كانت الاستعدادات جارية على قدم وساق ..لإقامة العرس في شهر غشت 2019 …لولا وفاة والد العريس بسكتة قلبية ..في وقت حرج و بشكل مفاجئ آواخر شهر مارس 2019 ..فتم الحداد لمدة سنة و تأجيل العرس الى اواخر شهر مارس 2020..
وبعد مرور سنة قام العريس سفيان و عروسته صفاء بكل اجراءات الزواج من جمع الوثائق و كتابة العقد في بداية شهر مارس..واتفقت صفاء مع أحد ممولي الأعراس و النكافة والطباخين و فرقة الاوركسترا ..وسلمت لكل منهم جزءا من المبلغ المتفق عليه مع تحديد الموعد و المكان .. ..كما وزعت دعوات حفل عرسها على المدعوين ..تدعوهم فيها الى حضور حفل زفافها يوم السبت 28 مارس ليلا بقاعة الأفراح ..وأصبحت كل صباح تخرج رفقة والدتها لاقتناء باقي تجهيزات العرس من المحلات التجارية .
وكان فيروس كورونا في هذه الفترة ينتقل عبر الدول متسللا من الصين الى ايطاليا فاسبانيا وصولا الى المغرب.
قبل موعد العرس بأسبوع ..لسوء حظ صفاء فُرِضَ الحجر الصحي الشامل بالمغرب لمدة شهر ..فتعذر عليها القيام بالعرس ..وأجلته لمدة شهر ..وكلما تمدد الحجر الصحي يتأجل العرس..وظل التمديد يتكرر والعرس يتأجل حتى مرت ستة اشهر.. وحل شهر غشت.. شهر الأعراس و الحفلات .
أحست ان هذا الفيروس يكن لها عداء شخصيا ، فقررت ان تتحداه وتقيم العرس ..والعرس بالنسبة لها كان حلما انتظرته طويلا ..خصوصا الجلوس في ” العمّارية” كأميرة محمولة فوق أكتاف الرجال ..وللتخلص ثانية من هذا الاحساس الذي ظل يراودها بأن مدة صلاحيتها في بيت العائلة دون زوج تكاد تنتهي ..واذا انتهت سترمى في سلة المهملات و ستعيش على الهامش ..لم تكن تشكل عبءا على إخوتها ..لكن كانت ترى ذلك في عيون زوجاتهم ..كلما نظرت الى عيونهن..وشبح العنوسة أصبح يطاردها بإلحاح ، لذلك قاومت و قاومت حتى التقت بسفيان.
سفيان خطيبها كان اصغر منها سنا بعدة سنوات..وأقل منها رتبة في إطار تراتُب الوظيفة بعدة درجات..ولا يملك من الشواهد الجامعية التي حصلت عليها إلا شهادة البكالوريا وحدها..شهادة يتيمة واحدة فقط هي كل ما يملك .
صفاء بجانب الشقة والسيارة تملك ميراثا محترما ، وتُعَد من المِّيمات حسب المصطلح الذي أصبح يطلق على بعض الموظفات الناجحات في عملهن الفاشلات في العثور على زوج مشرف.. ولم يكن في جُعْبة سفيان من متاع الدنيا إلا وظيفته وشبابه و أخلامه..لكن ما يقلقها في زواجها منه هو ضعف شخصيته ، وارتماؤه في حضن أمه (ولد المُّو ) كما يلقبه البعض ..
صفاء امرأة متوسطة الجمال ومعتدلة القامة ..نحيفة جدا لكن أنيقة.. يتيمة الأب لكن ميسورة ..تجمع بين المرح والطيبوبة وقوّة الشخصية..تعاني من تساقط الشعر من شدة عصبيتها المفرطة التي دمرت أغلب علاقاتها ..ربما لأن نصيبها من الحظ في دنياها قليل وقليل جدا ..وحتى هذا القليل لا يريد أن يستقيم معها ..وأن يشد من عضدها في مسألة الزواج..حتى عيد ميلادها من سوء طالع حظها ..لا تحتفل به إلا مرة كل ثلاث سنوات ..لأنها من مواليد 29 فبراير .
