منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

مفهوم ما بعد الإسلاموية داخل جماعة الإخوان المسلمين هل نحن في مرحلة ما بعد الإخوان المسلمين في مصر؟

عماد الدين محمد عويس عشماوي

0

مفهوم ما بعد الإسلاموية داخل جماعة الإخوان المسلمين  

هل نحن في مرحلة ما بعد الإخوان المسلمين في مصر؟

عماد الدين محمد عويس عشماوي

 

مقدمة

بعد ثلاثين عاماً فار التنور المصري بحمولته الثقيلة من الظلم جارفاً مبارك وأركان نظامه إلى محكمة التاريخ وحمل جماعة الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم، لكن أسباب عديدة جعلت تجربتهم القصيرة تبوء بالفشل أو الإفشال، وبعد أن كان السؤال: إلى أين سيذهب الإخوان بمصر والمجتمعات العربية؟ صار السؤال: أين هم ولماذا وصلوا إلى هنا؟ وما هو مستقبلهم إن كان لهم مستقبل؟

فقد طرح تعثر الجماعة ومأزقها الأكثر عمقاً وخطراً في تاريخها وتاريخ مصر والأمة العربية أسئلة كثيرة حول مآلها، وفي ظل تلك الحالة المرتبكة قفز إلى الواجهة البحثية مفهوم “ما بعد الإسلاموية”؛ الذي يعود إلى المفكر الإيراني الأمريكي آصف بيات، كمفهوم تحليلي يحاول فهم تحولات الحركة الإسلامية، كمسعى لدمج التدين بالحقوق، والإيمان بالحرية، والإسلام بالتحرر في مقابل بمفهوم الإسلاموية؛ التي هي قراءة للإسلام باعتباره نظاماً كاملاً يحمل حلولاً لكل أزمات الإنسان، حيث يعمل المفهومان معاً للإشارة إلى الاختلاف والتغير في الحالة الإسلامية.

تحاول هذه الدراسة فهم ومساءلة وتطوير المفهوم ليمكن الاعتماد عليه في دراسة الحركات الإسلامية ومستقبلها، من خلال تناول المفهوم باعتباره يعني فشل المشروع الإسلاموي وخطابه من خلال التطبيق على جماعة الإخوان المسلمين في مصر.

إشكالية الدراسة

السؤال الرئيس للدراسة هو: ما هو مفهوم “ما بعد الإسلاموية”؟ وما الآفاق المستقبلية له؟ وهل ما نزال في مرحلة “الإسلامويّة” أم إننا قد وصلنا إلى مرحلة “ما بعد الإسلامويّة”؟ وهل يمكن تقديم تأريخ نقدي وتطوير نموذج تفسيري لوضع جماعة الإخوان المسلمين في مصر ومستقبلها من منظور “ما بعد الإسلاموية”؟

منهج الدراسة

منهج تاريخي يتناول سيرة المفهوم ومسيرة الجماعة، وتحليلي نقدي يلقي الضوء على نقاط قوة وضعف المفهوم والجماعة، وتركيبي يحاول التوصل لنموذج تفسيري يستخدم المفهوم ليستشرف مستقبل الجماعة في المدى المتوسط.

تقسيم الدراسة:

الفصل الأول: “ما بعد الإسلاموية” في العالم العربي: مساءلة للمفهوم وإمكاناته ومستقبله.

الفصل الثاني: الإخوان المسلمون: تاريخ نقدي في ضوء مفهوم ما بعد الإسلاموية.

الفصل الثالث: ملامح نموذج تفسيري لسيناريوهات مستقبل الإخوان في ضوء مفهوم ما بعد الإسلاموية.

خاتمة: فيها أهم النتائج والاقتراحات.

 الفصل الأول

ما بعد الإسلاموية في العالم العربي

مساءلة للمفهوم وإمكاناته ومستقبله

المفاهيم لبنات عليها وبها تقوم مناهج البحث في الظواهر الإنسانية وتتقوم، فالمفهوم يمثل خلاصة الأفكار والنظريات والمعارف ونتائج خبرات وتجارب العمل في النسق المعرفي الذي يولد فيه، ولا يخرج مفهوم “ما بعد الإسلاموية” الذي يتبناه آصف بيات لفهم تحولات الحركة الإسلاموية عن هذا السياق، فالمفهوم ينتمي لحقل السياسة واستمد جذوره من السياق المعرفي الغربي المعاصر المولع بفكرة الما بعد[1]، كما استمد معالمه من فشل تجربة الحركة الإسلاموية في المجتمعات العربية والإسلامية وخصوصاً تجربة الدولة الإسلامية الايرانية.

وتمثل الإسلاموية، عند بيات، مشروع وحركة وقراءة للإسلام تبناه بعض أبناء الطبقة الوسطى المسلمين باعتباره نظاماً كاملاً يحمل حلولاً لكل أزمات الإنسان من خلال السعي لتأسيس “دولةٍ إسلامية” تقيم حكم الشريعة وتفرض القوانين الأخلاقية وتقيم مجتمع عقائدي يؤكد على “واجبات” الناس أكثر من “حقوقهم”، بعد يأسهم من الحداثة الغربية واليوتوبيا الاشتراكية اللتين فشلتا في تحقيق حلمهم بالعدالة وتحقيق الذات فاتخذوا من لغة الأخلاق (الدين) بديلاً سياسياً لتحقيق الحلم بالعدالة بقوة الدولة المرتبطة بالإسلام باعتبارها الأداة الأقوى والأكفأ للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر[2].

وتتميز الحركات “الإسلاموية”؛ وفي القلب منها جماعة الإخوان، بسمات، أهمها: الرؤية الإقصائية وأحادية الصوت وعدم تقبل فكرة التعددية، والخلط بين الدين والمسئولية، والرؤية الأخلاقية المحافظة واللغة الشعبوية والمواقف الأبوية والالتزام الجامد بالنصوص وتهميش الآراء الدينية النقدية والديموقراطية[3]، ولذلك كله فشلت عندما وصلت إلى الحكم ولم تقدم أيّ حلول “إسلاميّة” مميزة كما وعدت، والنموذج الايراني بعد الثورة عام 1979م خير مثال، مما أدى إلى ظهور تيار “ما بعد الإسلاموية”[4].

ارتبط ظهور ما بعد الإسلاموية بثلاثة عوامل: الأول فشل وتناقضات المشروع الإسلامي التي حتمت إعادة التفكير في الإسلاموية من داخلها، والثاني التغيرات الاجتماعية التي خلقت فاعلين جدد من الشباب والنساء والطبقة الوسطى المتدينة دفعوا بإحداث تغيرات سياسية واجتماعية، والثالث السياق العالمي الذي ساعد على حدوث هذه التغيرات[5].

ويرى بيات “ما بعد الإسلاموية”، محاولة واعية لوضع استراتيجية لبناء منطق ونماذج متجاوزة للإسلاموية من خلال الالتزام بمشروع ديني مغاير وأكثر استيعاباً يستمر فيه الإسلام كدين وكمكون للمجال العام لا كمهيمن عليه وحده، أي كحالة ومشروع معاكس للإسلاموية، يدمج التدين بالحقوق، والإيمان بالحرية، والإسلام بالتحرر، والتعددية محل سلطوية الصوت الواحد والتاريخية بدلاً عن النصوص الجامدة والمستقبل بديلاً عن التاريخ، الدولة المدنية مع التوافق على دور للدين في المجال العام على الدولة الدينية[6].

ما بعد إسلاموية الإخوان المسلمين

ويرى بيات أن جماعة الإخوان جماعة “إسلاموية” ينطبق عليها ما انطبق على الحركة الإسلاموية الإيرانية، واعتبر أن ظهور أجيال جديدة من الشباب والنساء والدعاة الجدد والمنظِّرين الذين أسهموا في إقناع الطبقة الوسطى بإمكانية أن تعيش الحياة الحداثيّة دون التخلي عن الإسلام في ظل الانتشار السريع لتكنولوجيا الاتصالات والإعلام المجتمعي، وفي ظل تحولات عالمية وإقليمية مثل: نهاية الحرب الباردة، والمناداة بالديموقراطية والمجتمع المدني، وصعود نموذج ما بعد الإسلاموية الإيرانية، وفشل القومية العربية في تحرير فلسطين، بالإضافة إلى بزوغ حركات مثل حركة كفاية وحزب الوسط وظهور جيل جديد بداخل جماعة الإخوان دعا إلى تطوير خطابها السياسي وشكلها التنظيمي وأهدافها الرئيسية[7]، كل ذلك أدى إلى ظهور نزعة ما بعد الإسلاموية على نطاق واسع في مصر قبل ثورة 25 يناير 2011م [8].

وبدا أن المجال العام، مع اندلاع الثورة، يتبنى رؤية سياسية جديدة من خلال جمهور جديد ذي توجهات ما بعد أيديولوجية وما بعد إسلاموية تمثلت في غياب اللغة الدينية فيها ورفض فكرة إقامة دولة دينية؛ على الرغم من إيمان المشاركين، واحتلت مطالب الحرية والعدالة والكرامة الأولوية[9]؛ خاصة بعد أن أجبر جيل (الشباب الإخواني ما بعد الإسلاموي) قادتهم الممانعين على الالتحاق بالثورة بل وإلى شق صفوف الحركة بعد الثورة[10]، وإن كان تولي الإخوان السلطة واندفاعهم نحو احتكارها وإصرارهم على الالتزام التنظيمي والسرية واستخدامهم لغة الشريعة واستغلال الدين في خدمة السياسة صعب من نمو بديل ما بعد إسلاموي في مصر حتى اليوم[11].

وقد تصور بيات “ما بعد الإسلاموية” في البداية كرؤية نقدية استمدها من التاريخ الحديث للحركات الإسلاموية في إيران ومصر تسعى لتجاوز السياسات الإسلاموية، لكنه- في ضوء الانتقادات الموجهة للمفهوم- انتهى إلى رؤيته كنوع من النقد والقطيعة النقدية لا الذرائعية مع السياسات الإسلاموية، وباعتباره تحول في الخبرة الإسلامية لا كمشروع ديني استيعابي متماسك، فهو لا يعني بالضرورة نهاية تاريخية للإسلاموية، كما أن “ما بعد الإسلاموية” قد تأتي تاريخياً قبل أو بعد الإسلاموية أو قد تعمل متزامنة إلى جوارها، وقد نجدها في الحاضر أو في الماضي[12]، وبات يراها كاستراتيجية تكتيكية أكثر من كونها أيديولوجيا جديدة، فهي تحتوي بعض التحولات الأيديولوجية دون المساس بالأسس التي قامت عليها الإسلاموية والمتمثلة في خلق دولة مبنية على الشريعة لكنها تزاوج بين الإسلام والاختيار الفردي والحريات والديموقراطية[13].

وقفات مع المفهوم

المفهوم في اللغة من المصدر “فهمه” أي أحسن تصوره، فالفهم هو حسن تصور المعنى والمعرفة به وجودة استعداد العقل للاستنباط والاستنتاج[14]، أما في الاصطلاح فهو مجموعة الخصائص والصفات الموضحة لمعنى كامل كلي، فأي مفهوم لا بد له أن يستجمع شروط واضحة: أولها الخصائص الأساسية التي تسمح بتعميم المفهوم وتمثيله لمجموع الظواهر التي ينطبق عليها، وثانيها أسباب يمكن الرجوع إليها تفسر سبب نشأته، وثالثها مؤشرات تكون قابلة للفهم والامتداد يمكن الاستناد إليها لوصف وتفسير الظاهرة التي من أجلها تم نحته.

وإذا طبقنا ذلك على مفهوم ما بعد الإسلاموية كما طوره بيات يتضح أن هناك نموذجاً ثاوياً في عقله تشكل بناء على اعتماده مجموعة من الأسباب والخصائص التي استقاها من خبراته الشخصية والخبرات الغربية عن الحركات الإسلامية[15] وكذلك الخبرة التي اكتسبها كرد فعل على الانتقادات الموجهة إليه وما أظهره الواقع من نقاط قوة ونقاط ضعف في المفهوم[16].

بداية، هناك بالفعل ملامح قوة حقيقية في قدرة المفهوم التفسيرية بخصوص توضيح بعض سمات الإسلاموية مثل: تضخيم دور الدولة والعنف باعتبارهما الأداة الأقوى والأكفأ للتغيير والنظر للناس كرعايا وأصوات انتخابية وظهير شعبي أكثر من كونهم مواطنين ذوي حقوق، والتأكيد على جمود الفكر الديني الذي أدى إلى غياب الضغط الاجتماعي الفعال والحركات الاجتماعية الممتدة لإجبارها على إعادة التفكير في جمودها وتجاوز الالتزام المتزمت بالنصوص والانفتاح على الفهم المتجدد للنصوص والواقع.

