نداء رمضان…من هنا الطريق…
بقلم: صلاح الدين المساوي
كم هو جميل أن يجتمع المسلمون في العالم، والأوروبيون خصوصا-حيث أقيم وأمشي بين الناس-، في المساجد و القاعات المغطات الكبرى، و في الفضاءات العامة المفتوحة، لإقامة صلاة التراويح طيلة شهر الرحمة والرضوان، وكذا الانجماع على ذكر الله وتلاوة القرآن، وحضور المحاضرات والدروس الرمضانية الهادفة، والموجهة لتحقيق التغيير المنشود على مستوى النفس والآفاق. لكن نخشى أن يظل هذا الفعل مجرد عادة من العادات ،التي دأب الناس عليها ،مثلها مثل التغيير الذي يحدث في المأكولات والمشروبات مع كثرة الألوان والأشكال و الإثارات.
ثم بعد انتهاء رمضان سرعان ما تتبدد تلك الأواصر في المعنى والمبنى، وتنقلب رأسا على عقب، ليرجع الناس إلى عهدهم القديم، حيث الصراع على الرئاسات والتباهي في زخرفة البيوتات…والضرب في الأرض بلا هوادة، والسعي في مناكبها ،من أجل امتلاك سراب الدنيا ،والبحث عن الترف مهما كانت التضحيات بالغالي والنفيس، أما الدين فلا تسأل ، فهو آخر ما يُفكّر فيه!!! فالمرء هنا جاء ليجتهد من أجل دنياه إجتهادا (جهاديا) بالغا لدرجة الغاية تبرر الوسيلة، وكأنه سيخلّد فيها ،أما الآخرة فلا يملك وقتا يصرفه في التفكر في المصير الحتمي ،اللهم إذا جاءه نبأ وفاة أحد أقاربه ،فتراه حزينا نادما على ما فرّط في جنب الله مسترجعا “إنا لله وإنا إليه راجعون ” ثم سرعان ما ينصرف إلى دنياه ليغرق فيها إلى شحمة أذنه… نعم ،إنه عالم الحس…إنه عالم الصّد المطلق عن سبيل الله ،و لا شيئ يعلو فيه غير صوت لا إله والحياة مادة!!!
في خضم هذا العبث الدنيوي يباغت المسلم الذي بقي على شيء من الفطرة، ضيف كريم، خفيف الظل إسمه رمضان، ينادي في الخافقين نداء إشفاق وعطف :“يا باغي الخير أقبل و يا باغي الشر أقصر” …
من هنا الطريق …قم وانهض من سباتك العميق، وانفض غبار الغفلة عن ثيابك، ولربك فكبِّر…كبّر الله أكبر على الدنيا، و ناج رب العالمين…اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همّنا ولا مبلغ علمنا …اللهم حرّرنا من قبضة أنفسنا فإنها قد تمكنت منا ،وبسطت عرشها على ماء التزكية والهوى ،حتى صارت إلاها يعبد من الله…
من هنا الطريق… طريق القرآن والهدى ،من تمسك به لا يضل أبدا ، ومن صحبه هُدي إلى صراط مستقيم، حتى يقف على عتبة باب الملك الوهاب، فيُفتح له، فإذا به يرى بنور بصيرته ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر…
القرآن القرآن القرآن ،خير مصحوب في الدنيا ،وخير شفيع في الآخرة ، تلاوته شفاء وارتقاء، وحفظه عزة ونماء، لا يفتر عن ذكره لسان ذاق حلاوته وعرف طلاوته. وكلما زاد المؤمن قراءة وترتيلا ،تجلت له الأنوار الربانية الساطعة في نفسه وفي الكون من حوله. فيصير يقرأ كل شيئ بالله و يفهم بالله ويتحرك بالله ويسكن بالله “إقرأ باسم ربك الذي خلق” العلق /1
“قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون” الأنعام / 91.
أهل القرآن أهل الله وخاصته وهم المصطفون الأخيار،لايعذب الله لسانا تلا القرآن بالنار، و لا قلبا وعاه، و لا أذنا سمعته، و لا عينا نظرته. سبحانه سبحانه.
فلنرحل بأرواحنا إلى مملكة القرآن حيث الطمأنينة والسكينة و السعادة الأبدية.
هي كلمة مباركة نطق بها الخليلُ إبراهيم عليه السلام، فسجَّلها الحق في كتابه “وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ “
فكلما شعرت بالهموم تحاصرُك، والحيرة تملأ أقطارَ نفسِك، فارحل بها إلى الله سبحانه، هناك تجد الطمأنينة وبَرْد اليقين.
من هنا الطريق …طريق الإنفاق من لا يخشى الفقر ،لأنه علم يقينا بأن سعيه سوف يرى، ولن يذهب سدى،
“وما تنفقوا من خير فلأنفسكم ،وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله،وما تنفقوا من خير يوفَّ إليكم وأنتم لا تُظلمون”البقرة/722.
وهكذا تفتح أبواب هذا الشهر الفضيل بالمجان ،لكل مؤمن يريد أن يغرف من بحر الجود النبوي الفياض، حتى يملأ الكون عطاء ومحبة ونورا يستظل به كل أبناء آدم.و من ثم تتحقق كل معاني التربية وكمال الإيمان ، كما أخبرنا نبينا العدنان في قوله عليه الصلاة والسلام “لا يومن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه.” رواه البخاري ومسلم.
ونختم بأبيات من قلب مشتاق ،فرح بقدوم شهر الخيرات :
رمضان هـلّ بـوافـر الخيـرات * * * يهدي لـنـا الآمال والبـركـات
يحيي القلوب بهدي رب راحم * * * ويـُمِـدنا بالـنـور والـنـفحــات
شهر الفضائل جئتنا تجلو العنا * * * بالحـب تـنعـشـنـا وبالنسـَمـات
فـيـك الكـتــاب تـنـزلـت أنوارُه * * * هـديـاً يضيء بمحكـم الآيــات
يزجي لنا الخير العميم بشرعه * * * فيميس دربُ الحب بالسبُحات.