منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

(3) فلسطين أرض الرباط والجهاد والطائفة المنصورة إلى قيام الساعة

أحاديث نبوية في فضل بلاد الشام (فلسطين)الأبية - د. مصطفى العلام

0

ـ الشام فيها الطائفة المنصورة إلى قيام الساعة:

إن للشام مكانة علية عند الله تعالى حباها إياها لتكون هي الأمان والسلام لعباده الصالحين. ولقد تكاثرت الأخبار والروايات الصحيحة ببشارة رسول الله بقاء جماعة من المؤمنين تابتين على دينهم مرابطين ومجاهدين لأعدائهم على أرض الشام حتى آخر الزمان( عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ») [1]، وفي رواية أخرى  عن معاذ بن جبل قال: (وهم بالشام) [2].

ـ عمود الكتاب والإسلام وعقر دار المؤمنين بالشام:

إن الإيمان الذي يعتمد المسلمون عليه ويلتجؤون إليه إذا وقعت الفتن سيكون في الشام، وسيجعل الله تعالى فيها سلطان الإسلام ، لما ورد في الحديث( سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ” بَيْنَا أَنَا فِي مَنَامِي، أَتَتْنِي الْمَلَائِكَةُ فَحَمَلَتْ عَمُودَ الْكِتَابِ مِنْ تَحْتِ وِسَادَتِي، فَعَمَدَتْ بِهِ إِلَى الشَّامِ، أَلَا فَالْإِيمَانُ حَيْثُ تَقَعُ الْفِتَنُ بِالشَّامِ ) [3]. وفسر ”ابن حجر العسقلاني” هذا الحديث قائلا «ولفظ الخبر في ‘عمود الكتاب’ إشارة إلى أن من رأى عمود الفسطاط في منامه فإنه يعبر بالدين أو برجل يعتمد عليه فيه وفسروا (العمود) بالدين والسلطان»[4]. وبلاد الشام عصمة من الفتن لأنه عقر دار المؤمنين.وحين  تعصف الفتن في أنحاء الأرض كلها،فإن أصل دار الإسلام وموطنه سوف يكون في الشام. والشام هي أصل دار المؤمنين زمن الفتن ، فقد روى الإمام” النسائي” عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُفَيْلٍ الْكِنْدِيِّ، قَالَ… قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم  (…وَالْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَهُوَ يُوحَى إِلَيَّ أَنِّي مَقْبُوضٌ غَيْرَ مُلَبَّثٍ، وَأَنْتُمْ تَتَّبِعُونِي أَفْنَادًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ، وَعُقْرُ دَارِ الْمُؤْمِنِينَ الشَّامُ) [5] ـ.وقد اعطى “ابن منظور” تعريفا ‘لعقر الدار’ الوارد في الحديث السابق حيث قال «وعقر كل شيء : أصله. وعقر الدار: أصلها، وقيل:وسطها وهو محلة القوم. ومنه الحديث: ‘عقر دار الإسلام الشام’ أي أصله وموضعه، كأنه أشار به إلى وقت الفتن أن يكون الشأم يومئذ آمنا منها وأهل الإسلام به أسلم»[6].

ـ في الشام الرباط والجهاد والحصار حتى يتم النصر:

ففي رواية “أبي داود”  عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: («مَنَعَتِ الْعِرَاقُ قَفِيزَهَا[7] وَدِرْهَمَهَا، وَمَنَعَتِ الشَّامُ مُدْيَهَا[8] وَدِينَارَهَا، وَمَنَعَتْ مِصْرُ إِرْدَبَّهَا[9] وَدِينَارَهَا، ثُمَّ عُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ»، قَالَهَا زُهَيْرٌ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، شَهِدَ عَلَى ذَلِكَ لَحْمُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَدَمُهُ ) [10]. وفي رواية أخرى عند الإمام “مسلم”عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ فَقَالَ: يُوشِكُ أَهْلُ الْعِرَاقِ أَنْ لَا يُجْبَى إِلَيْهِمْ قَفِيزٌ وَلَا دِرْهَمٌ، قُلْنَا: مِنْ أَيْنَ ذَاكَ؟ قَالَ: مِنْ قِبَلِ الْعَجَمِ، يَمْنَعُونَ ذَاكَ، ثُمَّ قَالَ: يُوشِكُ أَهْلُ الشَّأْمِ أَنْ لَا يُجْبَى إِلَيْهِمْ دِينَارٌ وَلَا مُدْيٌ، قُلْنَا: مِنْ أَيْنَ ذَاكَ؟ قَالَ: مِنْ قِبَلِ الرُّومِ)[11]. وقد أعطى الإمام “النووي” تفسيرا لهذا الحصار والمنع الذي يطال بلاد الشام قائلا«وقيل لأنهم يرتدون في آخر الزمان فيمنعون ما لزمهم من الزكاة وغيرها، وقيل معناه أن الكفار الذين عليهم الجزية تقوى شوكتهم في آخر الزمان فيمتنعون مما كانوا يؤدونه من الجزية والخراج»[12]. لكننا نرى الصورة الآن أقرب إلى الواقع، فالإمام النووي رحمه الله لم ير احتلال الصهاينة لأرض فلسطين وفسادهم الثاني فيها. فهناك حصار خانق على أرض فلسطين السليبة ، وهناك مخطط لتصفية قضية الأرض المباركة يشارك فيها الجميع بما فيهم (العجم والروم.وبعض الدول العربية). لكن هذه الأرض ستبقى أرض الرباط والجهاد إلى قيام الساعة، فهي خيرة أرض الله وتكفل بأهلها الحق سبحانه.