كما أن العوامل التي تؤشر على بروز تيار ما بعد الإسلاموية والمتمثلة في: التغيرات الجيلية وتأثير التكنولوجيا والاتصال والنقد الناتج عن إدراك الفشل العملي للإسلاموية في ظل تدين جديد من ناحية والعوامل الخارجية الممثلة في الدولة القومية والقوى الإقليمية والعالمية وموقفها من الإسلاموية من ناحية ثانية لها قدرة تفسيرية عالية أيضاً في تتبع النشأة والتطور والمآل، إلا أن مساءلة المفهوم من خلال الواقع وتشغيله فيه توضح مجموعة من نقاط الضعف في قدرته التفسيرية، تتمثل أهمها في:

1- قدرةُ المفهوم على تفسير الحركات الإسلاموية عامة؛ والإخوانية خاصة، في نشأتها وفي استمراريتها وفهم جهاز مفاهيمها المتصل مباشرة ببنية تفكير ثقافة كاملة تحكمت فيها سياقات متعددة الروافد والآثار وأهمها رؤية الكون التي تنطلق منها ضعيفةٌ، فمثلاً إرجاعه أسباب نشأة الإسلاموية المعاصرة لخلفيات الغالبية من قادتها الريفيين المتدينين أو أبناء الطبقة الوسطى المحبطين والمهمشين المتطلعين لحياة كريمة غير دقيق تماماً ولا يتفق وحقائق الواقع إذ أنه يستبعد كثيراً من تفاصيل الواقع ومستوياته وبنيته، حيث تعبر الإسلاموية عن مروحة واسعة النطاق من الفئات الاجتماعية التي آمنت بها لا يمكن فهمها إلا بالعودة إلى الخطاب الإسلامي ذاته من ناحية ولحركيات التاريخ المعاصر للمسلمين في ضوء علاقته بالاستعمار الغربي وما أنتجه من مؤسسات وأفكار ونخب وتطورات تلك العلاقة، فنشأة الإسلاموية؛ وخصوصاً الإخوان، لن يتسنى إدراكها إلا إذا كانت لدينا القدرة على إدراكها بوصفها مسألة حضارية إسلامية في عالم حداثي وليست مجرد مسألة تحقيق لذوات عانت من تهميش فقط.

2- النماذج التطبيقية التي تمثل مرحلة “ما بعد الإسلاموية” تمثل مشاكل كبيرة للمفهوم في الواقع، فمثلاً حزب الوسط والحديث عن تفضيله الديموقراطية الحديثة عن رفع لواء الشريعة الإسلامية أمر غير دقيق فليس هناك ارتباط بين تفضيله للديموقراطية وتخليه عن تطبيق الشريعة، كما أن انحرافه للتأييد المبالغ فيه للإخوان خلال فترة حكمهم وبعد خروجهم من الحكم يهدم التحليل الذي تبناه بيات عنه، فالوسط بعد الثورة لم يتجاوز جماعة الإخوان بل تماهى معها فكرياً وحركياً ليس فقط في التحالف معها ضد معارضيها ولكن أيضاً وهو الأخطر في تبنيه النزعة السلطوية في إدارة الحزب حيث تمت إدارة الحزب عن طريق مجموعة مصغرة من الإخوان القدامى بشكل سري يرفض الديموقراطية التي اعتبرها رئيس الحزب سنة وليست فرضاً؛ والتي خرج قادته بسببها من الجماعة، وفرضها بشكل أنتج انقسامات كبيرة داخله واستبعاد كل رؤية تخالف الإخوان ليس من القيادة وحسب بل عن الحزب بالكلية،[17] مما يصعب اعتباره مؤشراً دالاً على تيار ما بعد الإسلاموية[18].

كما أن القول بأن حركة كفاية ظهرت كرد فعل على انتشار التوجهات الإسلامية خطأ بًين لأن كفاية ولدت على يد بعض الإسلاميين[19]، وظهورها لم يكن رد فعل على انتشار التوجهات الإسلامية بقدر ما كانت رد فعل على فشل الأحزاب السياسية في مواجهة استبداد نظام مبارك وفساده ورفضه لأي بديل إصلاحي ولو تدريجي، وإن أمكن اعتبارها أحد تجليات ما بعد الإسلاموية السياسية باعتبار مشاركة فصيل من الإسلاميين فيها.

كما أن إرجاع فصل كثير من شباب الإخوان أو خروجهم الجماعي من التنظيم بسبب ميلهم نحو الرؤية ما بعد الإسلاموية أمر غير دقيق تماماً، فهؤلاء الشباب فعلاً كانوا يتبنون بعض ملامح ما بعد الإسلاموية لكن خلافهم مع الجماعة كان سياسياً تنظيمياً بالدرجة الأولى وليس تحولاً كاملاً في الفكر ورفضاً كاملاً للتنظيم بل كانوا كما أسماهم أحدهم “إخوان إصلاحيون”[20]، ويؤكد ذلك أننا لا نجد في أدبياتهم وحركياتهم مشروعاً دينياً مغايراً عن مشروع الإخوان حتى بعد أن أنشأوا أحزاباً بعد الثورة فهي لم تختلف كثيراً عن الرؤية الإخوانية ولم تستطع أن تجذب نسبة معتبرة من جمهور الجماعة تكفي لإنشاء حزب في كثير من الحالات فالتحقوا بحزب عبد المنعم أبو الفتوح فيما بعد[21]، ويمكن أن يشمل التحليل المراجعات الإخوانية التي أجراها عدة فصائل شبابية إخوانية بعد يونيو 2013م لأنها جميعاً لا تعبر عن ما بعد الإسلاموية بشكل صريح وأنها على الأكثر تأخذ منها بطرف في حين تعض بالنواجذ على إسلامويتها[22]، ومن هنا تأتي ضرورة إعادة التفكير في الأمثلة التاريخية المؤشرة على ظهور “ما بعد الإسلاموية”.

3- القول بأن تيار ما بعد الإسلاموية يأخذ بالتاريخية بدلاً من النص المقدس؛ سواء قبل أو بعد ثورة يناير، هو قول إن انطبق على بعض المفكرين الذين يشير إليهم بيات ومن يقولون بقولهم خارج الحركات الإسلاموية إلا إنه لا ينطبق على تيار ما بعد الإسلاموية خارج وداخل الإخوان والفصائل التي خرجت من عباءتهم مثل حزب الوسط، ففكرة التاريخية مرفوضة عندهم وهم لا يأخذون بآراء المفكرين الذين يروجون لتاريخية الشريعة بل يرفضونها هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية فإن التيار الداعي للأخذ بالتاريخية ليس له وجود حقيقي في أوساط المصريين عامة وتواجده الرئيسي في أوساط النخب المثقفة والعلمانية.

4- وصف مفكرين إسلاميين مثل محمد عمارة وطارق البشري على أنهم “ليبراليين إسلاميين” وأنهم سعوا لتضمين أفكار الديموقراطية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان في توجهاتهم وأن تأثيرهم الاجتماعي ظل متواضعاً هو خطأ كبير لأن بذور ما بعد الإسلاموية نبعت أساساً من هذا التيار الذي أنشأه هؤلاء، ومن ثم فإن تصنيفهم كليبراليين يفقد المفهوم قدراً كبيراً من تفسيريته، فالمتتبع لتحولات الإسلاميين يجدها مرتبطة بدرجة كبيرة بفكر هؤلاء وغيرهم من مدرسة الوسطية الإسلامية[23]، ومن ثم فإن استبعاد التيار الذي يمثله هؤلاء من صلب المفهوم قلل من قدرته على تفسير أسباب نشأة الإسلاموية وما بعد الإسلاموية.

5- يصف المفهوم دولة ما قبل يناير بأنها دولة علمادينية وبين أثرها على انحسار الإسلاموية وبزوغ ما بعد الإسلاموية لكنه يعجز عن توصيف دولة ما بعد 30 يونيو وتأثيرها عليهما.

6- لا يفسر المفهوم لماذا تفتقد ما بعد الإسلاموية القاعدة الاجتماعية التي تحملها وتحققها كمشروع بديل في ظل انحسار الإسلاموية أو تراجعها؟

7- تأكيد المفهوم على أن ما بعد الإسلاموية تشهد حالياً صعوداً على المستوى الدولي[24] لا دليل عليه على أرض الواقع، فنحن إن قصرنا الحديث على حالة مصر لن تجد لهم أثراً.

وفي ضوء نقاط القوة والضعف السابقة للمفهومين، وفي ضوء فهمنا للظاهرة الإسلاموية وما بعد الإسلاموية، يمكننا إعادة بناء المفهوم كما يلي:

1- سنصطحب معنا سمات الإسلاموية المتمثلة في: الرؤية الإقصائية وأحادية الصوت وعدم تقبل فكرة التعددية، والخلط بين الدين والمسئولية، والرؤية الأخلاقية المحافظة واللغة الشعبوية والالتزام الجامد بالنصوص وتهميش الديموقراطية والآراء النقدية الدينية المجددة، وكذلك سمات ما بعد الإسلاموية المتمثلة في: دمج التدين بالحقوق، والإيمان بالحرية، والإسلام بالتحرر، ووضع التعددية محل سلطوية الصوت الواحد، وتفضيل الدولة المدنية؛ مع التوافق على دور للدين في المجال العام، على الدولة الدينية.

2- كل ذلك من أجل وضع استراتيجية لبناء منطق ونماذج متجاوزة للإسلاموية من خلال الالتزام بمشروع ديني متماسك أكثر استيعاباً بعد استبدال تبني التاريخية في فهم النصوص بالمرونة والتجديد في فهمها باعتبارها الرؤية الأكثر تمثيلاً للإسلام، حيث يستمر فيه الإسلام كدين وكمكون للمجال العام لا كمهيمن عليه وحده، بما يعني نهاية الإسلاموية.

3- ومع الأخذ في الاعتبار أن “ما بعد الإسلاموية” قد وجدت متزامنة مع الإسلاموية ومتصارعة معها طوال العصر الحديث، فهما رؤيتان متضادتان هيمنتا على المجال الحضاري للمجتمعات المسلمة في محاولتها لتحقيق استقلالها الحضاري الكامل وإبداع رؤيتها الخاصة للكون المغايرة للحداثة الغربية التي غزت تلك المجتمعات منذ ثلاثة قرون، فالفارق بينهما ليس بين مراحل تاريخية تظهر فيها رؤية وتضمر أخرى وإنما بين رؤيتين متجاورتين للإسلام والعالم والذات الساعية للتغيير داخل كل مرحلة تاريخية أو حركة: تعتمد الما بعد الإسلاموية الرؤية الحضارية الشاملة للتغيير، بينما تعتمد الإسلاموية على الدولة والعنف وفرض الواجبات الأخلاقية كطريق وحيد للتغيير وتحقيق الخلافة وأستاذية العالم.

4-ومن ثم تصبح الإسلاموية وما بعدها رؤيتين متضادتين متجاورتين داخل جماعة الإخوان المسلمين، ومن ثم لا يمكن النظر إليها كبنية ساكنة تحتوي تياراً واحداً منهما فقط وإنما يجب النظر إليها كحركة دينامية يتصارع داخلها التياران عبر متتالية من التغيرات الفكرية والتنظيمية خلال الزمن، ويمكن التمثيل لتيار ما بعد الإسلاموية في الجماعة برؤية المجددين بدءاً من الأفغاني ومحمد عبده[25] التي ورثها وطورها حسن البنا ثم ورثه تيار التجديد برؤية الكونية الحضارية للتغيير المنشود في المجتمعات الإسلامية الذي خرج من عباءة الإخوان أو مستقلاً عنهم مثل محمد الغزالي وفتحي عثمان وطارق البشري وسليم العوا ومحمد عمارة وغيرهم ممن يتبنى رؤيتهم كاملة أو جزئية، كما يمكن التمثيل لتيار الإسلاموية بالرؤية الإخوانية في طبعتها الدولتية التي طغت على الجماعة بعد المؤتمر الخامس وتبناها مجموعة التنظيم الخاص أمثال عبد الرحمن السندي ومحمود الصباغ وأحمد عبد المجيد وسيد قطب ومصطفى مشهور ومحمد بديع وخيرت الشاطر وغيرهم ممن يتبنى رؤيتهم.

5- وفي ضوء ذلك، يمكن القول بأن أهم أسباب إخفاق تيار الإسلاموية الإخوانية وعودة وليس ظهور ما بعد الإسلاموية داخل الجماعة ليس فقط بسبب ظاهرة الصراع بين الأجيال وظهور أنماط جديدة من التدين وتبني رؤية مرونة تجاه النصوص الدينية وتغيرات السياق المحلي والإقليمي والدولي المحيط بالحالة الإسلاموية وإنما أيضاً وبدرجة رئيسية للخطأ الرئيسي في تفسير طبيعة دور الجماعة التغييري وأولوياته هل هو حضاري شامل أم سياسي ضيق، بالإضافة إلى موقف الدولة الحديثة منهما رفضاً وقبولاً، بجانب انتشار أو انحسار الجمود أو التجديد الديني أو التفسيرات المنحرفة للنصوص الدينية على حد سواء وهنا يكون إدخال التيار الوسطي برؤيته المعاصرة هاماً في زيادة قدرة المفهوم التفسيرية، والتي يؤدي الأخذ بها مجتمعة في نموذجنا التفسيري إلى فهم أفضل لأسباب ازدياد أو نقص أو افتقاد القاعدة الاجتماعية لكلا التيارين خلال المراحل التاريخية المختلفة ومن ثم استشراف وجودهما في المستقبل.

