اعتبار المآل في تشريع عقوبات زجر الغش في الامتحان
اعتبار المآل في تشريع عقوبات زجر الغش في الامتحان / عبد الحق لمهى
اعتبار المآل في تشريع عقوبات زجر الغش في الامتحان / عبد الحق لمهى
تعد ظاهرة الغش في الامتحانات عموما وفي التعليم المدرسي والجامعي خاصة، من الظواهر السلبية التي صارت منتشرة بشكل كبير في الحياة الاجتماعية عامة والوسط المدرسي خاصة. فما المقصود بالغش في الامتحانات؟ وما هي التشريعات الزجرية التي وضعت للحد من هذه الظاهرة؟ وما هي بعض مآلات الغش؟
مفهوم الغش في الامتحانات:
عرف المشرع المغربي الغش في الامتحانات من خلال قانون زجر الغش في الامتحانات المدرسية، حيث جاء في النصوص القانونية ما يلي:
المادة الأولى[1]
يراد بالغش في مدلول هذا القانون ممارسة المترشحة أو المترشح أو غيرهما أي شكل من أشكال التحايل والخداع في الامتحانات المدرسية المتوجة بالحصول على إحدى الشهادات والدبلومات الوطنية.
وتعتبر، من بين حالات الغش في مفهوم هذا القانون، الأفعال التالية:
- تبادل المعلومات كتابيا أو شفويا بين المترشحات والمترشحين داخل فضاء الامتحان؛
- حيازة أو استعمال المترشحة أو المترشح لآلات أو وسائل إلكترونية كيفما كان شكلها أو نوعها أو وثائق أو مخطوطات غير مرخص بها داخل فضاء الامتحان؛
- حالات الغش المستندة على قرائن والتي يتم رصدها من طرف المصححين أثناء عملية تقييم إنجازات المترشحات والمترشحين؛
- الإدلاء بوثائق مزورة واستعمالها قصد المشاركة في الامتحان؛
- انتحال صفة مترشحة أو مترشح لاجتياز الامتحان؛
- تسريب مواضيع الامتحان من طرف كل مسؤول أو متدخل أو مشارك في تحرير أو نقل أو حماية أوراق ومواضيع الامتحانات المدرسية؛
- المساهمة من طرف غير المترشحات والمترشحين في الإجابة عن أسئلة الامتحان سواء من داخل مركز الامتحان أو من خارجه وتسهيل تداولها؛
- الإتجار في مواضيع الامتحان والأجوبة من خلال استعمال وسائل تقليدية أو إلكترونية وتسهيل تداولها بصفة فردية أو في إطار شبكات.
العقوبات الزجرية لحالات الغش في الامتحانات:
رتب المشرع المغربي إجراءات تأديبية وعقوبات زجرية في حق حالات الغش، ومن ذلك ما يلي:
- الباب الثاني: التأديب[2]
المادة 3:
تسحب ورقة الامتحان من كل مترشحة أو مترشح ضبط وهو في حالة عش أثناء اجتياز الامتحان، ويحرر محضر بذلك، وفق النموذج المحدد بنص تنظيمي.
كما تطبق في حق كل مسؤول أو متدخل أو مشارك في تحرير أو نقل أو حماية أوراق ومواضيع الامتحانات المدرسية في حالة ثبوت تسريبها أو محاولة تسريبها التوقيف الاحترازي عن العمل فورا بقرار للسلطة الحكومية المختصة، ويحرر المسؤول الوطني أو الجهوي أو الإقليمي أو المحلي محضرا في الموضوع يحال فورا على النيابة العامة.
المادة 4:
يعرض المحضر المشار إليه في الفقرة الأولى من المادة (3) أعلاه، على المشرف على مركز الامتحان الذي يحيله فورا على اللجنة التأديبية المحدثة لهذا الغرض.
وتحدد تركيبة هذه اللجنة ومهامها وكيفية تسيرها وطرق التظلم من قرارتها بنص تنظيمي.
المادة 5:
في حالة ثبوت الغش المشار إليها في البند 3 من الفقرة الثانية من المادة الأولى أعلاه، يقوم المكلفون بتقييم أجوبة المترشحات والمترشحين بتحرير محضر، وفق النموذج المحدد بنص تنظيمي، يحال فورا على اللجنة التأديبية من طرف المشرف على مركز التصحيح.
