دفع وباء كورونا COVID 19 العديد من الدول إلى إقرار حالة الطوارئ الصحية، التي استندت في مراجعها لمجموعة من الأسس الدستورية والقانونية، إلا أن الكثير من الدول التي تعيش نوعا من السلطوية، استغلت ظروف حالة الطوارئ لتكريس مزيد من الإجراءات والتدابير الموغلة في البطش والتسلط بالمواطنين، مما جعل منظمة الأمم المتحدة والكثير من المنظمات غير الحكومية المهتمة بحقوق الإنسان، تدق ناقوس الخطر، وتحذر من الانتهاكات الحقوقية المرتكبة تحت غطاء حالة الطوارئ ذلك أن القانون الدولي لحقوق الإنسان، قنن بشكل صارم هذه الحالة، وفرض مجموعة من القيود على الدول لاحترام الحقوق والحريات مهما كانت الظروف، فما مقتضيات حالة الطوارئ في ضوء القانون الدولي؟، وما الحقوق والحريات التي لا يجوز تعطيلها بمناسبة حالة الطوارئ؟ وما الأسس الدستورية والقانونية التي استند إليها المغرب لإعلان حالة الطوارئ الصحية؟ وما آثار هذه الحالة على وضعية الحقوق والحريات بالمغرب؟
أولا: حالة الطوارئ في القانون الدولي والوطني
حالة الطوارئ في القانون الدولي.
حالة الطوارئ أو ما يسمى بالأحكام العرفية أو الظروف الاستثنائية تتحقق إذا ما نشأت في تلك الدولة ظروف وعوامل تجعل السلطة التنفيذية مضطرة لاتخاذ تدابير وإجراءات لحماية الأمن العام لمواطنيها، فهي ظرف استثنائي غير عادي، تفرضه الدولة عندما يتهدد أمنها ونظامها العام، نتيجة خطر داهم حصل جراء ظروف داخلية أو خارجية، كوقوع حرب أو نتيجة لاضطرابات داخلية أو قلاقل اجتماعية خطيرة أو انتشار وباء أو كوارث عامة.
وقد نصت المادة الرابعة في فقرتها الأولى من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على إعلان حالة الطوارئ في حال وجود أي تهديد يهدد حياة الأمة، واتخاذ التدابير اللازمة في مواجهته في حال إعلانها بشكل رسمي، فيما تناولت الفقرة الثانية من المادة الرابعة على الحريات التي لا يمكن المساس بها في حال إعلان الدولة لحالة الطوارئ وهذا ما سنتطرق إليه لاحقا.
كما نصت الفقرة (1) من المادة (15) من الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان لعام 1950م على حالة الطوارئ وأيضا المادة 27 من الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان لعام 1969م، والمادة الرابعة من الميثاق العربي لحقوق الإنسان، التي جاءت مطابقة للمادة الرابعة من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، ويلاحظ أن أغلب هذه الاتفاقيات والمواثيق استندت فيها صياغتها عند تطرقها إلى حالة الطوارئ إلى المادة 04 من الاتفاقية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية.
وإذا كانت حالة الطوارئ، تستوجب مجموعة من القيود والتدابير التي يجوز اتخاذها كإمكانية وضع قيود على حرية الأشخاص والإقامة والتنقل والمرور في أماكن أو أوقات معينة….، فإن مقتضيات القانون الدولي قيدت تلك الإجراءات، حيث نصت الفقرة الأولى من المادة الرابعة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966م على ما يلي: «في حالات الطوارئ الاستثنائية التي تتهدد حياة الأمة، والمعلن قيامها رسـميا، يجـوز للدول الأطراف في هذا العهد أن تتخذ، في أضيق الحدود التي يتطلبها الوضع، تدابير لا تتقيد بالالتزامات المترتبة عليها بمقتضى هذا العهد، شريطة عدم منافـاة هـذه التـدابير للالتزامات الأخرى المترتبة عليها بمقتضى القانون الدولي وعدم انطوائها علـى تمييـز يكون مبرره الوحيد هو العـرق أو اللـون أو الجـنس أو اللغـة أو الـدين أو الأصـل الاجتماعي».
لذلك فإن إعلان حالة الطوارئ في الدول الأطراف في هذه المعاهدة، يشترط فيه:
أولا: وجود حالة عامة تهدد حياة الأمة وأن تكون الدولة الطرف قد أعلنت رسمياً حالة الطوارئ.