6- وأخيراً فإن علينا إدراك أن كلا المفهومين: الإسلاموية، وما بعد الإسلاموية، لا يتحققان في الواقع بصورة كلية وإنما هما مفهومان تحليليان لهما مقدرة تفسيرية على توضيح خصائصهما وأسباب الصراع بينهما وعلى وضع التيارين في حجمهما الطبيعي في كل مرحلة تاريخية دون تهويل أو تقليل وفي وضع أيدينا على (اللحظة النماذجية) لتحقق كل منهما والتي يفصح فيها كل نموذج عن مرجعيته النهائية إفصاحاً كاملاً في الفكر أو الممارسة بعد اكتمال حلقات متتاليته في التاريخ ولماذا تظهر في هذا التوقيت تحديداً وعلى بيان متى ينتهي هذا الصراع تصبح أكثر تفسيرية[26]، وعلى ضوء هذا الفهم يمكننا تتبع تاريخ جماعة الإخوان في الفصل التالي.

الفصل الثاني الإخوان المسلمون

تاريخ نقدي موجز في ضوء مفهوم ما بعد الإسلاموية

من خلال تتبع صراع تياري الإسلاموية وما بعد الإسلاموية، كما حددناهما، وفقاً لرؤية تصورية نماذجية تعاقبية جردناها من خلال ملاحظة الجماعة في نموها وتطورها عبر الزمان، والوقوف على “اللحظة النماذجية” التي اقترب فيها كليهما من التحقق الكامل في الواقع، نحاول تقديم تاريخ نقدي للجماعة الإخوان منذ نشأتها حتى الآن، وذلك من خلال تقسيم تاريخها إلى خمس مراحل رئيسية:

  • المرحلة الأولى (1928-1949م)

بدأت بذور جماعة الإخوان من خلال دعوة الناس للالتزام بتعاليم الإسلام بشكل شامل لم يكن شائعاً وقتها وتبلورت ملامحها الرئيسية خلال عقدها الأول: جماعة نظامية ترتبط بواجبات ومناهج تبدأ بتربية الشعب المصري ليصل إلى مستوي من النضوج يؤهله لأن يؤسس مجتمعاً إسلامياً[27] يخلص الأمة من قيودها السياسية حتى تنال حريتها، وبناؤها من جديد لتسلك طريقها بين الأمم وتنافس غيرها في درجات الكمال الاجتماعي، وأن تقف في وجه الموجة الطاغية من مدنية المادة وحضارة المتع والشهوات التي جرفت الشعوب الإسلامية فأبعدتها عن زعامة النبي ﷺ وهداية القرآن، وتحقيق “سيادة الدنيا وإرشاد الإنسانية كلها إلى نظم الإسلام الصالحة وتعاليمه التي لا يمكن بغيرها أن يسعد الناس؛ متأثرة في ذلك بمدرسة الجامعة الإسلامية وروادها الأفغاني وعبده ورشيد رضا[28]، وقد كانت العشرية الأولى من عمرها هي اللحظة النماذجية التي تجسدت فيها رؤية الجماعة الأصلية الما بعد إسلاموية التي قامت على أساسها.

لكن الافتتان بالسياسة صهر الفكرة تماماً وأضاعها في عز قوتها وقبل نضج ثمرتها، فدخول مضمار السياسة المباشر مع المؤتمر الخامس للجماعة في نهاية ثلاثينيات القرن الماضي جعلها تفقد الكثير مما بدأت في زراعته في مرحلتها الدعوية التربوية، وزاد الأمر تعقيداً بتكوين التنظيم الخاص[29]، ومن هذا الزوج غير البهيج من القرارات بدأت أزمة الإخوان المزمنة ففقدت مؤسسها في ريعان شبابه وعطائه الفكري ولتتنكب طريقها الما بعد إسلاموي الذي بدأته ولم تعرف أن تعود إليه حتى اليوم[30].

فقد غلبت على الجماعة في بدايتها الرؤية الما بعد إسلاموية، فكانت مشروعاً وحركة تمثل قراءة للإسلام باعتباره يحمل حلولاً لكل أزمات الإنسان التي يكتشفها الإنسان المسلم ليس فقط من خلال السعي لتأسيس “دولةٍ إسلامية” تقيم حكم الشريعة وتفرض القوانين الأخلاقية وتقيم مجتمع عقائدي ولكن أساساً من خلال تجديد فهم الإسلام ومناهج التربية وتأهيل الفرد المسلم ليتحقق بالشهود الحضاري الحقيقي الذي يؤهله لتكوين المجتمع المسلم ومن ثم الجماعة والأمة المسلمة المتضامنة، لكن معالم التحول إلى الإسلاموية بدأت في الظهور عند الانغماس في السياسة واللواذ بفكرة الدولة واستخدام العنف باعتبارهما الأداة الأقوى والأكفأ للوصول إلى غاياتها من خلال النظام الخاص ونموه الكبير وتغوله على نظام الجماعة الأساسي- التي كانت تنمو بقوة في غالب أنحاء مصر برؤية ما بعد إسلاموية-، وهكذا احتدم الصراع بين التيارين خلال عقد الأربعينيات وباءت محاولات المرشد لإعادة الجماعة إلى طريقها الرئيسي بالفشل ورجحت كفة الإسلاموية على ما بعدها وقتل المرشد وحُلت الجماعة، وهنا تظهر المقدرة التفسيرية للمفهومين كما نتبناهما في تفسير نشأة الإسلاموية وما بعدها في السياق الأشمل.

ويمكن ملاحظة أهم سمات ما بعد الإسلاموية في تلك الفترة في: مرونة التعامل مع النصوص الدينية والعلاقات مع المؤسسات الدينية وغير المسلمين والنظرة المنفتحة للفنون والفكر والسياسة والانتخابات والدستور، والتعامل مع المجتمع بمرونة كبيرة وهناك مئات المواقف التي توضح ذلك بجلاء[31].

كما يمكننا ملاحظة أهم سمات الإسلاموية بعد سيطرتها على التنظيم والمتمثلة في: تضخيم دور الدولة والعنف في التغيير والموقف المتشدد من غير المسلمين والنظام النيابي والدستور والديموقراطية[32].

  • المرحلة الثانية (1949-1954م)

تتميز هذه المرحلة بمحاولة الجماعة استعادة نشاطها بعد حلها ومقتل مرشدها وسجن كثير من أعضائها، ونجحت في اختيار حسن الهضيبي مرشداً ومحاولة تصفية النظام الخاص وعودتها لطريقها الرئيسي الدعوي ما قبل الإسلاموي، والعودة إلى صدارة المشهد السياسي من خلال دعم حزب الوفد دون التحول إلى حزب سياسي، ثم صعودها السياسي الكبير بعد نجاح تحالفها مع الضباط الأحرار في انقلاب 23 يوليو عام 1952م لكنها سرعان ما اصطدمت بهم عام 1954م[33].

وتتميز هذه المرحلة بأنها كانت سجالاً بين الرؤيتين الإسلاموية وما بعد الإسلاموية: فقد حاول تيار ما بعد الإسلاموية بقيادة الرعيل الأول من الجماعة إعادتها إلى مجراها الرئيسي الحضاري في حين أصر تيار الإسلاموية بقيادة أعضاء التنظيم الخاص على عكس ذلك، وفشل تيار ما بعد الإسلاموية في مهمته خاصة مع تدخل الدولة على الخط في المواجهة بينهما وسعيها لتفكيك الجماعة وحلها ومطاردتها، لتدخل نفق التشريد والسجون حتى نهاية حكم عبد الناصر.

وتتميز هذه المرحلة بمحاولات ما بعد إسلاموية هامشية لإنشاء حزب سياسي للإخوان بقيادة فتحي العسال وفشله[34]، ومحاولة استيعاب جزء كبير من تيار ما بعد الإسلاموية في دولة عبد الناصر لكن ذلك لم يؤد لانتهاء الجماعة[35] وهروب كثيرين منهم خارج البلاد وما ستتركه مراجعاتهم من بذور ما بعد إسلاموية ستنبت في المستقبل لكنها لم تستطع أن تخلص الجماعة من تيار الإسلاموية[36].

ويمكن أن نرصد اللحظة النماذجية للإسلاموية خلال هذه المرحلة التي تمثلت في: سيادة نهج العنف والسرية والولاء التام كمنهج لإدارة الجماعة في ظل استيلاء النظام الخاص على قيادة للجماعة وعجز المرشد ومكتب الإرشاد عن السيطرة بسبب الظروف الأمنية الشديدة التي فرضتها الدولة على حركة التيار الرئيسي في الجماعة وظروف المحنة التي وفرتها والتي رجحت كفة تيار الإسلاموية، وأمدته بالمدد الجديد من الشباب المتعاطف مع الجماعة والمنضم إليها بعد موت عبد الناصر وتولي السادات الحكم.

  • المرحلة الثالثة (1971-2000م)

تنفست الجماعة الحياة من جديد في سبعينيات القرن الماضي في ظل الحرية النسبية التي أتاحها السادات، وقام تيار الإسلاموية بقيادة بقايا التنظيم الخاص بإعادة بناء الجماعة بعد موت المرشد الثاني، وقد استجاب لهم كل من كان له سابقة علم بالنظام الخاص وشكلوا قلب حركي داخل الجماعة والعمل بصورة هادئة[37]، وانضم إليهم مجموعات الشباب الذين تعاطفوا مع الجماعة في محنتها وكونوا تنظيماتهم الخاصة التي سرعان ما التحمت بالجماعة بعد عودتها للحياة مجدداً ليمثلوا الجسم الرئيسي للجماعة في بعثتها الثانية[38]، ولكن نظراً لصعوبة تصدرهم لرفضهم من قبل الدولة ومن قبل أعضاء الإرشاد والهيئة التأسيسية تواروا خلف الكواليس إلى حين وأسندوا الإرشاد إلى عمر التلمساني كوجه ما بعد إسلاموي مقبول.

وعلى الرغم من اضطلاع التلمساني بمهام المرشد بكفاءة واجتذابه لشباب الجماعة الإسلامية في الجامعات وحدوث نوع من الإحياء الجديد للجماعة وللتيار ما بعد الإسلاموي فيها فعادت لتخترق الجامعات والريف والأحياء الشعبية من جديد[39] وزادت مساحتها في الشارع، ولكن هيمنة التيار الإسلاموي من قيادات التنظيم الخاص[40] عجل بالدخول للسياسة فتحالفت مع حزب الوفد الجديد عام 1984م ثم مع حزبي العمل والأحرار في انتخابات 1987م كما بدأت في طرق أبواب النقابات لتسيطر عليها مع منتصف التسعينيات، ثم لتعود للمربع صفر مع إحساس الدولة بقوة الجماعة وهيمنتها على المشهد السياسي وبروزها كبديل حقيقي محتمل لها في النصف الأول من تسعينيات القرن الماضي، ولتقضي بقية سنواتها في محاولة تلافي ضربات الدولة المتتالية لها وتجاوز حالات الانشقاق التي قام بها تيار ما بعد الإسلاموية داخلها[41].

وفي هذه المرحلة ظهرت بذور تيار ما بعد إسلاموي تُساءل رؤية الجماعة: التي مالت للإسلاموية في التنظيم والتربية والدعوة والرؤية للتغيير بالطرق العنفية، واقترحت خطوات للعودة بها لمسارها الرئيسي ودعت للفصل بين العمل الدعوي والسياسي وتطوير مناهج التربية والتكوين واستبعاد العمل السري والطاعة المطلقة واقترحت تكوين حزب سياسي منفصل عن الجماعة لتتفرغ لمهامها الدعوية لكنه فشل في تحقيق ذلك ومنه خرجت مجموعة حزب الوسط[42]، ولتستمر الجماعة بقيادة التيار الإسلاموي في السعي للسيطرة على مؤسسات الدولة والمجتمع بعد أن ترسخت قواعدها ولم يوقفها سوى ضربات الدولة تحت غطاء إقليمي ودولي[43]، فتراجعت ليس اقتناعاً بخطأ الانغماس في السياسة وإنما تجنباً لصدام أكبر مع النظام يفقدها التنظيم الذي هو الأداة الأساسية للعنف والسيطرة على الدولة الرئيسية.

وفي هذه المرحلة، أيضاً، يمكننا ملاحظة ظهور أهم سمات تيار الإسلاموية: الخطاب الشعبوي النفعي للفئات المنضمة لهم أو القريبة والمتعاطفة معهم والتي تمثل ظهيراً انتخابيا لهم من الشباب والفقراء والفئات الوسطى التي طحنتها الظروف الاقتصادية وأعاقها الفساد عن الوصول لما تريده من حياة طيبة، والرؤية الإقصائية وأحادية الصوت الرافضة لفكرة التعددية، وهو ما ظهرت نتائجه من خلال طرق وصول المرشدين للسلطة بعد التلمساني بدءاً من أبو النصر حتى بيعة محمد بديع التي تمثل اللحظة النماذجية لسيطرة تيار الإسلاموية، وهو ما جعل الجماعة غير قادرة على احتمال تيار ما بعد الإسلاموية فتوالت الاستقالات والخروج الجماعي من غالب أنصار تيار ما بعد الإسلاموية إلا قليلاً ممن ظنوا وظلوا يكافحون لعلهم يصلحوا مسار الجماعة لكنهم سرعان ما سيخرجون بعد ثورة يناير بعد يأسهم من إمكان التغيير.

