منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

قراءة في كتاب: تجديد الوعي بنظام الوقف الإسلامي

عماد الدين محمد عويس عشماوي

0
الفهرس إخفاء

قراءة في كتاب تجديد الوعي بنظام الوقف الإسلامي

المؤلف: إبراهيم البيومي غانم.

الناشر: دار البشير للثقافة والعلوم.

الطبعة الأولى: 2016.

عدد الصفحات: 416 صفحة.

عماد الدين محمد عويس عشماوي

يتضمن هذا الكتاب، رؤية واقعية نقدية بنائية واسعة الأرجاء لقضية الوقف، في تاريخها وفقهها الموروث، وفي واقعها وتحدياتها، ومحاولات التجديد الفقهي والفكري والعملي المتعلقة بها، كما تؤكد الدكتورة نادية مصطفى في تقديمها للكتاب (ص7). والكتاب يقع في مقدمة وعشرة فصول بخلاف الملاحق. ومقصد المؤلف الأساسي، هو الإسهام في تجديد الوعي بنظام الوقف الإسلامي ومقاصده العامة، من زوايا معاصرة تتناول: أصوله الشرعية، وتطبيقاته العملية، وتحولاته الكبرى، وإمكاناته الحضارية، ومقاصده الإنسانية، وآفاقه المستقبلية، بغرض تكوين الوعي، وإعادة توجيهه بشأن “الأوقاف” ومؤسساتها وقضاياها الرئيسية. (ص8)

عقد فريد:

الوقف لغة: معناه الحبس والمنع مطلقا، سواء كان ماديا أو معنويا. وهو في أصل وضعه الشرعي عبارة عن صدقة جارية، أي مستمرة، سنها رسول الله-صلى الله عليه وسلم- بعد هجرته من مكة إلى المدينة. والمراد منها استدامة الثواب، والقرب من الله تعالى، أما المقصد النهائي من الوقف فهو الرغبة في استدامة الثواب والقرب من الله تعالى.

وجوهر الوقف هو أن يمنع الشخص(الواقف) نفسه من التصرف في أصل اقتصادي مملوك له ويدر منفعة، سواء كان هذا التصرف بيعا أو رهنا، أو هبة أو وصية، أو غير ذلك من التصرفات الناقلة للملكية كلها أو بعضها، أو الناقلة لمنفعتها كلها أو بعضها. على أن يخصص منفعة هذا الشيء لجهة من جهات البر الخاصة أو المنافع العامة.

ومن هنا، كان عقد الوقف، عقداً متميزاً، إذا قارناه بعقود التبرعات التي عرفتها الحضارات المختلفة، إذ هو عبارة عن تشريع لإلزام الذات لمصلحة الغير. وهو بهذا المعنى غير معروف في أي من الأنظمة القانونية للحضارات غير الإسلامية، القديم منها والمعاصر (ص10)

مراحل تطور فقه الوقف:

بدأت مسيرة التكوين التاريخي للأحكام الفقهية الخاصة بالأوقاف، مع انتهاء العصر النبوي. ويمكن إيجاز هذ المراحل في:

المرحلة الأولى: من وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وحتى نهاية القرن الثالث وبدايات القرن الرابع الهجري ويسميها المؤلف” مرحلة الاجتهاد والتأسيس المذهبي لفقه الوقف، حيث تبلورت خلالها المعالم الرئيسية للفقه.

المرحلة الثانية: وهي تمتد من القرن الرابع إلى القرن الثالث عشر الهجري، ويسميها المؤلف “مرحلة التفريع والتفصيل في فقه الوقف، مع شيء من الاجتهاد في الأحكام والقواعد المتعلقة بمؤسسات الوقف بصفة عامة.

المرحلة الثالثة: وهي تشمل القرن الرابع عشر الهجري، وبدايات القرن الخامس عشر، حيث حدث تحول نوعي في السيرورة التاريخية لفقه الوقف، بظهور التقنينات الخاصة بأحكامه الشرعية، وبنظمه الإدارية في معظم البلدان الإسلامية. (ص66-72)

التكوين التاريخي لنظام الوقف ومؤسساته:

يقصد بالتكوين التاريخي لنظام الوقف: كل ما تلى التوجيه القرآني والهدي النبوي(قولا وفعلا وتقريرا) بشأن الصدقة الجارية التي حملها العلماء على معنى الوقف من تطبيقات عملية، وممارسات اجتماعية، إيجابية وسلبية، واجتهادات فقهية، وفتاوى شرعية، وأحكام قضائية، وأبنية مؤسسية، وممتلكات وأموال موقوفة، وأنظمة إدارية، وتشريعات قانونية، وتقاليد وظيفية، شكلت في مجملها الإرث التاريخي لنظام الوقف (ص 63-64)

