رمضان في ماليزيا..
بقلم: عادل زروق
كانت ماليزيا ولا تزال من أحب البلاد إلى قلبي، أكتب هذه السطور ليلا على عجل، ولي الفرح أن أشارك معكم تجربة السفر من ماليزيا هذه المرة، البلد الذي يجمع أديان وأعراق مختلفة، ويشكل المسلمون فيه أغلبية تفوق الثلثين.
أول ما يستقبلك في مطار كوالالمبور، هي أجواء رمضان بالفوانيس المعلقة والأهلة والأضواء، و لافتات كبيرة عليها عبارات بالخط العريض كلها تعلن فرح استقبال شهر الصيام.
أدركني وقت أذان المغرب مباشرة بعد الوصول، وفي الطريق مررت على مطعم للوجبات الخفيفة، -من الماركات العالمية الشهيرة- خرج نادل من المطعم يحمل صحنا كبيرا، فيه كؤوس بلاستيكية -مملوءة بشراب أو عصير- يوزعها بالمجان على كل الناس.
الحق أقول، لم أتذوق طعم هذا الشراب الغريب، لأن رائحته القوية لم تعجبني، و عجبت للبعض من حولي يشربونه دون تكلف، حتى شككت أن رائحة العصير عندي، غير رائحة العصير الذي عندهم، أو أن حاسة الشم عندهم معطلة.
لا أنكر أن توزيع الإفطار على الناس بتلك الابتسامة والوفرة جعلني أجلس في نفس المطعم لتناول أول وجبة فطور لي في ماليزيا.
عرفت في ما بعد أن الشراب الذي يوزعونه لم يكن عصيرا، إنما هو حساء شهير عندهم يسمونه <بوبور لامبوك>، يوزعونه عند الأذان في المساجد والميادين العامة. يحضرونه من الحليب والأرز وجوز الهند، ويخلطونه ببعض البهارات والثوم، و ياليتهم استبعدوا الثوم عن هذا الشراب، ياليتهم.
التقطت هذه الصورة بعد صلاة التراويح أمام البرجين التوأمين، وقد كانا في ما مضى أعلى الأبراج في العالم، لم يعودا اليوم كذلك، وكما يقولون دوام الحال من المحال.
بالقرب من البرجين توجد بحيرة شهيرة رائعة، عليها نافورة مياه راقصة بألوان زاهية تعطي العين بهجة النظر، وأما بهجة السمع في ليالي رمضان فلا تسأل، لأنك في أي مكان كنت في كوالالمبور، سوف تسمع صوت الأذان، وسوف تسمع صلاة التراويح كذلك.
لصلاة التراويح في ماليزيا نكهة مميزة، ولهم في أغلب المساجد عادات جميلة بين الركعتين، أمداح وابتهالات وأدعية، وهنالك فهمت معنى آخر لكلمة التراويح.
إذا صليت التراويح في ماليزيا فاعلم أنهم سيجعلونك في دلال، مرة في استراحة دعاء، ومرة في راحة مديح نبوي، سوف تعيش بين كل ركعتين وقفة قصيرة، كأنهم يعرفون ثقل الجسد، فيراودونه عن نفسه بالترويح والذكر حتى يأنس للصلاة والقيام في شهر الصيام.
وأما الصلوات الجهرية، فهي تجعلك تسمع القرآن غضا طريا من إمام أعجمي، وتصلي صفا واحدا مع مؤمنين عجم، لا يعرفون معاني الكلمات العربية، ولا يعرفون كيف ينطقون بعض الحروف العربية، لكنهم يعرفون جيدا أن هذه الآيات هي نفسها الكلمات المباركة التي نزلت على قلب الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم. وهذا السبب كان كفيلا أن يجعل شعبا أعجميا يحب الزوار العرب، عشقا وتعظيما في لغة القرآن الكريم.
حب القرآن وأهل القرآن ميزة واضحة في هذا البلد، وفي كل رمضان تقام في ماليزيا واحدة من أكبر مسابقات حفظ القرآن في العالم، تبدأ المسابقة من ليلة السابع عشر من رمضان. وتقام على شكل إقصائيات تنظم في أشهر المساجد في ماليزيا، وتستمر إلى غاية يوم عيد الفطر.
للحديث بقية، وابتداءا من اليوم إن شاء الله سأنقل لكم أجواء رمضان من ماليزيا، والبداية من جوهرة المدن.. كوالالمبور.
أسألكم الدعاء بالتيسير.. وبارك الله في أوقاتكم جميعا.
اللهم أنت الصاحب في السفر