  • المرحلة الرابعة (2000-2010م)

في هذه المرحلة ظهرت متغيرات عديدة أسهمت في دخول الجماعة بوجهها الإسلاموي الواضح مرحلة جني الثمار، من أهمها: أحداث سبتمبر 2001م وتبني الإدارة الأمريكية مقرطة المنطقة العربية، وحركة كفاية وتعديلات الدستور، بالإضافة لنمو تيار ما بعد الإسلاموية داخل الجماعة، وضغوط الشباب والشيوخ من تيار ما بعد الإسلاموية الرافضين لنهج فريق النظام الخاص من خارجها، لكنها استطاعت تجاوز ذلك كله من خلال مبادرات ومناورات سياسية مثل: مبادرة الإصلاح في 2004م، والتعديلات الدستورية 2005م، وطرح فكرة الحزب في عام 2007م، واستغلالها مشروع التوريث، وعقدت اتفاقات غامضة مع الدولة أتاحت لها عودة رمزية للبرلمان بعد غياب عقد كامل في بداية الألفية، ثم الحصول على 88 نائبا في انتخابات 2005م في مقابل ترك انتخابات الرئاسة دون منافسة مبارك وغموض موقفهم من ترشح ابنه للرئاسة، وظلوا في مد صاعد حتى قيام ثورة يناير 2011م[44].

ونلاحظ في هذه المرحلة أن العام 2010م يعد هو اللحظة النماذجية لقمة صعود تيار الإسلاموية التنظيمية والإيديولوجية في الجماعة، في حين صار تيار ما بعد الإسلاموية يمثّل فقط في بضعة أفراد يفتقرون إلى النفوذ التنظيمي الفعلي، ولتقترب اللحظة النماذجية التي عمل لها قيادات التنظيم الخاص لأكثر من خمسين عاماً[45].

كما نلاحظ مفهوم الإسلاموية في قمة ظهوره: فنحن أمام جماعة تسعى لتأسيس “دولةٍ إسلامية” تقيم حكم الشريعة، وتفرض القوانين الأخلاقية، وتقيم مجتمع عقائدي يؤكد على “واجبات” الناس أكثر من “حقوقهم”، وبناء نظامها الاجتماعي الجديد باعتبارها الأداة الأقوى والأكفأ للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتتميز بالشمولية ورفض التعددية وتتوجس من التجديد وترفض فصل السياسي عن الدعوي، وتعلي من مكانة منظري الإسلاموية، وتتخذ من الانتخابات سواء داخلها أو في المجال العام سبيلاً للسيطرة على الدولة وتنتظر الفرصة السانحة لتنفيذ ذلك كله[46].

  •  المرحلة الخامسة (2011-2013م)

دخلت الجماعة هذه المرحلة إسلاموية تماماً، ثم كانت الثورات على ما شهدنا وسمعنا وشاركنا والتي كانت تبشر بتحول في مسيرة المشروع الإسلامي ودخوله في أفق طور جديد، فقد كانت المبادرة في (الربيع العربي) للناس؛ والشباب منهم على وجه الخصوص الذين أنضجتهم خبرة القرن الماضي فأخذوا زمام المبادرة لطرح المشروع الإسلامي بشكل مختلف وبدعوة جذرية للتغيير، وهذا ما حدث داخل الجماعة أيضاً فقد بدأت اللحظة الحاسمة للصراع بين تيار الإسلاموية المهيمن على الجماعة وبقايا تيار ما بعد الإسلاموية في لحظتيهما النموذجيتين في آن واحد: اللحظة النماذجية لبقايا تيار ما بعد الإسلاموية في تطلعها للتغيير ممثلة في بقايا الشيوخ والشباب الرافضين لهيمنة الإسلامويين على الجماعة، واللحظة النماذجية للإسلاموية الغالبة والقائدة للجماعة من أعضاء التنظيم الخاص في استشراف أنفسهم لجني ثمار نصف قرن من العمل للوصول إلى الحكم والسيطرة على الدولة والذين غلبوا على أمر الأولين فانغمسوا في عملية استلام السلطة مع عدم وجود برنامج واضح ورؤية استراتيجية فعلية لإدارة البلاد وفي ظل قبول شعبي جارف ونجاح المجلس العسكري في إقناعهم بأحقيتهم في حكم البلاد ونسوا خبرة التاريخ الدامية والفاشلة حتى دخلوا نفق 30 يونيو و3/7 المظلم ولم يخرجوا منه حتى اليوم[47].

وفي هذه المرحلة ظهرت المرجعية الكامنة لتفكير تيار الإسلاموية المتمثلة في تقديس دور الدولة في التغيير ونجاعة الحلول العنيفة واضحة جلية، كما ظهرت أيضاً عيوب بعض النماذج التي كانت تمثل تيار ما بعد الإسلاموية وتشوش رؤيتها الكونية المستمدة من الإسلام بعد أول صدام سياسي على أرض الواقع سواء في حزب الوسط الذي انجرف للرؤية الإخوانية بكل حمولتها الإسلاموية أو حركة كفاية التي انجرفت للانحياز للرؤية الدولتية لنظام يوليو، وبقايا تيار ما بعد الإسلاموية الذين خرجوا من الجماعة لكنهم فشلوا في الدخول للساحة السياسية والمجتمعية بالإضافة إلى تشوش رؤية بعض رؤى المفكرين الإسلاميين الجدد الذين حملوا أفكار ما بعد الإسلاموية في كتاباتهم لكنها تحولت عندما نزلوا إلى أرض الواقع[48].

  • المرحلة السادسة (2013-2020م)

في هذه المرحلة دخل الإخوان في نفق الأزمة من جديد وفقدت السلطة وحظرت ودخلت في مواجهة صريحة وعنيفة مع مؤسسات الدولة وجزء كبير من الشعب استمرت حتى اليوم، فاعتقل وقتل وهاجر الكثير من أعضائها خارج البلاد، وظهرت أخطر ملامح الإسلاموية العنفية من جديد لتذكرنا بأجواء الأربعينيات والخمسينيات والستينيات من القرن الماضي من استخدام العنف العشوائي وتكفير الدولة والمجتمع نتيجة لهيمنة تيار الإسلاموية على قيادة وقاعدة الجماعة.

وفي هذه المرحلة، أيضاً، نلاحظ خروج فصيل مراجع من رحم التيار الإسلاموي يمكن عده جزئياً ما بعد إسلاموي، بدأ في إجراء مراجعات شبيهة لما حدث في تواريخ سابقة للجماعة تناولت الأخطاء التي وقعت فيها الجماعة ونبذ العنف الذي نما داخل أوساط شبابها ومحاولة تجديدها ورسم طريق لمعالجة أزمتها بنائها من جديد؛ وإن لم يظهر لها أي أثر على التنظيم من داخله ولا حركته في الواقع حتى الآن[49].

ويمكن، أيضاً، ملاحظة أن تيار الإسلاموية ظل هو المهيمن على الجماعة حتى في ظل انقسامه إلى تيارين: أحدهما يتبنى العنف صراحة والآخر يتبناه مواربة، ويعد المؤتمر الذي عقدته الجماعة في إسطنبول منتصف سبتمبر الماضي بعنوان “أصالة الفكرة واستمرارية الرسالة” والذي حدد مهمته في “إعادة تقديم مبادئ الجماعة إلى العالم، ومنهجيتهم في جميع مناحي الحياة وفي السياسة والدعوة والعلاقات الخارجية والشئون الدولية”، نوعاً من استعراض تيار الإسلاموية لقوته وهيمنته على الجماعة[50].

ولتظل العملية السجالية بين الفصائل الثلاثة المتصارعة داخل الجماعة: تيار المراجعات ما بعد الإسلاموي، تيارا العنف السافر والعنف الموارب بسماتهما الإسلاموية الصريحة، وهو ما يجعل استشراف مستقبل الجماعة مفتوحاً على كل الخيارات والسيناريوهات التي يحاول الفصل التالي تبين معالمها.

الفصل الثالث

 ملامح نموذج تفسيري لفهم مسارات مستقبل الإخوان المسلمين في ضوء مفهوم ما بعد الإسلاموية.

في ظل تاريخ قارب القرن لجماعة ظلت صامدة في وجه الأزمات؛ بل تنجو من كل العواصف التي تهدد كيانها وتعيد بناء نفسها من جديد، هل تختلف محنة اليوم عن محن الجماعة السابقة؟ وكيف يمكن لنا استشراف مستقبلها أو الحديث عن “ما بعد الإخوان المسلمين” بوجهه السلبي الذي يعني انتهاء دور الجماعة في الواقع؟ وما هي الحيثيات التي نستند إليها في كل سيناريو نفترضه، وما هي قدرة مفهوم “ما بعد الإسلاموية” في إفادتنا في استشراف مستقبل الإخوان المسلمين.

بداية يفيدنا مفهوم ما بعد الإسلاموية في تبادله مع مفهوم الإسلاموية في بيان أن الواقع الراهن لجماعة الإخوان هو جزء متمم لمتتالية نشأتها وتاريخها الحديث بكل دقة، فقد حدث تحول جوهري في مسارها الأصلي حولها عن طريقها الرئيسي جعلها تعاني من صراع بين تياري الإسلاموية وما بعدها طيلة تاريخها حتى وقعت في إسار إسلاموية جامدة عنيفة في العقد الأول من هذا القرن، ومن ثم فإن حاضرها ومستقبلها مرتبط بمدى قدرتها على العودة لمسارها الأصلي والاهتداء إلى طريقها الدعوي التربوي الذي تميزت به في عشريتها الأولى الذي يمكن أن يخلقها خلقاً جديداً، وتنكب سبيل الانحراف الذي وقعت في قبضته تدريجياً منذ أواخر ثلاثينيات القرن الماضي وبلغ ذروته ولحظته النماذجية مرتين: الأولى في نهاية الأربعينيات من القرن الماضي، والثانية في مرحلة ما بعد ثورة يناير وتولي الجماعة حكم مصر وبلغ ذروته بعد يونيو 2013م حيث دخلت الجماعة في عهد الانقلاب الكامل على الفكرة الإخوانية والذي قد يودي بها إلى متحف التاريخ.

في ضوء ذلك فإن مستقبل جماعة الإخوان سيعتمد على عوامل هيكلية بعضها داخلها وبعضها خارج سيطرتها، تتمثل في: التماسك الداخلي للجماعة، مدى استعدادها للانخراط في عملية إعادة نظر شاملة لأيديولوجيتها وتنظيمها، وسياسات الدولة نحوها، والقوى الإقليمية والدولية ونظرتها للجماعة، ومدى قدرة تيار جديد داخل الجماعة أو من خارجها أن يظهر حاملاً مشروعاً مغايراً متكاملاً لما بعد الإسلاموية يسهل تبنيه من المجتمع وعدم معاندة الدولة والقوى ذات المصلحة في مصر له أو مقاومته له، وقادر على أن يحقق ما تحقق للإخوان من قوة التنظيم والولاء والذيوع والانتشار بين كافة طبقات المجتمع، وفي ضوء ذلك كله نحن أمام عدة سيناريوهات:

  • السيناريو الأول: الانشقاق أو الانقسام

يقوم هذا السيناريو على افتراض حدوث انشقاق داخل الجماعة يؤدي لخروج مجموعة محدودة من الجماعة لتتبنى فكرة التخصص من خلال: العمل الدعوي، أو العمل الحزبي، بينما يتجه البعض الثالث إلى العنف، ونتناول فيما يلي كل مسار وحظه من التحقق.

1-مسار الجمعية الدعوية

يفترض هذا السيناريو خروج مجموعة معتبرة في الجماعة من حيث قيمتهم المعنوية ومناصبهم القيادية ومعهم بعض أعضاء الجماعة دون أن يمثلوا نسبة كبيرة أو حاكمة في جسد الجماعة الرئيسي لتكوين حزب سياسي أو جماعة دعوية جديدة، وهو سيناريو ضعيف التحقق فقد تعرضت الجماعة لهذا السيناريو من قبل في فترة الحكم الملكي مثل جماعة أنصار السنة المحمدية[51]، ومحاولة أحمد السكري إنشاء جمعية “الإخوان المجاهدون الأحرار”[52]، وفكرة محمود عبد الحليم عند إعادة بناء الجماعة في السبعينيات بالتخلي تماماً عن بنائه على الشكل القديم وأن يأخذ النشاط وجهة ثقافية وفكرية بعيداً عن التنظيمات السرية والعمل السياسي المباشر[53]، ومحاولة السيد عبد الستار المليجي إنشاء جمعية “الإخوان المسلمين للتنمية البشرية وخدمة المجتمع” عام 2008م[54] لكن باءت جميعها بالفشل، فالجماعة قامت على فكرة الولاء المطلق النابع من الإيمان بفكرة مقدسة يثاب عليها المرء ويجاهد في سبيلها بكل جوارحه وإمكاناته فإن تم الاستغناء عن الجانب السياسي في الفكرة سقطت بالكلية وصارت غير إسلامية؛ خاصة في ظل القيادة الحالية للجماعة التي تدير الجماعة كحزب سياسي وتتعامل مع أعضائها كدعوة دينية.