ثانيا: أن تتقيد الدولة عند إعلانها حالة طوارئ، بالالتزامات الأخرى المترتبة عليها بمقتضى القانون الدولي.
ووفقا للقانون الدولي لحقوق الإنسان، وعلى الخصوص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966م، لا سيما الفقرة الثانية من المادة الرابعة منه، يجب على الدول التي تعلن حالة الطوارئ عدم تعليق الحقوق غير القابلة للتقييد وهي: الحق في الحياة وتحريم ممارسة التعذيب أو المعاملة القاسية أو اللإنسانية أو المهينة، أو الإخضاع للتجارب الطبية أو العلمية دون الموافقة وحظر الرق والاتجار بالرقيق والعبودية وحظر اعتقال أي شخص لمجرد عجزه عن الوفاء بالتزام تعاقدي ومبدأ المساواة في مجال القانون الجنائي، أي اشتراط أن يقتصر الاستناد في تقرير كل من المسؤولية عن ارتكاب الجريمة والعقاب عليها على أحكام واضحة ودقيقة في القانون الذي كان موجودا وساري المفعول وقت حدوث الفعل أو الامتناع عنه، باستثناء الحالات التي يصدر فيها قانون ينص على عقوبة أخف ولكل إنسان الحق بأن يعترف لـه بالشخصية القانونية، وحرية الرأي والعقيدة.
وتأسيسا على ما سبق، فإن حالة الطوارئ تعتبر ضمن الحالات الواردة ضمن نظرية الظروف الاستثنائية، التي أجازها القانون الدولي لحقوق الإنسان لمواجهة الأخطار، مع اشتراط التقيد بمجموعة من الشروط الضامنة للحقوق والحريات الغير القابلة للتعطيل.
حالة الطوارئ في القانون الوطني المغربي:
في الدستور المغربي لسنة 2011
تنزيل نسخة معدلة ذات جودة عالية لمجلة منار الهدى العدد التاسع عشر
بتحليل مقتضيات الوثيقة الدستورية لسنة 2011م، لا نجدها تحدثت عن إعلان «حالة الطوارئ»، ولا عن «حالة الطوارئ الصحية»، لكن نجدها تحدثت عن حالة الحصار في الفصل 74، التي يتداول بشأنها في المجلس الوزاري (الفصل 49)، حيث يمكن للملك إعلان حالة الحصار بمقتضى ظهير موقع بالعطف من قبل رئيس الحكومة. كما نصت الوثيقة الدستورية على حالة الاستثناء (الفصل 59)، التي سبق وأن عاش المخرب تجربتها في عهد الملك الحسن الثاني سنة 1965م.
وتأسيسيا على ما سبق، فإن إعلان حالة الطوارئ الصحية بالمغرب، أحدث نقاشا قانونيا ودستوريا بخصوص مشروعية إجراءات الحكومة بعد صدور بلاغ لوزارة الداخلية، الذي سبق صدور المرسوم الذي ينظم هذه الحالة، والتي لا تعتبر حالة حصار ولا حالة استثناء، وتختلف عن حالة الطوارئ التي نصت عليها المواثيق الدولية، ذلك أن إعلان حالة الطوارئ الصحية غير مرتبط بالخطورة التي تهدد نظام الحكم واستقرار البلاد والسير العادي للمؤسسات الدستورية، لكنها مرتبطة بخطر يهدد الصحة العمومية نتيجة تفشي وباء كورونا COVID 19. كما أنها لا تقيد بشكل شامل حقوق وحريات الأفراد.
المرسوم بقانون رقم 2.20.292
بتاريخ 23 مارس 2020م، صدر هذا المرسوم في إطار التدابير المتخذة من طرف الحكومة، ويتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها. ويخول المرسوم بقانون أن تتخذ جميع التدابير اللازمة التي تقتضيها الحالة، بموجب مراسيم ومقررات تنظيمية وإدارية، أو بواسطة مناشير وبلاغات. ويمكن أن تكون هذه التدابير مخالِفة للأحكام التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل غير أنها لا تحول دون ضمان استمرارية المرافق العمومية الحيوية، وتأمين الخدمات التي تقدمها للمرتفقين. وقد جاء في الجريدة الرسمية في تقديم مرسوم بقانون رقم 2.2.292 يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، أنه يأتي بناء على الفصول21 و24 (الفقرة 4) والفصل 81 من الدستور 2011م، وبناء على اللوائح التنظيمية لمنظمة الصحية العالمية، وباتفاق مع اللجنتين المعنيتين.