التكوين الاجتماعي والاقتصادي للوقف:

يشير المؤلف، إلى أن أهم ما كشفت عنه الممارسة الاجتماعية التاريخية للوقف، أنه ظل نظاما مفتوحا أمام الجميع، ولم يكن مغلقا على فئة بعينها. وسمحت قواعده الفقهية باستيعاب مختلف الفئات حتى المخالفين في الدين.كما أن التكوين الاقتصادي للوقف قد استند على أثبت مصادر الثروة: الأراضي الزراعية، والعقارات المبنية، بالإضافة للمنقولات.(ص83-85)

البناء الإداري المؤسسي للوقف:

يوضح المؤلف، أن هذا البناء قد مر بتطورات كثيرة، كشفت عن نمطين أساسيين:

الأول: نمط الإدارة الفردية(العائلية) الذي اتسم بدرجة عالية من اللامركزية، وهو الأكثر شيوعا في مختلف المراحل التاريخية.

الثاني: نمط الإدارة المؤسسة الحكومية البيروقراطية، كما حدث في الدول العربية والإسلامية ما بعد الاستعمار.

نظام الوقف، ونظرية مقاصد الشريعة:

يؤكد المؤلف أن ازدهار نظام الوقف في أداء وظائفه العمرانية وبلوغ مقاصده الشرعية غالبا ما يأتي حصيلة تفاعل إيجابي بين الوعي العلمي والاجتماعي بالمقاصد الشرعية، والاجتهاد في تجديد الآراء الفقهية المتعلقة بالأوقاف ومسائلها المتغيرة، والالتزام في الممارسة الاجتماعية بالمقاصد والقواعد الشرعية.

 فقه الوقف وعلاقته بالمقاصد العامة للشريعة

يوضح المؤلف أن الفقهاء قد بذلوا جهودا مضنية لوضع أصول البناء المؤسسي لنظام الوقف على النحو الذي يحافظ على حرمته، ويضمن له استمرار النمو والعطاء اللذين يكفلان تحقيق الغاية منه في خدمة الترقي الاجتماعي العام. وتتلخص تلك الأصول في ثلاثة مبادئ كبرى هي:

ا- احترام إرادة الواقف: حيث أن إرادة الواقف هي حجر الزاوية في بناء نظام الوقف كله على صعيد الممارسة الواقعية.

ب- اختصاص السلطة القضائية بالولاية العامة على الأوقاف: باعتبار أن هذه الولاية ضمان استقلاليته واستقراره وفعاليته خلال المراحل التاريخية التي مر بها.

ج- اكتساب الوقف الشخصية الاعتبارية: الذي كان بمثابة ضمانة تشريعية وقانونية تدعم الضمانتين السابقتين، وتضاف غليهما للمحافظة على استقلاليته واستمراريته وفعاليته في آن واحد (ص20-23)

ضبط شروط الواقفين بمقاصد الشريعة

حيث بذل الفقهاء جهودا مضنية من أجل حجز شروط الواقفين عن الخروج على مقتضى عقد الوقف ذاته من جهة، وضبطها بمقاصد الشريعة من جهة أخرى.

إسهام الوقف في تحقيق مقاصد الشريعة

يؤكد المؤلف، أن تتبع وجوه الوقف خلال التاريخ، تخبرنا أنها تندرج بامتياز ضمن جملة المصالح الداخلة في مقاصد الشريعة، أو التي هي مضمون مقاصد الشريعة، وهي من الضروريات والحاجيات، والتحسينيات.

الوقف وبناء المجتمع المدني:

يؤكد المؤلف، أن نظام الوقف، كان قاعدة صلبة من قواعد بناء ما نسميه بلغتنا المعاصرة “مؤسسات المجتمع المدني”. فقد اكتسب موقعا وظيفيا تأسيسيا في بنية التنظيم الاجتماعي والسياسي للمجتمعات الإسلامية، من خلال دوره الرئيسي في بناء “مجال مشترك” بين المجتمع والدولة. وأسهم في تحقيق التوازن بينهما، حيث صبت أغلبية المبادرات الوقفية ومؤسساتها في تقويتهما معا ضمن الإطار التعاوني التضامني الحاكم للعلاقة بينهما، وباستثناء الفترة الزمنية الحديثة والمعاصرة، لم يكن نظام الوقف مستوعبا بكامله في مصلحة الدولة على حساب المجتمع، كما لم يؤد إلى تقوية أحدهما وإضعاف الآخر (ص11-12).