وتوجد، أخيراً، محاولة حديثة لمجموعة من شباب الإخوان في السجون تحاول تدشين مشروع فكري تجديدي متكامل للمنطلقات الفكرية التأسيسية للجماعة ومراجعة الفكرة الرئيسية التي سيطرت على الإخوان والمتمثلة في أن التراجع السياسي هو سر تأخر العرب والمسلمين بينما أن الصحيح من وجهة نظرها أن الأمة تراجعت حضارياً لا سياسياً فقط ومن ثم يجب أن يركز التغيير على كل مناحي حياة الأمة وليس السياسة فقط وهو ما يستدعي التخلي عن فكرة الخلافة والخلط بين الدين والتنظيم واعتبار المجتمع هو المظلة الكبيرة للعمل وليس التنظيم والتخلي عن صيغة التنظيم الشمولي، وتكوين تيار فكري جماهيري يؤمن به ويحمله، وهي رؤية تحتاج إلى وقت لاكتشاف قدرتها على التحقق وهو أمر خارج مجال هذه الدراسة[55].

2-مسار الحزب السياسي

وهذا السيناريو تم تجربته من خلال محاولات كثيرة طوال تاريخ الجماعة منها محاولة مجموعة فتحي العسال إنشاء الحزب الجمهوري أيام النظام الناصري[56]، ثم خروج مجموعة كبيرة من جيل الوسط بقيادة أبو العلا ماضي تبنت مشروع حزب الوسط تعبيرًا عن رغبة هذا الجيل في الاندماج في الحياة السياسية[57]، وهناك أيضاً مجموعات الأحزاب التي انشقت عن الإخوان بعد ثورة يناير، مثل: تجربة حزب التيار المصري وعبد المنعم أبو الفتوح في تجربة حزب مصر القوية فلم تفلح أي منهما في اجتذاب سوى عدد قليل من أعضاء التنظيم الفعليين وإنما قامت على الخارجين عليه وهم قلة وبعض المتعاطفين مع تجربة الإسلام السياسي والمؤمنين بفكرة المشروع الحضاري الإسلامي والمتوجسين خيفة من الإخوان، لكن جميعها فشلت وبقي تأثيرها هامشياً[58].

لذلك ففكرة الاكتفاء بالعمل الحزبي مثلها مثل الاكتفاء بالعمل الدعوي تعني ضرباً للتنظيم في مقتل كما أنها تتعارض مع وظائف الجماعة الدعوية والتربوية والجهادية ولذلك تعارضها قيادة الجماعة بشدة وتروج لتساقط أصحابها على طريق الدعوة بين عموم أعضاء الجماعة. فالجماعة قامت على فكرة الولاء المطلق النابع من الإيمان بفكرة مقدسة يثاب عليها المرء ويجاهد في سبيلها بكل جوارحه وإمكاناته فإن تم الاستغناء عن الجانب الدعوي في الفكرة سقطت بالكلية في براثن العمل السياسي غير المقدس ومن ثم ستسقط كل أسسه التي قامت عليها خاصة في ظل القيادة الحالية للجماعة التي تدير الجماعة كحزب سياسي وتتعامل مع أعضائها كدعوة دينية، إضافة إلى أن انعدام أي أفق للفعل السياسي أو الاجتماعي أمام الخارجين من الإخوان لا يغري بالخروج منها للدعوة أو السياسة لمن يفكر فيه.

3- مسار العنف

وهو سيناريو تكرر كثيراً في حياة الجماعة بداية من محاولة عبد الرحمن السندي تكوين تنظيم إسلامي إرهابي عالمي[59] ثم الانشقاق الفكري والتنظيمي لعدد كبير من أعضاء الجماعة أثناء محنة تنظيم 1965م[60] فخرجوا من الجماعة وكونّوا ما صار يعرف بالتيار القطبي ومنه خرجت جماعة شكري مصطفى وصالح سرية[61]، وحدث مثل ذلك أيضاً في عقد الثمانيات[62] عند خروج ما يزيد علي المائة من إخوان جامعة الأزهر واستقلالهم عن الجماعة تحت قيادة مسئولها محمد رشدي (وقد عرف التنظيم باسمه)، وكانت مجموعة أقرب للتأثر بالأفكار القطبية وتأخذ علي الجماعة ما اعتبرته خروجًا على الخط الإسلامي الملتزم[63]، وتكرر الأمر مع مجموعة محمد كمال والانقسام الذي تم في 2015م داخل تيار الإسلاموية العنفية بين فريقه وفريق المرشد محمود عزت وما رافقه من أحداث غامضة أدت إلى مقتل محمد كمال وأهم عناصر مجموعته واستمرار اختفاء محمود عزت ونائبه دون أن يعثر عليه حتى الآن، وإذا أضفنا إلى ذلك ما طرحته بعض قيادات الجماعة لخيار العنف في مؤتمرها الأخير بشكل غير مباشر كأحد الخيارات المطروحة في الفترة القادمة، إلا أن كل ذلك لم يؤد لأن تعتنق الجماعة العنف بشكل سافر.

كل ما سبق يؤكد أن هذا السيناريو ضعيف التحقق بسبب عدم إيمان الجسم الرئيسي للجماعة بهذا الخيار من ناحية لطبيعة تدينهم، ولطبيعة الشعب المصري التي يعرفون أنه سيرفضهم إن لجئوا لها بشكل سافر من ناحية أخرى، كما أن القيادة نفسها لن تلجأ للعنف السافر لأنه يهدد بانتهاء الجماعة وانفضاض غالبية أعضائها عنها في هذه المرحلة، وليس ذلك وحسب بل إن اللجوء للعنف السافر يسقط عن قادة الجماعة الرؤية الإصلاحية الوسطية التي عرفوا بها منذ السبعينيات، كما أن لجوء الجماعة إلى العنف سيفقدها تأييد الدول التي تحتضنها لأغراضها الخاصة لأنه سيسقط كل اعتبار أخلاقي تدعيه تلك الدول في احتضانها للإخوان كجماعة دعوية إصلاحية تؤمن بالديموقراطية والسلمية والتعددية. ومن ثم فإن سيناريو التوجه نحو العنف الكامل ضعيف التحقق جداً، لكنه لا يعني تخلي الجماعة عن العنف النسبي بدرجة مساوية أو أقل مما مارسته بالفعل في السنوات السابقة كجزء من إيمان وثقافة قادة التنظيم الحاليين وشرائح من شباب الإخوان التي تبنت الفكر الإسلاموي العنفي بعد محنتها الأخيرة، وهو ما رأيناه في انضمام كثير من شباب الجماعة إلى تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة؛ سواء في سوريا أو في غيرها[64].

وبذلك يمكن القول إن المسارات الثلاثة السابقة يصعب تحققها لأن الجماعة في نشأتها وفي بعثتها الثانية قامت على أساس تنظيم حديدي ينكسر ولا ينقسم، فالشكل التنظيمي التراتبي في الجماعة وشبكة التربية الإخوانية المرتبطة بشبكة المصالح الاقتصادية وعلاقات النسب والمصاهرة والمصير المشترك كلها تجعل من الصعوبة الشديدة أن تنقسم الجماعة، كما أن قيادة التنظيم واعية تماماً لخطورة فتح الباب للانشقاقات أن تصل إلى الجسم الرئيسي للجماعة من خلال استخدام أدواتها العقيدية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية التي بنت على أساسها الجماعة في بعثها الثاني بل إن عملية اختيار القيادات القاعدية خضعت وما زالت لتلك العوامل قبل معايير الإيمان والإخلاص للفكرة الإسلامية، ومن ثم تكون فكرة انقسام الجماعة أبعد ما تكون.

وإذا أضفنا إلى ذلك العامل الخارجي المتمثل في القوى الإقليمية المحتضنة للجماعة سنجد أنها ستقاوم هذا السيناريو بكل قوة لأنه سيسحب من رصيد استخدامها للجماعة في تحقيق أغراضها بشكل كبير كما أن رفع أيديها عن الجماعة في حال فقدان القيادة السيطرة وحدوث التفكك يجعل قادة الجماعة في وضع دفاع مميت عن التنظيم يجعلهم يتشددون أكثر مع أي محاولة للانفصال يئدونها في مهدها.

 بل إن النظام المصري ذاته سيكون من الصعب جداً أن يرى هذا السيناريو مناسبا له لأن الجماعة جزء من رصيده للبقاء في الحكم من خلال جعلها فزاعة للشعب المصري وخصوصاً الفئات العلمانية منه، ومن ناحية أخرى فهي تستخدم الجماعة لابتزاز القوى الغربية الداعمة لها لاستمراها في الحكم ومن ثم يكون في انقسام الجماعة إبطال لجزء كبير من حججها في انشغالها بالخطر الإخواني عن تحقيق الديموقراطية والتنمية والعدالة المفقودة، وبهذا تنتهي فزاعة الإخوان التي عاش عليها نظام يوليو ولا يزال يعيش[65].

  • السيناريو الثاني: البعث الثالث للجماعة

يقوم هذا السيناريو على افتراض إمكانية أن تتجدد الجماعة بشكل كامل فتعود إلى فكرتها ما بعد الإسلاموية القائمة على التربية والدعوة وتكوين الكوادر المؤهلة لحمل المشروع الإسلامي وتكتسب ثقة الدول التي تعمل من خلالها دون الدخول في أتون السياسة بشكل مباشر، وهو سيناريو صعب التحقق في لحظتنا الراهنة وإن كان ممكناً في المدى المتوسط مع حدوث تغيرات دراماتيكية كما حدث من قبل مثل: قيام ثورة يوليو، وموت عبد الناصر، وتولي ثم مقتل السادات، وتولي مبارك ثم خلعه ووصولهم إلى الحكم، وما أتاحته تلك التحولات من مساحة وفرصة للجماعة أن تعود في ظل ظروف حتمت على خصومها استخدامها لتجاوز محنهم الذاتية وتحقيق مصالحهم الآنية، لكنها هذه المرة تواجه تحديات جسام ليس من السهولة أن تقدر عليها من أهمها:

أن تقدم رؤية حقيقية للتجديد الإسلامي، وكيف يمكنها أن تخاطب الأجيال الجديدة من الإسلاميين، وكيف تعمل على توطين المؤسسات المستدامة ومؤسسات الخبرة التي تمكنها من رسم خطى المستقبل دون عجلة أو تسرع أو عشوائية، وإنجاز عودة جديدة بكيفيات جديدة تناسب العصر يتحول فيها تنظيمها إلى روح تسري في الأمة برؤيته الاسلامية التي قام عليها والتخلي عن الانغماس المباشر في الشئون السياسية، والتفرغ للدفاع عن ثغور الأمة العديدة: تعيد للاتحاد وللأخوة الاسلامية معناها ومبناها، وللسياسة رشدها بالرجال الثقات، وللاقتصاد أخلاقيته بالعدالة الاجتماعية، وللثقافة الإسلامية روحها التجديدية، وتدخل المجتمعات المسلمة في قلب عالمها دون خوف مرضي أو تبعية مهينة أو عداوة غشيمة شاهدين على عالمهم لا مشهودين.

لكن احتمال تحقق هذا السيناريو مرتبط بعدة شروط صعبة بل يكاد من المستحيل تحققها في الظروف الحالية تتمثل في:

1تغيير النظام المصري الحالي بنظام جديد يميل للمهادنة أو المصالحة مع الجماعة، أو ازدياد أزمات النظام الحالي فيميل للمصالحة أو المهادنة[66]، فالدولة القائمة في الحالتين ستكون من أهم مفاتيح أي تجديد في وضع الجماعة.

2- تصفير المشكلات الخلافية بين الجماعات المتصارعة داخل الجماعة وتنحي القيادة الحالية خارج وداخل السجون وتعديل الرسالة الإيديولوجية بشكل جذري، وسيطرة تيار ما بعد الإسلاموية داخل الجماعة، والعودة للرؤية الما بعد إسلاموية ومن ثم تجديد التنظيم ليحمل الفكرة في الأجواء الجديدة مع احتفاظ الجماعة بالقدرة التنظيمية والحشدية التي تميزت بها ومازالت لأنها الدعامة للبعث الجديد لكن دون سرية مفرطة ولا طاعة مطلقة وتلك معضلة بحد ذاتها لكن يمكن حلها إن توفرت الإرادة والإبداع لدى هذا التيار[67].

3- وجود موقف محايد أو غير رافض من القوى الإقليمية والدولية ذات الصلة والتأثير والنفوذ داخل الجماعة (أمريكا وأوروبا وقطر وتركيا) تجاه عملية التغيير القيادي وتغيير الخط الفكري للجماعة؛ من خلال الضغط على النظام المصري في اتجاه العودة أو على الأقل عدم الممانعة فيه، وتأمين استمرار الأصول المالية للجماعة تحت تصرف القيادة الجديدة حتى يمكنها توصيل رسالتها وصياغة استراتيجيات دعوية وتربوية وسياسية جديدة مُقنعة لقواعدها ومجتمعها.