المادة 6:
تتخذ اللجنة التأديبية في كل الحالات قرار منح نقطة الصفر (0) في اختيار المادة التي تم فيها ممارسة الغش وإلغاء نقط جميع مواد الدورة المعنية.
ومراعاة لطبيعة الأفعال المرتكبة والمثبتة في المحاضر المحررة من قبل المشرفين على مركز الامتحان، يمكن للجنة اتخاذ إحدى العقوبات التالية:
- الإقصاء النهائي من اجتياز الامتحان خلال السنة الجارية:
- الإقصاء من اجتياز الامتحان بالنسبة للسنة الدراسية الموالية.
إذا كانت حالة الغش مرتبطة بالبند 2 من الفقرة الثانية من المادة الأولى أعلاه، يتم الإقصاء من اجتياز الامتحان لمدة سنتين دراسيين متواليين.
كما يمكن لهذه الجنة اقتراح إحالة الملف على المسطرة التأديبية وفقا للمقتضيات الجاري بها العمل في حالة ثبوت تورط أحد الأطراف المتدخلة في الغش على مستوى عملية الامتحان.
المادة 7:
تتولى اللجنة التأديبية، إحالة نتائج أشغالها المتضمنة لإحدى العقوبات المنصوص عليها في المادة 6 أعلاه، فورا، على لجنة المداولات المحدثة من لدن السلطة الحكومية المختصة، وذلك لاستحضارها في الإعلان عن النتائج النهائية للامتحانات التي تعتبر بمثابة قرار تربوي غير قابل للطعن.
الباب الثالث: العقوبات:
المادة 8:
دون الإخلال بالعقوبات المنصوص عليها في مجموعة القانون الجنائي، يعاقب كل من ارتكب الغش في الامتحانات المدرسية، كما هو محدد في المادة الأولى أعلاه، بالحبس من ستة أشهر إلى خمس (5) سنوات وبغرامة تتراوح بين 5000 و100.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين في الحالات المنصوص عليها في البنود من 4 إلى 8 من الفقرة الثانية من المادة الأولى أعلاه.
المادة 9:
يجوز للمحكمة، في حالة الإدانة من أجل إحدى الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون أن تحكم بالمصادرة لفائدة الدولة، مع حفظ حق الغير حسن النية، الأدوات والأشياء التي استعملت أو كانت ستستعمل في ارتكاب الغش.
معنى المآل:
عرف العلامة الدكتور فريد الأنصاري ـ رحمه الله ـ مفهوم المآل لغة بقوله: ” والمآل لغة: إذن هو: المرجع والعاقبة، والمصير، سواء كان ذلك إلى ما ابتدأ به الأمر، أو إلى ما انتهى إليه”.[3]
أما اصطلاحا: ” المآل” أصل كلي يقتضي اعتباره تنزيل الحكم على الفعل بما يناسب عاقبته المتوقعة استقبالا، أي إن المجتهد يكيف الفتوى بمقتضاه، على وفق ما يصير إليه ـ غالبا ـ حال الفعل بعد وقوعه، فهو ضرب من الاستبصار الرامي إلى تصور مستقبل الفعل الذي يغلب على الظن أنه سيصير إليه، بناء على اعتبار حال المكلفين بالإقدام أو الإحجام” [4]
ويضيف الدكتور الأنصاري مؤكدا ما سبق ذكره عن المآل ” فوظيفة المآل هي تكييف الحكم الواقع أو تنزيله على وفاقه، ولكن باعتبار ما سبق إليه حاله استقبالا، وهو ما قصدناه بمناسبة العاقبة المتوقعة استقبالا، أي ما يمكن أن يتطور عن الواقع المشهود أو الحال الحاضر…” [5]
من خلال ما سبق يتبين أن المشرع يراعي في الأحكام الشرعية مآلاتها الواقعة أو المتوقعة وعلى وفقها يكون الحكم.