تفاعلات نظام الوقف:

يشدد المؤلف، على أن النظرة لإسهامات الوقف، في عمومه، من منظور وظيفي، تظهر نمطين رئيسيين من التفاعلات هما: التفاعلات التعاونية: أي تلك المبادرات الخيرية التي أسهم بها الواقفون على مر الزمن بقصد نيل الثواب والقرب من الله تعالى في المحل الأول؛ وإسهاما منهم في تحمل قسط من أعباء ومسئوليات التضامن في المجتمع؛ وليس إبان حياتهم فحسب، وإنما خدمة ومراعاة للأجيال التي تأتي من بعدهم أيضا، وهي حملت مضامين إنسانية عامة، حملت أيضا مضامين دينية خاصة ذات دلالات إنسانية عامة.

 ومن أبرز نماذج المعاني الإنسانية العامة: أوقاف مشروعات النية التحتية مثل أسبلة مياه الشرب وحفر الآبار وبناء القناطر وتمهيد الطرق وتوفير وسائل الراحة للمسافرين والمكتبات والمستشفيات والمدارس ومن أشهرها وقف “سكة حديد الحجاز” الذي تناوله المؤلف بالدراسة

والتفاعلات الصراعية: التي كشفت عنها التجارب الدولية لنظام الوقف فنقصد بها تلك الوضعية التي نهضت فيها الأوقاف بدور داعم لحركات التحرر الوطني ضد الاستعمار كما حدث في مصر والمغرب العربي، أو تلك التي أخضعت فيها الأوقاف الإسلامية لسياسات عدوانية من جانب القوى الاستعمارية ذاتها مثل: فلسطين والبوسنة والهرسك، ووقف سكة حديد الحجاز بعد الحرب العالمية الأولى.

بداية التضييق على نظام الوقف:

يعد تبني الدولة العثمانية للمذهب الحنفي-كما يذهب المؤلف- هو بداية تضييق على الوقف من حيث حرية الاختيار بين الاجتهادات الفقهية،كما أن دول ما بعد الاستعمار قد اتجهت لتقنين فقه الوقف عبر منهجية قامت على التلفيق الفقهي، وإدماج التعددية المذهبية في قانون واحد ملزم لمواطني كل بلد. فقد كانت بوادر عملية التحول من الإطار الفقهي للوقف بحالته التقليدية، إلى الإطار القانوني بوضعه الحديث، قد بدأت جزئيا في سياق حركة الإصلاحات العثمانية-التنظيمات-.

وأخذ ذلك التحول يترسخ بشكل منهجي عندما أدخلت التقنينات الأجنبية الأوروبية المجال التشريعي للدولة العثمانية، وولاياتها.. ثم دار جدل فكري وسياسي وقانوني حول الوقف ومشروعيته والوقف الأهلي والابقاء عليه او إلغاؤه وشروط الواقفين واحترامها وصولا للبحث في ضرورة وضع تشريع جديد لتنظيم الوقف يلائم المجتمع المعاصر ومستجداته، تركز أساسا في مصر وسوريا ولبنان خاصة، عقب الحرب العالمية الأولى وإسقاط الخلافة وامتد حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، ليخرج الفقه، ولأول مرة في تاريخه الطويل، من دائرة الفقهاء المختصين، إلى دائرة أوسع شملت رجال الفكر والثقافة والسياسة والصحافة وأعضاء البرلمانات وحتى الأوساط الفنية، حتى صدر أول قانون بأحكام الوقف في العالم العربي في مصر عام 1946م، وتلته بقية دولنا العربية، ليتراجع العمل بالأحكام الشرعية الوقفية التقليدية مع تصاعد جهود التقنين، وليتراجع نظام الوقف بنائياً ووظيفياً في الواقع الاجتماعي.

تحديث التشريعات الوقفية في البلاد العربية

يؤكد المؤلف أن عملية تقنين أحكام الوقف في البلدان العربية جاءت على موجتين: الأولى بدأتها مصر بإصدار أول تقنين حديث للوقف في العالم العربي عام 1946م وتلتها بعض البلدان، والثانية بدأتها السودان بقانون الوقف الخيري1970م وتلتها بلدان عربية أخرى. مؤكدا أن البيئة التشريعية /القانونية للأوقاف في أغلب البلدان الإسلامية تندرج في ثلاثة أنماط هي:

الأول: نمط القوانين الوقفية الجيدة في بيئة تشريعية رديئة.