4- محاولة جسر الهوة مع الروافد المتجددة للإخوان من مختلف تيارات الاسلام السياسي وغير السياسي ومن المتدينين العاديين بل وغير الملتزمين لتخطي مرحلة الأزمة وبناء جسور حقيقية مع الجميع، وإعادة بناء الثقة بينها وبين مؤسسات الجيش والشرطة والقضاء والإدارة العامة بشكل عام، وأن تستعيد ثقة الجسم الرئيسي للمؤسسة الدينية الرسمية: الأزهر الشريف والأوقاف.

5- طبيعة انحيازات الشباب المسجون والهارب بعد خروجه أو عودته، وماهية الأفكار التي تدور في أذهانهم في حالة تحقق هذا السيناريو، وهل يمكن أن يتحرروا من قوالب فكرية جامدة تربوا عليها لسنوات ودفعوا مقابلها ثمناً باهظاً؟ وهل يمكنهم أن ينظروا للدولة والمجتمع نظرة إيجابية تسهم في إعادة بناء الجماعة وفق النهج الجديد؟

  • السيناريو الثالث: الزوال التدريجي للتنظيم

تعرضت الجماعة لأزمات كثيرة أوشكت فيها على نهايتها إلا إنها سرعان ما كانت تستعيد عافيتها وتعود للساحة من جديد وهو ما جعل البعض يراها جماعة عصية على الزوال لكونها لاتزال تمتلك قوة مُعتبرة على الأرض أو كما يراها أعضاؤها جماعة ربانية تحميها السماء ومن ثم فهي بعيدة كل البعد عن الانتهاء[68].

لكن الدراسة المتأنية لحالة الجماعة اليوم من: انقسامات داخلية، ومطاردة من الدولة وفقدان للشرعية، واختراق لا مثيل له في تاريخها من قوى إقليمية ودولية باتت تتحكم في مصيرها، ورفضها بشدة للرؤية الأصلية ما بعد الإسلاموية التي قامت عليها، بالإضافة إلى ما أتاحه النظام الحالي عبر عنفه المفرط في التعامل معها وضعف أدائه في مختلف المجالات من تكوين كربلاء جديدة ومظلومية وبعث مؤقت للجماعة وحد بين أعضائها وحقق تعاطفاً معها بين نسبة كبيرة من المتدينين وغير المتدينين الرافضين للنظام وللظلم الواقع عليها منه، وإيواء بعض الأنظمة لها ودعمها إلى حين حتى يظهر بديل مناسب يحتل مكانها، يجعل القول بقدرتها على الاستمرار هو وهم ناتج عن عدم رؤية كل هذه العناصر كسبب رئيسي لاستمرارها لا لقدرتها الذاتية أو لحاجة الأمة إليها حتى تستمر.

فالجماعة بحالتها وقيادتها الراهنة وبالظرف المحلي والإقليمي الحالي لن تتمكن من تقديم نموذج إسلامي يشابه الجماعة في نشأتها الأولى لاختلاف كل هذه الظروف تماماً كما أنها ليس لديها الفكر ولا المفكرين القادرين على تقديم ذلك النموذج وهي بحالتها الراهنة، ولا يمكن أن تتبنى الرؤية الوسطية لمفكرين مثل الغزالي أو فتحي عثمان لأنها تضرب رؤيتهم في الصميم، بل إنها لا تستطيع أن تقدم رؤيتها الإسلاموية المواربة التي اعتادت عليها طوال العقود الثلاثة الماضية، وهو ما يجعل عملية استمرارها مجرد كسب وقت[69] حتى يظهر تيار جديد مصنوع من أصحاب المصلحة في ذلك من داخل وخارج المجتمعات المسلمة، أو أن يتبلور مشروع تغييري جديد يرث الجماعة ويعتمد طريقاً جديداً للفكرة الإسلامية.

ولذلك يتوقع هذا السيناريو أن الجماعة ستختفي في غضون العقود الثلاثة القادمة ويرثها تيار جديد فكراً وتنظيماً في ظل ذهولها عن الإجابة الصحيحة على سؤال مستقبلها الوجودي وتركه للزمن وللقوى الخارجية تعالجه كما حدث كثيراً من قبل؛ غافلة عن أن لكل جماعة أجل محتوم لا تتجاوزه عندما يتجاوزها زمانها وتفقد وظيفتها وحاجة المجتمعات إليها بعد أن فقدت غايتها،[70].

  • السيناريو الرابع: وراثة تيار جديد للجماعة

يتوقع هذا السيناريو عودة جديدة للفكرة ما بعد الإسلامية مجسدة في تيار فكري بعد تبلور ملامحه وسماته الأساسية المنطلقة من أحقية المجتمعات الإسلامية والعربية؛ وفي مقدمتها مصر، في الحياة الطيبة وحقها في مشروع حضاري مستقل يحقق شهودها الحضاري النابع من عالمية الإسلام ومن صلاحيته لبناء مجتمعات ودول حديثة دون الوقوع في براثن الكهنوت الديني أو الأفكار التبسيطية عن الخلافة، ثم يتبناه تيار حركي يتسلم القضية من الجماعة بكيفيات جديدة تناسب العصر.

وهناك محددات عديدة تحكم تحقق السيناريو تتمثل في:

1- اتجاه الجماعة للتفكك التدريجي على المدى المتوسط على أكثر تقدير، وهي الفرصة السانحة لهذا التيار ليتشكل وتبين ملامحه ومقدرته وجدارته بوراثة الجماعة خلال تلك الفترة الزمنية.

2- قدرة هذا التيار الجديد على تبني رؤية إسلامية معاصرة متجددة كتلك الرؤية التي قادها جيل الوسطية الإسلامية والتي استفادت منها جماعة الإخوان وبنت عليها تنظيمها في نشأتها، وتحليل تاريخ المشروع الإخواني والبناء على إيجابياته وتلافى نقاط ضعفه، وليس هذا وحسب بل أن يجمع إلى ذلك تحليل مشروع المفكرين الناقدين للتجربة الإسلامية على مستوى الأسس الفكرية والحركية من الذين أشار إليهم بيات ومن الذين يتبنون بعض سمات ما بعد الإسلاموية والأخذ بأفضلها وتترك ما شذ منها[71].

3- الخروج برؤية جديدة وأدوات جديدة للحركة تقبلها المجتمعات والدول المسلمة وتشجعها، عن طريق الاستفادة من تكنولوجيا المعلومات ووسائط التواصل الاجتماعي الجديدة بالإضافة للوسائط والمؤسسات التقليدية للوصول إلى عقول وقلوب أكبر فئة من المجتمع كما حدث لجماعة الإخوان في عقدها الأول.

4- قدرة هذا المشروع على كسب رضا كتلة حرجة من المجتمعات المسلمة ولا يتصادم مع الحكومات والقوى الإقليمية والدولية.

وقد يقول قائل- وله كل الحق- إن هذه ليست صعاباً ولكنها عقبات حقيقية ستمنع السيناريو من التحقق مما يجعله مجرد وهم أو حلم في ذهن الباحث، لكن حقائق التاريخ القريب والبعيد والمعاصر تقول لنا غير ذلك، وهو أمر يراه الباحث في طور القوة وسيخرج إلى حيز الإمكان وسنعلم نبأه بعد عقود قليلة، فظروف أمتنا الحالية تشبه كثيراً ظروفها منذ قرن مضى عندما تصارعت الرؤى المختلفة للنهوض بالأمة بعد سقوط الخلافة العثمانية وتنازعت رؤى الإصلاح بالسياسة أو الدعوة أو العنف المجال العام حتى حملت جماعة الإخوان راية التغيير بمشروعها الشامل ما بعد الإسلاموي ثم تراجعه لصالح الرؤية الإسلاموية.

واليوم توجد رؤيتان متصارعتان للتغيير في مجتمعاتنا: رؤية تحركها القوى المحلية والإقليمية والعالمية لخلق بديل إسلاموي أو ما بعد إسلاموي على شاكلتها يحقق أهدافها وغاياتها، ورؤية أخرى تعتمل وتختمر في عقول وقلوب وأعمال حملة المشروع الحضاري المستقل لخلق بعث جديد للمشروع الإسلامي يرث جماعة الإخوان وراثة تشبه وراثة الإخوان لدعوة الجامعة الإسلامية، لكن ليس شرطاً أن يكون بنفس الخطوات والتنظيم لكنها ستكون وراثة تمثل طبعة جديدة تعيش واقعها بكل تحدياته وتنتج ثمرتها الخالصة التي نبتت وتلقحت برؤية دينها الكونية دون أن تقع في إسلاموية عنفية، وبثقافة زمانها العولمية دون أن تقع في شرورها وآفاتها، وبحاجات مجتمعاتها الروحية والمادية دون أن تنحشر في الزاوية الضيقة التي تريدها لها القوى المحلية والإقليمية والعالمية.

 خاتمة

في مارس من عام 2028م ( بعد 8 سنوات) تكمل جماعة الإخوان عامها المئة، وقرن كامل من والوجود والاستمرار فترة كافية للتساؤل حول مآلها ومستقبلها؛ وإن كان السؤال عن مستقبل الإخوان أو مرحلة ما بعد الإخوان ليس جديداً فقد فرضت معارك الجماعة المتعددة عليها وعلى مؤيديها ومنتقديها على حد سواء أن يتناولوا مستقبلها ومآلها في كل منعطف تاريخي مرت به، لكن اللحظة الحالية هي الأصعب في تاريخ الجماعة فقد وصلت لمرحلة التمكين ثم فشلت ليس في الاستمرار فيه وإنما في المحافظة على وجودها وشعبيتها وتهدد مستقبلها، كما أن قرناً من الزمان بما يحمله من انتهاء جيل وابتداء جيل جديد وما يحمله في ذاكرة المسلمين من تجديد[72] يجعل استشراف مستقبل جماعة الإخوان فرض عين على كل إنسان عربي مسلم جاد في البحث عن مستقبل أمته العربية المسلمة.

لقد خرج الإخوان بتجربة غنية من نجاحات وإخفاقات وكان واجباً عليهم أن يراجعوا أدوارهم ووظائفهم التي انتدبوا لها أنفسهم لحظة ميلاد تنظيمهم؛ خاصة وأن أهم وظائف الإنسان المؤمن بالإسلام طريقة للحياة هو العقل الناقد والمراجع دوماً، وكان عليهم أيضاً أن يتساءلوا كيف كانت الجماعة جزءاً من رصيد التجديد في الأمة عند نشأتها في الثلث الأول من القرن الماضي ثم صارت فاعلاً أصلياً في تراجعها مع انحرافها للعنف والانخراط المباشر في منتصفه، ثم كيف صارت أملاً بعد عودتها في الثلث الأخير منه ثم أصبحت قابضة على ناصية تحقيق الحلم في العقد الثاني من قرننا الحالي، ولتمسي سبباً في دوامة الفشل والتردي بعد عامين من بزوغ الأمل في مستقبل أفضل بسبب تغلب الرؤية الإسلاموية عليها، وكان عليهم أن يستفيدوا من مراجعات سبقتهم ولحقتهم من جماعات مماثلة لهم في أهدافها وغاياتها ذهبت إلى متحف التاريخ للدرس والعبرة وبقيت الفكرة الإسلامية، خاصة مع استمرار الجماعة في الخسارة الصافية على كافة الصعد، لكنهم لم يفعلوا حتى لحظتهم.

إذا كانت الفكرة الإسلامية باقية في المجتمعات العربية ما بقيت تلك المجتمعات مسلمة، والمشروع الإسلامي موجود وباق ويتمدد في هذه المجتمعات ما بقي الإسلام كرؤية للحياة وعقيدة متكاملة في قلوب أبنائها، إلا أن التنظيمات التي حملته طوال قرن مضى؛ وفي القلب منها جماعة الإخوان المسلمين، ليست حتماً باقية لأن استمرارها وغيابها أو زوالها بالكلية مرتبط بتحولات تلك المجتمعات وتصوراتها عن الإسلام والحركات التي تتبناه.

فالمجتمعات الإسلامية، اليوم، تعبر عن حالة سيولة مفتوحة على كافة الاحتمالات، من بينها: تهميش كلا من التيارين الإسلاموي وما بعد الإسلاموي أو انتهائهما بالكلية أو إعادة بعثهما معاً أو غلبة أحدهما على الآخر، ولكن بأي صيغة تنظيمية وصبغة فكرية ستحدث كل هذه السيناريوهات، هذا ما سيقرره أبناء تلك المجتمعات في العقود الثلاثة القادمة في ظل حداثة سائلة وعولمة متوحشة تضربها وتغيرات عميقة تعتمل في أحشائها.

أهم نتائج الدراسة:

1- يمكن لمفهومي الإسلاموية وما بعد الإسلاموية بعد التعديل إعطاءنا رؤية شاملة لجماعة الإخوان في سياق نشأتها وتطورها والمحطات الرئيسية التي تمثل أهم تحولاتها، فلا نعطي الأولوية للمظاهر والآثار الناتجة عن الحركة المباشرة وننسى بذورها وجذورها الكامنة.

