من كان يعبد رمضان فإن رمضان مضى وفات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي و يبقى
مصطفى هدارين
من كان يعبد رمضان فإن رمضان مضى وفات
ومن كان يعبد الله فإن الله حي و يبقى
بقلم: مصطفى هدارين
يامن كان يعبد الله في رمضان، ويجتهد في رمضان، ويصوم في رمضان، ويقوم الليل في رمضان، و يختم القرآن كله في رمضان، بل في ثلات أيام، ويتصدق في رمضان، ويستقبل الضيوف في بيته في رمضان، ويعتكف في رمضان، ويحيي عشر ليال كاملة في رمضان، ويمسك لسانه في رمضان، ويحسن التبعل لزوجته ويكرم الجيران، ويرحم الصغير ويوقر الكبير، و يزور المستشفى لعيادة المريض، و مواساة المحتاجين والفقراء ويحب المساكين، ويطعم الطعام، ويمسح دمعة اليتيم، فيصوم صيام الخاصة، ويتقلب من عبادة إلى عبادة، بل سكنت الملائكة قلبه في رمضان، كأنه ملك يمشي على الأرض. فسرعان ما يتقلب القلب والأحوال، وتتكسر الهمم، وتكسر الشياطين سلاسلها، وينقص الدعاء، لتنتقل من اليقظة القلبية والحكمة العقلية، إلى انتكاسة وارتكاسة، ومن زمن العبادة إلى زمن الغفلة والعادة، و التسويف وهجر القرآن ونقص الطاعات، قال تعالى:(وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا).
{ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ } أي: أعمالهم التي رجوا أن تكون خيرا لهم وتعبوا فيها، { فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا } أي باطلا مضمحلا، قد خسروه وحرموا أجره، وعوقبوا عليه وذلك لفقدهم الإيمان. فالعمل الذي يقبله الله، ما صدر عن المؤمن المخلص المصدق للرسل المتبع لهم فيه. وإنتقال اللسان من حال الذكر والحضور مع الله إلى آفة اللسان من الغيبة والقيل والقال وكثرة السؤال، عن أنس بن مالك رضي الله عنه مرفوعاً: «لما عُرِجَ بي مَرَرْتُ بقوم لهم أظْفَارٌ من نُحَاسٍ يَخْمِشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُم فقلت: مَنْ هؤُلاءِ يا جِبْرِيل؟ قال: هؤلاء الذين يَأكُلُونَ لحُوم الناس، ويَقَعُون في أعْرَاضِهم!».
[حسن] – [رواه أبو داود وأحمد]
الشرح
معنى هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صُعِد به إلى السماء في ليلة المعراج، مَرَّ بقوم يَخْدِشُون أجسامهم بأظفارهم النحاسية، فتعجب من حالهم صلى الله عليه وسلم فسأل جبريل من هؤلاء ولماذا يفعلون بأنفسهم هذا الفعل، فأخبره جبريل؛ بأن هؤلاء من يغتابون الناس، ويقعون في أعراضهم، أي يسبونهم. ويقبل المرء على قتل الوقت والفراغ، باللهو و التفريط في المباحات، و الإسراف و التبذير، ومشاهدة التلفاز والأفلام والسينما، وكثرة التسوق والجلوس في المقاهي…. قال الله عز وجل في محكم كتابه: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى) معناها على من حفظ شيئاً من القرآن ثم نسيه بسبب الإهمال وقلة الفراغ وعدم المداومة على قراءته..
فأجاب رحمه الله تعالى: معنى قوله تعالى (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً)، أن كل من أعرض عن ذكر الله وهذا يشمل الإعراض عن ذكره الذي هو القرآن والوحي، كالذي أنزله على أنبيائه ورسله، ويشمل الذكر الذي هو ذكر الله تعالى بالقلب وباللسان وبالجوارح فمن أعرض عن هذا فإنه يعاقب بهذه العقوبة العظيمة، فإن له معيشةً ضنكا وهذه المعيشة الضنك قيل إن المراد بها تضييق القبر عليه بعد موته، وقيل إن المراد بها ما هو أعم وحتى وإن بقي في دنياه فإنه لا يكون منشرح الصدر، ولا يكون مطمئن القلب.
آن الأوان أن تصدق الله، وتتحرى الصدق،. وتطلب وجه الله، وتتوب توبة نصوح، لترجع بها إلى الله. قال الله عز وجل:”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ۖ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾[ التحريم: 8]، وذلك لأنه لا عيش أنعم ولا أطيب، من عيش من آمن بالله وعمل صالحاً، كما قال الله تعالى (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) وقال بعض السلف لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف، لأن الإيمان مع العمل الصالح يوجب للإنسان الانشراح والطمأنينة، ويكون في قلبه نور، وتسكنه الملائكة، وتكون لذة وراحة نفس، وسكينة روح، وطمأنينة قلب، وبها تسكن الجوارح عن المعاصي، وتهجر المنكرات، وتنشط في كل معروف وتسابق الى كل خير.