 والثاني: نمط القوانين الوقفية الرديئة في بيئة تشريعية جيدة.

وهناك نمط ثالث: يضم البلدان التي لا توجد بها قوانين خاصة بالأوقاف، وأمر الأوقاف فيها متروك للاجتهادات الفقهية، أو خاضع لحظر قانوني رسمي.

تحيزات الدولة الحديثة ضد نظام الأوقاف:

 يعتقد المؤلف، أن جملة السياسات التي طبقتها الدولة الحديثة في مجتمعاتنا الإسلامية بخصوص الوقف، تندرج ضمن نمط “التحيز ضد الذات”. وهذا النمط من التحيز قد أفضى إلى نتائج بالغة السوء؛ ليس على جوهر منظومة العمل الخيري التي ينتمي إليها نظام الوقف فحسب، وإنما أيضا على حالة المجتمع المدني في الواقع الراهن؛ حيث اسهمت تلك السياسات في تجفيف قسم كبير من المنابع المادية والمعنوية لهذه المنظومة (ص145).

مركب التحيز ضد الذات:

حاول المؤلف تحليل “مركب التحيز ضد الذات” على مستويين: مستوى المفهوم، ومستوى النموذج، من خلال المقارنة بين جانبين: الأول يمثله النموذج الإسلامي في العمل الخيري، والثاني يتمثل في النموذج الغربي من خلال التعرض لتشريعات بعض الدول الغربية الخاصة بالمنظمات غير الربحية.

أولا: التحيز على مستوى المفهوم: ويعني أن الخير في الثقافة السائدة أصبح مرادفا للمساعدة والإحسان النقدي أو العيني الموقوت، مما يؤدي إلى تشويه معناه وعزله عن جوانب مهمة من الواقع الاجتماعي ومشكلاته، وعن مفاهيم التنمية والإصلاح والتحرر الإنساني الفردي والاجتماعي التي هي داخلة فيه بحكم التعريف.

التحيز على مستوى النموذج: فالوقف تشريع يلزم النفس بمحض إرادتها الحرة لمصلحة الغير، وهو نموذج لم تعرفه الحضارة الغربية الحديثة، ولم تعرفه سوى تجارب حضارية محدودة، ولم يتبلور إلا في التجربة الإسلامية الحضارية. لكن أغلب سياسات الدول العربية والإسلامية تحيزت ضده لصالح الرؤية الغربية التي لم تعرف تشريعا من هذا النمط، وذلك من خلال تبني سلسلة قوانين وهيئات ومؤسسات للعمل الاجتماعي، وترك الوقف ومؤسساته وهيئاته دون تطوير أو تحديث ليتآكل ذاتيا.

مراحل التحيز ضد الذات في مفاهيم الوقف والعمل الخيري:

المرحلة الأولى: تحيز السياسات الحكومية لصالح نموذج العمل الخيري الوافد، أو المستورد، ضد الذات الحضارية.

المرحلة الثانية: التحيز لصالح المؤسسات والأعمال الحديثة التي نشأت لتقديم خدمات وبرامج للمجتمع، وذلك على حساب المؤسسات الموروثة أو القديمة التي تركت للإهمال يأكلها تدريجيا حتى تصبح عديمة الجدوى.

المرحلة الثالثة: التحيز ضد مفهوم الذات للعمل الخيري، وتقزيم مضمونه، واختزال معناه، والتقليل من شأنه وتهميش وظائفه التنموية، لصالح توسيع مفهوم العمل التطوعي أو غير الحكومي كما تطرحه المنظمات الوافدة، أو الحديثة.

سياسات الدول العربية تجاه نظام الوقف المتحيزة ضد الذات ثلاثة أنواع، هي:

  • سياسة الإصلاح الجزئي والاخضاع التدريجي للبيروقراطية الحكومية. مثلما حدث في مصر وتبعتها دول عربية عدة ففقد الوقف دوره الاجتماعي نتيجة للإهمال وقلة الموارد.
  • سياسة التهميش عن طريق الإهمال واللامبالاة. مثل دول الخليج والدول النفطية مثل الجزائر فدخل الوقف دائرة النسيان.
  • سياسة الإلغاء والتصفية الشاملة للوقف ومؤسساته. مثل سوريا ومصر اللتين حلتا هذا الوقف، أما سياسة التصفية الشاملة والإلغاء التام فلم تحدث سوى في فلسطين وتونس: الأولى قامت بها سلطات الاحتلال، والثانية نظام ما بعد الاستقلال.