2- يسهم المفهومان في ضرورة تركيز الأولوية للبحث عن المرجعية الكامنة التي تتبناها جماعة الإخوان والحركات الإسلامية عموماً في رؤيتها للكون ولحظات التحول النماذجية لها، ومن ثم فهم طرق التغيير التي تتبناها وآثارها ومن ثم التنبؤ بمستقبلها.

3- يسهم المفهومان في دراسة مدى مطابقة أنواع وأسباب ومظاهر وآثار الحركات الإسلاموية المختلفة بالمقارنة مع جماعة الإخوان وتبين عوامل الشبه والاختلاف فيما بينها نتيجة لتغيرات الزمان والمكان والإنسان حتى يمكننا التعامل معها وفق حقائق الواقع.

4- يسهم المفهومان في اكتشاف النمط الأساسي الكامن الذي يجمع بين كل أنواع الحركات الإسلامية السلمية والعنفية وآثاره في مجتمعاتنا لنضع أيدينا على نقطة البدء الصحيحة لمعالجة قضية الحركات الإسلامية في المجتمع؛ وفي القلب منها جماعة الإخوان المسلمين.

توصيات الدراسة:

1-هذه دراسة أولية لاستشراف مستقبل جماعة الإخوان المسلمين في ظل مفهوم ما بعد الإسلاموية، وهي قراءة تحتاج إلى تعميق أكثر من خلال متابعة أدبيات الإخوان الفكرية والتنظيمية في مراحلها المختلفة؛ وخصوصاً مرحلة النشأة ومرحلة ما بعد ثورة يناير والتي لا تتوفر كاملة لأي باحث حتى الآن، وهي عملية شاقة تتطلب جهودا بحثية كبيرة تتجاوز قدرة باحث بمفرده مهما تفرغ لذلك حتى يمكن أن نخرج باستنتاجات لها من الواقع نصيب، ومن هنا ضرورة تبني مرصد فكري توثيقي تحليلي نقدي للحركة الإسلامية، وفي القلب منها جماعة الإخوان، يتبناه وقف فكري مثل وقف نهوض.

2-هذا المفهوم كما طرحناه يحتاج للاختبار العملي على أرض الواقع من خلال دراسات أخرى لجماعة الإخوان والجماعات المشابهة لها لإثبات فاعليته ومقدرته التفسيرية من عدمها.

3-النقطة الخاصة بتبني جماعة الإخوان للرؤية ما بعد الإسلاموية في عشريتها الأولى مازالت بحاجة لأبحاث مكملة حتى يمكن إثباتها أو نفيها، فما زال في نفس الباحث وعقله تساؤلات لم تحسم تماماً بشأنها على الرغم من تبنيه لها خلال هذه الدراسة.

4-يظن الباحث أن استبدال مصطلح “ما بعد الإسلاموية” ليحل محله مصطلح “الإسلامية” في مواجهة مصطلح “الإسلاموية” سيكون أقرب للدقة والقبول.

وفي ضوء ما سبق يمكن أن نطرح أجندة بحثية كبيرة عليها أن تجيب على الأسئلة التالية: ما هي علاقة إخوان اليوم بنصوص البنا الأساس موافقة ورفضاً؟ وهل يمكن لجماعة الإخوان بصيغتها الراهنة تدشين مشروع فكري تنظيري علمي نابع من أدبياتها؟ وكيف يمكن قراءة تاريخ وواقع الإخوان في سياق مقارن مع الحركة التغييرية الشاملة في تاريخ العالم وتجارب الحركات ذات التوجه الإسلامي خاصة؟ وما هي الصورة التي يراها الإخوان المسلمون لمستقبلهم؟ وهل تأثرت رؤية البنا برؤية التجربة الوهابية السعودية في إنشاء المملكة العربية السعودية؟ وهل الشروط التاريخية التي أدت إلى ولادة الإخوان قد انتفت كلية أم أن شروطاً تاريخية جديدة في طريقها لتوليدها من جديد أو توليد تيار بديل يحمل فكرتها ويطورها في ضوء السياق الجديد الذي نعيشه؟ وما هي تداعيات غياب الإخوان دون وجود نموذج بديل يحمل الفكرة الإسلامية؟ وهل يمكن للتيارات الفكرية الفقيرة في قاعدتها الاجتماعية والتي تمثل تيار ما بعد الإسلاموية وفي ظل فقرها التنظيمي وعدم حسمها الفكري أن تحدد مستقبل الجماعة؟ وهل لو أن جماعة الإخوان اختفت من على خريطة العالم ولم يعد لها أثر يمكن لتيار ما بعد الإسلاموية أن يرثها شعبياً أم أن المجتمعات ستبحث لها عن صيغة إسلاموية جديدة؟


[1] فكرة ال”ما بعد” دلالة على استمرار أمرٍ ما، لكنها لا تعني نهاية ما قبله، بل قطيعة عنه أو استمرار له بمناهج ووسائل أخرى. ومفهوم ما بعد الإسلاموية طرحه أوليفيه روا في كتابه “ تجربة الإسلام السياسي “، وطوره جيل كيبل في كتابه “ جهاد: انتشار وانحسار الإسلام السياسي“، وعارضه فرانسوا بورجا، ثم أخذه آصف بيات في اتجاه جديد وتأثر به كثيرون في عالمنا العربي في دراستهم للحركات الإسلاموية. راجع: روا، أوليفيه. تجربة الإسلام السياسي. ترجمة نصير مروة. ط2. بيروت: دار الساقي، 1996م.

بورغا، فرانسوا. فهم الإسلام السياسي. ترجمة جلال بدلة. ط1. بيروت: دار الساقي، 2018م، ص240-257.

تمام، حسام. مع الحركات الإسلامية في العالم. ط1. القاهرة: مكتبة مدبولي، 2009م، ص 227-234.

عزت، هبة رؤوف. الخيال السياسي للإسلاميين: ما قبل الدولة وما بعدها. ط1. بيروت: الشبكة العربية للأبحاث، 2015، ص112-121.

أبو رمان، محمد. ما بعد الإسلام السياسي: مرحلة جديدة أم أوهام أيديولوجية. ط1. عمان: مؤسسة فريدريش أيبرت، 2018م.

[2] بيات، آصف. الحياة سياسة: كيف يغير الناس السياسة. ترجمة أحمد زايد. ط1. القاهرة: المجلس القومي للترجمة، 2014م، ص30-31.

[3] بيات، آصف (تحرير). ما بعد الإسلاموية: الأوجه المتغيرة للإسلام السياسي. ترجمة محمد العربي. ط1. بيروت: دار جداول للنشر، 2016م، ص227.

[4] المصدر نفسه، ص28.

[5] بيات، آصف. الحياة سياسة: كيف يغير الناس السياسة، مصدر سابق، ص 483-484.

 [6]بيات، آصف (تحرير). ما بعد الإسلاموية، مصدر سابق، ص31، ص49-50

[7] أمثال جمال البنا وعمر عبد الكافي ومحمد سعيد العشماوي وعمرو خالد.

[8] بيات، آصف (تحرير). ما بعد الإسلاموية، مصدر سابق، ص273-275.

[9] بيات، آصف. الحياة سياسة: كيف يغير الناس السياسة، مصدر سابق، ص 502.

[10] بيات، آصف (تحرير). ما بعد الإسلاموية، مصدر سابق، ص40.

[11]المصدر نفسه، ص287

[12] المصدر نفسه، ص 54-55.

 [13]المصدر نفسه، ص53-55.

[14] أنيس، إبراهيم وآخرون. المعجم الوسيط. ط4. القاهرة: مكتبة الشروق الدولية، ص704.

[15] كيبل، جيل، يان ريشار( إعداد). المثقف والمناضل في الإسلام المعاصر. ط1. بيروت: دار الساقي، 1996م.

[16] بيات، أصف. ما بعد الإسلاموية، مصدر سابق، ص 49-55.

[17] من حوار للباحث مع أبو العلا ماضي رئيس الحزب عن اتخاذ قرارات دون الرجوع لقيادات وقواعد الحزب. (المرجع الباحث نفسه)

[18]كان الباحث مؤسس وقيادي في الحزب واستقال، نص الاستقالة على موقع اليوم السابع بعد محاولات فاشلة لنشرها في جريدة المصري اليوم وتدخل قيادات الحزب لدى رئيس تحريرها لمنع ذلك ثم محاولتهم منع نشر الاستقالة في اليوم السابع لولا مصداقية ومهنية المحررين الذين نشروها، تاريخ الدخول (29/1/2020م)، على الرابط: https://www.youm7.com/amp/2013/5/12/%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%AA%D9%86%D8%AF%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A9-109-%D8%A3%D8%B9%D8%B6%D8%A7%D8%A1-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B3%D8%B7-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B2%D8%A8-%D8%B3%D9%86%D8%B1%D8%A7%D8%AC%D8%B9-%D8%AD%D9%82%D9%8A%D9%82%D8%A9-%D8%B9%D8%B6%D9%88%D9%8A%D8%AA%D9%87%D9%85/1061980

[19] عبادة، كحيلة. الحركة المصرية من أجل التغيير (كفاية). ط1. القاهرة: الهيئة العامة لقصور الثقافة، 2014م، ص30-31.

[20] أبو خليل، هيثم. إخوان إصلاحيون. ط1. القاهرة: دار دون، 2012م، ص126-142.

[21]حسين، أحمد عبد الحميد. أحزاب ثورة يناير: سياق النشأة والتحولات (2011-2013م). ط1. القاهرة: دار المرايا، 2018م، ص 133-143.

[22] تفاصيل نتائج تقييم أداء شبابية الإخوان”، على موقع عربي21، تاريخ الدخول (20/2/2019م)، على الرابط التالي: https://arabi21.com/story/992489/%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A21-%D8%AA%D9%86%D9%81%D8%B1%D8%AF-%D8%A8%D9%86%D8%B4%D8%B1-%D8%AA%D9%81%D8%A7%D8%B5%D9%8A%D9%84-%D9%86%D8%AA%D8%A7%D8%A6%D8%AC-%D8%AA%D9%82%D9%8A%D9%8A%D9%85-%D8%A3%D8%AF%D8%A7%D8%A1-%D8%B4%D8%A8%D8%A7%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86

وانظر: شباب الإخوان المسلمين: الجيل الثاني من المنشقين، المعهد المصري للدراسات، تاريخ الدخول (3/3/2020م)، على الرابط التالي: https://eipss.online/%D8%B4%D8%A8%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%84%D9%85%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%8A%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8F%D9%86%D8%B4%D9%82%D9%8A%D9%86/

[23] لمزيد من التفاصيل، انظر: أبو المجد، أحمد (تقديم). رؤية إسلامية معاصرة: إعلان مبادئ. ط2. القاهرة: دار الشروق، 1992م، أنظر أيضاً: وليامز، رايموند. إسلام بلا خوف: مصر والإسلاميون الجدد. ط2. عمان: المركز العلمي للدراسات السياسية، 2009م.

[24]بيات، آصف (تحرير). ما بعد الإسلاموية، مصدر سابق، ص51.

[25] زهمول، إبراهيم. الإخوان المسلمون: أوراق تاريخية. دون رقم طبعة أو مكان نشر أو تاريخ، ص 285-286.

 [26]نستعين بمفهوم النموذج عند الدكتور عبد الوهاب المسيري وتعريفه للمتتالية والحظة النماذجية. أنظر: المسيري، عبد الوهاب. موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية: نموذج تفسيري جديد. ط1. القاهرة: دار الشروق، 1999م، ج1، ص 107-118.

[27] البنا، حسن. “عامان في الميزان” في: البنا، جمال. من وثائق الإخوان المسلمين المجهولة. ط1. القاهرة: دار الفكر الإسلامي، 2011م، ج8، ص 94-99.

البنا، حسن. مجموعة الرسائل. ط5. القاهرة: دار الكلمة، 2012م، ص 19-95.

[28] الغزالي، عبد الحميد. حول أساسيات المشروع الإسلامي لنهضة الأمة: قراءة في فكر الإمام الشهيد حسن البنا. ط1. القاهرة: دار التوزيع والنشر الإسلامية،2000م، ص49، ص106.

[29]عن النظام الخاص، أنظر: الصباغ، محمود. حقيقة التنظيم الخاص.ط1.القاهرة:دار الاعتصام، 1989م. ولرؤية مغايرة، أنظر: رمضان، عبد العظيم. الإخوان المسلمون والتنظيم السري. ط2. القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1993م.

الباقوري، أحمد حسن. بقايا ذكريات. ط1. القاهرة: مركز الأهرام للنشر، 1988م، ص 69-78.

[30] عبدالخالق، فريد. رحيق السنين: مذكرات غير منشورة، ص 126-147، وانظر أيضاَ: الشاوي، توفيق. “مذكرة يعارض فيها تحويل هيئة الإخوان إلى حزب عام 1947م” في: البنا، جمال. من وثائق الإخوان، مصدر سابق، ج5، ص391-394.

