منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

لغتنا الدقيقة

لغتنا الدقيقة/ د. حسن عليّ شرارة

0

لغتنا الدقيقة

د. حسن عليّ شرارة

الخبير التّربويّ

تعوّدنا أن نسمّي اللّغة العربيّة لغتنا الجميلة، ولغتنا الشّاعرة، حتّى نسينا أنّها قبل هذا وبعده هي لغتنا الدّقيقة. وسحرنا بجمال الشّعر وروعة النّثر في تراثنا، فنسينا أنّ لغتنا استطاعت، بكفاءة نادرة، أن تحمل اصطلاحات الشّريعة والمنطق والفلسفة والفلك والطّبّ والرّياضيّات وعلم الصّوتيّات.

هل هناك لغة تضاهي اللّغة العربيّة في دقّتها، لقوم يتأمّلون؟ أشكّ كثيرًا… وإليكم بعض الأمثلة:

تفرّق لغتنا الدّقيقة بين مراتب الحُسن في المرأة.
فإذا كانت بها مسحة من جمال، فهي جميلة.
وإذا كانت جميلة الشّكل والصّفات، فهي حسناء.
وإذا استغنت بجمالها عن الزّينة، فهي غانية.
وإذا كان حسنها ثابتًا، فهي وسيمة.
وإذا قسم لها حظّ وافر من الحسن، فهي قسيمة.
وإذا كان النّظر إليها يسرّ الرّوع، فهي رائعة.
وإذا كانت حلوة المنطق، فهي مليحة.
وإذا كانت رقيقة وليّنة، فهي غادة.
وإذا كان جمالها يسبي ويفتن، فهي فاتن.
وإذا طاب مذاقها، فهي حلوة.
وإذا كانت حسنة الخُلق، فهي خود.
وإذا كانت لطيفة الكشحين، فهي هضيم.
وإذا كانت لطيفة الخصر مع امتداد القامة، فهي ممشوقة.
وإذا كانت لطيفة الطّول، فهي ظريفة.
وإذا كانت رقيقة الجلد ناعمة البشرة، فهي بضّة.
وإذا أشبه بعضها بعضًا في الحسن، فهي حسّانة.
وإذا كانت لا تبالي ألا تلبس ثوبًا فاخرًا، فهي معطال.
وإذا كانت حييّة، فهي خريدة.
وإذا كانت منخفضة الصّوت، فهي رخيمة.
وإذا غلبت النّساء بحسنها، فهي باهرة.
وللغرام في لغتنا الدّقيقة، مصطلحاته المحدّدة:

فأوّل مراتب الحبّ المودّة، ثمّ الحبّ، ثمّ المحبّة، ثمّ العلاقة، ثمّ الكلف، ثمّ العشق، ثمّ الصّبابة، ف الهوى، ف اللّوعة، ف اللاّعج، ف الشّغف، ثمّ التّيم، ثمّ التّبل، ثمّ التّدليه، ثمّ الوله، ثمّ الجوى، ثمّ الهُيام.

والجنون في لغتنا الدّقيقة فنون: فإذا أوتي المرء هوسًا فهو موسوس.

وإذا زاد ف محرور، ف ملحوم. فإذا استمرّ فهو معتوه، ومشدوه، ومسعور، ومجذوب ، ومخبول، ومألوف، ومألوس. فإذا تعاظم يصير جنونًا والعياذ بالله.

لقد استطاع العدوّ الإسرائيليّ أن ينفخ الرّوح في العبريّة. وهي لغة ظلّت ميتة عبر القرون حتّى أجبروها على دخول القرن العشرين. وتمكّن الصينيّون واليابانيّون من الإبداع العلميّ والأدبيّ عبر لغة عسيرة عجيبة لا تحتوي على حروف، ويضطر متعلّمها إلى حفظ مئات النّقوش والرّسوم.

أمّا نحن، فلدينا تراث لغويّ هائل لا يحتاج إلاّ إلى من ينفض الغبار عنه.

ترى متى نكون جديرين بلغتنا؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.