خاتمة:

وخلاصة القول في هذه السلسلة من الأحاديث النبوية أن بلاد الشام عموما وبلاد فلسطين على وجه الخصوص خصها المولى بخصائص(أرض مباركة ـ أرض خيرة وأهلها خيرة أهل الأرض ـأرض الغنيمة والرزق والصلاح ـ أرض بسطت ملائكة الرحمن أجنحتها عليها ـ أرض المحشر ـ أرض الطائفة المنصورة إلى قيام الساعة ـ عقر دار المؤمنين ـ أرض الرباط والجهاد والحصار حتى يتم النصر…) تعطينا اليقين التام أن الاحتلال الصهيوني إلى زوال وأن فلسطين وأهلها منصورون بإذن الله. وما علينا فعله هو تقديم جميع أشكال الدعم والنصرة والدعاء لتحقيق ذلك، اللهم انصر فلسطين وأهل فلسطين،آمين والحمد لله رب العالمين.


 الهوامش

[1] الإمام الحافظ أبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري(ت405): مستدرك الحاكم، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1411هـ ـ 1990م، كتاب الفتن والملاحم 4/496، رقم 8389، قال الحاكم، هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وصححه الألباني، السلسلة الصحيحة، محمد ناصر الدين ا الألباني ( ت 1420هـ)، مكتبة المعارف، الرياض، 1415هـ، 4/597، برقم 1956.

[2] متفق عليه.صحيح البخاري،كتاب الإمارة، باب لا تزال طائفة من أمتي، ص: 796، برقم 1923.

[3] أخرجه الإمام أحمد في مسند أحاديث رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم،ج29، ص:310،رقم الحديث 17775. و أخرجه ابن عساكر في “تاريخ دمشق” 1/ورقة 49 من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه، بهذا الإسناد. وأخرجه الطبراني في “مسند الشاميين” (1357) ، ومن طريقه ابن عساكر 1/ورقة 49 من طريق محمد بن المبارك الصُّوري، عن إسماعيل بن عياش. وهذا إسناد ضعيف لضعف عبد العزيز بن عبيد الله: وهو ابن حمزة بن صهيب بن سنان الحمصي أبو اليمانالحَكَم بن نافع.

[4] انظر ابن حجر العسقلاني: فتح الباري شرح صحيح البخاري،ج12،ص:497ـ499

[5] ـ سنن النسائي:كتاب الخيل،باب الرجمة،ج6،ص:214،رقم:3561.وصححه الألباني،في صحيح سنن النسائي، ج6، ص:314،رقم :3561

[6] ابن منظور: لسان العرب،ج4،ص:596

[7] ـقَفِيزَهَا: مكيال معروف لأهل العراق،قال الأزهري :هو ثمانية مكاكبك(والمكوك)صاع ونصف:انظر: عون المعبود،ج8،ص:195

[8] مُدْيَهَا: قال ابن الأعرابي:هو مكيال ضخم لأهل الشام ومصر،والجمع أمداء…قال ابن الأثير:والمدي مكيال لأهل الشام يسع خمسة عشر مكوكا،والمكوك:صاع ونصف،وقيل أكثر من ذلك:انظر: ابن منظور: لسان العرب،ج15،ص:274

[9] إِرْدَبَّهَا: هو مكيال يسع أربعة وعشرين صاعا. انظر: ابن الأثير: النهاية في غريب الحديث والأثر،ج1،ص:37

[10] سنن أبي داود،كتاب الخراج والإمارة والفيء،باب في إيقاف أرض السواد وأرض العنوة،ج3، ص:166،رقم: 30354. صححه الألباني،صحيح الجامع،ج1،ص:1125،رقم:6623

[11] ـ صحيح مسلم:باب لاتقوم الساعة حتى يمر الرجل بالرجل،ج4، ص:2234،رقم:2913

[12] ـ النووي أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف: المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ـ الطبعة الثانية 1392هـ. ،ج9،ص:219

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.