وقد قامت هذه الدول بهذا عبر:

-الأداة التشريعية من خلال إصدار قوانين ولوائح أو تعديل القائم منها أو تقنين أحكام فقهية خاصة بالوقف-

-الأداة الإدارية من خلال إخضاع الأوقاف للبيروقراطية الحكومية-

-الأداة الإعلامية من خلال تشويه الوقف والتركيز على زيادة الفساد فيه

-الأداة التعليمية من خلال إهمال الإشارة لتراث الوقف في المقررات الدراسية (ص162)

حصاد سياسات التحيز ضد الذات:

1-نقلت قطاع الوقف بفعالياته ومؤسساته من الحيز الاجتماعي التلقائي إلى الحيز الحكومي البيروقراطي على المستويين القانوني والمؤسسي.

2-نقلته من النسق الفقهي المفتوح المتعدد الاجتهادات والاختيارات إلى النسق القانوني الواحد المغلق الذي تصدره السلطة التشريعية وتطبقه السلطة التنفيذية.

3-قضت على نموذج الفساد الفردي، لكنها جلبت الفساد المؤسسي.

4-القضاء على التنوع الوظيفي للوقف، ونقلته للتنميط الذي تحدده الدولة وتشرف عليه.

5-فقدان الثقة في نظام الوقف وعزوف الراغبين في عمل الخير عن إنشاء أوقاف جديدة.

6-تجفيف المنابع المادية للأوقاف، وإضعاف مكانتها المعنوية، وفتح الباب للتغلغل الأجنبي والتمويل الأجنبي مما أدى لزيادة القيود على حرية مؤسسات المجتمع المدني.

إصلاح قوانين الوقف والعمل الخيري: مصر نموذجاً

تناول المؤلف، الإطار القانوني للعمل الخيري ومؤسساته في مصر، من خلال قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية رقم 84 لسنة 2002م، وقانون الوقف الخيري رقم 48 لسنة 1946م وتعديلاته، مستخلصا أن:

 الوقف لا يمكن تأسيس جمعية أو مؤسسة ذات نفع عام طبقا لقوانين الوقف السارية في مصر، في حين يمكن إنشاء مؤسسة أهلية طبقا لقانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية لكنها لا تحمل جوهر نظام الوقف الخيري وتظل مفتقدة إلى قوته الرمزية المستمدة من المرجعية الإسلامية من جهة، ومن الإرث الاجتماعي والتاريخي الذي يكسبها مشروعية وقبولا لدى قطاعات واسعة من المواطنين من جهة أخرى.

 كما أن المؤسسة الأهلية تظل مشكلة عدم وجود ضمان لديمومة تمويلها، في حين أن الوقف الخيري كفيل بحل هذه المشكلة من أساسها، ولكن لا قانون الجمعيات يسمح بهذا الحل صراحة، ولا قوانين الوقف تسمح به أصلا. وهنا تكمن المشكلة، ومن هنا يبدأ الحل عبر وضع قانون جديد للأوقاف ومؤسسات العمل الخيري بدلا عن القانون القديم.

أهم مشاكل قانون الوقف ومؤسسات العمل الخيري في مصر:

  • تخلف قوانين الوقف والجمعيات في مصر عن غيرها في البلدان الأخرى.
  • منظومة قوانين الوقف في مصر تفصل وتعزل الأوقاف عن التنظيمات المؤسسية للعمل الخيري والنفع العام في مصر.
  • منظومة قوانين الوقف والعمل الأهلي ومؤسساته في مصر وأغلب البلدان العربية لا تقدم حوافز ضريبية مشجعة للراغبين في إنشاء وقاف جديدة أو دعم مؤسسات خيرية تعمل في خدمة المجتمع.
  • ممتلكات الأوقاف الموروثة التي تخضع لإدارة “هيئة الأوقاف المصرية” لا تستثمر بكفاءة وتبعيتها لهيئة حكومية تُحملها بأعباء مالية كبيرة.
  • قوانين الوقف المصرية لا تزال تسمح لوزارة الأوقاف أن تغير في مصارف ريع الأوقاف ولا تراعي شروط الواقفين السابقين.
  • هناك انفصال حاد وكبير في البنية التشريعية والمادية والإدارية للأوقاف المصرية على وجه التحديد بين أوقاف المسلمين وأوقاف المسيحيين.
  • تجاوز الزمن أكثر أحكام الوقف القانونية في مصر وباتت منفصلة عن الاحتياجات المجتمعية الراهنة وتحتاج قانوناً جديداً يكون: مشجعاً للأثرياء والمحسنين على إنشاء أوقاف جديدة، وتوفير الثقة والمحفزات التي تسهم في ذلك.

