منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

الصلاة معراجنا المستمر، وأهميتها بين الدين والتدين

الأستاذ بن سالم باهشام

0

الصلاة معراجنا المستمر، وأهميتها بين الدين والتدين

الأستاذ بن سالم باهشام

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

مقدمة: دعاء استقبال المحن

روى ابن إسحاق في ” السيرة ” – كما في ” تهذيب السيرة ” لابن هشام (1/421)، في حديث مرسل، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال وهو يدعو الله ويناجيه: (إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، من أن تنزل بي غضبَك، أو يَحل علي سخطُك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك)؛ بهذه الكلمات المأثورات، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستقبل بها المحن والشدائد، وبها كان يواجه المصاعب والعقبات، بسبب جهاد الدعوة، الذي هو آخر شعبة من شعب الإيمان، ويدخل ضمن آخر خصلة من الخصال العشر لشعب الإيمان، والذي مارسه سيدنا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فعرّضه وأصحابه للأذى والضر، فما ذاق صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منذ بدء الدعوة راحة الركون إلى الأهل والولد، ولولا هذا الجهاد وذاك الصبر، ما عُبد الله في الأرض، ولا انتشر الإسلام في الخافقين. وجاءت رحلتا الإسراء والمعراج استجابة لدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم سيد الدعاة على أن الله غير غاضب عليه، وإكراما إلهيا لنبيه المصطفى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومسحا لمتاعب الماضي، ورسما لملامح المستقبل المشرقة، إنه طمأنة الله لرسوله صلى الله عليه وسلم، وتأكيد له بعين الله منذ قام يعبده ويوحده ويدعو إليه، وأنه معه، وناصره على الرغم من تقلب قوى الشر والشرك، وتجهم الأقارب والأباعد، وفي ليلة الإسراء والمعراج رأى النبي صلى الله عليه وسلم مكانته السامية عند ربه، وأدرك أن حظه من رضوان الله جزيل، وعرف منزلته العالية بين المصطفين الأخيار.

نصيب الأمة المحمدية من رحلتي الإسراء والمعراج

الصلاة هي العبادة الوحيدة التي فُرضت في السماء السابعة دون واسطةٍ بين الله تعالى ونبيه محمدًا صلّى الله عليه وسلّم، وليس ذلك إلّا لبيان أهمّيتها، وفضلها، وعظمة مكانتها في ميزان الله تعالى، حيث فُرضت الصلاة أولًا خمسين صلاةً كما ورد في حديث صحيحٍ طويلٍ عن النبي عليه الصلاة والسلام، ثم خفّفها الله تعالى على الأمة حتى بلغت خمس صلواتٍ في اليوم والليلة. فهي خمس في الأداء وخمسون في الأجر.

وإذا كان الإسراء والمعراج للنبي المصطفى صلى الله عليه وسلم إكراماً إلهياً، وإراءة ربانية،ومسحاً لجراح الماضي، و تطميناً للمستقبل، والنبي صلى الله عليه وسلم أهل لهذا الإكرام والتطمين، ولكن ما نصيبنا منه نحن المؤمنين، وما علاقتنا به ؟ إن معراجنا نحن المؤمنين في صلاتنا، جاء في شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك، عند قوله صلى الله عليه وسلم: (َخَيْرُ أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةُ.)، (أَيْ إِنَّ الصلاة أَكْثَرُ أَعْمَالِكُمْ أَجْرًا، فَلِذَا كَانَتْ أَفْضَلَ الْأَعْمَالِ؛ لِجَمْعِهَا الْعِبَادَاتِ، كَقِرَاءَةٍ وَتَسْبِيحٍ وَتَكْبِيرٍ وَتَهْلِيلٍ، وَإِمْسَاكٍ عَنْ كَلَامِ الْبَشَرِ، وَالْمُفْطِرَاتِ. هِيَ مِعْرَاجُ الْمُؤْمِنِ، وَمُقَرِّبَتُهُ إِلَى اللهِ، فَالْزَمُوهَا وَأَقِيمُوا حُدُودَهَا) اهـ، فالصلاة معراج المؤمن إلى ربه، فيها يرقى من حال إلى حال، ومن منزلة إلى منزلة، ومن رؤية إلى رؤية، إنها ترقيه من عالم المادة إلى عالم الروح، ومن عالم الأوهام إلى عالم الحقائق، ومن سفاسف الأمور إلى معاليها.فمن خرجت نفسه إلى ربه، وسبحت في ملكوته، ورأت من آياته، وخلدت إلى قربه، وزهَّدت في غيره، يعرف معنى التنقل من الضياع إلى الوعي، ومن التشتت إلى التجمع، ولكن قبل أن تكون الصلاة معراجاً للمؤمن، فهي:

1 – وسيلة فعالة لتطهير النفس من النزوات الشريرة، فالنفس التي تشتهي المحرمات، وتستهوي المناكر، لهي نفس مريضة، والصلاة دواؤها وشفاؤها، قال تعالى في سورة العنكبوت: ( وَأَقِمِ الصَّلَاةَ، إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ) [العنكبوت: 45].

