جوائز رمضان (قصة قصيرة)
بقلم: مجيد فلوح
برق في ذهنه هذا العنوان “جوائز رمضان”، وهو نائم على فراشه في الليلة الزهراء، ليلة الجمعة، والنوم شقيق الموت..
استيقظ في السحر كعادته في هذا الشهر الفضيل، شهر رمضان، وعلى لسانه هاتان الكلمتان؛ جوائز رمضان..
وأقبل على ربه في صلاته، وفي سجوده استحضر ذلك الفلاح الذي يعمل في بستانه، وذكر الحر الذي يكون فوق رأسه وهو يحفر الأرض، كل هذا وهو صائم، وأخذ يدعو له..
اللهم تقبل منه، اللهم اغفر له..
ومع الدعاء، يتردد في باطنه؛ هذا أحق بالجائزة..
ثم توجه بالدعاء لوالده، ذلك الرجل الستيني الذي يمنعه السكري من الصوم، والذي كان يواظب قبل ذلك على صيام الإثنين والخميس والأيام البيض، وصيام النوافل، حتى حبسه المرض، وأن الله يجري عليه في مرضه أجر أعماله حين كان صحيحا سليما، وذكر تحسره على عدم قدرته على الصيام مع رضاه بقدر الله وتصريفه..
ومع الدعاء، يتردد في قلبه؛ هذا أحق بالجائزة..
بل أمه أحق بالجائزة، تلك الأم التي لا تفتر عن ذكر الله، تذكر الله وهي تكي الملابس، تذكر الله وهي تقيم الموائد، تذكر الله وهي تنشء الأجيال، تذكر الله ولا يزال لسانها رطبا من ذكر الله..
أيقظ أطفاله من أجل تناول وجبة السحور، ومن أجل صلاة الصبح، ثم توجه إلى امرأته الجميلة في المطبخ، ونظر إليها، إلى عينها، والسعادة على وجهها، والابتسامة زادتها إشراقا، هذه المرأة اللطيفة التي تُدخل على قلبه السرور، ولا يسمع منها شكوى ولا ثبور، تسره وإن ضاقت عليها الأمور..
فقال في خاطره: هذه أحق بالجائزة..
توجه إلى العمل في الصباح في الوقت المعتاد، وفتح الحاسوب، وقبل أن يشرع في وظيفته، أخذ يطالع الأخبار، ويشاهد ذلك الشباب المرابط في الأقصى، الذي يقاوم الاحتلال، ويكابد الاضطهاد، ويتوج الأمة بتيجان الشرف والعز..
هؤلاء أحق بالجائزة، أحق أحق أحق..
ثم توجه إلى المسجد البعيد، وقرر أن يمشي على قدميه لمضاعفة الخطوات والأجور، وفرصة لقراءة سورة الكهف، والصلاة على الحبيب الطهور، وجلس يستمع إلى خطبة عَنْوَنَها الإمام: “لا تكن كصاحب المهَرّج”، فأعجبه ذلك التشبيه الذي ذكره الشيخ في خطبته..
تشبيه المقصر في رمضان، بالذي خرج من بيته من أجل شراء حاجات العيال، فالتقى بالمُهَرِّج، وجلس يتفرج بين يديه حتى نهاية اليوم، وحتى أُغلق السوق، ورجع بخُفَّيْ حُنَيْن إلى أهله..
سالت دمعة خفيفة على خده حين ذكر تقصيره في جنب الله، وحين تذكر توعد الله على لسان جبريل لمن أدرك رمضان ولم يغفر له؛ لا غفر الله له، وتأمين الأمين على دعاء جبريل..
ثم ابتسم وردد قول الشاعر:
وإني إذا أوعدته أو وعدته لمخلف إيعادي ومنجز موعدي
وهذا من خصال الأكرمين، فما بالك بأكرم الأكرمين، رب العالمين..
كان لديه زبائن كثر هذا الصباح، فاكتفى بغنيمة الصباح، ليتفرغ قليلا لذكر ربه عسى يفوز بالجائزة..
وبعد الإفطار، حمل هاتفه، وأخذ يكتب:
تحت شعار قول الله تعالى: (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ)، وفي مضمار قول الله عز وجل: (سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ…)، ينظم المولى العظيم الكريم سباقا كبيرا في هذا الشهر الأبرك، شهر رمضان..
ويشارك فيه جميع المسلمين، وليس فيهم خاسر…
وقد أوشك السباق على نهايته، والكل متطلع إلى جائزته..
ولقد أعلن الله الكريم عن بعض الجوائز، وستر بعضها، وجعلها مفاجآت لأهلها..
وأعد الله للصائم جوائز عاجلة، وأخرى آجلة، فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه..
فرمضان لرمضان، مكفر لما بينهما. ويغفر الله لمن صام، وكذا لمن قام. ولمن أحيى ليلة القدر..
واختص الله الصائمين بباب في الجنة اسمه الريان، وحازوا شفاعة الصيام والقرآن..
وأما المفاجأة العظمى، ففي قوله عز وجل في الحديث القدسي: “الصيام لي وأنا أجزي به”..
ويوم العيد يوم الجائزة تنادي الملائكة: “معشر المسلمين اغدوا إلى رب رحيم … فاقبضوا جوائزكم”..
وقد أوشك السباق على نهايته، والكل متطلع إلى جائزته..
نسأل الله لنا لكم في هذه الليلة المباركة العفو والعافية والعتق من النار اللهم آمييين يارببارك الله فيكم على عذه الرقائق المباركة والاشارات اللطيفة التي تذكرنا بما يجود به الله على عباده الصالحين في هذه الايام المباركة حفظكم الله، وفقكم الله ،أعزكم الله، مع أطيب التحيات.