حالة نظام الوقف الكويتي:

يؤكد المؤلف، أن الأوقاف في دولة الكويت ظلت تسهم في تقديم كثير من الخدمات الاجتماعية منذ البدايات المبكرة لنشأة إمارة آل الصباح في منتصف القرن الثامن عشر إلى دخولها في الحقبة النفطية في نهايات النصف الأول من القرن العشرين. ويوضح المؤلف، من خلال تجربته في العمل في الأمانة العامة للوقف في الكويت، التي تأسست عام 1993م لتتولى الدعوة للوقف وتولي بكل ما يتعلق بشئونه، مما أحدث نقلة نوعية للأوقاف في الكويت من حيث الشكل المؤسسي في المحل الأول، أن جهود الأمانة العامة للوقف في الكويت قد أسفرت عن نتائج إيجابية كثيرة، كما أن لها بعض السلبيات التي يجب تلافيها مما انعكس أثره على مؤسسات المجتمع المدني بالكويت. مؤكدا أن أهم سمات هذه التجربة:

  • كثافة الإنجاز المؤسسي.
  • والاستجابة المرنة لتغيرات الواقع.
  • والموازنة بين الأصالة والتجديد.
  • واستيعاب النظام المؤسسي للعاملين، مع التركيز على الأبعاد المؤسسية وليس على الأشكال المؤسسية.
  • التأهيل العلمي والتركيز على الاحتراف التخصصي للكوادر العاملة بالأمانة.
  • وترسيخ قيم التضامن والتعاون ودعم مؤسسات المجتمع المدني.
  • وتعزيز المجال المشترك بين المجتمع والدولة على أسس تعاونية مستندة إلى تراث العمل الخيري بشكل عام، والوقفي بشكل خاص. (ص257-258)

نموذج تطبيقي لأحد أنواع الأوقاف: فقه الوقف في إدارة المياه وحماية البيئة

تناول المؤلف، فقه المياه وقواعد إدارتها كما تجلت في الاجتهادات الفقهية التي نمت وترعرعت على أرضية نظام الوقف الإسلامي، وحول مؤسساته، متناولا فقه ملكية المياه في الإسلام، ثم علاقة نظام الوقف بمصادر المياه وإدارتها، وفقه اقتصاديات المياه الموقوفة وإدارتها، مؤكدا أن خبرة نظام الوقف المائي تكشف عن عمق المحتوى الإنساني البيئي الذي نبهت إليه أحكام إدارة المياه من المنظور الشرعي، بالإضافة للجانب الأخلاقي الغائب عن المفهوم الحديث لإدارة مصادر المياه المستمد من الوازع الديني، ومن ضمير الفرد.

ويورد المؤلف بعض الأفكار لتطوير هذا النوع من الفقه تتمثل في:

  • دراسة فقه المعاملات الخاص بالمياه في كتب الفقه الإسلامي ومصادره التراثية القديمة، ومقارنتها بما يخص المياه في القوانين الحديثة والتقنينات المعاصرة، للاستفادة من هذه الدراسات في تطوير إدارة المياه، وربط النظم المعاصرة لإدارتها بتلك القواعد.
  • دراسة بعض المؤسسات التقليدية التي أسهمت في إدارة المياه الموقوفة دراسة متعمقة، وفق منهجية دراسة الحالة التي تستقصي جميع البيانات والخبرات المتعلقة بالمؤسسة محل البحث.
  • إعادة النظر في قوانين ولوائح إدارة المياه الموقوفة وغير الموقوفة، وفقه المياه عامة، ومياه الوقف خاصة يساعد في تطوير هذه القواعد.
  • ضرورة وضع ميثاق أخلاقي، لإدارة المياه، وآداب استعمالها، وحماية البيئة، مستندا لتعاليم الإسلام، ومستلهما حصيلة الخبرات الإيجابية وتجارب الأمم المختلفة.
  • تضمين أخلاقيات آداب إدارة المياه إلى جانب فقه إدارتها وحمايتها، في مقررات التربية المدنية بمراحل التعليم المختلفة.
  • أن تنهض جهة مسئولة لبناء قاعدة معلومات منظمة عن الأوقاف بصفة عامة، أوقاف المياه بصفة خاصة؛ حتى يمكن بناء سياسات ذات كفاءة عالية واتخاذ قرارات ملائمة في كل ما يتصل بقطاع الأوقاف، أو بعلاقة هذا القطاع بمرافق المياه وبغيره من القطاعات والمرافق الأخرى. (ص 315-317)