2 – وقبل أن تكون الصلاة معراجاً للمؤمن، فهي نور له، ليرى الحق حقاً فيتبعه، والباطل باطلاً فيجتنبه. روى الإمام مسلم في الصحيح من حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والصلاة نور).ونحن بأمس الحاجة إلى نور، وخصوصًا في هذا الزمان الذي اختلَط فيه الباطل بالحق، والضلال بالهدى، والشر بالخير، نحن بحاجة إلى نور نُبصر به الحقيقة، ونُبدد فيه الظلام، ونقتبس منه لإكمال السير إلى الله عز وجل على صراطه المستقيم، والصلاة هي محل هذا النور، ونحن بحاجة إلى كمال التزود – كلما خَفَتَ – في خمس مرات على أقل تقدير كلَّ يوم وليلة. فمن أراد النجاة في الدنيا والآخرة فعليه بالصلاة، الصلاةَ الصلاةَ وصيَّةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وميراثه.

3 – وقبل أن تكون الصلاة معراجاً للمؤمن، فهي مُسعدة لقلبه، مُطمئنة لنفسه، قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف الذي يرويه النسائي عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (جُعِلَتْ قُرَّةُ عَيني في الصلاة)، وكان يقول لسيدنا بلال رضي الله عنه: (أرحنا بها) أي بالصلاة، وكان (إذا حزبه أمر بادر إلى الصلاة).
أما إذا كان لسان الحال أرحنا منها ليسقط الوجوب، وإن لم يحصل المطلوب، فهذه ليست بصلاة مثمرة، ولكنها أقوال وأفعال، تبتدئ بالتكبير وتنهي بالتسليم، والله عز وجل غني عن هذه العبادة الجوفاء. لا تكون الصلاة للمؤمن طهوراً ونوراً وسعادة؛ إلا إذا أقيمت على أساس من استقامة على أمر الله، واتباع لسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لذلك تعد الصلاة ميزاناً لاستقامة المؤمن، ومؤشراً على اقتفائه لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.، والمعاصي صغرت أو كبرت حجب كثيفة، تحول بين العبد وربه، ولا تتمزق هذه الحجب، ولا تُخترق إلا بالتوبة النصوح، والاستقامة عن الجنوح، وعندما يوفي المؤمن الاستقامة حقها تستوفي من الصلاة ثمراتها، طهارة ونورانية وسعادة، وقد أكد الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث آخر رواه أبو نعيم والديلمي، وأورده الذهبي في الضعفاء فقال:( ركعتان من رجل ورع، أفضل من ألف ركعة من مخلط)، أي يخلط العمل الصالح بالعمل السيء، ويخلط عمل الدنيا بعمل الآخرة؛ لأن المخلط مشتغل بالدنيا، وباطنه متعلق بإرادتها، ولا يعطي الصلاة حقها، والورع يستنير قلبه بالحكمة، وتعاونه أعضاؤه في العبادة، فتكثر قيمة عمله، ويعظم قدره، ويغزر شرفه، بحيث يصير قليله أفضل من كثير غيره، وقد قال الله تعالى في حديث قدسي رواه الديلمي: (ليس كل مصل يصلي، إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي، وكف شهواته عن محارمي، ولم يصر على معصيتي، وأطعم الجائع، وكسا العريان، ورحم المصاب وآوى الغريب كل ذلك لي، وعزتي وجلالي إن نور وجهه لأضوء عندي من نور الشمس، على أن أجعل الجهالة له حلما، والظلمة نورا يدعوني فألبيه، ويسألني فأعطيه، ويقسم علي فأبره، أكلأه بقربي، وأستحفظه ملائكتي، مثله عندي كمثل الفردوس لا يتسنى ثمرها ولا يتغير حالها ).