المرسوم رقم 2.20.293
صدر هذا المرسوم المتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي كورونا COVID 19 والذي أعلنت بمقتضاه حالة الطوارئ الصحية بكامل التراب الوطني، ابتداء من يوم 20 مارس 2020 إلى يوم 20 أبريل 2020 في الساعة السادسة مساء. وينص هذا المرسوم على التدابير التي تتخذها الحكومة لمنع الأشخاص من مغادرة مساكنهم والمحلات الاستثنائية التي يسمح لهم فيها بذلك، كما ينص على منع التجمهر أو التجمع أو اجتماع مجموعة من الأشخاص لأغراض غير مهنية. وعلى إغلاق المحلات التجارية والمؤسسات التي تستقبل العموم، إلا أن هذا المرسوم طرح إشكالات قانونية بخصوص أجل السريان، فدورية رئيس النيابة العامة رقم 13 بتاريخ 24 مارس 2020 اعتبرت أن فترة حالة الطوارئ تمتد من 20 مارس 2020 إلى 20 أبريل فيما يتعلق بتوقيف الآجال التشريعية والتنظيمية، أما فيما يخص التدابير الزجرية المنصوص عليها في المرسوم بقانون فإن رئيس النيابة العامة أمر بتطبيقها على جميع الأفعال المرتكبة من يوم 24 مارس 2020م وهو تاريخ نشر المرسوم بقانون، وإلى غاية الساعة السادسة من يوم 20 أبريل 2020م.
أما المحافظ العام على الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطي، فقد اعتبر في المذكرة رقم: 06/2020 بتاريخ 25 مارس 2020م أن توقيف الآجال التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل خلال فترة حالة الطوارئ الصحية المعلن عنها سيتم ابتداء من تاريخ 20 مارس 2020م معتمدا على المادة الأولى من مرسوم إعلان حالة الطوارئ الصحية والتي لا تتضمن إطلاقا تاريخ بداية هذه الفترة. ولعل اجتهاد نقيب هيئة المحامين بالدار البيضاء، الذي وجه بتاريخ 25 مارس 2020 تنبيها هاما وعاجلا لزملائه في المهنة يشدد فيه على أن تاريخ بداية حالة الطوارئ الصحية هو اليوم الموالي لتاريخ نشر المرسوم أي 25 مارس 2020، يشكل في نظرنا رأيا قانونيا فاصلا في هذا الموضوع.
ثانيا: الحقوق والحريات في ظل حالة الطوارئ الصحية بالمغرب
لقد شكلت حالة الطوارئ الصحية بالمغرب، فرصة سانحة لاختبار مدى إرادة الدولة في ترسيخ ثقافة الديمقراطية، لكن الملاحظ أن جل الإجراءات اتجهت في منحى لتكريس مزيد من السلطوية، عبر العديد من الممارسات الخارجة عن القانون، ومنها تلك الحملات الاستعراضية التي تتم بمناسبة تنفيذ تدابير الحجر الصحي والمصحوبة بسلوكات منافية للقانون، ومنها الضرب والشتم، وتصوير ونشر الحياة الخاصة للأفراد، وهذا يتنافي مع مبدأ التناسب الذي يعتبر من أهم ضوابط التشريعات، والذي يعتبر قيدا مفاده أن مختلف التدابير والإجراءات، التي تتخذها السلطة الإدارية، يجب أن تكون متلائمة ومنسجمة مع الظروف، التي دفعت بالإدارة إلى اتخاذ القرار الضبطي، كما يتعارض ذلك مع مبدأ الضرورة، الذي يقتضي أن تلتزم السلطات الإدارية، التي اتخذت الإجراءات والتدابير الضبطية بمقدار الضرورة التي تفرضها ظروف اتخاذ تلك القرارات، بشكل لا يمس بالحقوق والحريات الأساسية التي ضمنتها التشريعات الدولية والوطنية. خاصة عندما يتعلق الأمر بأهم حق من حقوق الإنسان، وهو الحق في الحياة، الذي قد يتم انتهاكه على إثر أخطاء ربما تكون فردية، من خلال ممارسة العنف الجسدي على بعض المواطنين، أو من خلال التعذيب الذي قد يتعرضون له في بعض المخافر، أو من خلال تجاوزات لبعض أفراد السلطة قد تؤدي إلى مضاعفات خطيرة، وقد سبق للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، أن أكد في مناسبة سابقة، أن سبب وفاة الشهيد كمال عماري، هو تعرضه للضرب من طرف مجموعة من العناصر الأمنية بمناسبة مشاركته في إحدى مسيرات حركة 20 فبراير سنة 2011م بمدينة أسفي، كما نذكر هنا في سياق حالة الطوارئ، فقد سجلت إحدى المنظمات الحقوقية المغربية في بيان رسمي صادر عنها وفاة شاب قاصر (17 سنة) بالجديدة، مما يعيد طرح موضوع عدم الإفلات من العقاب للواجهة.