أهم مشكلات الأوقاف:

يجمل المؤلف أهم مشكلات الأوقاف في:

ا- ضعف كفاءة الأداء وتدني عوائد استثمار هذه الأوقاف، بسبب البيروقراطية والنظام التقليدي لإدارة الأوقاف.

ب- الفساد الإداري.

ج- تخلف نظم المعلومات والاتصالات.

د- مشكلة تسييس الإدارة العليا للأوقاف.

ه- جمود الأطر القانونية والإدارية المنظمة للأوقاف في معظم بلدان العالم الإسلامي، ووقوفها عند فترات سابقة تجاوزتها التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي شهدتها هذه البلدان، ومن ثم أضحت تلك الأطر تمثل عقبة في سبيل إحياء دور الأوقاف، وبات من الضروري تعديلها أو تغييرها على نحو يستجيب لمتطلبات الواقع.

أهم أسباب انخفاض كفاءة الوقف: يرجع المؤلف ذلك إلى:

الأول: غياب ثقافة الوقف (الفقهية، والتاريخية، والمؤسسية، والاقتصادية) عن الجمهور العام، وانحصار المعرفة في فئة محدودة من المتخصصين، وسيادة صورة مشوهة في الوعي العام عن نظام الوقف ومؤسساته وهيئاته.

الثاني: حرمان الوقف من الحماية الدستورية بنص صريح. وجمود قوانين الوقف، والبطء في تعديلها، والتردد في إدخال اجتهادات جديدة.

الثالث: التداخل بين الجهات البيروقراطية الحكومية في مجال العمل الاجتماعي التضامني ما بين وزارات الأوقاف والشئون الاجتماعية وضعف التنسيق بينهما.

الرابع: ضعف مستوى الأداء في القطاع الرسمي/ الحكومي للأوقاف لغياب الكوادر المؤهلة. (ص 349)

الدروس المستفادة من تجربة الوقف التاريخية حتى تعود له فاعليته:

الأول: أن يكون خادماً للمقاصد العامة للشريعة.

الثاني: انفتاحه على مختلف جوانب الحياة الاجتماعية، وعدم انغلاقه في أي وجه من وجوهها، واستيعابه دون تحيز لمختلف المرافق، والمؤسسات الخدمية الدينية، والاجتماعية، والتعليمية، والصحية، والثقافية، والترفيهية، وحتى الدفاعية.

الثالث: أن أهم أسباب إخفاق الجهود الحكومية لإصلاح نظام الوقف وتفعيله هو أنها لم تنبع من داخله، ولم تستهدف صون استقلاليته عن السلطة الحكومية.

الرابع: أن كثافة تدخلات الدولة الحديثة في قطاع الأوقاف وفي استثمار موارده وتوظيف عوائده، قد أدت إلى تقويض الفعالية الاجتماعية لهذا النظام، وأفقدته أهم وظائفه التي تمثلت تاريخيا في تحقيق التوازن بين الأمة والدولة، وبناء مجال تعاوني مشترك بينهما.

الخامس: أن تقنين الوقف في التاريخ الحديث أدى إلى تغيير هويته تماماً، وتحول من كونه “صدقة جارية” إلى ما يشبه “وصية بالمنافع”، وصار قطاعاً من قطاعات الدولة.

السادس: أن التقنينات الهادفة لإصلاحه نقلته برمته من النسق الفقهي المفتوح ذي المرونة العالية، إلى النسق القانوني المغلق ذي المرونة المنخفضة.

السابع: أن فرض السيطرة الحكومية على نظام الأوقاف، وتفكيك أصوله المادية، وتشويهه في الوعي الاجتماعي العام، أدى إلى فصله عن مؤسسات المجتمع المدني.

الثامن: أن فرض السيطرة الحكومية على الوقف أدى إلى تجفيف منابع التميل المحلي لمؤسسات المجتمع المدني، مما فتح الباب واسعا أمام التمويل الأجنبي لكثير منها.