[31] انظر: البنا، فوزية. ذكريات فوزية البنا.ط1. القاهرة: دار الفكر الإسلامي، 2009م. وتعقيبات جمال البنا على حياة أسرة البنا.

عابدين، عبد الحكيم. مذكرات غير منشورة. عبد الخالق، فريد. رحيق السنين، مصدر سابق، حيث يذكران مواقف كثيرة.

زهمول، إبراهيم. الإخوان المسلمون، مصدر سابق، ص16-159.

تليمة، عصام. الخوف من حكم الإسلاميين. ط1. بيروت: الشبكة العربية للأبحاث، 2013م، ص 127-148.

البنا، جمال. ما بعد الإخوان المسلمين. ط1. القاهرة: دار الفكر الإسلامي، 1996م، ص97.

[32] راجع: مذكرات عبد الحكيم عابدين، مصدر سابق، حيث يقول: كنا في مناسبة من المناسبات في بيت أحدهم (من التنظيم الخاص) وكان قريباً من المركز العام فدخلنا، وكان بالصدفة يوم الثلاثاء وكان الأستاذ المرشد يخطب ويحاضر محاضرة الثلاثاء وإذا هذا الشاب يقول “إمتي ح تبطلوا الكلام الفاضي ده” على محاضرة الثلاثاء نتيجة أنه عاش في جو السلاح، ويقول “ما قيمة هذا كله ما دام عندنا سلاح، السلاح يأخذ كل شيء وفي لحظة ينتهي خلاص وتستقيم الأمور والفساد يرفع ونستلم السلطة. وفي مرة أخرى يقول: كنا خارجين في رحلة نظامية تابعة للنظام السري خارج القاهرة ومررنا على قرية نصارى وسمعت معي بعض الأخوة قالوا “والله هانوريكم يا ولاد الكلب”، بيوجه كلامه للنصارى، وأنا أسمع محاضرة الثلاثاء باستمرار واسمع حسن البنا يقول دائما آية “لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم تقسطوا إليهم” فأنا اعترضت وفي الحقيقة لم يقف معي إلا يوسف طلعت وكان قائد المجموعة.(لا ذكر لأرقام الصفحات لأن المذكرات على هيئة ملفات وورد غير مرقمة).

[33] راجع في ذلك: البنا، جمال. من وثائق الإخوان، مصدر سابق، ج2، ص 411-465، ج4: ص 381-436، ج6: ص 277-287، ص301-348.

عبد الخالق، فريد. رحيق السنين، مصدر سابق، ص 204-324

[34] العسال، فتحي. الإخوان المسلمون بين عهدين. ط1. القاهرة: دار الكتاب الإسلامي، 1992م، ص205.

[35] تمام، حسام. الإخوان المسلمون: سنوات ما قبل الثورة. ط1. القاهرة: دار الشروق، 2012م، ص38-39.

[36] نقصد مجموعة لجنة الشباب المسلم التي كان من بينها جمال الدين عطية وأحمد كمال أبو المجد وفتحي عثمان وعبد الحليم أبو شقة وغيرهم الذين حاولوا تغيير البناء التربوي للجماعة، ثم تفرقوا في البلاد بعد محنة الجماعة في العهد الناصري فأخرجوا أفكاراً تجديدية في الفكر الإسلامي ثم أنشأوا مجلة المسلم المعاصر، لكنهم لم يستطيعوا تغيير فكر الجماعة الذي هيمنت عليه الرؤية الإسلاموية، وهذه المجموعة تحتاج لدراسة مستقلة.

[37] راجع: عبد الخالق، فريد. رحيق السنين، مصدر سابق، 326-338.

النفيسي، عبد الله، وحامد قويسي. النقد الذاتي للحركة الإسلامية: رؤية مستقبلية. ط1. القاهرة: مكتبة الشروق الدولية، 2009م، ص 112-116.

[38]الأنصاري، طلال. مذكرات طلال الأنصاري، مصدر سابق، ص2-174. وانظر أيضاً: نوح، مختار.50 عاماً من الدم: موسوعة العنف في الحركات الإسلامية المسلحة. ط2. القاهرة: مكتبة مدبولي، 2015م.

[39] أبو الفتوح، عبد المنعم. شاهد على تاريخ الجماعة الإسلامية في مصر. ط1. القاهرة: دار الشروق، 2010م.

[40] نوح، مختار. 50 عاماً من الدم، مصدر سابق، ج2، ص 7-51.

[41] توفيق، حسنين وهدى راغب. الإخوان المسلمون والسياسة في مصر (01984-1990). ط1. القاهرة: المحروسة للنشر،1996م.

[42] رميح، طلعت. الوسط والإخوان: القصة الكاملة. القاهرة: مركز يافا للدراسات، 1997م.

[43] العوضي، هشام. صراع على الشرعية: الإخوان المسلمون ومبارك (1982-2007). ط2. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2009م، ص 230-234.

[44] راجع: أبو خليل، هيثم. إخوان إصلاحيون، مصدر سابق، ص226-227.

العوضي، هشام. صراع على الشرعية: الإخوان المسلمون ومبارك، مصدر سابق، ص 265-308.

[45] زلزال انتخابات الإخوان يعصف بالإصلاحيين ويعزز القطبيين، موقع الراية، تاريخ الدخول (1/1/2020م)، على الرابط التالي: https://www.raya.com/home/print/f6451603-4dff-4ca1-9c10-122741d17432/1f8f80b8-3054-4ca8-bda4-5f770d1b4607

[46] عبدالرازق، حسين. “توجهات القيادة الجديدة للإخوان المسلمين”، حوار مع مرشد الإخوان محمد بديع على قناة الجزيرة، تاريخ الدخول (2/2/2020م)، على الرابط التالي: https://www.aljazeera.net/programs/today-interview/2010/1/25/%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D8%B9-%D8%AA%D9%88%D8%AC%D9%87%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%8A%D8%A7%D8%AF%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF%D8%A9-%D9%84%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%84%D9%85%D9%8A%D9%86

[47] راجع: المليجي، السيد عبد الستار. اختطاف ثورة: آخر العمليات الفاشلة للتنظيم السري. ط1. القاهرة: دار ميريت، 2014م.

بشارة، عزمي. بشارة. ثورة مصر. ط1. الدوحة: المركز العربي للأبحاث والدراسات، ج2، 2016م.

أبو الفضل، مدحت. قصتي مع الجماعة وقصتهم مع العسكر. ط1. القاهرة: مكتبة الشروق الدولية، 2012م، ص141-151.

[48] راجع: مواقف طارق البشري ومحمد عمارة ويوسف القرضاوي.

[49] نتائج تقييم أداء “شبابية الإخوان، مصدر سابق.

[50] راجع في ذلك: مؤتمر فكري أول لجماعة الإخوان بإسطنبول لعمل مراجعات، على موقع عربي 21(تاريخ الدخول(3/2/2020م)، على الرابط التالي: https://arabi21.com/story/1207901/%D9%85%D8%A4%D8%AA%D9%85%D8%B1-%D9%81%D9%83%D8%B1%D9%8A-%D8%A3%D9%88%D9%84-%D9%84%D8%AC%D9%85%D8%A7%D8%B9%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86-%D8%A8%D8%A5%D8%B3%D8%B7%D9%86%D8%A8%D9%88%D9%84-%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%84-%D9%85%D8%B1%D8%A7%D8%AC%D8%B9%D8%A7%D8%AA

[51] عبد الحليم، محمود. الإخوان المسلمون: أحداث صنعت التاريخ. ط1. الإسكندرية: دار الدعوة، 1979م، ص200-213.

[52] أديب، منير. إشكالية المنشقين عن الإخوان، مؤمنون بلا حدود، تاريخ الدخول (15/3/2020م)، على الرابط التالي: https://www.mominoun.com/articles/%D8%A5%D8%B4%D9%83%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%B4%D9%82%D9%8A%D9%86-%D8%B9%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86-%D9%88%D8%AA%D8%B9%D8%A7%D8%B7%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%85%D8%A7%D8%B9%D8%A9-%D9%85%D8%B9%D9%87%D9%85-6092

[53] تمام، حسام. تحولات الإخوان المسلمين: تفكك الأيديولوجيا ونهاية التنظيم. ط1.القاهرة: مكتبة مدبولي، 2006م، ص 96-100.

[54] المليجي، السيد عبد الستار. تجربتي مع الإخوان. ط1. القاهرة: الزهراء للإعلام العربي، 2009م، ص 357-363.

[55] أديب، منير. إشكالية المنشقين عن الإخوان وتعاطي الجماعة معهم، مصدر سابق، ص 20-26.

[56] العسال، فتحي. الإخوان المسلمون بين عهدين، مصدر سابق، ص205.

[57] رميح، طلعت. الوسط والإخوان، مصدر سابق، 1997م.

[58]حسين، أحمد عبد الحميد. أحزاب ثورة يناير، مصدر سابق، ص 133-143.

[59] عابدين، عبد الحكيم. مذكرات غير منشورة، حيث يذكر أن عبد الرحمن السندي قال: وصلنا في المفاوضة والاتفاق مع حسن البنا للآتي: أن نكون تنظيم إسلامي إرهابي عالمي على غرار الهاجناة وشترن، ويكون بعيداً عن الاخوان ومستقلاً عنهم.

[60] انظر: عبد المجيد، أحمد. الإخوان وعبد الناصر: القصة الكاملة لتنظيم 1965. ط1.القاهرة: الزهراء للإعلام العربي، 1991م.

تمام، حسام. الإخوان المسلمون: سنوات ما قبل الثورة. ط1. القاهرة: دار الشروق، 2012م، ص39-41.

[61] الأنصاري، طلال. مذكرات طلال الأنصاري، مصدر سابق، ص25-43.

[62] يوثق مختار نوح للتنظيم السري للجماعة في الثمانينات: نوح، مختار. 50 عاماً من الدم، مصدر سابق، ج2، ص 7-51.

[63] تمام، حسام. الإخوان المسلمون، مصدر سابق، ص 46.

[64] أزمة شباب الإخوان، على موقع ميدان، تاريخ الدخول 17/3/2020م)، على الرابط التالي: https://midan.aljazeera.net/intellect/groups/2019/1/22/%D8%A3%D8%B2%D9%85%D8%A9-%D8%B4%D8%A8%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86-%D9%87%D9%84-%D8%B9%D8%AC%D8%B2%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%85%D8%A7%D8%B9%D8%A9-%D8%B9%D9%86-%D8%AA%D9%82%D8%AF%D9%8A%D9%85-%D8%A3%D8%AC%D9%88%D8%A8%D8%A9-%D9%85%D9%82%D9%86%D8%B9%D8%A9

[65] يمكن مراجعة رؤيتين هامتين بصدد صعوبة انشقاق الإخوان لجماعة دعوية أو حزب سياسي في: حبيب، رفيق. “رؤية للمستقبل السياسي للإخوان المسلمين: الإخوان بين الدعوي والسياسي”. في: الشوبكي، عمرو. أزمة الإخوان المسلمين. ط1. القاهرة: مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 2009م، ص15-57، وتمام، حسام. الإخوان المسلمون، مصدر سابق، ص33-50.

[66]فشل حل أزمة مياه النيل الأزمة الأثيوبية- تدهور الموقف في فلسطيني بعد صفقة القرن -تطورات فيروس كورونا وتحوله- لا قدر له- إلى كارثة وانهيار الاقتصاد.

[67] يمكن مراجعة رؤية مشابهة لأعراض شيخوخة الإخوان في: العناني، خليل. الإخوان المسلمون في مصر: شيخوخة تصارع الزمن. ط1. القاهرة: مكتبة الشروق الدولية، 2007م، ص 295-309.

[68] سمع الباحث هذا التعبير كثيراً من أعضاء الجماعة، وذكره الكثيرون من قياداتها في تصريحاتهم وكتاباتهم، أكد عليه بعض العارفين بهم. أنظر: العوا، محمد سليم. المدارس الفكرية الإسلامية: من الخوارج إلى الإخوان المسلمين. ط1. بيروت: الشبكة العربية للأبحاث، 2016م، ص 446.

[69] يمكن مراجعة خطاب البهي الخولي إلى خميس حميدة وتقرير عمر بهاء الدين الأميري عن أوضاع الإخوان في الخمسينيات، في: البنا، جمال. من وثائق الإخوان، مصدر سابق، ج7، ص 46-108، والتقرير المقدم من بعض أعضاء الجماعة عام 1986م، في: أبو خليل، هيثم. إخوان إصلاحيون، مصدر سابق، ص21-56، والتقرير المقدم عام 1995، في: المليجي، السيد عبد الستار. تجربتي مع الإخوان، مصدر سابق، ص 43-61.

[70] النجار، عبد المجيد. الشهود الحضاري للأمة الإسلامية: مشاريع الإشهاد الحضاري. ط1. بيروت: دار الغرب الإسلامي، 1999 م، 3ج.

[71] نقصد تيار تجديد الفكر الإسلامي الأكثر جرأة في التعامل مع النص الإسلامي أمثال جمال البنا، نصر أبوزيد، عبد الجواد ياسين وغيرهم.

[72] حديث تجديد الدين، رواه أبو هريرة رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ “إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا” رواه أبو داود (رقم/4291).

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.