وهذا يدفعنا إلى تركيز الحديث عن موضوع مناهضة التعذيب بالمغرب، الذي جرمه الدستور المغربي في جميع الظروف، ولو كانت ظروفا استثنائية، أي أنها لا تعطي مجالا لتبرير اللجوء لأساليب التعذيب، ولو تعلق الأمر بخطر الإرهاب، أو بحالة حرب، أو عدم استقرار، وهنا نجدد التساؤل عن دور المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي من المفروض فيه أن يواكب مثل هذه الحالات، حيث يسجل أن هذا المجلس أصبح متخصصا في إعداد تقارير لتبييض الانتهاكات الحقوقية، التي ترتكبها الدولة حيث أصدر تقرير في عز الوباء، يشخص فيه وضعية حقوق الإنسان بالمغرب، ويفند ادعاءات التعذيب التي تعرض لها معتقلي حراك الريف، علما بأن جريمة التعذيب لا تسقط بالتقادم، وهذا الأمر يستهدف كل الأشخاص كيفما كانت صفاتهم ومراتبهم مما يجعل هذا التصور يتلاءم مع تطور مفهوم الجرائم ضد الإنسانية بشكل عام.
ولقد تعالت مجموعة من الأصوات الحقوقية بالمغرب، التي نبهت إلى الانزلاقات التي تتم بمناسبة هذه الحالة الوبائية، والتي تؤدي إلى مزيد من التضييق على الحقوق والحريات، مطالبة الدولة بضرورة احترام القانون، الذي يفرض نوعا من تلاؤم الحدود، التي تفرضها السلط العمومية على ممارسة الحقوق والحريات، مع الظروف والملابسات التي فرضت تلك التدابير، والغاية التي دفعتها لذلك، أي أن يكون وضع الضوابط، التي قد تحد من ممارسة الحقوق والحريات، يتسم بنوع من العقلانية، بمعنى أن تكون متناسبة مع الظروف التي فرضت ذلك، خاصة وأن هذه الفترة شهدت حملة واسعة على المدونين تحت طائلة عقوبات مفرطة، مما يعتبر إجهازا على حرية الرأي والتعبير، التي تعرف تراجعا كبيرا بالمغرب.
وارتباطا بموضوع حرية الرأي والتعبير، التي نص عليها دستور2011م من خلال الفصل 25» حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها «، فإن محاكمة العديد من المدونين بسبب التعبير عن رأيهم يعتبر مسا بعلوية القواعد الدستورية، التي من المفروض احترامها بصيانة حقوق المواطنين مهما كانت الظروف، وإلا أصبح الدستور مجرد برنامج سياسي، في أقصى الحالات ملزم على المستوى الأخلاقي أو مجرد مجموعة من النصائح التي يتلقاها المشرع، والتي يكون حرا في الأخذ أو عدم الأخذ بها، «على حد تعبير الفقيه «Charles EISENMA، حيث مازال يسجل استمرا محاكمة العديد من الصحفيين، وبقاء آخرين وراء القضبان، علاوة على التضييق على الصحافيين مما جعل وضعية المغرب في التصنيف الجديد لمنظمة مراسلون بلا حدود في تقريرها لسنة 2019م، يحتل المركز 135 من أصل 180 دولة.
ولعل ما أثار استغراب، وسخط جل الفاعلين والمتتبعين وجمهور المواطنين المغاربة، هو الحديث عن مصادقة الحكومة في مجلسها بتاريخ 19 مارس 2020م على مشروع قانون الخاص بشبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة للعلن، والذي يتكون من 13 المادة، تضمنت 16 جريمة، وبغض النظر عن مشروعية هذا القانون من حيث مسطرته ومضامينه والتي تبقى من اختصاص المحكمة الدستورية، فإن الملاحظ أن هذا المشروع أريد له أن يكون سريا ويمرر في صمت نظرا لما يحتويه من مضامين خطيرة، تطرح سؤال من له المصلحة في هذا القانون.