وفي حالنا هذه، فإن الغش محرم تحريما أصليا، ولا شك أن له مآلات كذلك ـ تؤكد وتعزز هذا التحريم. اذن فما هي مآلات الغش في الامتحانات التي يمكن أن تعلل تحريم هذا النوع من الغش؟
مآلات الغش في الامتحان:
إذا كان المآل هو اعتبار عاقبة الشيء الواقعة أو المتوقعة في تحديد الحكم الشرعي المناسب، فإن للغش عواقب خطيرة على الفرد والمجتمع تجعل منه سلوكا مشينا إذا فشا في أمة أهلكها.
ومن تلك العواقب ما يلي:
أورد أحد الباحثين مجموعة من العواقب الوخيمة التي تنتج عن الغش والتي تعد من آثاره ومآلاته، نذكر منها:[6]
أولا: الغش سبيل إلى التخلف العلمي والسقوط الحضاري:
يعتبر الغش من أكبر أسباب التخلف العلمي، والجمود الثقافي، والسقوط الحضاري للأمة، وبسببه يقتل الحس الإبداعي لدى المجدين، وتحبط العزائم المتوقدة والفعالة بسبب ضرب مبدأ الكفاءة والاستحقاق بعرض الحائط. فالأمم القوية لا تتقدم إلا بالبناء العلمي المتين لعقول أبنائها، وأي تساهل أو تقصير في تنزيل برامج التكوين وخطط التقويم يعني الحكم على مستقبل أجيالها بالفشل والوهن والفراغ الثقافي، فلا تتعجب بعد ذلك من كثرة الخريجين وحملة الشواهد (المزورة) بلا فائدة ولا عائد ينفع صاحبه وأمته، فكيف تنتج أمة خيرا نافعا، بعقول فارغة من العلم، فاقدة لخلق الأمانة والمسؤولية.
ثانيا: الغش سبب لانتشار الظلم وضياع الحقوق:
الغش من أعظم أسباب انتشار الظلم، والحقد الاجتماعي، وعدم تكافؤ الفرص، لأنه ممارسة ظالمة تقلب الحقائق وتزيفها، وتوغر القلوب، وتسهم في تنامي الاحتقان لدى المستحقين والجادين الذين تُهدَر حقوقهم بسبب الغشاشين ومن يدعمهم، فيصبح الغش طريقا ممهدا لكل أنواع الفساد المنتشرة بين الناس، بسبب إسناد المسؤوليات لغير الأكفاء، ولذلك رد الرسول عليه الصلاة السلام على الأَعْرَابِيّ الذي سأله عن السَّاعَةِ بقوله: «إِذَا ضُيِّعَت الْأَمَانَةُ فَانْتَظِر السَّاعَةَ، قَالَ: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا؟ قَالَ: إِذَا وُسِّدَ الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ» [
ثالثا: انتشار الغش يفضي إلى تردي منظومة القيم التربوية في المجتمع
أن انتشار الغش بين الناس، وعدم إنكارهم له، ومحاربتهم لأهله ودعاته، يؤدي إلى تردي منظومة القيم التربوية في المجتمع، فتتغير المفاهيم باتخاذها لبوسا مزورا خادعا، حيث يصير المعروف منكرا والمنكر معروفا.
رابعا: الغش سبب لانتشار التشاؤم واليأس والإحباط وهجرة الكفاءات لأوطانها
فقدان الثقة وطغيان التشاؤم من المستقبل، لأن الموازين قُلِبت، وأهلَت غير المستحق، وأبدلت مبدأ الجودة والإحسان بمعايير شكلية قائمة على التزوير والشفاعة السيئة لفلان أو علان تَرْضيةً لأبيه أو أمه، أو لصلة قرابة بمسؤول ما، أو عائلة عريقة، أو…عندئذ يطغى اليأس والإحباط على نفسية المجد العصامي المستقيم، لأن حقوقه تُهدر في مجتمع عم فيه الفساد وطم، فيُفضي ذلك إلى العزلة والانطواء والنقمة على هذا الوضع غير السوي بوجه عام، كما يؤدي في كثير من الأحيان إلى هجرة العقول المبدعة لأوطانها لأنها لم تظفر بالمكان المناسب لكفاءتها ومؤهلاتها. فما أعظمها من خسارة عندما تهجُر العقول المبدعة بلدانها لتستغلها بلدان أخرى عرفت قدرها، فيُحرَم المجتمع من خدماتها وعطاءاتها، بسبب الفوضى وسيطرة قيم فاسدة خيطها الناظم اتباع الأهواء.
