هل يصلى على من مات ولم يعرف هل هو كافر أو مسلم؟|سلسلة يسألونك
الشيخ بنطاهر التناني السوسي
هل يصلى على من مات ولم يعرف هل هو كافر أو مسلم؟|سلسلة يسألونك
بقلم: الشيخ بنطاهر التناني السوسي
نص السؤال
السؤال عمن مات في الغربة ولم يعرف هل هو مسلم أو كافر؟ هل يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسملين أم لا؟
نص الجواب
سئلت عن هذه المسألة أكثر من مرة، ويكثر وقوعها في المدن الساحلية في فصل الصيف بالخصوص؛ بحيث يلفظ البحر جثثا لا يعرف أصحابها، ومنهم جثث اللاجئين الأفارقة الذين يركبون سفنا متهالكة في عباب أمواج البحر المتلاطمة.
وقد ذكر الفقهاء أن الوسائل التي يثبت بها إسلام الميت أو عدمه ثلاثة: الشهادة، والعلامة، والتبعية؛ أوردها الحنفية مجتمعة(1) وأوردها المالكية مفرقة كما سيأتي:
أولا: الشهادة -ويسميها الحنفية: النص
والمراد بها إخبار شخص مسلم فأكثر يعرف الميت بأنه مسلم أو كافر؛ فيؤخذ بقوله ما لم يتبين كذبه(2).
ثانيا: العلامة
ذكر الفقهاء منها: الختان، والزي الإسلامي:
1) الختان؛ اختلف فيه المالكية؛ فقيل: لا يعد علامة على الإسلام، ولا يصلى على من مات ولم يعرف بناء عليه؛ لأنه “لا دلالة فيه لاشتراكه”(3) بين المسلمين وغيرهم؛ فاليهود والنصارى أيضا يختتنون. وقيل: الختان علَم على الإِسلام؛ فمن وجد ميتا ولا يعرف، يُجَسُّ على ذكره من فوق الثوب بمرِّ اليد على محله؛ فإن كان مختونا غسل وصُلي عليه(4)؛ وبه قال الحنابلة(5).
2) الزي الإسلامي؛ يعتبر في اللباس والجسد كاللحية والخضاب(6) والحجاب بالنسبة للمرأة إذا وجد مربوطا على رأسها مثلا؛ “قال أشهب في رجل مات فلا يدرى: أمسلم هو أم كافر: فلا يغسل ولا يصلى عليه؛ إلا أن يكون عليه زي الإسلام، من خضاب أو غيره، فيصلى عليه وينوى بذلك إن كان مسلما”(7).
ثالثا: التبعية
وهي: ثلاث بالترتيب: أقواها تبعية الأب ثم الدار (البلاد) ثم اليد(8).
أ) التبيعة للأب؛ إذا لم يعرف الميت أمسلم هو أم كافر؛ ولكن ديانة أبيه معروفة حكم له بها؛ فإن كان أبوه مسلما غسل وكفن وصلي عليه ودفن في مقابر المسلمين، وإن كان أبوه كافرا دفع لمن كان على ديانته؛ لأن الولد يتبع أباه في الدين والنسب(9).
ب) التبعية للدار؛ أي: للبلاد؛ فإن كانت بلادا لا يدخلها إلا المسلمون مثل مكة والمدينة؛ حكم للميت بالإسلام وإن لم يعرف، وإن كانت بلادا فيها المسلمون والكفار والمسلمون أغلبية، حكم له بالإسلام تبعا للأغلبية، وإن كانت الأغلبية من الكفار ولم تكن في الميت علامة على إسلامه من الختان والزي أو كانت فيه علامة الكفر مثل الصليب؛ حكم له تبعا للأغلبية تغليبا للدار(10)؛ قال ابن القاسم: “أرى إن كان في قرى الإسلام ومدائنهم وحيث هم فأراه مسلما، وإن كان في مدائن أهل الشرك ومواضعهم فأراه مشركا ولا يعرض له”(11)؛ وبمراعاة الغالب أيضا، قال الحنفية(12).
د) التبعية لليد؛ لم يذكرها المالكية، وأوردها الحنفية(13)؛ والمراد بها المسؤول عن الميت قبل وفاته بأي شكل من الأشكال؛ مثل كفالة اليتيم أو حماية الطفولة؛ وقد تكون هذه اليد شخصا، وقد تكون جمعية أو منظمة أو خيرية أو مدرسة داخلية؛ فمن مات ولا يعرف إلا إنه تابع لهذه اليد؛ فإن كانت هذه اليد مسلمة حكم له بالإسلام، وإن كانت غير ذلك فهو تبع لها.
الخلاصة
من وجد ميتا، فلم يشهد أحد على أنه مسلم ولا كافر؛ فإن كان في بلاد لا يدخلها إلا المسلمون مثل مكة والمدينة،أو في بلاد أغلبها مسلمون؛ غسل وصلي عليه ودفن في مقابر المسلمين، وإن كان في بلاد أغلبها كفار،نظر إلى العلامات من الختان، والزي الإسلامي؛ فإن لم يكن عليه علامة لم يغسل ولم يصل عليه.
والله أعلم وهو سبحانه الموفق للصواب.
الهامـــــــــــــــــــــــــــش
(1) بدائع الصنائع للكاساني: (7/102)، وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعي: (1/243).
(2) بدائع الصنائع للكاساني: (7/102).
(3) شرح التلقين للمازري: (1/1173).
(4) النوادر لابن أبي زيد القيرواني: (1/610)، وشرح التلقين للمازري: (1/1174)، ومختصر ابن عرفة: (1/450).
(5) المغني لابن قدامة: (2/400).
(6) النوادر والزيادات لابن أبي زيد القيرواني: (1/608 و610)، والذخيرة للقرافي: (2/472).
(7) النوادر والزيادات لابن أبي زيد القيرواني: (1/610).
(8) تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعي: (1/243).
(9) تهذيب المدونة للبرادعي: (2/248)، والمختصر الفقهي لابن عرفة: (3/327)، وشرح الزرقاني على مختصر خليل مع حاشية البناني: (3/212).
(10) الذخيرة للقرافي: (2/472)، والشرح الكبير للشيخ الدردير مع حاشية الدسوقي: (4/126).
(11) المدونة لسحنون: (3/410)، والنوادر لابن أبي زيد القيرواني: (1/610).
(12) شرح التلقين للمازري: (1/1174).
(13) بدائع الصنائع للكاساني: (7/102)، وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعي: (1/243).