ومن تلك المضامين مثلا، ما نصت عليه المادة 14 من النسخة المسربة من المشروع، والتي تنص على السجن من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من 5000 درهم إلى 50000 درهم، لكل من قام على شبكات التواصل الاجتماعي بالدعوة إلى مقاطعة منتوجات أو بضائع أو القيام بالتحريض على ذلك كما أشار أيضا إلى مجموعة من العقوبات، التي توسع مجال التجريم، وتضييق مساحات الحقوق والحريات التي قد تمس أحيان بجوهر الحق، مما يطرح السؤال حول طبيعة المؤسسة التشريعية بالمغرب ومدى استقلاليتها، وجدوى وجودها؟
إن محاولة تمرير هذا القانون بالطريقة التي تم بها تجعل المؤسسة التشريعية محط تساؤل أخلاقي حين لا يقوم «نواب الشعب» بمهمتهم، مما يرسم قدوة سيئة لباقي العاملين في ظل حالة الطوارئ، ويخرق الدستور ويجعل مرسوم الطوارئ والتشريعات تفتقد للدستورية، يسهل الطعن في شرعيتها لأنها صادرة عن برلمان يجتمع بطريقة تخالف الدستور، ولو كان هذا البرلمان يتقن عمله لكان لدينا اليوم قانون الدفع بعدم الدستورية الذي بموجبه يمكن الطعن في القوانين التي ستصدر عنه، ولكان للمجتمع قانون جنائي يواكب الطوارئ، ويتضمن العقوبات البديلة عن العقوبات الحبسية، رغم أن المشروع جاثم في دهاليزه منذ خمس سنوات لكنهم لم يخرجوه لسبب بند «الإثراء من دون سبب»، في مقابل تعجيل الحكومة بإخراج/تهريب مشاريع الحجر على الضمير. وهي قوانين تمس جوهر الحقوق، وتعتبر متناقضة مع ضوابط والتزامات التشريع، التي أطرها الفقه الدستوري، الذي يفرض عقلنة التشريعات الصادرة بخصوص ضوابط الحقوق والحريات أي عقلنة النشاط التشريعي في ميدان الحقوق والحريات لتتلاءم مع شرط مفهوم جوهر الحق، وهذا هو دور المشرع في إصدار قانون متلائم مع النص الدستوري، لبناء دولة الحق والقانون.
ويقتضي بناء دولة الحق والقانون، وجود قضاء مستقل، يضمن محاكمات عادلة، ويصون الحقوق والحريات، لأن «وضع حكم قضائي موصول بحماية الحقوق والحريات يماثل نسبيا فترة المخاض التي تؤدي إلى ميلاد حياة جديدة». وفي هذا الإطار فإن منهجية المحاكمات المعتمدة اليوم، من خلال تغييب الحضور المادي للمتهم أمام الجلسات بدعوى حالة الطوارئ الصحية، يعتبرا ضربا لشروط المحاكمة العادلة، التي قد تذهب بقرينة البراءة التي تعتبر من الحقوق الأساسية التي لا يمكن حدها، مهما كانت الظروف، ولو تحت طائلة مبدأ الظروف القاهرة. وبهذا الصدد نسجل باستغراب كبير استعجال الحكومة في إخراج مشروع قانون يتعلق باستعمال الوسائط الإلكترونية في الإجراءات المدنية والجنائية الذي تحتاج مناقشته تفكيرا هادئا متحررا من كل الضغوط، وإشراكا حقيقيا لكل أطراف المنظومة والمهتمين بالمجال موضوع التشريع، وليس إشراكا صوريا في ظل ظروف الحجر الصحي.
إن الغاية من التشريع ومن إصلاح القوانين أو تعديلها، هو تحقيق العدالة، التي هي واجب الدولة المترتب على السيادة التي منحت لها، من أجل بناء دولة الحق والقانون، وليس غايته استغلال الظروف لتمرير ترسانة قانونية، تخنق الحقوق والحريات، وهذا ما جعل بعض الفقه الدستوري، يؤكد على وجود علاقة تلازمية بين القضاء ومفهوم دولة القانون ونشير هنا بكل موضوعية لما أثله تاريخ القضاء المغربي، وخاصة منه القضاء الإداري، من مكتسبات نوعية في حماية حقوق الإنسان، حيث أن ما قام به يعتبر من الأهمية بمكان، تمثلت في ترسيخ مبدأ الشرعية وتحصين الكثير من حقوق الأفراد والمؤسسات من الانتهاك، وحسم الكثير من الإشكالات التي تتطلب التوفيق بين المصلحة العامة وحقوق الأفراد، وذلك سيرا على نهج القضاء الإداري المقارن، الذي اتجه نحو تقييد سلطة الإدارة في الحد من الحقوق والحريات.
