكن أن نفهم هذا الرّفض لتجديد الصلح؟ خصوصا أنّ رسول(ص)قبل هدنة العشر سنوات وخطّط لاستثمارها من أجل تحقيق بعض مقاصد الدولة. هل تحقّقت هذه المقاصد في سنتين فقط؟ هل تغيرت خطّة فتح مكة؟

عندما جاء أبو سفيان إلى المدينة لطلب تمديد الصّلح كان في خوف من نشوب حرب جديدة مع الدّولة الإسلامية، وهو العارف بإمكانيات نصر قريش فيها بعد تشتّت حلفها وهزيمة خيبر وغطفان وبعد إحكام الدولة الإسلامية الحصار حولها بتحييد كثير من القبائل على طريق الإيلاف. ودليل خوفه الإلحاح الذي صدر منه لمقابلة الرسول(ص) وطلب التوسط له في ذلك. كان لا يريد الحرب لأنّه يعرف أنّها ليست البتّة في صالح قريش وأنّ تمديد الصّلح قد يمكنهم من لملمة صفوفهم وحلفائهم والاستعداد أكثر عسكريا. ويمكننا هنا أن نفترض أنّ المسلمين أو أحد حلفائهم نقضوا العهد. فماذا ستكون النتيجة: ستواصل قريش الهدنة لأنّ الأسباب التي جعلتها تطلب مواصلة الهدنة ستجعلها تواصل فيها رغم خرقها من طرف الحلف الإسلامي، لأنهم هم من طلب الهدنة في صلح الحديبية لاحتياجهم لها. والرسول(ص)أعطاهم هذه الهدنة من منطلق القوّة لا الضّعف رغم أنّها في صالح المسلمين أيضا.

رفض رسول الله(ص)تمديد الصّلح رفضا باتّا ([25]) لأنّه كان ينتظر هذه الفرصة الذهبية لفتح مكة بالطريقة التي يريدها. وكان يعمل على إنضاجها منذ أمضي صلح الحديبية. والأكيد أنّه كان يحتمل أن تنقض قريش أو أحد حلفائها بعض بنود الصّلح. ولكنّه لم يبق مكتوف اليدين ينتظر ذلك بل عمل على الاستعداد التّام لجني هذه الثّمرة. ولما حانت الفرصة رفض أن يضيّعها. وكانت قيادة الدولة الإسلامية تعي كل هذا الضّعف الذي أصاب قريشا. وتعي أيضا أنّ أغلب مقاصدها من الصّلح قد تحقّقت في ظرف سنتين. لذلك قرّرت إدخال تعديل آخر على الخطّة: فتح مكة في شهر رمضان أي بعد نقض الصّلح بشهر أو أقلّ عوض انتظار ثماني سنوات أخرى.

تغيّرت إذن الخطّة في مدّتها الزّمنية بصفة خاصّة، وأصبحت الدّولة الإسلامية أقدر على تحقيق المرحلة الأخيرة منها وهي الفتح النهائي لمكة. وكانت القيادة الإسلامية تحتمل أن يقع هذا الضّم دون قتال نظرا لضعف قريش وحلفائها. وهذا ما تمّ على أرض الواقع، فقد غزت الدولة الإسلامية بقيادة رسول الله(ص)مكة بعشرة آلاف جنديا ([26])، مما أرهب قريشا وجعلها تستسلم دون كبير قتال وتدخل في مشروع الإسلام بكثافة. وأصبحت مكة، نهائيا، جزءا لا يتجزأ من إقليم الدولة الإسلامية. ولا يهمّنا هنا تفاصيل الفتح لأنّنا نتحدّث في إطار تخطيط استراتيجي عام.

الخاتمة

  • هذه الخطّة هي جزء من خطّة استراتيجية أشمل مثّلت الجزء الاجتهادي المدعوم من النّص القرآني. وهي بالتّالي صناعة بشرية تتيح للقيادات الإسلامية ببناء الدّولة حسب الظّرف والحال المتاحين. ويعني ذلك أنّ كلّ ظرف وحال لهما خطّة أو خطط استراتيجية مقاصدية تتميّز عن غيرها من الخطط الإسلامية وتلتقي معها في الصّفة الإسلامية فقط.
  • هذه الخطّة تثبت أنّ الدّولة في الإسلام مدنية نظرا لتعلّقها بالاجتهاد والمواءمة مع الواقع.