لهذا لا تكون الصلوات الخمس مضمونة النتائج، إلا إذا حرصنا فيما بينها على صلة هادئة، تكون بالتفات القلب إلى ربه، فحينما يكون صمت العبد فكراً، ونطقه ذكراً، ونظره عبرة، فهو في صلة دائمة، قال تعالى: في سورة المعارج: ﴿ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِم دَائِمُونَ ﴾ سورة المعارج الآية: 23،

 فالصلاة عماد الدين، وعصام اليقين، وسيدة القربات، وغرة الطاعات، ومعراج المؤمن إلى رب الأرض والسماوات.

الصلاة معراج القلب إلى الله تعالى، فهي رحلة روحية يطوي الإنسان فيها فواصل البعد بينه وبين الله، ويدنو من خالقه ورازقه -سبحانه وتعالى-. وفي الصلاة يكون الإنسان في موارد القرب والحب الإلهي العظيم، ويعلن عن تصاغره وعبوديته لخالقه، وتتسع أمام الإنسان آفاق العظمة والقدرة الإلهية المطلقة، ويتجسّد للإنسان فقره وضعفه وحاجته إلى غنى بارئه ورحمته، وتزول الحجب بين العبد وربّه، فتفيض إشراقات الحب والجمال الإلهي على النفس، لتعيش أسعد لحظات الإيمان والرّضى. وكل إنسان يستطيع أن يعرج يوميًا إلى الله تعالى عن طريق أداء الصلوات، لهذا احتلت الصلاة مكان الصدارة ضمن أركان الإسلام الخمسة، وجعلت عماد الدين، من أقامها أقام الدين، ومن هدمها هدم الدين، روى أبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه وغيرهم بسند صحيح، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: ( إن أول ما يحساب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر).

هذه هي مكانة الصلاة من الدين، فما مكانتها في أوساط المسلمين؟ إن المؤمن ليخجل عندما يلاحظ أكثر أفراد الأسر المسلمة لا تصلي كبيرها وصغيرها ذكرها وأنثاها؛ رغم أن الصلاة هي العبادة الوحيدة التي كلف الله نبيه بأن يبلغ أهله لإقامتها ويحرص كل الحرص على ذلك، مصداقا لقوله تعالى من سورة طه: ( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) [طه: 132]، وهي العبادة الوحيدة التي كلف الإسلام الآباء بالسهر على إقامتها في وسط أفراد الأسرة وإن كانوا لا زالوا لم يبلغوا الحلم ولم يجر عليهم القلم، إذ يكفي أن يبلغوا سبع سنين من أعمارهم، بل يُضربوا عليها إن لم يقيموها وهم أبناء عشر سنوات، روى الإمام أحمد، وابن أبى شيبة، وأبو داود بإسناد حسن، وأبو نعيم في الحلية، والحاكم، والبيهقي عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( مُرُوا أوْلادَكُمْ بِالصَّلاةِ وَهُمْ أبْنَاءُ سَبْعِ سِنينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ في المضَاجِعِ ).

[أخرجه أحمد (2/180، رقم 6689)، وابن أبى شيبة (1/304، رقم 3482)، وأبو داود (1/133، رقم 495)، وأبو نعيم في الحلية (10/26)، والحاكم (1/311، رقم 708)، والبيهقي (2/229، رقم 3052)]

لهذا يجب أن تتضافر جهود كل قوى المجتمع للتعبئة لإقامة الصلاة في كل الأوساط الاجتماعية، وإلا فستبقى عورة المجتمع عارية من التقوى بسبب انتقاض عروة الصلاة، روى أحمد، والبخاري في تاريخه، وابن حبان، والطبراني، والحاكم، والبيهقي في شعب الإيمان، والضياء، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَتُنْقَضَنَّ عُرَى الْإِسْلَامِ عُرْوَةً عُرْوَةً، فَكُلَّمَا انْتَقَضَتْ عُرْوَةٌ تَشَبَّثَ النَّاسُ بِالَّتِي تَلِيهَا، وَأَوَّلُهُنَّ نَقْضًا الْحُكْمُ وَآخِرُهُنَّ الصَّلَاةُ ).

[أخرجه أحمد (5/251، رقم 22214)، وابن حبان (15/111، رقم 6715)، والطبراني (8/98، رقم 7486)، والحاكم (4/104، رقم 7022)، وقال: صحيح. والبيهقي في شعب الإيمان (4/326، رقم 5277). والطبراني في الشاميين (2/411، رقم 1602). قال الهيثمي (7/281): رواه أحمد، والطبراني، ورجالهما رجال الصحيح]. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.