وختاما نسجل بأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في ظل الحجر الصحي، عرفت انحدارا من خلال ارتفاع معدلات البطالة، والفقر، بالرغم من بعض الإجراءات التي قامت بها الحكومة، والتي تظل غير كافية، أمام الظروف التي يعيشها المغاربة، والتي تحتاج إلى سن سياسات عمومية أكثر فعالية ونجاعة، لأن وجود الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، يعتبر تعبير عن الحضور السيادي للدولة، وعن الشرعية التي تفرضها مقتضيات دولة القانون، التي من واجباتها ترسيخ ثقافة حقوق الإنسان والنهوض بها، وحمايتها وصيانتها من كل انتهاك، ولذلك فمغرب اليوم في حاجة لمصالحة وطنية شاملة تقطع مع الممارسات الغير الديمقراطية، وتؤسس لفعل تغييري جوهري يكرم الإنسان ويوطن الحرية.
المصادر والمراجع:
المراجع العربية:
عمر سعد الله، معجم في القانون المعاصر، ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر، الطبعة الأولى، 2005م.
محمد حسن دخيل، الحريات العامة في ظل الظروف الاستثنائية، منشورات الحلبي الحقوقية، الطبعة الأولى، 2009م.
محمّد رضا بن حمّاد، “المبادئ الأساسية للقانون الدستوري والأنظمة السياسية”، طبعة ثانية محيّنة، 2010.
الدستور المغربي لسنة 2011.
الجريدة الرسمية، عدد 5922، صادرة في 27 ربيع الأول، 3مارس 2011.
أمعيوة خديجة: القاضي الإداري وحماية الحقوق والحريات بالمغرب، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون العام، جامعة سيدي محمد بن عبد الله فاس، 2004ـ2005.
عبد القادر مساعد، القضاء الإداري المغربي ضمانة للحقوق والحريات، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، 1998ـ1999.
المراجع الفرنسية
Jean Etienne- Marie Portalis, Cité Par Khalil FENDRI, « L’indépendance de la justice à travers la nouvelle constitution », in Nouvelle constitution tunisienne et transition démocratique, actes du colloque franco-tunisien organisé par la faculté de droit de Sfax et la faculté de droit Paris-Est, Paris les 31 mars et 1er Avril 2014, Lexis Nexis 2015.
Stavroula KTISTAKI: « L’évolution du contrôle juridictionnel des motifs de l’acte administratif », Paris, L.G.D.J. , 1991
Charles EISENMANN, La justice constitutionnelle et la haute cour constitutionnelle d’Autriche, Paris/ Aix-en-Provence, Economica, Presses universitaires d’Aix-Marseille, 1986,
George BURDEAU, « Les libertés publiques », Librairie générale de droit et de jurisprudence, 2ème édition, 1961
Issam BEN HASSEN: « Le contrôle des motifs de fait dans le recours pour excès du pouvoir », Thèse pour l’obtention du Doctorat en droit public, Edition PUBLISUD, Paris 2011
Jean-Paul COSTA « le principe de proportionnalité dans la jurisprudence du Conseil d’État », AJDA, 1988
Le principe de proportionnalité est un « principe d’adéquation de la réaction à l’action ».Lexique des termes juridiques, 22e édition, DALLOZ. 2014-2015..
Michel DRAN, Le contrôle juridictionnel et la garantie des libertés publiques, Paris, Librairie Générale de Droit et de Jurisprudence, 2éme édition, 1968.
Néji BACCOUCHE, « La justice comme nécessaire garant des libertés », in. Justice et démocratie, textes réunis par GABRIAU (S.), PAULIAT (H.), Actes du colloque organisé à Limoges, les 21-22 novembre 2002, Presses universitaires de Limoges, 2003
Tran VAN MINH: « Réflexions sur l’État de droit dans le tiers monde », in Mélanges Pierre François CONIDEC, Paris, L.G.D..J., 1985
Yadh BEN ACHOUR, « Droit Administratif », Centre de publication universitaire, 3ème édition 2010:. N° 384.
المجلات والمواقع الالكتروينية
مجلة مسالك، العدد27/28، 2014م