التاسع: أن فقه الوقف الموروث لا يزال يختزن الكثير من الأخلاقيات والمبادئ العملية التي تسهم في إدارة مرافق حيوية بالغة الأهمية في حياة المجتمعات المعاصرة، مثل المياه والبيئة.

العاشر: أن بالإمكان تطوير نماذج وقفية تستند الاجتهادات الواردة في الكتاب وفي غيره، تنطلق من رؤى تجديدية تؤمن أن نظام الوقف الإسلامي يحمل بداخله عناصر بقائه وفاعليته، ولايزال نسقاً فقهياً ومجتمعياً مفتوحاً على مختلف الفئات الاجتماعية (ص12-14)

مقترحات للإصلاح:

أولا: تطوير التشريعات القانونية للوقف، بالنص الصريح في الدساتير على حماية الملكية الوقفية، وبوضع تشريع حديث لأحكام الوقف كلها؛ يعتمد ضمن ما يعتمد على نظرية المقاصد العامة للشريعة، ليكون دليلا إرشاديا تستعين به الدول الإسلامية التي ليس لديها قانون للوقف حتى اليوم وترغب في سن مثل هذا القانون، أو تقوم بتعديل القانون الموجود لديها، ليس هذا فحسب، وإنما يتعين تدارك هذه المقاصد في القوانين الأخرى ذات العلاقة بالوقف ومجال عمل مؤسساته الخيرية مثل قوانين الجمعيات الأهلية والمنظمات غير الحكومية، وقوانين المواريث والأحوال الشخصية والشئون الاجتماعية بحيث يتضمن النص على عودة جميع أعيان الوقف التي سلبت ونهبت، ويراعي الواقع ومتغيراته، ويرجح الاجتهادات التي تحقق المصلحة المعتبرة، ويشارك في وضعه علماء الشريعة والقانون والاقتصاد وخبراء المجتمع المدني مع ممثلي الشعب.

ثانيا: إنشاء هيئة علمية تعليمية مختصة بشئون الوقف والعمل الخيري، تهتم بتجديد الوعي بثقافة الوقف الصحيحة من خلال إدراج موضوعات هذه الثقافة في المقررات الدراسية ووسائل الإعلام. واعداد البرامج المتخصصة في تنوير الرأي العام بسنة الوقف وبدوره في تحقيق مقاصد كثيرة منها: محاربة الفقر وتعزيز السلم الأهلي والإسهام في الحراك الاجتماعي، وتحقيق التوازن بين المجتمع والدولة. (ص346-347)

ثالثا: تطوير المؤسسات الوقفية وتأهيل العاملين بها، عبر إعادة هيكلة شاملة، وبرامج تدريبية متقدمة، وضع وصف وظيفي خاص للكوادر التي يجري تعيينها في قطاع الأوقاف، والعناية بتدريب هذه الكوادر وإعادة تأهيلها بين الحين والآخر لاستيعاب الجديد في فنون الإدارة والقيادة والتنفيذ في هذا القطاع.

رابعا: إعادة ربط ثقافة الوقف ومنظومة العمل الخيري بمقاصد الشريعة في الوعي الجماعي محليا وعالميا، وذلك عبر برامج بحثية، ومقررات دراسية تربوية وتعليمية، مواد إعلامية وفنية، تستوفي شروط الأصالة والجدية والاحتراف المهني.

خامسا: وضع مقياس لترتيب أولويات الوقف في ضوء احتياجات الواقع ليسترشد بها الواقفون في تحديد أغراض وقفياتهم ومصارفها، وذلك بما يتفق مع مقاصد الشريعة، ويسهم في تحقيقها في الواقع الاجتماعي.

خاتمة:

يؤكد المؤلف، أن الخطوة الأولى على طريق تفعيل الدور الحضاري لنظام الوقف الإسلامي هي: تجديد الوعي به؛ وتفرض هذه العملية القيام بالكثير من الجهود الثقافية والتشريعية والإدارية والاستثمارية والمجتمعية والإعلامية، وتحتاج إلى إرادة صادقة من كل أبناء الأمة. وقد اقترح المؤلف في ملاحق الكتاب أفكارا غاية في الأهمية والعملية لتجديد نظام الوقف الإسلامي، تنتظر من يحققها واقعا، ليعود للوقف الإسلامي دوره في تنمية الأمة الشاملة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.