لما التقت سفيان رأت فيه ربيع عمرها الذي راح.. وزهرة شبابها التي ذبلت ..وكانت ترى في عينيه الخضراوين بهجة دنياها ..بعد عدة تجارب فاشلة ..فقد تقدم لخطبتها اكثر من شاب.. وفي كل مرة تفسخ الخطبة بعد مدة لأسباب متعددة يطول شرحها ..إذْ لم يحالفها العشق في حياتها ككل نساء العالم ..ولم ينتظرها القطار في المحطة ككل الفتيات ..ولم يصادفها الحب في الطريق ككل المراهقات ..ولا ابتسم لها الحظ ككل البنات ..حتى آمنت أن هناك سحرا يطاردها..أو عينا تترصدها ..وتعرقل لها مسارها في تكوين أسرة..وهي ترى الزمن يجري و يطوي المراحل بلا رحمة ..
وحين قارب شهر غشت منتهاه.. أقامت العرس بشقتها ..بعد أن وجهت الدعوة الى أفراد أسرتها و أسرة سفيان و الجيران والأصدقاء المقربين .. ..وتمت كل الأمور بسلام ..وقُبَيْل” الدخلة ” بدقائق..اقتحمت السلطات الأمنية الشقة و آقتادت الزوجيْن الى مركز الشرطة..وتسلل المدعوون في هروب جماعي .
في مركز الأمن تقرر عرضهما على وكيل الملك صبيحة الغد..بعد كتابة المحضر ..بتهمة الخرق السافر لحالة الطوارئ الصحية المفروضة بكافة أرجاء المغرب و تعريض المدعوين للخطر..وبذلك كانت صفاء أول عروس بثياب العرس تُرَحّل مُعْتقلة الى مركز الأمن ..
فكّرتْ و دبّرتْ.. ثم فكّرتْ ..وفي الأخير قرّرتْ الاتصال بالمحامي راجية منه الحضور ..حضر المحامي رفقة صديقة و زميلة لها في الشغل ..حين انفردت به طلبت منه ان يبحث لها في القانون كيف تُتِم مراسيم زواجها ..أن يبحث لها عن فصول..عن بنود..عن ثغرات في القانون تساعدها ..وتسمح لها ..بإقامة ” الدخلة ” في أي فندق ..في أي خانة ..أو حتى في مركز الشرطة ..المهم أن تتم كل مراسيم الزواج خوفا من جائحة فيروس كورونا ان تنتصر عليها.. وتدمر لها مستقبلها و زواجها .
احتار المحامي في أمرها وتساءل مع نفسه إن كانت بكامل قواها العقلية ..لغرابة طلبها ..ثم ابتسم دون إجابة ..فترجته ان يفكر لها في حل ..لانها اذا أتمت المراسيم كاملة .. ضمنت الزوج و البيت و الاستقرار ،وانتصرت في معاركها التي تخوضها ضد حظها التعس وضد حماتها و الجائحة و الشامتين من الحسّاد.
وعدها خيرا وخرج ليستشير بعض المحامين و السلطات المحلية و كل من له علاقة بالموضوع ..فهي لا تخاف من العقوبة الحبسية و لا الغرامة المالية ولكن تخاف ضياع الليلة و يضيع معها كل شيء ..فالعمر لن يتوقف حتى تتحقق الأحلام ..وقد تجاوزت السابعة و الثلاثين من عمرها ..وفترة الانجاب لن تتمدد طويلا لسواد عيونها..وهي على مشارف نهايتها ..وكلام الناس لا يرحم العانس ولا العاقر ولا تعيسة الحظ ..
أما حماتها فكان كل همها ..كيف يعود ابنها سفيان الى حضنها بأمن و سلام.. ومستعدة كامل الاستعداد أن تضغط على ابنها.. كي يتنازل عن الجَمَل بما حَمَل شريطة نجاته من العقوبة الحبسية..حتى لو تدمر هذا القفص الذهبي وراح كل الى حال سبيله..فهي منذ البداية وحتى قبل وفاة زوجها بسكتة قلبية لم تكن متحمسة لهذا الزواج ..ومن صفاء بالتحديد ..مما زاد الطين بلّة.
غاب الصّفاء عن العروس صفاء في هذه الأجواء..صفاء القلب والروح و المكان..فجلست مكرهة تنتظر أن تصفو الأجواء لترى معالم الطريق .