أين هي خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
أين هي خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟/يعقوب زروق
أين هي خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
بقلم: يعقوب زروق
مقدمة:
في سياق الحرب القديمة المتجددة على الإسلام بغية هدمه _وأنى لهم ذلك_ وحيث أن السنة هي حصنه الأول، فهي صنو القرآن ووحي مثله، تبينه أو تخصص عامه، أو تقيد مطلقه. فإنها تنال النصيب الأكبر من هذه الحرب. تشكيكا في حجيتها تارة، أو في صحتها أخرى. ومما يثار حولها من شبهات ادعاء منكريها أن خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تصل إلينا وهذا دليل عندهم على أن السنة شابها ما شابها من التحريف زيادة أو كتمانا. بيد أن رد هذه الشبهة لا يستحق كثير جهد ولا طويل تفكير .
أولا: تناقض:
هؤلاء المتباكون على السنة متناقضون، لا يستقيمون على منهج واحد. تجدهم تارة يستكثرون السنة فيقولون إن الأحاديث المروية كثيرة جدا. فمسند أحمد بن حنبل يحتوي أكثر من أربعين ألف حديث. ويقولون أكثر أبو هريرة رضي الله عنه. أو أنس رضي الله عنه أو غيره. وتجدهم تارة أخرى عندما تفحمهم في شبهة الكثرة وتبين المكرر من غيره والمروي بطرق مختلفة، تجدهم يقفزون إلى الجانب الآخر فيستقلون السنة. ويصرخون أين خطب الرسول صلى الله عليه وسلم التي خطبها في الجمع والأعياد وهي تتجاوز الأربعمائة خطبة.
ثانيا: ادعاء ووهم:
قبل الجواب عن السؤال الشبهة ( أين هي خطب الرسول صلى الله عليه؟) نسائلهم : هل بحثتم في كتب السنة فلم تجدوا خطبه صلى الله عليه وسلم ؟ أم تكررون ما قاله المستشرقون؟
يكفي أن تضع في محرك البحث في برامج الحديث كلمة: خطبنا أو خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدلك البحث على مئات الأحاديث. وسأورد بعضها للمثال لا الحصر. مما يبين لنا أن هذه الشبهة ما هي إلا وهم وادعاء. ومع ذلك نذهب معهم إلى نهاية المطاف فنجيبهم بعد هذه الباقة من الأحاديث:
عن أم هشام قالت: «ما حفظت سورة (ق) إلا من فيِّ رسول الله ﷺ يخطب بها كل جمعة»[1]
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ” إِيَّاكُمْ وَالشُّحَّ ؛ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِالشُّحِّ، أَمَرَهُمْ بِالْبُخْلِ فَبَخِلُوا، وَأَمَرَهُمْ بِالْقَطِيعَةِ فَقَطَعُوا، وَأَمَرَهُمْ بِالْفُجُورِ فَفَجَرُوا [2]“.
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ : ” إِنَّ أَفْضَلَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ [3]“.
عَنْ جَابِرٍ ، قَالَ : خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ” مُهَلُّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَمُهَلُّ أَهْلِ الشَّامِ مِنَ الْجُحْفَةِ، وَمُهَلُّ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ، وَمُهَلُّ أَهْلِ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ، وَمُهَلُّ أَهْلِ الْمَشْرِقِ مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ “. ثُمَّ أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ لِلْأُفُقِ ثُمَّ قَالَ : ” اللَّهُمَّ أَقْبِلْ بِقُلُوبِهِمْ [4]“.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ قَالَ : خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ يَوْمًا فَوَعَظَهُمْ فِي النِّسَاءِ، فَقَالَ : ” مَا بَالُ الرَّجُلِ يَجْلِدُ امْرَأَتَهُ جَلْدَ الْعَبْدِ، وَلَعَلَّهُ يُضَاجِعُهَا فِي آخِرِ يَوْمِهِ ؟ [5]“.
عَنْ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ قَالَ : خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ : ” إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، وَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ [6]“.
ثالثا: بيان
مع كثرة هذه الأحاديث التي ذكر فيها أنها كانت في خطبة فإن هذا لا يعني أن كل خطبه صلى الله عليه وسلم نقلت إلينا. فإن كثيرا منها لم يصلنا وبيان ذلك فيما يلي:
أ _ لا تكتبوا عني:
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ” لَا تَكْتُبُوا عَنِّي، وَمَنْ كَتَبَ عَنِّي غَيْرَ الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ، وَحَدِّثُوا عَنِّي وَلَا حَرَجَ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ – قَالَ هَمَّامٌ : أَحْسِبُهُ قَالَ : مُتَعَمِّدًا- فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ [7]“.
معلوم جدا أنه نهى صلى الله عليه وسلم عن كتابة الحديث في بداية الأمر خشية أن يختلط بالقرآن ثم أذن بعد ذلك عندما زال المحذور وحفظ القرآن في الصدور والسطور. وقد كان الصحابة يكتبون بعد الإذن. مما يدل على أن خطبا كثيرة لم تحفظ بالكتابة وهي التي ألقيت زمن النهي. أما عدم حفظها في الصدور فلأن الخطبة تكون أطول والخوف من الزيادة أو النقصان أو التحريف كان هاجس الصحب الكرام.
بــــ _ فقد لغا:
كلنا نعلم أن من اشتغل عن سماع الخطبة بشيء فقد لغا ومن لغا فلا جمعة له. فكذلك لا يصح أن ينشغل الصحابي عن الخطبة بالكتابة.
جــ _ الورع:
عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قالَ: أتَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ، سِتَّةً فَلَمْ أسْمَعْهُ يُحَدِّثْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ شَيْئًا، فَحَدَّثَ يَوْمًا عَنِ النَّبِيِّ ﷺ حَدِيثًا فَقالَ: «أوْ نَحْوَ هَذا، أوْ قَرِيبًا مِن هَذا، وتَغَيَّرَ وجْهُهُ[8]»
كان هذا الخوف في حديث معدود الألفاظ فكيف به في خطبة متكاملة الأركان. لا شك أنه لا يجرؤ أحد على رواية خطبه مهما كان ضبطه خوفا من السهو والتبديل.
الهوامش:
[1] – أخرجه مسلم (872)، وأحمد (6/ 463).
[2] – سنن أبي داود – كِتَابُ الزَّكَاةِ – بَابٌ : فِي الشُّحِّ – 1698 2 : 221
[3] – سنن الدارمي – الْمُقَدِّمَةُ – بَابٌ : فِي كَرَاهِيَةِ أَخْذِ الرَّأْيِ – 212 1 : 289
[4] – سنن ابن ماجه – كِتَابُ الْمَنَاسِكِ – بَابٌ : مَوَاقِيتِ أَهْلِ الْآفَاقِ – 2915 4 : 413
[5] – سنن الدارمي – وَمِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ – بَابٌ : فِي النَّهْيِ عَنْ ضَرْبِ النِّسَاءِ – 2266 3 : 1425
[6] – سنن النسائي – كِتَابُ الْوَصَايَا – بَابٌ : إِبْطَالُ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ – 3641 6 : 247
[7] – صحيح مسلم- كِتَابٌ : الزُّهْدُ وَالرَّقَائِقُ – بَابٌ : التَّثَبُّتُ فِي الْحَدِيثِ ، وَحُكْمُ كِتَابَةِ الْعِلْمِ – 3004 ( 72 ) 8 : 229
[8] – المعجم الأوسط 2/121 — الطبراني (ت ٣٦٠)