خامسا: الغش يقضي إلى قتل روح المنافسة الشريفة
إن انتشار الغش في الامتحانات يفضي إلى قتل روح المنافسة الشريفة بين المتعلمين، وتستبدل بمعايير جائرة تقوم على العلاقات والمصالح الضيقة.
سادسا: الغش سبب لضياع الأمانة والمسؤولية
يساهم انتشار الغش في تخريج أفواج ضعيفة ناقصة في كفاءتها العلمية، وفي قدرتها على تحمل الأمانة والمسؤولية المنوطة بها. فكيف تُعَول أمة في نهضتها ورقيها على أفراد فاقدين لأهم شروط الاستحقاق التي يتحقق بها الإتقان والإحسان والتنمية والتمكين، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الشروط، فذكر على لسان إحدى ابنتي نبي الله شعيب عليه السلام أنها قَالَتْ:﴿ يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾[القصص:26]، فذكرت قوته وقدرته الدالة على كفاءته، وأمانته الدالة على استقامته ونبل أخلاقه. وكذلك في قصة نبي الله يوسف عليه السلام عندما رشح نفسه لمهمة التدبير الاقتصادي والمالي لأزمة اجتماعية كانت وشيكة الوقوع بشعب مصر ومن حولها،﴿ قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾[يوسف:55]، مشيرا إلى الأمانة والعلم باعتبارهما شرطين لازمين لمن سيكلف بإدارة هذه المسؤولية الجسيمة.
سابعا: الغش سرطان يعجل بموت المجتمع إذا لم يعالج
ان سرطان الغش يمتد إلى كل قطاعات المجتمع فينخر عظامها بقوة، مما يعجل بموت هذا الجسد المريض، لأن الموظفين والحرفيين والتجار وأصحاب الصناعات الذين اعتادوا الغش خلال فترات تعلمهم، كانوا يحملون معهم هذه الأمراض الخبيثة، فسَهُل عليهم استباحة الأمانات، واستحلال الكسب غير المشروع، فقبلوا الرشوة مقابل التزوير والتدليس فيما ائتمنوا عليه.
وأخيرا تبقى مقاربة ظاهرة الغش وسبل التصدي لها، متعددة المداخل ذلك أن أسبابها لا تقتصر على جانب دون آخر ومسؤولية المعالجة لا تقع على جهة دون أخرى. إن الأزمة متشابكة الأسباب لا يمكن تجاوزها إلا من خلال مقاربات متعددة المداخل: تربويا واجتماعيا واقتصاديا وسياسيا.
[1] ـ ظهير شريف رقم 1.16.126 صادر في 21 من ذي القعدة 143725) أغسطس 2016) بتنفيذ القانون رقم 02.13 المتعلق بزجر الغش في الامتحانات المدرسية
[2] ـ ظهير شريف رقم 1.16.126 صادر في 21 من ذي القعدة 143725) أغسطس 2016) بتنفيذ القانون رقم 02.13 المتعلق بزجر الغش في الامتحانات المدرسية
3ـ المصطلح الاصولي عند الشاطبي، فريد الأنصاري، ص 428، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة ـ مصر ـ الطبعة الأولى 2010 م.
4ـ المصطلح الاصولي عند الشاطبي، فريد الأنصاري، ص 428، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة ـ مصر ـ الطبعة الأولى 2010 م.
5 ـ المصطلح الاصولي عند الشاطبي، فريد الأنصاري ص 433، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة ـ مصر ـ الطبعة الأولى 2010 م.
[6] ـ نشر الموقع الرسمي ل ”مركز الأمانة للأبحاث والدراسات العلمية” موضوعا قيما حول : الغش في الامتحانات خيانة للأمانات ـ مقاربة شرعية تربوية ـ للدكتور حفيظ خياط . ونشر كذلك بموقع الجمعية المغربية لأساتذة التربية الإسلامية بتاريخ 13 يونيو 2021م.