والموضوع يحتاج بحثا ذا عمق أكبر ودراسة لكلّ جوانبه النّظرية والتطبيقية وهذا ممكن إذا تناولناه بمقاربة إدارية استراتيجية


([1]) – البخاري، الجامع الصحيح،  كتاب الشروط  باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط 3/193,حديث رقم 2731.

([2] – الأحابيش حلفاء قريش السياسيون والمدافعون عنهم في المعارك. وهم خزاعة وبنو بكر ; وغطفان وغيرهم. انظر ’’ تاريخ الإسلام العام’’ لعلي إبراهيم حسن. ص 111 و112.

([3])  – انظر ابن هشام، سيرة،2/212.

([4]) – الصلابي(علي)، السيرة النبوية، ص 25

([5])  – طردوا من المدينة في ذي القعدة سنة خمة للهجرة. انظر الكامل الجزء الثاني ص 69. والبداية والنهاية الجزء الرابع ص 105.

([6])  – طردوا من المدينة في ربيع الأول سنة أربعة للهجرة. انظر تاريخ الرّسل والملوك، 2/ 83.

([7])  – طردوا من المدينة في شوال من السنة الثانية للهجرة. انظر تاريخ الرّسل والملوك الجزء الثاني ص 48. والبداية والنهاية الجزء الرابع ص 4.

([8]) – أمين(احمد)، فجر الإسلام، منظمة هنداوي للتعليم والثقافة، ص 22.

([9]) ـــــ انظر بيتلر(جورج). فتح العرب لمصر، مكتبة مدبولي، القاهرة، الطبعة الثّانية,1996 م، ص 189.  كتاب فتح العرب لمصر ألفريد بتلر PDF -مكتبة نور (noor-book.com)

([10]) ــــ انظر بيتلر، ن,م,ص 175.

([11])  –  طبقات بن سعد 2/91، والكامل في التاريخ 2/86، وسير أعلام النبلاء ص 363.

 ([12]) -بشر ابن سفيان بْن عمرو بْن عويمر بْن صرمة بْن عَبْد اللَّهِ بْن قمير بْن حبشية بْن سلول بْن كعب بْن عمرو بْن ربيعة، وهو لحي، الخزاعي الكعبي، أسلم سنة ست من الهجرة، وشهد الحديبية مع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثلاثة. أسد الغابة، 1/378.

([13])  – انظر البخاري، الجامع الصحيح، كتاب الشروط  باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط 3/193,حديث رقم 2731.

([14]) – البخاري، الجامع الصحيح، كتاب الشروط  باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط 3/193,حديث رقم 2731.

([15]) – الواقدي (أبو عبد الله محمد)، كتاب المغازي، موقع culture d’Islam، غزوة الحديبية، ص 313

([16])-  انظر ابن هشام، سيرة، 2/311.

([17]) -سهيل بْن عمرو بْن عبد شمس ابن عبد ود بْن نصر بْن مالك بْن حسل بْن عامر بْن لؤي بْن غالب بْن فهر القرشي العامري، أحد أشراف قريش وعقلائهم وخطبائهم وساداتهم، أسر يَوْم بدر كافرًا، وأسلم يَوْم الفتح. خرج سهيل بأهل بيته إلا ابنته هندًا إِلَى الشام مجاهدا، فماتوا هناك، أسد الغابة 2/585.

([18])  – انظر تاريخ الرّسل والملوك 2/ 139، البداية والنهاية 4/ 181.

([19])  – انظر فتوح البلدان للبلاذري، ص 29 و30.

([20])  – انظر البخاري، الجامع الصحيح،  كتاب الشروط  باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط 3/193,حديث رقم 2731.

([21]) – ن، م، 2/219. رسم بياني عدد 43 ملخص خطّة ضم مكة للدولة الإسلامي

[22]([22])  – انظر ابن حجر، الإصابة في تمييز الصحابة،1/ 682.

([23])  – انظر مغازي الذهبي، ص 354-358، وطبقات ابن سعد ،2/ 83.

([24]) – انظر ابن هشام، سيرة، 2/396.

([25])  – انظر ابن القيم، زاد المعاد، 3/ 396 نقلا عن ابن هشام.

([26])  – انظر البخاري، الجامع الصحيح،  كتاب المغازي  باب غزوة الفتح في رمضان, 5/146,حديث رقم4276.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.